الأزمة السياسية المستدامة في الكويت: الأسباب والعلاج
2009/05/04م
المقالات
1,839 زيارة
الأزمة السياسية المستدامة في الكويت: الأسباب والعلاج
م. عبد اللطيف الشطي – الكويت
هذه محاضرة قيمة ألقاها الأخ المهندس عبد اللطيف الشطي في ديوانية حزب التحرير في الكويت، تناول فيها الأسباب الحقيقية لأزمة الكويت السياسية المستدامة، وقد حصرها بسببين رئيسيين هما: تطبيق الديمقراطية الفاسدة، والتدخل الأجنبي في البلاد. وقد توسع الأخ المحاضر بتصويره لأسباب الأزمات السياسية لتشمل أنظمة الخليج وأنظمة العالم الإسلامي المرتطبة بالغرب. أما العلاج فهو كما وصفه لا يكون إلا بالإسلام، وهو علاج ليس للمسلمين فحسب، بل للعالم كله، وهذا حق. ومما جاء في هذه المحاضرة القيمة:
نحن اليوم نتحدث عما يجري في البلد من أزمة سياسية تكاد تكون مستمرة، ونقصد بذلك الأزمة بين مجلس الأمة والحكومة، وتكرار الحل، وتكرار تغيير الحكومة، وتكرار حل المجلس، ونسمع كثيراً من التحليلات وكثيراً من الآراء، ويعزو كثير من المحللين وكثير من الصحفيين الأمر إلى استجوابات وكثرة استجوابات وتكرار استجوابات وغير ذلك، والحقيقة أن وراء الأزمة سببين رئيسيين، وقد يكون هناك أسباب أخرى ثانوية.
السبب الأول: الديمقراطية، وهو النظام الذي تُحكم به هذه البلاد، الديمقراطية نظام لا يطابق واقع الإنسان، والمقصود بأنه لا يطابق واقع الإنسان أنه لا ينطبق على مصالح الإنسان، ولا تستطيع أن ترعى مصالح الإنسان من خلاله، وإن أردت أن تطبق الديمقراطية تجد العنت والضنك، وتجد الضياع والتشتت، وتجد ما تجد مما نعيش. السبب أن الديمقراطية فكرة صنعها الإنسان، والإنسان مسلماً كان أو كافراً يدرك عجزه ونقصه ومحدودية إدراكه، فما يُنتج من أفكار فإن هذه الأفكار تحمل صفات العجز والنقص وعدم الإحاطة بواقع الإنسان، والإنسان الغربي يحاول تطبيقها منذ قرون من الزمن ولم تحقق له السعادة ولا الرفاه؛ ولذلك عندما تأتي أنت وتطبقها تجد خللاً في النظام، وتجد خللاً في طريقة رعاية المصالح. كثير من الناس عندما يرى الخطأ الذي يقع أثناء تطبيق الديمقراطية يعزوه إلى أشخاص فيقول: لو غيرنا الوزير الفلاني، لو غيرنا النائب الفلاني، لو غيرنا الحاكم الفلاني،… لكان المفروض أن تصير الأمور أحسن، وهذا يعني أنه يعزو الأخطاء إلى أشخاص لا إلى نظام. طبعاً هذا الحال قائم منذ قرون، منذ ولادة الديمقراطية نفسها، ومع ذلك لم تنتج، يعني تغيرت وزارات وتغيرت شعوب ومع ذلك لم تحقق الديمقراطية للإنسان ما يريد. إذاً الموضوع ليس موضوع أشخاص، الموضوع ما يُساس به الناس، ما يُرعى به مصالح الناس، هذا هو الموضوع. هذا من ناحية أن الديمقراطية لا تطابق واقع الإنسان.
