الحياة الاقتصـادية فـي دولة الخـلافة
2016/10/19م
المقالات
3,333 زيارة
الحياة الاقتصـادية فـي دولة الخـلافة
نص الكلمة التي ألقيت في مؤتمر الخلافة الثاني في جامعة بير زيت بفلسطين من المحاضر أحمد الخطيب
إن قيام دولة الخلافة يعني استئناف الحياة الإسلامية، وجعل الناس يحيون بالإسلام وبتحكيم أفكاره وأحكامه في جميع تفاصيل حياتهم ما دق منها وما جل، فدولة الخلافة تطبق كل الإسلام على كل الرعية وفي كل الشؤون، وبهذا التطبيق الشامل الكامل تصبح حياتهم إسلامية في كل مناحيها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
وتطبيق أحكام الإسلام في الشؤون الاقتصادية هو الذي يوجد الحياة الاقتصادية باعتبارها جزءاً متمماً لباقي الأجزاء في الحياة الإسلامية.
وترتكز السياسة الإسلامية الاقتصادية على قاعدة إشباع حاجات جميع الأفراد الأساسية فرداً فرداً إشباعاً كاملاً وتمكينهم من إشباع حاجاتهم الكمالية بقدر المستطاع، وعليه فلا ينظر إلى الثروة الموجودة بحوزة الأمة من حيث الكم زيادة أو نقصاناً وإنما ينظر إلى الموجود منها من حيث كيفية تصريفه وتوزيعه على الناس بناءً على قاعدة الإشباع.
وبسد حاجات الرعية الأساسية وبتمكينهم من إشباع حاجاتهم الكمالية قدر الإمكان تختفي معظم الأسباب الموجبة لخلق التوترات الطبقية والاستغلالية بين فئات المجتمع، فلا نرى ما نراه في المجتمعات الرأسمالية من انقسام المجتمع إلى طبقات رأسمالية وعمالية ومتوسطة يعتريها التطاحن والتقاتل، ويسود علاقاتها مظاهر الاستغلال والجشع، وتطغى عليها مشاعر الكراهية والحقد والحسد والتربص، ولا نشاهد ما يشاهد في المجتمعات الرأسمالية الآن من إضرابات عمالية وتنظيمات نقابية واحتجاجات دورية ينتج عنها تعطيل مصالح العامة وإهدار طاقة الأمة وتبديد ثرواتها، وإيقاع المجتمع برمته في أتون دوار اقتصادي مستمر لا ينتهي عند حد ولا يتوقف في حال، يلف الناس في دوامته ويثير فيهم هوس حب المال وعشق المادة، ينسيهم ما يجب أن يكون عليه حالهم من حيث وجود مغزى ومعنى ومضامين سامية لحياتهم.
فالحياة الاقتصادية في ظل دولة الخلافة حياة هادئة، بسيطة، طبيعية، ينعم الجميع فيها بالرفاهية والدعة وسعة الحال، لا تطاحن فيها ولا تشاحن، لا فقر فيها ولا مجاعة، لا مؤامرات طبقية فيها ولا هيمنة لأصحاب رؤوس الأموال فيها على رقاب الناس.
وحتى نلمس واقع الحياة الاقتصادية في دولة الخلافة لمس اليد دعونا نستعرض أبرز عشرة معالم اقتصادية في حياة الدولة الإسلامية وهذه المعالم العشرة هي:
أولاً: ضمان الحاجات الأساسية وتقسم إلى نوعين هما:
النوع الأول: ضمان حاجات الأفراد الأساسية وتشتمل على المأكل والملبس والمسكن. والدليل عليها قوله تعالى: ]وأطعموا البائس الفقير[ وقوله: ]وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن[ وقوله: ]أسكنوهن من حيث سكنتم من وُجْدِكم[. كما أن أحاديث الرسول صلّى اللـه عليه وآله وسلّم تزخر بالمعاني الدالة على أن الدولة تضمن هذه الحاجات للذين لا يملكونها، فقوله عليه وآله الصلاة والسلام: «من ترك كلاًّ فإلينا ومن ترك مالاً فلورثته» وقوله: «فأيما مؤمن مات وترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه» أي أن الدولة تكفله وتضمن له العيش الذي يستلزم ضمان المأكل والمسكن والملبس.
