البورصة والحكم الشرعي فيها
2009/01/02م
المقالات
6,375 زيارة
البورصة والحكم الشرعي فيها
نظرة تاريخية
يعود أصل كلمة بورصة إلى إسم العائلة فان در بورصن البلجيكية التي كانت تعمل في المجال البنكي، والتي كان فندقها بمدينة بروج مكاناً لالتقاء التجار المحليين في القرن الخامس عشر. حيث أصبح رمزاً لسوق رؤوس الأموال وبورصة للسلع. وكان نشر ما يشبه قائمة بأسعار البورصة طيلة فترة التداول لأول مرة عام 1592م بمدينة أنفرز. وأما في فرنسا فقد استقرت البورصة في باريس بقصر برونيار نسبة إلى المهندس الذي رسم المخططات عام 1808م. وفي أميركا بدأت البورصة بشارع وول ستريت بمدينة نيويورك أواسط القرن الرابع عشر.
ما هي البورصة؟
البورصة هي مكان للتبادل التجاري، ففيها يتم بيع وشراء أٍسهم المواد الغذائية مثل البن والأرز والذرة، والمواد الأولية مثل البترول والقطن والنحاس، من خلال أسهم الشركات التي تعمل في هذه المجالات و السندات المالية والعملات مثل الدولار والين واليورو. فالبورصة عبارة عن سوق فيه بضائع غير مادية، والذي يعرض في هذا السوق أسهم لشركات مادية كشركات استخراج المعادن أوشركات سندات وأوراق مالية وعملات كالبنوك. ويستطيع أي شخص أن يدخل هذا السوق، ويستطيع من أي مكان في العالم أن يشتري أو يبيع في هذه الأسواق؛ وذلك من خلال سماسرة (أفرد أو شركات مختصين) ومن أي سوق مالي في العالم، سوء أكانت هذه الأسواق في أميركا أم في أوروبا أم حتى في أسواق الدول الناشئة.
كيف تعمل البورصة؟
تعمل البورصة على تلاقي شخصين أوطرفين البائع والمشتري في دور البورصة عن طريق سماسرة أوشركات مختصة، وكلا الطرفين مجهولان, لايعرفان بعضهما ولا يمكن لهما التعرف على بعضهما.
وهكذا لا يستطيع بائع السهم أن يعرف الشخص الذي يشتري هذا السهم, فقد يكون عدواً أو صديقاً، فرداً أو دولة، وقد يكون المشتري محترفاً ماهراً أو مساهماً بسيطاً.
دُور البورصة
هي مكان يتم فيه تنظيم الالتقاء بين الذين يملكون الأموال والمدخرين والذين يبحثون عن التمويل، فهي ترتب لقاء بين الشركات التي تبحث عن المال لتمويل مشاريعها والأشخاص الراغبين في إقراض مالهم، وتأخذ هذه الدور تعويضاً مالياً مقابل هذه الخدمة، فهي بعبارة أخرى دور لعقد القِران بين المرابين (البائعين والمشترين).
أما أنواع المتعاملين في البورصة
1- المستثمرون: وهم الذين يوظفون أموالهم ومدخراتهم في شراء الأوراق المالية لتحقيق الأرباح على المدى الطويل بغرض التحضير لتقاعدهم مثلاً.
2- المخمنون أو المتنبئون (المضاربون): وهم الأشخاص الذي يقومون بالشراء بقصد إعادة البيع بعد مدة وجيزة والاستفادة من فروق الأسعار؛ وذلك بناء على تنبؤات وتوقعات ما يسمونهم بالمضاربين، وهم في هذا يكونون عرضة للخسارة؛ لأن في هذه البيوع مقامرة.
3- المقامرون: وهم الأشخاص الذين يقومون بعقد الصفقات اعتماداً على الحظ ودون أي خبرة أو دراسة.