إن كل فكرة حتى تصبح عملية تحتاج إلى طريقة للتطبيق، وطريقة تطبيق الديمقراطية هي الانتخابات. فالناس ينتخبون من يمثلهم في مجلس يشرع للناس (يسمونه برلماناً أو يسمونه مجلس شورى وما إلى ذلك) وينوب عن الناس بآرائهم وأفكارهم. هذه هي الطريقة العملية في الديمقراطية للتطبيق. هذه الطريقة هي من أسباب العقم في الديمقراطية نفسها؛ وذلك أن الديمقراطية هي نظام حكم يتعلق بالمبدأ الرأسمالي، والمبدأ الرأسمالي له مقاييس في الأعمال قائمة على المنفعية، يعني أنا أقدم على العمل لمنفعة وأحجم عن العمل لمنفعة، والمنفعة هنا دنيوية ليس لها أي علاقة بالآخرة، فالمبدأ الرأسمالي ربط كل إنسان يعيش فيه بالمنفعية. فالمُنتخَب مقاييسه منفعية، والمنتخِب مقاييسه منفعية أيضاً، وينتخِب على أساس أن تحقق له منفعة، والمنتخَب كذلك يريد أن يحقق إما لنفسه أو لغيره منفعة. فالمسألة في النهاية مصالح ومنافع وهذا يعني أن الانتخابات من المفروض أن تفرز أناساً مصلحيين، والذين ينتخبونهم أيضاً مصلحيين.
من أسباب العقم في الديمقراطية أيضاً الانتخابات؛ لأنها لا تنتج مثلاً عليا ولا تنتج شخصاً يريد مثلاً عليا، والمثل العليا غير موجودة أصلاً في الديمقراطية. في الديمقراطية لا يوجد إلا أشخاص يريدون أن يحققوا مصالح ومنافع. ونلاحظ من الواقع المحسوس أنه لا يتقدم إلى الانتخابات إلا من تتأصل فيه المصالح والمنافع، وكلما كان المرشح متأصلة فيه المنفعة تعب أكثر للوصول؛ ولذلك فإن الديمقراطية لا تفرز إلا أكثر الناس منفعية في المجتمع. فالمسألة ليست الانتخاب فقط وإنما ما ينتج عن هذا الانتخاب. صحيح أنهم قالوا إن الانتخاب هو الطريقة العملية وهذا أمر قائم، لكن مقاييس الأعمال جعلت الديمقراطية تنتج صنفاً معيناً، ولا تنتج إلا هذا الصنف، وهنا بيت الداء.
وهنا لدينا وقفة، فقد يسأل سائل: في الإسلام يوجد انتخابات، فهل معنى هذا أن الانتخابات في الإسلام تنتج أشخاصاً من هذه الفئة؟ وسنجيب عن هذا السؤال بعد النقطة التالية:
الانتخابات في الديمقراطية لكثرتها تجعل المنتخَب مرتبط بالمنتخِب، تجعل عيني المنتخَب دائماً على الشارع: هل أرضاه أو لم يرضه؟ هل أرضى الجماهير أو لم يرضهم؟ هل المشروع الذي طرحه يجد قبولاً عند الشارع أو لا يجد؟ بل يتحسس هو الشارع ليبحث عما يرضيه. ونحن نعلم أن كل الشعوب كشعوب هي سطحية، والأصل أن تنقاد أو تُقاد لا أن ينقاد لها السياسي. المفروض في المنتخَب أنه انتُخِب ليقود لا ليقاد؛ لذلك تجد في الديمقراطية لكثرة الانتخابات أن المنتخَب دائماً يبحث عما يرضي الشارع. طبعاً ما يرضي الشارع هو شيء سطحي، وقد يكون شيئاً غير ممكن التطبيق، وقد يكون ما يرضيه يضره ولا يفيده، إلى غير ذلك؛ ولذلك تجد المشاريع التي تطرح في مجلس الأمة والمجالس النيابية ما أنزل الله بها من سلطان، مشاريع بعضها غير قابل للتنفيذ، وبعضها بعيد أصلاً كل البعد عن مصالح الناس. ولكن يجب أن يحارب ويدافع المنتخَب عن هذا الأمر لأنه يبحث عن رضى من انتخبَه.