النوع الثاني: ضمان حاجات الرعية الأساسية وتشتمل على الأمن والتطبيب والتعليم، وهذه الأساسيات العامة دل عليها حديث الرسول صلّى اللـه عليه وآله وسلّم في قوله: «من أصبح آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه فكأنما زويت له الدنيا» فاعتبر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الحد الأدنى من المتطلبات الواجب توفيرها للرعية هي الأمن والصحة، وأما التعليم فدل عليه حديثه صلى الله عليه وسلم في قوله: «مثل ما بعثني اللـه به من الهدى والعلم كمثل الغيث» وقوله: «من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل» فتشبيه العلم بالغيث ومقابلة العلم بالجهل وربطه بأشراط الساعة دليل على اعتبار التعليم من ضروريات الحياة الواجب توفيرها. ولقد أجمع الصحابة رضي اللـه عنهم على إعطاء المعلمين رزقاً من بيت المال، فكان عمر رضي اللـه عنه يعطي معلمي الصبيان في المدينة من بيت المال خمسة عشر ديناراً في الشهر.
والإحساس بضمان هذه الحاجات الأساسية يجعل الناس يلتفتون إلى ما هو أهم وأعظم من الرزق ألا وهو حمل الدعوة والجهاد، غير خائفين من هاجس الفقر والضياع والتشرد، كما هو حال الكثير من الناس في كل دول العالم اليوم. فهذا الشعور بضمان الحاجات الأساسية من قبل الدولة للأفراد يحد من مشاعر البغض والحسد عند الناس ويقلل من السباق المحموم بينهم على الأموال والمنافع.
ولكن الدولة لا تعطي الكسالى الذين يتوفر لهم العمل وهم قادرون عليه ولكنهم يتكاسلون، لا تعطيهم بل تجبرهم على العمل لكسب نفقاتهم ونفقات من يعولون.
ثانياً: تداول الثروة وإيجاد التوازن الاقتصادي في المجتمع:
يقول سبحانه وتعالى في سورة الحشر: ]كيلا يكون دُولة بين الأغنياء منكم[ وقد طبق رسول اللـه صلّى اللـه عليه وآله وسلّم هذه الآية في المدينة المنورة حيث قام بتوزيع غنائم بني النضير على المهاجرين دون الأنصار إلا اثنين منهم لفقرهما، أي أنه صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة أعطى الفقراء دون الأغنياء ليحول دون جعل المجتمع الإسلامي مجتمعاً طبقياً تحظى فيه القلة القليلة بالمال بينما تحرم منه الكثرة الكاثرة فينقسم المجتمع ويختل توازنه، كما هو حاصل اليوم في كل دول العالم القائمة حيث تشكل طبقة الأغنياء حوالي عشرة بالمئة من السكان وتسيطر على حوالي تسعين بالمئة من الثروة في حين تشكل طبقة الفقراء تسعين بالمئة من السكان بينما لا تسيطر سوى على عشرة بالمئة من الثروة. ومن جراء هذا الاختلال يصبح الرأسماليون هم الحكام الحقيقيين للدول الرأسمالية، فيتحكمون في الناس بطرق وأساليب مختلفة وملتوية بما يعود عليهم وحدهم بالفائدة، ويبقى الآخرون دون خط الفقر أو بمحاذاته. بينما في ظل دولة الخلافة وبفضل تداول الثروة تختفي الطبقات، ويبقى التوازن الاقتصادي موجوداً في المجتمع.
ثالثاً: تحريم الربا ومنع القروض الأجنبية:
لعل أكبر سلاح تستخدمه الدول الكبرى في هذا الزمان ضد الدولة الضعيفة هو سلاح المديونية، فعن طريق القروض الربوية القصيرة والطويلة الأجل يتم ربط الدول الضعيفة بعجلة الدول الغنية، فلا تملك الانفكاك عنها لأنها تستنزف ما يزيد عن ثلث دخلها في سداد القروض وخدمة القروض، وتمضي الأيام وتمر السنون وتجد الدول الضعيفة نفسها غارقة في بحر هادر من القروض القديمة والجديدة وفوائدها، وكلما همت الدولة الضعيفة بالانعتاق من ديونها أغرتها الدول الغنية بقروض جديدة، وهكذا تستمر العلاقة بين الدول الغنية والفقيرة حتى تدرك الدول الفقيرة أنها لا تملك الانفلات من تبعيتها لها، فتسلم زمام أمورها لها بشكل تام. ومن آخر ما حصل من قروض بين الدول في هذه الأيام القرض الذي قدمته الولايات المتحدة للأردن أول آذار الماضي، والذي تم بموجبه تقديم قرض لشراء القمح الأمريكي بقيمة مئة وعشرين مليون دولار بفائدة ربوية قليلة قيمتها ثلاثة بالمئة، وجعلت فترة السداد تمتد لعشرين عاماً، وكانت أمريكا قد قدمت للأردن قرضاً مماثلاً العام الماضي وبنفس الشروط، واعتبرت الحكومة الأردنية أن هذه القروض الميسرة هي من باب المساعدات الأمريكية التي تقدمها الحكومة الأمريكية للدول التي تعاملها معاملة تفضيلية، مع أن أمريكا تتعمد تقديم هذه القروض لإغراق البلد بالدين ومن ثم لبسط النفوذ السياسي عليه بسطاً تاماً.
