طريـقـة الإسـلام ومعـالـجـاتـه
2016/10/18م
المقالات
2,257 زيارة
طريـقـة الإسـلام ومعـالـجـاتـه
قال اللـه تعالى: (إن الذين قالوا ربنا اللـه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالـجـنة التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلا من غفور رحيم).
إن الإيـمـان باللـه تعالى يجب أن يكون مقترناً بالاسـتـقـامـة على أمره، لنيل رضا اللـه فـي الآخـرة، وللـعيش في ظل الاستقامة على أمر اللـه في الدنيا.
لقد قام الإسـلام على العقيدة القطعية، وهي التي تشكل الإيمان القاطع عند المسلمين، الإيمان الذي لا يتطرق إليه ريب. كما جاء الإسلام بالمعالجات والمفاهيم المنبثقة من هذه العقيدة، والتي يجب أن تسير عليها حياة النّاس لأنها الحياة التي ارتضاها اللـه لهم وأمرهم أن يحيَوها، وهي الحياة التي تتشكل معالمها بالأفكار العقيدية والأحكام الشرعية.
لذلك فقد رسم الإسلام للمسلمين الصورة التي يجب أن يكونوا عليها دوما، والتي يجب أن يعملوا للعودة إليها إذا ما فقدوها، فمثلا حث الإسلام على وجود الكيان الشرعي الذي يطبق الأحكام الشرعية على النّاس، ويحمل الإسلام للعالم، وقد طبق المسلمون هذا الحكم وأوجد الرسولُ صلى الله عليه وسلم هذا الكيان متمثلا بدولة المدينة المنورة ودولة الخلافة الراشدة التي وُجدت بعد رسول اللـه عليه الصلاة والسلام، والتي مدحها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عَضّوا عليها بالنواجذ»، وعندما فقد المسلمون الخلافة الراشدة كان عليهم حينئذ ألا يرضوا بما لا يرضاه اللـه ورسوله صلى الله عليه وسلم لهم، فكان عليهم أن يعملوا ليعودوا إلى الخلافة الراشدة ولا يرضوا بالأمر الواقع. وكذلك عندما أبعِدتْ أحكام الإسلام عن واقع الحياة وطُـبّـقـت علـى المسلمين أحكـام غيـر إسلامية كان على المسلمين أن يعملوا للوصـول إلى ما رسمه الإسلام لهم من العيش الكامل في أحكـام الإسـلام وليـس الرضا ببعض الأحكام الممـزوجـة بقوانين غربية ومعالجات غير إسـلاميـة، فإنّ التـخـلـف عن الصورة التي رسمها الإسلام أدّى بالمسلمين إلى العيش وفق طراز غير إسلامي، وهكذا.
والإسلام طراز خاص في الحياة متميز عن غيره كل التـميز، وهو يفـرض علـى المسـلـمـيـن عيشاً بلون ثابت معين لا يتحول ولا يتغير، ويحتم عليهم التقيد بهذا الطراز الخاص تقيداً يجعلهم لا يطمئنون فكرياً ونفسياً إلا في هذا النوع المـعـين من العيش، ولا يشعرون بالسعادة إلا فيه (فمن اتّبع هُداي فلا يَضِلُّ ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) لقد جاء الإسلام بمجموعة مفاهيم عن الحياة تشكل وجهة نظر معينة، وجعل كل ذلك مستنداً إلى العقيدة التي تندرج تحتها كل الأفكار عن الحياة، وتُتّخذ مقياساً يُبنى عليها كل فكر، كما جعل الأحكام من معالجات وأفكار وآراء منبثقة من هذه العقيدة.
وجاءت أحكام الإسلام تعالج للإنسان أمور البيع بطريقة خاصة كما تعالج أمور الصلاة. وتعالج مشاكل الزواج بطريقة خاصة كما تعالج أمور الزكاة، وتبين كيفية تملك المال وكيفية إنفاقه بطريقة خاصة، كما تبين مسائل الحج، وتفصل العقود والمعاملات بطريقة خاصة، كما تفصل الأدعية والعبادات.