والآن نعود للكلام عن الإسلام، هناك انتخابات وهناك مجلس أمة، والخليفة رأس الدولة منتخَب، فهل معنى هذا أن الخليفة عندما يُنتخَب سيبحث عن الشارع أرضاه أو لم يرضِه؟ وهل مجلس الأمة في دولة الخلافة سيكون بنفس الواقع؟ والجواب هو: لا، فهناك بون شاسع بين الإسلام والديمقراطية. الإسلام أعظم بكثير من الديمقراطية. الإسلام تحميه مقاييس الأعمال، مقاييس الأعمال في الإسلام تقوم على نيل رضوان الله، فالمسلم يقدم على العمل ويحجم عنه لنيل رضوان الله؛ ولذلك فإن الناخِب والمنتخَب يبحثان عن نيل رضوان الله ولا يبحثان عن منفعة دنيوية. هذا من ناحية.
أما الناحية الثانية وهي الأهم، فإنه عندما يُنتخَب خليفة في الإسلام (وسنتحدث عن الخليفة لأنه رأس الدولة) فإنه يُنتخَب على أساس أن يطبق أحكام الشرع المستنبطة من كتاب الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويُبايع على ذلك، لا على أن يُطبق آراء وأهواء من ينتخِبه، فالخليفة يُنفذ ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله. هذا هو العقد الذي بين الأمة وبين الخليفة، وتنتخِبَه الأمة على أساسه.
أما في الديمقراطية فإن الشعب ينتخِبُ شخصاً ليشرع على هوى المنتخِب، وهناك اختلاف تام بين الأمرين. فالخليفة لا ينظر إلى الناس رضيت أو لا إذا كان حكم الشرع يخالف كل آراء الناس، وذلك كموقف أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) في حروب الردة، بل على العكس فإن الناس هي التي رضيت برأي أبي بكر ووافقت عليه. أما مجلس الأمة في دولة الخلافة فواقعه يختلف عن المجالس النيابية الموجودة الآن؛ لأن عمله محصور في بعض النواحي غير المتعلقة بالحكم أو التشريع، فهو ليس مجلساً تشريعياً حتى يبحث عما يحقق للشعب مصالحه. بل هو مجلس يبحث في قضايا غير متعلقة بالتشريع، فهو محصور في هذه الناحية. صحيح أن له دوراً في دولة الخلافة ولكنه ليس تشريعياً. فالأمة لا تنتخبه على أساس أن يشرِّع لها أحكاماً وقوانين، فالمشرع هو الله. ولهذا فإنه يختلف تمام الاختلاف عن المجالس البرلمانية الموجودة في واقعنا الحالي. هذا بالنسبة لموضوع الانتخابات.
ومن لوازم الديمقراطية المعارضة، والمعارضة وُجدت لتكتمل الديمقراطية بها، ولا وجود لديمقراطية بدون معارضة. والمعارضة أوجدوها حتى لا يكون هناك تفرّد في الرأي واستبداد في القرارات من الجهة التي تحكم، ولكنها تحولت إلى معول هدم، إذ كل ما يقوله الطرف الآخر مُعارَض، سواء أكان على خطأ أم على صواب، فإن كان الطرف الأول على خطأ وعارضه الطرف الثاني فإن الأمر ممكن، ولكن إن كان على صواب وعارضه الطرف الآخر فعلى أي أساس سيعارضه؟ ولذلك فإن المعارضة دائمة التشكيك بالأقوال والأعمال وكل ما يمكن أن يُبنى، حتى يبقى المجتمع يتجاذبه طرفان: طرف يقول بالشيء، وطرف يقول بنقيضه، وبالتالي تتعطل الأعمال وتتعطل الجهود ويصرف ما يصرف على شيء بلا طائل.
وهنا قد يسأل سائل: ألا يوجد محاسبة في الإسلام؟
الجواب: نعم، يوجد محاسبة ولكن المحاسبة شيء والمعارضة شيء آخر. فالمحاسبة أرقى بكثير من المعارضة. المعارضة تحولت إلى أهواء وإلى مناصب وإلى طريقة للوصول، وصار من يصل من خلال المعارضة هو الممثل الجيد. وصار من يصل من خلال المعارضة هو من يستطيع التأثير على عقول الناس. توني بلير استلم مجلس الوزراء وهو صغير، وهو من أصغر من استلم هذا المنصب في بريطانيا، ولكنه يتصف بصفة لا توجد عند باقي رؤساء الوزراء البريطانيين وهي المجادلة، وهو مشهور جداً بها، ويُذكر عنه ذلك وهو في الثانوية. فكان مجادلاً وترك الوزارة وهو مجادل. فإذا كان هناك في المعارضة مثله يمكن أن يصل إلى البرلمان، وكم هناك من نواب وصلوا بالانتخابات في الديمقراطية وعرف عنهم بعد ذلك الكثير من الفساد والفضائح وما إلى ذلك… ديمقراطية (إسرائيل) أنتجت مما أنتجت إيهود أولمرت الذي عليه أكثر من ثمانين قضية فساد وهو منتخَب، قد انتخِب على أساس أنه من أكثر الناس استقامة. محمد الفايد كان يشتري أعضاء مجلس العموم في بريطانيا بـ1200 جنيه.
