الجماهيرية الليبية.. والثورة ضد الإسلام
2016/10/29م
المقالات
1,983 زيارة
الجماهيرية الليبية.. والثورة ضد الإسلام
بقلم: معالي عبد الحميد حمودة
عندما ذهب كاتب هذه السطور إلى الجماهيرية العربية الليبية تلبية لدعوة من جامعة ناصر لحضور المسابقة العلمية الثامنة للطلاب العرب في الجامعات والمعاهد العليا، والدورة السادسة للأساتذة العرب في الفترة من 23/7 إلى 31/7/1996، نقول عندما ذهب كاتب هذه السطور إلى هناك، كان القصد المشاركة في المسابقة، وإعلام معارضتنا للحظر الجوي المفروض على الجماهيرية (والتي تعاني منه فعلاً على أبعاد كثيرة) من قبل مجلس الأمن بتوجيه من واشنطن ولندن وباقي الدول الغربية.
وقد كان شعار المسابقة هو (من أجل فكر وعلم وأدب وفن يخدم قضايا الأمة العربية) واستبشرنا خيراً وقلنا لعل الجماهيرية تكون قد خطت خطوة صحيحة نحو التضامن العربي.
إلا أن الحقيقة التي اتضحت منذ البداية أن المسابقة لم يكن لها هدف سوى الثورة على الإسلام وثوابته الدينية، ذلك أننا وجدنا -للأسف الشديد- الجماهيرية تسبح في نظام علماني خطير (خلافاً لما يكتبه البعض) وأن ليبيا تفعل مثلما كانت تفعل مصر أيام عبد الناصر، وأن التاريخ يعيد نفسه اليوم في ليبيا مثلما كان يحدث في مصر في الستينيات.
ماذا حدث؟
-
حفلت المسابقة العلمية -التي حضرها عدد كبير من الطلاب الجامعيين من مختلف الوطن العربي- بالعديد من المحاور: السياسي والاجتماعي والعلمي والأدبي والفني، وقد اتضح من البداية أن الإسلام تم إبعاده عن محاور المسابقة تماماً في طريقة غاية في الخبث، بل إن بعض محاور المسابقة مثل:
-
الزندقة واستخدام الدين في السياسة.
-
الديمقراطية وحقوق الإنسان من منظور جماهيري.
-
حركة التاريخ (الخطاب الجماهيري).
-
النظام الاقتصادي من منظور الاشتراكية الجماهيرية.
هذه المحاور كانت ضد الإسلام قلباً وقالباً.
-
بعد حضور عدة محاور اتضح لنا أن المسابقة كلها ضد الإسلام وأن (الثورة) على كل شيء كانت الهدف الأساسي من المسابقة بما في ذلك الثورة على الإسلام بالطبع.
-
من الأمور المؤسفة الخطيرة أن أحد المسؤولين في أمانة ما يسمى بمؤتمر الشعب العام قال في الجلسة الافتتاحية للمسابقة -يوم 23/7/96 – إن (معمر القذافي نبي)؟؟ كما أن (رافع المدني) وهو منسق اللجنة المشرفة على المسابقة والمائدة المستديرة للأساتذة قال ما معناه (إن تطبيق الشريعة الإسلامية اختياري)؟؟
-
إن الجماهيرية (ما زالت) تعترف أن القرآن الكريم «فقط» شريعة المجتمع وليس هناك أي اعتراف بالسنة النبوية الشريفة على صاحبها الصلاة والسلام كأصل من أصول الشريعة الغراء.
-
إن الجماهيرية -في تحد متواصل- ما زالت تهمل التاريخ الهجري، ويتم التأريخ بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما زالوا يتباهون بخروجهم -ويسمون ذلك ثورة- على إجماع الأمة في التأريخ الهجري، مع أن التأريخ الهجري له أهمية قصوى في حياة المسلمين العملية وتأثير في الالتزامات في حالات الزواج والطلاق وحالات النفقة بأنواعها المتعددة وصيام رمضان والزكاة الخ.