وبتحريم الربا في الإسلام فإن هذا السلاح اللعين يُرَدُّ بكل بساطة على أهله ويتحرر المسلمون منه تحرراً كاملاً، ولا يضيق المجتمع والأفراد والدولة بعبء المديونية الثقيل الذي يغرق من يتعامل به في بحر لجي من الظلمات الاقتصادية القاتمة.
رابعاً: استئصال الفساد المالي من الدولة:
نقصد بالفساد المالي ما أصبح مألوفاً في هذه الأيام وفي كل دول العالم تقريباً وعلى مستويات متعددة ابتداءً من سرقة الأموال العامة على أيدي الحكام وكبار المسؤولين في الدولة وبذخهم وعيشهم في قصورهم الفارهة ببطر وترف، ومروراً بالرشاوي وانتفاعِ أفراد معينين من عطاءات الدولة دون سواهم، وانتهاءً بتعيين أشخاص معينين في مراكز وظيفية لا يستحقونها، أو لا حاجة لوجودها ما يتسبب في تفشي البيروقراطية في أجهزة الدولة.
وخطر هذا الفساد على اقتصاد الدول العظيمة جداً ولا سيما الدول التي يسمونها نامية، فقد نشر بنك مورغان تراستي في الولايات المتحدة دراسة أثبت فيها أن ما بين أربعين إلى ستين في المئة من مجموع القروض التي حصلت عليها بلدان العالم الثالث قد وجدت طريقها إلى الخارج على شكل حسابات سرية خاصة لكبار المسؤولين أو بأسماء ذويهم، وقد وصل المال الهارب عام 1989م في الأردن إلى مئة بالمئة من مجموع القروض والمساعدات التي حصل عليها في ذلك العام.
إن فشل الدول الرأسمالية المتقدمة والعادية في مكافحة الفساد راجع إلى عدم الامتثال لشرع اللـه سبحانه، فالشرائع الوضعية مهما تطورت وانضبطت قوانينها فإنها تبقى من وضع البشر ناقصة وعاجزة عن الإحاطة بما يصلح للإنسان، كما أن الأفراد يستطيعون الاحتيال عليها والنفاذ من ثغراتها، ولا يوجد لديهم الوازع الديني للالتزام بها، فتتغلب مصالحهم الفردية على مصالح العامة ويتفشى الفساد.
أما في المجتمع الإسلامي والشرع الإسلامي فإن هناك ثلاثة عوامل تحفظ المجتمع من الفساد: أولها تقوى اللـه في قلب الفرد المسلم، وثانيها عدالة التشريع الإلهي التي تلمسها الرعية كلها مسلمين وغير مسلمين، وثالثها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمحاسبة التي تمارسها الأمة على كل انحراف سواء صدر من الحكام أو المحكومين. وبذلك يظل المجتمع الإسلامي في ظل الدولة الإسلامية نظيفاً من جميع أنواع الفساد.
خامساً: تحريم القمار ومنع الاستثمارات في أماكن اللهو:
ليس عجباً في هذه الأيام أن ترى الدول تنفق الأموال الطائلة والتي تقدر بمئات الملايين أو المليارات من الدولارات هدراً في نوادي القمار ودور اللـهو، ولا يستفيد منها اقتصادياً سوى حفنة قليلة من الأثرياء، في حين يخسر السواد الأعظم أموالهم في الموائد الخضراء وعلب الليل ومواخير الظلام، فلا تنتفع منها الأمة بشيء وتذهب هباءً، ناهيك عن الآثار الاجتماعية والأخلاقية المدمرة الناشئة عنها.
وأمراء وشيوخ وحكام الدول العربية لهم باع طويل في هذا المضمار فهم ينفقون الملايين والمليارات في هذا الحقل الأجرب فتصب ملايينهم مباشرة في جيوب الربويين الأجانب خارجة من مال الأمة ومن عرق أبنائها.
ولقد استثمرت فرنسا على سبيل المثال مئات المليارات على مشروع يورو ديزني للملاهي والقمار وخسر المشروع لولا تدخل الأمير السعودي الوليد بن طلال الذي دعم المشروع بالملايين والتي ذهبت هباءً وحرمت منها شرائح من المجتمعات الفقيرة في العالم الإسلامي كانت في أمس الحاجة لها.