أما في الإسلام فالمحاسبة تختلف تماماً عن المعارضة، فالخليفة يطبق شرع الله ولا يجوز لأي مسلم يجلس في بيته أو في المسجد… وكلما تبنى الخليفة حكماً شرعياً يقول هذا خطأ. فالخليفة لا يحكم بناء على هواه وإنما هو يطبق شرع الله. يمكن أن يُساء فهم تصرف من تصرفاته في حالة معينة، عندها يُتوجه إلى الخليفة ويقال له: هذا ليس تصرفاً جيداً، ويشرح الخليفة لماذا قام بهذا العمل، وينتهي الأمر. مثلما كان يحصل مع الخليفة الراشد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان المسلمون يأتون إليه ويسألونه: لماذا قمتَ بذلك؟ فيشرح ويفسر. ومادام الخليفة قد فسَّر ما هو مستغرب من تصرفاته ينتهي الأمر. فليس هناك في الإسلام معارضة. فالمعارضة هي معارضة لحكم الله، ولكن يمكن للأمة أن تحاسب على سوء التطبيق، وهذا يكون في بعض التصرفات وليس في كل التصرفات. وكذلك الأمر عندما يُحاسَب الوالي أو المعاون أو العامل… تكون المحاسبة بنفس الطريقة لأنهم يطبقون شرع الله، كل هؤلاء الحكام في الإسلام يطبقون شرع الله. فلا يوجد في الإسلام معارضة. فالخليفة يقوم بأعمال ليبني، فإذا حمى الخليفة قطعة من الأرض ليبني عليها قاعدة عسكرية مثلاً، قد يأتي أحد ويقول إن هذه الأرض لا تصلح لتكون قاعدة عسكرية، فإذا فسر الخليفة رأيه بناءً على رأي فني أو عسكري انتهى الأمر. هذا العمل هو عبارة عن بناء، فإذا عُورض هكذا لأجل المعارضة فهو هدم وإبطال جهود، ويصبح عندها عمل الحكام فقط مراعاة المعارضة. وهذا تماماً ما يحصل في الديمقراطية، إذ عمل الحكومات يأخذ جانب كبير منه مراعاة المعارضة. هناك بعض السياسيين من المعارضة في الديمقراطية يصرحون تصريحات فقط ليكونوا تحت الأضواء. وكثير من هذه التصريحات ليس لها وزن في السياسة، ولكن هي لمجرد التصريح حتى يكون صاحبها في الصورة والإعلام، وهذا عبارة عن تعطيل للجهود وهدم، وهو من الطريقة العملية لتطبيق الديمقراطية. أي إنه معول وضع بقصد هدم البناء. فالديمقراطية لا تصلح لتطبق على واقع الإنسان، وعندما تريد تطبيقها تجدها لا تؤدي إلا إلى الأزمات، هذا هو السبب الأول من أسباب الأزمة.
السبب الثاني: التدخل الأجنبي. وذلك أن بلاد المسلمين، بعد أن هدمت الأسوار وقطع الرأس بإسقاط الخلافة في إسطنبول، أصبحت مرتعاً لجميع المخابرات الأجنبية الكافرة، وأصبحت مرتعاً لجميع الساسة الأجانب يصولون فيها ويجولون. وقد جاؤوا بجيوشهم ثم ذهبوا، ثم أتوا، ثم بنوا قواعد وما إلى ذلك… فأصبح عمل المخابرات الأجنبية في بلاد المسلمين لربط هذه البلاد بدولهم وللمحافظة على تفككها وانقسامها. وربط البلاد بالأجنبي ليس له علاقة بربط الأرض، وإنما يكون بربط الأشخاص. هؤلاء الأشخاص الذين يريد الغرب أن يربطهم به لن يكونوا أشخاصاً عاديين لأن الشخص العادي لا يقدم ولا يؤخر، وإنما سيكون شخصاً ذا وزن في المجتمع.