وجاءت أحكام الإسلام تشرح الحدود والجنايات وسائر العقوبات، كما تشرح عذاب جهنم ونعيم الجنة، وتدل الإنسان على شكل الـحـكـم وطـريـقـتـه بطراز خاص كما تدله على الاندفاع الذاتي لتطبيق الأحكام طلباً لرضوان اللـه، وترشـده إلـى علاقة الدولة بسائر الدول والشعوب والأمم، كما ترشده إلى حمل الدعوة للعالمين، وتلزمه الاتصاف بعليا الصفات، باعتبارها أحكاماً من عند اللـه، لا لأنها جميلة عند الناس.
وهكذا نظـم الإسـلام علاقات الإنسان كلها مع نفسه ومـع الناس، كتـنظيمه لعلاقته مع اللـه، في نسَق واحد من الفكر، ومن المعالجة. فصار الإنسان مكلفاً لأن يسير في هذه الحياة الدنيا بدافع معين، وفي طريق معين محدد، ونحو غاية معينة محددة.
وقد ألزم الإسلام الناس بالتقيد في هذه الطريق وحدها دون غيرها، وحذرهم عذاباً أليماً فـي الآخـرة، كمـا حـذرهـم عقـوبةً صارمةً في الدنيا ستقع إحداهما أو كلاهـمـا علـيـهـم إذا حـادوا عـن الطريق (فليحذر الذين يـخـالفـون عـن أمـره أن تصـيبـهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).
يقول اللـه تعالى: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يعقلون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ولهم أعين لا يبصرون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الفاسقونَ) فاللـه تعالى أكرم الإنسان بالعقل ليفكر فيما حوله، وأعطاه من الحواس ما يؤهله للإحساس بالواقع وإصدار الحكم عليه، فالعين والأذن وغيرهما ما هي إلاّ أدوات يحس الإنسان بواسطتها بالواقع ويُعمل عقله ليصدر الحكم عليه فيتصرف تجاهه.
ولكي ينهض الإنسـان في حياته ويرقى إلى ما أراد اللـه له من العـزة والكـرامـة فـي الدنيا والفوز برضا اللـه تعـالـى فـي الآخـرة ما عليه إلاّ اتّباع الطريق الصـحـيـح للـنـهضة (فمن اتّبع هداي فلا يـضـل ولا يشـقـى* ومن أعرض عن ذكري فـإن له معـيشـة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى).
وقد جاء الإسلام بالمنهج الصحيح لسعادة الإنسان وراحته وطمأنينته، والوعي على هذا المنهج لاتّباعه يقتضي فهم طريقة الإسلام في معالجة مشاكل الإنسان، والنأي جانبا بكل ما اختلط على الأذهان أنه من الإسلام من المفاهيم الغربية والآراء المغلوطة.
والمسلمون عندما فقدوا وضوح التصور للإسلام ومنهجيته في النهضة، فإنهم وقعوا في غياهب التخلف والضمور حتى أضحت أمة الإسلام إلى ما هي عليه الآن.
ذلك أن المسلمين بعد أن كانوا يعرفون أنّ وجودهم في الحياة إنما هو من أجل الإسلام وأن عمل المسـلم في الحياة هو حمل الدعوة الإسلامية، وعمل الدولة هو تطبيق الإسلام وتنفيذ أحكامه في الداخل وحمل الدعوة إليه في الخارج بطريقة الحجة والجهاد، أقول: بعد أن كان هذا واقع المسلمين صاروا يرون أن عمل المسلم كسب الدنيا أولا، والوعظ والإرشاد إذا واتت الظروف ثانياً، وذهبت الدولة فلم يعد لتطبيق الإسلام في الداخل أي واقع، ولم يعد للجهاد من يقوم به وفقد المسلمون دور الريادة في العالم وأصبح العمل في الإسلام عندهم مقتصرا على بعض العبادات.