الأسهم والسندات
الأسهم: هي أوراق مالية تمثل ثمن الشركة في وقت تقديرها ،و لا تمثل رأس مال الشركة عند إنشائها، فالسهم جزء لا يتجزأ من كيان الشركة وليس جزءاً من رأسمالها، فهو سند لقيمة موجودات الشركة. وقيمة الأسهم ليست واحدة وإنما تتغير بحسب أرباح الشركة أوخسارتها، وعلى ذلك فالسهم لا يمثل رأس المال المدفوع عند تأسيس الشركة، وإنما هي -أي الأسهم- تمثل رأسمال الشركة حين البيع، فهي كورقة النقد يهبط سعرها إذا كانت سوق الأسهم منخفضة، ويرتفع حين تكون مرتفعة، فالسهم بعد بدء الشركة في العمل ينسلخ عن كونه رأسمال، وصار ورقة مالية لها قيمة معينة.
السندات: هي صكوك دين تباع وتشترى في البورصة بفوائد ربوية. والسندات هذه تصدرها منشآت الأعمال بمثابة عقد أو اتفاق بين المنشأة (المقترِض) والمستثمر (المقرِض). وبمقتضى هذا الاتفاق يقرض الطرف الثاني مبلغاً معيناً إلى الطرف الأول الذي يتعهد بدوره رد أصل المبلغ وفوائد ربوية متفق عليها في تواريخ محددة. وقد ينطوي هذا العقد الربوي على شروط أخرى لصالح المقرض، مثل رهن بعض الأصول الثابتة ضماناً للسداد، أو وضع قيود على إصدار سندات أخرى في تاريخ لاحق. كما قد يتضمن العقد شروطاً لصالح المقترض، مثل حق استدعاء السندات قبل تاريخ الاستحقاق. وهناك سندات حكومية، ويقصد بالسندات الحكومية صكوك المديونية متوسطة وطويلة الأجل التي تصدرها الحكومة بهدف الحصول على موارد إضافية لتغطية العجز في موازنتها أو بهدف مواجهة التضخم.
وينظر المستثمر إلى الأوراق المالية التي تصدرها الحكومة على أنها أكثر جاذبية؛ إذ عادة ما يتمتع عائدها بالإعفاء الضريبي، وهو ما يندر أن يتحقق للأوراق المالية الأخرى. يضاف إلى ذلك تضاؤل مخاطر التوقف عن السداد أو مخاطر تأجيله. فالحكومة المركزية يمكنها زيادة مواردها المالية لمواجهة خدمة الدين كما يسمونها عن طريق إصدار المزيد من أوراق البنكنوت أو عن طريق فرض ضرائب جديدة إذا ما اضطرت لذلك. وعادة ما تنشر الصحف في الدولة المعنية معلومات عن تلك الأوراق، مثل تاريخ الاستحقاق، ومعدل الكوبون، والتغير في سعر الشراء عما كانت عليه في اليوم السابق، والعائد الذي يمكن أن يحققه المستثمر.
السماسرة
إن وظيفة المفاوض في البورصة هي وظيفة خاصة بفئة معينة متخصصة هي فئة السماسرة. وهي من اختصاص الشركات أو أفراد مختصين، ويعمل السماسرة تحت مراقبة وإشراف هيئات خاصة لمراقبة الأسواق المالية.
البورصات الرئيسية في العالم
إن أهم البورصات في العالم هي نيويورك، لندن، باريس، طوكيو.
وهناك نظام للتبادل في كل الدول على غرار الجمعية الوطنية للتسعير الآلي للسندات المعروفة اختصاراً باسم ناسداك وهي سوق للتسعيرات الآلية. وناسداك هي البورصة الثانية في أميركا من حيث حجم التداول، وتزداد أهميتها باستمرار.
الشركات المدرجة
إن الشركات المرشحة لدخول البورصة تخضع لشروط قبل إدراجها على قائمة البورصة بغرض التداول, فمن أهم الشروط: في أميركا: أن يكون للشركة عدد كاف من المساهمين يفوق 1000، حتى لا تكون الشركة وهمية. وفي فرنسا: يتعين على الشركة الراغبة في التسجيل على قائمة البورصة أن تضع 25% من أسهمها على الأقل تحت تصرف السوق حتى تقبل هذه الشركات للإدراج في الأسواق الرئيسية: مثل سوق نايسي في نيويورك أو السوق الرسمية في باريس. أما الشركات الأقل أهمية فتسجل على قائمة السوق الموازية مثل: أمكس في نيويورك، أو السوق الثانية في باريس.