الغرب عندما دخل هذه البلاد أخذ يبحث عن رأس قبيلة، عن رأس عائلة، عن رجل دين ذي وزن في المجتمع… حتى يربطهم به ويرعاهم حتى يقوموا بمصالحه. منذ أواخر عهد الخلافة، أي قُبيل هدمها حتى اليوم، وبلاد المسلمين مفتوحة على الغرب الذي يقوم بهذا الأمر.
ونحن الآن بصدد الكويت، وبما أن الكويت جزء من الخليج، فلابد أن نتحدث عن الخليج أولاً. فمنذ أواخر القرن الثامن عشر كانت بريطانيا أول من جاءت إلى دول الخليج وربطت جميع أمرائها بمعاهدات واتفاقيات، ولم يكلفها ذلك الأمر جندياً واحداً. منذ ذلك الحين إلى اليوم بنت القرارات على أساس ربط دول الخليج بالأجنبي بحيث تظل دائماً بحاجة إلى حمايته، وحماية الأجنبي لا تكون إلا بوجوده، فلذلك أصبح وجود الأجنبي في الخليج أمراً عادياً، ومع الوقت صار مستساغاً، ونجد الأساطيل منتشرة وليس لها قواعد.
بعد هذه الفترة صار هناك تحول وهو الثورة الإيرانية، وبعد هذه الثورة لم يهدأ الخليج إلى اليوم، وبدأ ظهور الوجود العسكري الأميركي. بدأت الثورة الإيرانية بالحديث عن تصدير الثورة، ثم لم يمض عام حتى بدأت الحرب العراقية – الإيرانية، واستمرت تسع سنوات، وكانت بحسب الخبراء العسكريين أشد قوة من الحرب العالمية الثانية. وخلال هذه الحرب حصل ما حصل من تدخلات أميركية في الخليج حتى أصبح تواجد أسطولها فيه رسمياً. لكن مع ذلك كانت أميركا تتحدث عن قواعد ولم يكفها تواجدها في البحر، ثم جاءت الفرصة سنة 1990م فأصبح الوجود الأميركي على الأرض شيئاً مطلوباً وللأسف، ثم جاء بعد ذلك الحرب على الإرهاب، ثم جاء بعد ذلك احتلال العراق، فأحكموا الخناق على الأمة. فتخيل مع وجود هذا الثقل العسكري في الخليج والكويت ما الذي يمكن أن يفعله.
عندما جاء السفير الأميركي إدوارد غنيم إلى الكويت سنة 1991م حطّم الرقم القياسي في زيارة الدواوين في رمضان، حوالى 300 ديوانية، فما هي علاقته بالدواوين؟ السفير الأميركي أو غيره يفترض به أنه يمثل دولة أمام دولة لا أكثر ولا أقل بحسب العرف والقانون الدولي. من جاء بعده إلى الآن، وآخرهم السفيرة جونز، تكاد لا تخلو الصحف من ذكر تواجدٍ لهم في محفل من محافل المجتمع، وتصرح تصريحات عن السياسة الداخلية كأنها هي المسؤولة. عندما تتصرف السفيرة الأميركية بهذه الطريقة فلا شك بأن السفير الفرنسي سيتصرف بالطريقة نفسها، ولا شك بأن السفير البريطاني سيتصرف أكثر من ذلك… ولذلك لم نعد نجد غضاضة عن زيارة أي ديوانية عندما نجد السفير الأميركي، أو السفير الفرنسي، أو السفير السوري، أو السفير الإيراني… بين الناس. هذا السفير لم يحضر إلى الدواوين عبثاً وتضييعاً للوقت، هذا السفير له دور مرسوم، كائناً من كان.