وأحكام الطريقة هي الأحكام التي جاءت لتبين كيفية تنفيذ المعالجات، فاللـه تعالى عندما حرم الزنى بقوله: (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا) فإنه بيـن طريقة تنفيذ حرمة الزنى في الواقع فقال: (والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين اللـه وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) واللـه عندما أمرنا أن نحكّم الإسلام في واقـع الـحـيـاة فقـد بيـن لنـا الطريقة في تـحكـيم الإسلام وهي الدولة التي تطبق الإسلام فـي الداخـل وتحمله في الـخـارج بطريقة الـحـجـة الـجـهاد، وهكذا سائر الأحكام والمعالجات.
وأخْذُ أحكام الإسلام ومعالجاته لمجرد دراستها وفهمها دون أخذ طريقة إيجادها في الحياة هو مجرد تعلم وزيادة في الدراسة والتمعن وأخذ الشهادات ولا ينتج شيئاً، وذلك كمن يدرس أحكام الأراضي العشرية والخراجية وأحكام الغنائم والفيء وغيرها ولكنه لا يرى حكما واحدا منها مطبقا في الواقع ولا يعرف طريقة تنفيذها لتكون أحكاما عملية منتجة تنظم العلاقات وتـحـل المشاكل ويراها النّاس بأم أعينهم في واقع حياتهم.
وهذا ما أقـصـى الإسـلام وأحكامه عن واقع الحياة وأدى بالمسـلمين أن يعيشوا حياة غير إسلامية، بل أدى إلى أن ينظر المسلم في كتب الفقه ليجد أحكاما نظرية لا واقع لها في حياته فيتعامل معها كما يتعامل مع الفلسفة الخيالية، هذا إذا لم تكن طلاسم وألغازا بالنسبة له، ولم لا؟ فهو يدرس المعاملات التجارية في كتـب الفـقـه ولا يرى فـي الواقـع إلاّ المعـامـلات الرأسـمـاليـة، ويدرس أحكـام الجهاد من الرباط والقتال وصلاة الخوف والنفير العام والغنائم والفيء وأرض الحرب وغيرها، ولا يرى في الواقع إلاّ تهالكا على الخضوع للكفار وفتح البلاد لهم.
وهكذا فإن النهضة بالإسلام هي أن نأخذ معالجاته مع طريقة تنفيذها في الواقع لتكون بالفعل معالجات حية عملية منتجة.
ومن الخطر أيضا أن نأخذ طريقة تنفيذ المعالجات من غير الإسلام، فلا يـجـوز أن يُـتصور أن تطـبـيـق حـرمـة الزنـا يكـون بالوعظ والإرشاد وحده، وأن تحرير بلاد المسـلمـيـن مـن أيـدي الكـفـار يكـون بالتبرعات وحدها، وأن عودة الإسلام إلـى واقـع الـحـيـاة تكـون بالأخـلاق وحـدهـا، فــإن هـذا فضـلاً عن كونه مخالفا لطريقة الإسـلام ليس من شأنه أن يحقق هـذه المعـالـجـات. فالزنـا له عقوبة شرعها اللـه وبينها رسوله عليه السلام وأمرنا بتنفيذها، وبلاد المسلمين إذا احتـلـت مـن قبل الكفار فإنما يكون تحريرها بالـجـهـاد، وعودة الإسلام إلـى واقـع الـحـيـاة يكون بوجود الدولة الإسلامية التي أمـرنـا أن نعـمـل لـهـا وهـي دولة الخلافة، وهكذا جميع أحكام الإسلام ومـعـالـجـاتـه فهـي من مـصـدر واحـد فـتـؤخـذ المعالجات من اللـه وتؤخذ طريقة التنفيذ من اللـه أيضا ولذلك فأحكام الطريقة من جنس الفكرة لا تنفك عنها وحرمات اللـه لا تُصان إلا بحدود اللـه.
2016-10-18