أنواع الأسواق
هناك نوعان من الأسواق من حيث طريقة الدفع:
السوق الفورية: لدخول السوق الفورية يتعين على المشتري أن يدفع ثمن ما اشتراه بعد الشراء مباشرة، وفي أميركا لا يوجد إلا سوق واحد يكون فيها الدفع فورياً حيث يتم التسليم والاستلام؛ فيدفع المال ويأخذ السند بعد خمسة أيام من عملية البيع.
وإذا كان المشتري لا يتوفر لديه المبلغ اللازم لتسديد ثمن السند الذي اشتراه، يمكنه الاقتراض من سمساره المبلغ اللازم لذلك ضمن شروط محددة وبفوائد محددة.
السوق الآجلة: يكون فيها الدفع مؤجلاً والتسليم يكون مؤجلاً إلى آخر الشهر عند حلول تاريخ التصفية.
فالمشتري الذي ليس عنده أموال كافية يمكنه الشراء دون أن يدفع في إطار قواعد محددة.
بهذه الطريقة يمكن شراء سند بدون دفع أي مبلغ وبيعه بعد عدة أيام، والحصول على أرباح في حال ارتفاع سعر السند، وفي حال هبوط سعره مع حلول أجل التصفية، يمكن التأجيل ثانية مقابل دفع مبلغ بسيط كحق للتأجيل هذه المرة. “هذا النظام الآجل معمول به بشكل خاص في فرنسا” وهذه الطريقة يتبعها الأفراد الذين لا يملكون الأموال الكافية للاستثمار في البورصة.
المؤشرات
من أهم المؤشرات على المستوى العالمي:
– مؤشر داو جونز, وهو مؤشر بورصة أنشئ عام 1897م من قبل إحدى الجرائد المشهورة في عالم المال والأعمال وهي جريدة وول ستريت جورنل، ويُحسب هذا المؤشر يومياً من قبل شركة داو جونز وشركائه، ويمثل هذا المؤشر معدل أسعار ثلاثين قيمة “شركة ” صناعية منتقاة بشكل يسمح بعكس الاتجاه العام للأسعار ببورصة نيويورك.
– مؤشر ناسداك Nasdaq الذي تغلب عليه القيم التكنولوجية
– مؤشر فوتسي Footsie في لندن .
– مؤشر نيكاي Nikkei في طوكيو .
– مؤشر داكس Dax في فرنكفورت.
– مؤشر كاك40 CAC في باريس.
الحكم الشرعي في البورصة…
من تاريخ البورصة وقوانينها نجد أنها من المبدأ الرأسمالي، وأنها ليست من الإسلام في شيء، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) [آل عمران 85] والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «… ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وكل المعاملات والقوانين المعمول بها في البورصة هي من غير الدين الإسلامي، وكل اتباع لقوانين وأحكام من غير الإسلام لا يقبله الله ولا رسوله وهو مردود، ولا يقال إن فيها بعض معاملات لا تخالف الإسلام، فليس ما لا يخالف الإسلام مسموحاً لنا أخذه أو اتباعه، فالله سبحانه لم يترك شاردة ولا واردة إلا وبينها لقوله سبحانه: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام 38] فالإسلام بأحكامه شامل لكل نواحي الحياة، فما من حادثة تحدث إلا ولها حكم أو محل حكم. والأحكام الشرعية تناولت كل مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والحكم والاقتصاد والعقوبات وفصلت وبينت، ومن يرد تكثير أمواله أو تنميتها ببيع أوشراء أو إنشاء شركة فلا يذهب للرأسمالية وينميها بالطرق الحرام، وإنما يرجع إلى الإسلام حصراً. فالأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي، ولا حكم قبل ورود الشرع قالى تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ).
فلاينقصنا أحكام أو تفصيل في المعاملات والبيوع والشركات ولا في تنمية المال وامتلاكه وتوزيعه حتى يقال إننا نأخذ ما لا يتعارض مع الأحكام الشرعية قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة 3]. لقد أنعم الله علينا بدين شامل وكامل وارتضاه لنا ديناً، فهل نتركه وندين بغيره؟ بل علينا أن نقول للرأسمالية (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون 6].