-
أما الكتاب الأخضر فهو ثالثة الأثافي، إذ يدعي الليبيون «أن ليس بعده كتاب آخر» وعشرات الأبحاث التي طرحت في أعمال المسابقة ومحاورها اعتمدت كلها على الكتاب الأخضر، وكلنا يعرف هذا الكتاب وما يحويه من أفكار.
-
أما موضوع الخلافة الإسلامية فقد حظي بهجوم وتهريج لا أول له ولا نهاية، فقد تم توزيع نشرة «الوطن الكبير» على المتسابقين وجاء فيها فقرات لمعمر القذافي:
كلمة الخليفة أُلغيت على يد مصطفى أتاتورك الذي لولاه قد نكون ما زلنا مستمرين تحت حكم الخلافة.
إنه حكم مدني سياسي، جماعة تدير شؤونها بعد ذلك أما بالنسبة للمنظور الديني فالرسالة انتهت.
-
أما عن الثورة والاشتراكية، فننقل هنا ما قاله العقيد القذافي، موجهاً حديثه إلى الحكام العرب:
(أنتم الآن تحصدون ما زرعتموه، لقد كنتم تحاربون الحركات الثورية، الحركات التقدمية العربية، الحركات الناصرية، وتحاربون الفكر الثوري، الفكر التقدمي).
وهذه الكلمات كانت رداً على هجومه على الجماعات الإسلامية وكيف أن بعض الحكام العرب حاربوا الفكر التقدمي وتركوا العنان للجماعات الإسلامية كما يعتقد القذافي. ويقول العقيد القذافي:
(نحن يجب علينا أن نقاتل من أجل الاشتراكية ونقنع الجماهير بالاشتراكية).
ويعود العقيد القذافي -كعادته- فيدخلنا دوامة من الأفكار الغريبة، يقول:
(ولا تصغوا لما يقال بأن الاشتراكية سقطت وأن الاشتراكية فشلت، فالاشتراكية لم تقم بعد حتى تفشل، والاشتراكية إذا قامت فلن تسقط).
اللجان في كل مكان
«اللجان في كل مكان» هذه العبارة تجدها في كل مكان، حتى داخل جامعة ناصر نفسها، وهي عبارة حقيقية فعلاً، كما أنها تشعر الشعب الليبي بالخوف فعلاً، بأن اللجان في كل مكان، في كل شركة ، ومصنع، وسوق، ومدرسة، وكلية، وفي الجيش، ومعظم أعضاء اللجان من جهاز الاستخبارات الليبية، وهي لجان تراقب كل شيء وتراقب الناس فعلاً مراقبة مستمرة.
والعقيد القذافي يقول:
(حركة اللجان الثورية، كل شارع، كل مؤسسة جماهيرية يجب أن تتشكل فيها لجنة ثورية من القوة الفاعلة المقنّعة).
ويحرض العقيد القذافي، الطلاب والأساتذة الضيوف على تكوين لجان ثورية في بلادهم بعد مغادرتهم الجماهيرية، فيقول:
(..جرّبوا أنتم من اليوم وبعد أن ترجعوا سالمين لأوطانكم ابدأوا في هذا المشروع، اتصلوا ببعضكم، وأنا شخصياً لدي التزام قومي وأدبي تجاهكم، أنا عندي أسماؤكم، وهذا الكلام أنا الذي حرضتكم عليه، وسيكون عندي موقف من أي حاكم عربي يمسكم أنتم، أنا معكم في المعركة).
وقد مارس بعض أعضاء اللجان، عملاً بعيداً عن اللياقة والذوق وأدنى واجبات الضيافة، إذ حاولوا تجنيد بعض الشباب المصري والسوري والجزائري، فلم يفلحوا، وإن كانوا قد نجحوا في استقطاب بعض الشباب من موريتانيا وبعض الدول الأخرى، وكذا بعض الشباب الفلسطيني.
والخطورة في كل ما سبق، أن عدداً كبيراً من الطلاب الجامعيين يحضرون للمرة الأولى، وهم يكونون عرضة لإفساد عقيدتهم وثقافتهم وسلوكياتهم، ويكونون صيداً سهلاً لتشكيل ثقافتهم على النحو السائد في الجماهيرية.