ومن رحمة اللـه سبحانه وتعالى علينا أن ديننا الإسلامي قد حمانا من هذا الوباء ووفر على أمتنا مثل هذه النفقات المالية الباهظة لتنفق في أوجه الخير التي يرضاها اللـه سبحانه لعباده في ظل دولة الخلافة الإسلامية.
سادساً: تحريم كنز المال:
إن واقع الكنز هو حبس المال ومنع المجتمع من الانتفاع به، وبالتالي إلغاء قيمة الثروة المحبوسة، ومنع تداول الناس بها، وهذا عين ما يقوم به الأغنياء وتمارسه المؤسسات المالية اليوم لضرب المنافسين وحرمانهم من الانتفاع بالمال أو اللحاق بهم، وينتج عن كنز المال وحبسه واحتكاره كساد جزئي أو شامل في الدول التي يجري فيها فعل ذلك.
ولقد حمانا اللـه سبحانه من هذه الآفة وعافى المجتمع الإسلامي من آثارها الضارة. وبتحريم كنز المال ينشط الاقتصاد، وتزدهر الأعمال الاقتصادية وتتلاشى البطالة وتنتعش بشكل عام جميع القطاعات الاقتصادية المختلفة.
سابعاً: ربط عملة الدولة الإسـلامية بالذهب والفضة:
إن ربط عملة الدولة بالذهب والفضة يعين على عدم تعريضها للـهزات التي تتعرض لها أقوى العملات هذه الأيام، وهذا الربط يكسبها استقراراً وثباتاً يحميها من التغيرات النقدية المفاجئة سواء المقصودة منها أو العفوية التي تلم بالعملات والتي تنعكس سلباً على الناس.
ومن أسوأ ما ينتج عن تغير قيمة العملة التضخم المالي الذي يتمخض عنه هبوط في قيمة العملة وضعف في قوتها الشرائية الأمر الذي يترتب عليه ارتفاع في الأسعار وكساد في التجارة وتباطؤ في النمو بشكل عام.
وهذه المشكلات هي في واقعها وباء اقتصادي يصيب الدول فيرهق اقتصادها ويدمر ثرواتها ويرهن إرادتها لغيرها خاصة إذا كانت الدول صغيرة وضعيفة أو دولة جديدة، وكل هذه الأمراض الاقتصادية لا تتعرض لها دولة الخلافة وذلك بفضل ثبات عملتها الراجع لربطها بأندر وأفضل معدنين يحافظان على قيمتيهما في كل الأزمان ألا وهما الذهب والفضة.
ثامناً: عدم أخذ المكوس والضرائب المنتظمة على الدخل والتجارة والأملاك:
يحرم الشرع الإسلامي على الخليفة أخذ مكوس أو ضرائب منتظمة على الأموال من أفراد الرعية، وهذا التحريم يحرر الأفراد من القيود المالية والمعيقات التي تفرضها الدول على رعاياها والتي تشعر الأفراد بأنهم إنما يدفعون الضرائب للدولة باعتبارها إتاوات، ويتهربون من دفعها ويعادون الدولة، ويحاولون دفع الرشــاوي لموظـفـيـها، وبالتالي إدخال الفساد علـى هيـاكـلـهـا، وذلك كما هـو حاصـل مع دول هذا الزمان.
أما عندما ترفع القيود وذلك بعدم جباية المكوس والضرائب من الرعية فإن الاقتصاد ينشط وتصبح الدولة مركز جذب كبير للأعمال التجارية والرساميل الكبيرة، فتنشأ المشاريع وتنشط التجارة الداخلية والخارجية وتقل البطالة ويشعر أصحاب الأعمال بأنهم يعملون لأنفسهم لا للدولة، ويخدمون بذلك أنفسهم والآخرين والدولة في نفس الحين.
تاسعاً: إقطاع الأراضي وإحياؤها:
تساهم الدولة في تدعيم اقتصادها عن طريق تشغيل الناس ومنحهم الأموال المنقولة والثابتة، ومن أهم العطاءات التي تقدمها الدولة لأفراد رعيتها إقطاعهم الأراضي لاستغلال منفعتها، وكذلك السماح لهم بتحجير الأرض وتملكها بهدف إحيائها والاستفادة منها، وبفضل الإقطاع والتحجير توجد الأعمال وتزداد، وتزيد الثروة، وتنخفض أسعار المساكن والأراضي والعقارات، وهو الأمر الذي أصاب كل دول العالم في بلائه هذه الأيام، فالدول اليوم تمنع الناس من استملاك الأراضي بالإقطاع والتحجير، وتضع العراقيل المالية وحتى القانونية لتحول دون تملك الناس للأرض والدور، وإن تملكوها فإنها ترهقهم بالضرائب، فالدولة في هذه الأيام تتعامل مع رعيتها كأنها غريمتها أو عدوتها، فتحاول أن تستغلها إلى أقصى حد وتحاول أن تضيق عليها لكي تبقى الفئة الحاكمة المسيطرة على الأموال بلا منازع من العامة ولا منافس من السوقة.