في الصومال في السبعينات بعد عهد عيديد كان هناك ملف لكل ضابط صومالي في السفارة البلجيكية، وتخيل ما الذي يمكن أن تفعله السفارة البلجيكية في الصومال، فماذا نقول عن السفير الأميركي إن كان هذا حال السفير البلجيكي. إضاءات تكشف لنا أشياء كثيرة نحن لا نعرفها لكن لا شك موجودة. هذا التدخل الأجنبي وصرف الأموال وبذل الجهود هو لشراء الذمم وشراء الناس وتحويلهم، وهؤلاء الناس ليسوا عاديين بل هم يشكلون الوسط السياسي في المجتمع، وهذا الوسط السياسي ينتج عنه البرلمان، فإن كان الوسط السياسي ملوثاً فماذا سينتج؟ قد يوجد شخص أو أشخاص قلائل لا يحملون هذه الصفات وليسوا سطحيين ولا منتفعين، ولا يبحثون عن رضى الناس، ولكنهم قلة، والقلة في الديمقراطية لا وزن لها لأن الديمقراطية للأغلبية.
لذلك عندما عندما يكون الأشخاص المرتبطون والمنفعيون هم الذين يرعون مصالح الناس يكون التمثيل إما للغير وإما للمنفعة وإما تمثيل سطحي ليس له أي علاقة برعاية الشؤون. وبهذه السياسة تتولد الأزمات والشقاء والضنك، ولذلك فإن العالم كله يعيش الأزمات، الكويت وغير الكويت في العالم الديمقراطي كله. قد تختلف الأزمات في بعض الدول ولكنها كلها تعود بسببها إلى الديمقراطية.
إذاً سبب الأزمات في الكويت، إلى جانب الديمقراطية، هو التدخل الأجنبي الواضح، والصحف تكتب عن ذلك ليس فقط في الكويت وإنما في كل دول المنطقة مثل مصر ولبنان وسوريا… والأشخاص المرتبطون بالغرب معروفون.
هذه أسباب الأزمات في الكويت:
أما العلاج فهو العكس، فمادام سبب وجود الأزمات هو الديمقراطية، فالأصل أن يطبق الإسلام بدل الديمقراطية، ليس لأننا مسلمون فقط، ولكن لأن الإسلام ينطبق فعلاً على واقع الإنسان، فالله سبحانه وتعالى يقول: (أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك 14] فرب العالمين يعلم من خلق، وهو من شرّع، فمادام الشرع من الله فهو صالح للإنسان وينطبق على واقعه. وعندما تبحث في الأحكام الشرعية التفصيلية تجدها فعلاً تنطبق على واقع الإنسان، والشواهد كثيرة جداً؛ مثلاً لا يوجد حرية رأي في الإسلام، فالمسلم يقول ما يرضي الله، ويقول بدليل شرعي، وإذا جاء برأي دون دليل شرعي يضرب برأيه عرض الحائط. فالخليفة الراشد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عندما قام بتحديد المهور احتجت امرأة مسلمة عليه لأنه لم يكن لديه دليل، وهو أمير المؤمنين، فقال: أخطأ عمر وأصابت امرأة. هذا يعني أنه لا يحق له أن يأخذ الأحكام على هواه. وفي توزيع السواد بقي فترة طويلة يستعرض القرآن حتى جاء بدليل. فالمسلم لا يحق له أن يأخذ الأحكام على هواه. المسلم يقول ما يرضي الله، وما يرضي الله يكون له دليل. لكن في الديمقراطية توجد حرية رأي، وعندما تنظر إلى دولة مثل فرنسا مثلاً من هذه الناحية تراهم يقولون بمنع الحجاب، ومنع التحدث بما يخالف السامية، وعندما يقول أحدهم بأن الهولوكوست فبركة يقدم إلى المحكمة. فحين تتغنى هذه الدولة بحرية الرأي ولا تطبقها معنى ذلك أن حرية الرأي غير واقعية. فلو كانت واقعية لطبقت بجميع الأحوال. أما الإسلام فقد قال صراحة لا وجود لحرية الرأي فإذا لم ترضَ بالإسلام فأرض الله واسعة، أما إذا بقيت في بلاد المسلمين فيجب أن ترضى بأحكام الإسلام. والأمثلة كثيرة على انطباق الإسلام على واقع الإنسان.