-
إن الاختلاط بين الجنسين كان ملحوظاً بشدة في المسابق العلمية.
-
إن السلوك (التقدمي) كان يفرض نفسه في طريقة تعامل إدارة الفندق (باب المدينة) فالطوابير الطويلة المتعمدة من أجل الدخول إلى المطعم لتناول الطعام، وأيضاً توزيع (الكوبونات) على الموجودين من أجل الحصول على أقداح الشاي أو القهوة، وهذا كله من أجل إشعار الموجودين أن الجماهيرية تطعم وتسقي ضيوفها.
-
في المحور السياسي حظي موضوع (الزندقة وإساءة استخدام الدين في السياسة) بكم كبير من الأبحاث التي قدمت على أن الحركات الإسلامية حركات زندقة، وأن الحركات الإسلامية المودجودة لها أصول زندقة تاريخية منذ العصر العباسي؟؟ وسمعنا من بعض الباحثين الليبيين تكريساً لفصل الدين عن السياسة وهجوماً مستمراً على كل من يعمل بحقل الدعوة الإسلامية بأي مكان.
-
إن (الحكم) في الجماهيرية الليبية يحاول -في إصرار لا يناقش- تطبيق التجربة الناصرية التي فشلت فشلاً ذريعاً في مصر العربية في الستينيات وما بعدها، فهم في طرابلس يسيرون على نهج جمال عبد الناصر، والتاريخ يعيد نفسه، فمنظمة الشباب المصرية في الستينيات يقابلها اليوم (اللجان الثورية). والميثاق الذي طرحه عبد الناصر، يقابله اليوم (الكتاب الأخضر) الذي «ألفه» العقيد القذافي.
وإحقاقاً للحق فإن جموع الشعب الليبي لا علاقة لهم بما تفعله المؤتمرات الشعبية، ولكن الشعب الليبي لا يستطيع أن يفتح فمه أو يبدي رأيه أو يناقش -مجرد مناقشة- أي شيء.
فإننا كتبنا ما كتبناه لحرصنا على الشعب الليبي، الذي كان صاحب تاريخ مميز في مقاومة الاستعمار والاحتلال الإيطالي وغيره.
إن العقل يقتضي أن تتوقف هذه الثورة ضد الإسلام، وإن هذا النهج الإلحادي العلماني الخطير في ليبيا لن يفيد ليبيا ولا جيرانها، فقد تم إبعاد الإسلام عن مجال الحياة في ليبيا، وتم تعطيل شرائع الإسلام كلها، والمحزن بعد ذلك نقرأ أن الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى تعمل من أجل الإسلام.
في عام 1991 زار كاتب هذه السطور الجماهيرية العربية الليبية للمشاركة في مؤتمر (ختم النبوة) الذي عقدته جمعية الدعوة الإسلامية بطرابلس وكانت الاجتماعات في «ذات العماد» وإقامتنا بفندق باب البحر.
وإحقاقاً للحق فإنه في عام 1991 لم يكن الحال مثل 1996، وقد شاركنا في المؤتمر بأبحاث مميزة، كما شاركنا -بالقلم- في تأييد الجماهيرية ضد العدوان الأمريكي وشاركنا في كشف المؤامرات ضد الجماهيرية.
إلا أنه بعد ذلك بشهور قلائل تم تصفية جمعية الدعوة الإسلامية العالمية (وكانت مكاتبها خارج ليبيا تخدم أكثر من 70 دولة أفريقية) والسؤال الآن:
هل تم تصفية جمعية الدعوة الإسلامية العالمية بالجماهيرية العربية الليبية تنفيذاً لصفقة بين الجماهيرية ودولة أخرى، أم أن تصفيتها تمت بناءً على رغبة حاكم ليبيا الأوحد، الذي يعارض وجود أي صوت -وعلى رأس الأصوات صوت الإسلام- يناقشه أو يجادله أو يصحح له فكره العجيب ومساره الخطير.
والحمد للـه علـى نـعـمـة الإسـلام وكـفـى بـهـا نعمة .
2016-10-29