وأما في ظل دولة الخلافة فبفضل الإقطاع والتحجير يحصل الإحياء والتعمير وتنخفض الأسعار وتوجد الأعمال وينتهي احتكار الطبقة الغنية للأراضي والأموال.
عاشراً: إيرادات الدولة ونفقاتها:
عندما تطبق الدولة الإسلامية النقاط التي ذكرناها فإن ذلك سيجعل غالبية أفراد الرعية غير محتاجين، ويجعلهم أغنياء أو شبه أغنياء، ويقومون بالإنفاق على أنفسهم وعلى فقرائهم من أموال زكواتهم. وأما أرزاق الجند ورواتب الموظفين فلا تستحوذ إلا على النزر اليسير من إيرادات الدولة الآتية من أموال الملكية العامة وملكية الدولة، وتتفرغ الدولة بما لديها من دخل مالي كبير لإنشاء وإيجاد البنية الصناعية الثقيلة التي تحتاجها لكي تصبح دولة كبرى تسعى بسرعة كبيرة لتبوُّءِ مقعد الدولة الأولى في العالم.
وتستغل إيرادات الدولة الضخمة الآتية من أموال الخراج والجزية والغنائم والركاز والحمى وجزء من أموال الملكية العامة الهائلة الآتية من ثروات البلد، نقول تستغل هذه الإيرادات بسرعة وكفاءة لإيجاد المصانع التي تصنع الآلات التي تنتج بدورها كل ما تحتاجه الأمة.
وهذه الإيرادات – كما قلنا – هي إيرادات كبيرة جداً مقارنة بإيرادات الدول القائمة الآن وذلك لأن النفقات قليلة وفق ما ورد في النقاط السابقة، لأن الدول القائمة حالياً تنفق أكثر من ثمانين بالمئة من دخلها على أمور الرفاهية الباطلة والتي تستغني الدولة الإسلامية عنها.
وبعد فإن هذه المعالم العشرة في الاقتصاد هي منارات مضيئة في الحياة الاقتصادية للدولة الإسلامية، أضاء شعلتَها وقودُ المبدأ، وبعثَ نورها أحكامه الشرعية، فبها تصبح الدولة مستقرة اقتصادياً، غنية، ومتطورة ومتقدمة اقتصادياً ومدنياً، لا تعرف المشاكل الاقتصادية العصرية، فلا تعرف المديونية ولا البطالة ولا التضخم، ولا يكتنفها الفساد والاستغلال والطبقية، ولا يجتاحها الفقر والمجاعة، ولا الجهل ولا المرض، ولا يكتنز فيها المال ويهرب. لا عجز في ميزانيتها ولا ضرائب تفرض على رعيتها.
وإن خلت دولة الخلافة من هذه المشاكل كلها، ومن تلك الأوبئة الاقتصادية جميعها، فإنها تصبح بحق واحة غنى واستقرار، ومكاناً هانئاً لرغادة العيش تجتذب إليها الأيدي العاملة والمدربة ورؤوس الأموال من كل حَدَب وصوب ليهنأ الجميع بحياة آمنة مستقرة سعيدة. وهذا الكلام ليس أحلاماً وردية أو فرضيات تخيلية وإنما هو حقائق شرعية وواقعية وتاريخية ثبت وجودها في الماضي وسيثبت وجودها في المستقبل القريب بإذن اللـه سبحانه وتعالى، وستأتي دولة الخلافة وستكون ذات قوة اقتصادية منيعة، تساهم في حمل الدعوة إلى العالم لإنقاذ الناس من الكفر والشرك والضلال، وهي متماسكة في جبهتها الداخلية الاقتصادية، لا تخلخل فيها ولا وهن، تسعى بدأب وجلد إلى نشر الهدى وإحقاق الحق وتثبيت راية العقاب على كل أرض تُطَهَّرُ من الكفر والشرك والظلمات، واللـه سبحانه على كل شيء قدير.
أحمد الخطيب – القدس
2016-10-19