الشيء الآخر أن الإسلام تفصيلي، فلا تجد مبدأً في الحياة تفصيلياً مثل الإسلام، فأدلة الإسلام يُستنبط منها أحكام تفصيلية كثيرة: مثلاً قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «البيِّعانِ على الخيارِ ما لم يتفرَّقا» وعندما تبحث في كتب الفقه تجد أن هناك أكثر من سبعين حكماً استنبط من هذا الحديث. فالإسلام تفصيلي جداً، مثلاً في موضوع العوض، قالوا: إذا أتلفت الدابة الزرع، هل يقع العوض على صاحب الدابة أو لا؟ فقال الأحناف إذا كانت الدابة أتلفت الزرع بالنهار فليس على صاحب الدابة العوض لأن الأصل في صاحب الزرع أن يكون في زرعه والدابة ترعى، أما إذا كان الإتلاف في الليل فعلى صاحب الدابة العوض لأن الأصل في الليل أن صاحب الزرع في بيته والدابة في مربطها. فأين التفصيل في الديمقراطية. في الديمقراطية الأغلبية تشرع لنفسها ما تريد، وتتغير تشريعاتهم وقوانينهم بحسب أهوائهم، وعلى كثرة ما شرعوا من قوانين لم يصلوا إلى الحقيقة.
فالعلاج يكون بنبذ الديمقراطية وتطبيق الإسلام، وتطبيق الإسلام لا يكون إلا بإقامة الخلافة لتطبقه في جميع شؤون الحياة: الاقتصادية، والعسكرية، والاجتماعية، والسياسة الداخلية، والسياسة الخارجية، وما إلى ذلك مما في الإسلام من أحكام تفصيلية لا تستطيع الكتب أن تسعها.
أمر آخر، مادام من أسباب الأزمات التدخل الأجنبي فالأصل أيضاً قطع دابر الكافرين، فنحن عشنا ولازلنا نعيش واقعاً كله تدخلات أجنبية. ونضرب مثلاً عن ذلك، فعندما بدأ غورباتشوف في روسيا يتحدث عن البيروسترويكا طمعت أميركا في تغيير النظام السياسي حتى في الصين، فبدأت تتحرك من خلال لجان حقوق الإنسان وتأتي بمعتقلين وتحاول إخراجهم وتسلط عليهم الأضواء بحجة اضطهاد الأقليات. فصارت هناك حركة واعتصام في أشهر ميدان في الصين (تيان آن مين) في وسط بكين، وبقي هذا الاعتصام أكثر من شهر وهم محاصرون من الجيش، والجيش ينظر إليهم وينظرون إليه، بعد حوالى الشهر أعلن أحد الساسة عندهم أنهم الآن يملكون دليلاً أن وراء هذه الحركة أميركا، فدهسوهم بالدبابات خلال ساعات. بمجرد حصولهم على دليل أن وراء هذه الحركة أميركا لم يقبلوا أن تبقى ساعة لأن هذا تدخل أجنبي.
والآن ما يحدث مع الدالاي لاما الشيء نفسه، فأميركا تحاول جاهدةً أن تؤثر في الصين، ولكن الصين حساسة جداً بالنسبة للتدخل الأجنبي. هذا الأمر موجود عند دولة حريصة على استقلال القرار عندها وحريصة على أن تملك إرادتها. ولا يمكن لأي أمة أن تحقق النهضة ما لم تملك قراراتها وإرادتها، فالتدخل الأجنبي هو عبارة عن سلب للإرادة. فالأصل ليس فقط تطبيق الإسلام، بل أن يكون المسلمون أيضاً معتمدين على أنفسهم، الأصل أن تقوم دولة الإسلام على أكتاف المسلمين لا أن تقوم على إعانات وإيعاز من الغرب الكافر وبرضىً منه. فالأصل أن يُقطع دابر التدخل الأجنبي ويزال من جميع دول الخليج بما فيها الكويت، بل جميع بلاد المسلمين، حتى نستطيع أن نقرر بإرادة فعلية، وأن تُساس وتُرعى شؤون الناس حقاً. فما الذي يمنع عودة المسلمين إلى الإسلام، إنه الغرب الكافر هو الذي يمنع ذلك.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
2009-05-04