فالرأسمالية باطلة، وكل مابني عليها أو انبثق منها -من معاملات وشركات وأسهم وسندات ومبادلات في البورصات وغير البورصات- هو باطل، ولايجوز التعامل معها بيعاً أو شراءً أو إجارة. وبناء على ما أسلفنا، لايجوز إنشاء شركات مساهمة ولامشاركتها أو شراء أسهم منها؛ لأنها قائمة على أساس المبدأ الرأسمالي، إذ يخلو منها شريك البدن المتصرف في الشركة. فالأسهم تشارك بعضها البعض بإرادة منفردة، فلا يكون في الشراكة إيجاب وقبول، بل يتم عرض الأسهم في السوق لمن يريد الشراء، ومن يشتري سهماً أو معظم الأسهم لايكون متصرفاً فيها، والأموال هي التي تكون قد اشتركت فهي الشريكة، والسندات التي تتضمن مبالغ من المال الحرام كسندات الدين التي يستثمر فيها المال بالربا، وكأسهم البنوك، أو ما شاكل ذلك، فإن شراءها وبيعها يكون حراماً كذلك؛ لأن المال الذي تتضمنه مال حرام. وأسهم شركات المساهمة هي سندات تتضمن مبالغ مخلوطة من رأس مال حلال، ومن ربح حرام، في عقد باطل، ومعاملة باطلة، دون أي تمييز بين المال الأصلي والربح، وكل سند منها بقيمة حصة من موجودات الشركة الباطلة، وقد اكتسبت هذه الموجودات بمعاملة باطلة نهى الشرع عنها فكانت مالاً حراماً. وبذلك صارت هذه الأوراق المالية، التي هي الأسهم مالاً حراماً، لا يجوز بيعها ولا شراؤها ولا التعامل بها. قال تعالى: (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة 38-39] هذا من جهة أصل البورصة.
أما واقع عمليات المبادلات التي تجري فيها فجلها معاملات ربوية أو بيع لما لا تملك أو قمار أو احتكار أوغبن أو غيرها الكثير الكثير… ومن جهة أخرى فإن أضرارالشركات الرأسمالية على الناس وعلى الأمة الإسلامية خاصة كثيره نذكر منها:
1- إن أي مستثمر بغض النظر عن دينه أو جنسيته أو من أي البلاد هو يستطيع أن يشتري أسهم أو سندات في أي قطر من العالم، وهذا يعني أن اليهودي أو النصراني أو البوذي أو أي عدو للأمة مثلاً يستطيع أن يمتلك أسهم في شركات مساهمة ولها أسهم في البورصة، حتى لو كانت على بلاط الحرم المكي أو المدني، أو في أي مرافئ أو موانئ أو شركات حساسة كشركة طيران أو بترول أو مؤسسات عسكرية أو مطارات.
2- يستطيع أي مسلم أن يشتري أسهم في أي مؤسسة حتى لو كانت مؤسسات عسكرية لكفار محاربين فعلاً فيكونون شركاء في مصانع تصنع أسلحة يُقتل فيها المسلمون. والذي يسعى وراء الربح لا يهمه من أين اكتسبه ولا فيما أنفقه، ولا يهمه ولو شارك الشياطين.
3- تفتح مجالاً لمعاملات محرمة لضعاف النفوس من أبناء المسلمين كالإقراض وبيع أو شراء السندات، وشراء أسهم البنوك والمؤسسات الربوية، وشراء أسهم لشركة تصنع الخمر، أو منتجعات عراة أو مراقص أو مطاعم تقدم الخمور، أو نوادٍ ليلية أو بيوت دعارة أو ملاهي اختلاط.
4- تفتح مجالاً للمستثمرين والمقرضين أو لمن يعمل وراء هذه المسميات للتحكم في اقتصاد الدول الضعيفة والتحكم في وارداتها ومدخراتها إن كان لها مدخرات، والتحكم في المواد الخام (كالبترول والذهب والحديد والبوتاسيوم والمغنيسيوم وغيرها الكثير من المعادن التي عندها وإسقاطها في شراكها، وذلك نتيجة العمل بقوانين العولمة والخصخصة التي تسمح للمستثمرين الأجانب والمقرضين بشراء أسهم وسندات في أي منشأة من المنشآت الاقتصادية والشركات، وكل ذلك عبر البورصة.
قال تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) [البقرة 276].
أبوأ سامة
2009-01-02