أيها المسلمون في رمضان: إن الله لا يرضى عنكم إلا بأن تعبدوه تماماً على الذي أنزل
2008/09/28م
المقالات, كلمات الأعداد
2,150 زيارة
أيها المسلمون في رمضان:
إن الله لا يرضى عنكم إلا بأن تعبدوه تماماً على الذي أنزل
يهل وافد الخير رمضان على قلوب المسلمين فتستقبله استقبال عزيز غاب ثم حضر، وتهيئ نفسها للقيام بواجب أحب الشهور إلى الله بالطاعات من إحسان الصلاة، والقيام، وقراءة القرآن، والدعاء، والذكر، والاستغفار، والتصدق، وحضور الدروس، سواء في المساجد أم على الشاشات… فضلاً عن إمساك اللسان عن الغيبة والنميمة وقول غير الحق، والجوارح عن المعاصي… حتى إن المسلم لكثرة ما يجد فيه من خير عميم، ومن نقاء وصفاء وقرب من الله، وحسن تخلق مع الناس، ولكثرة ما أعد الله فيه من أجر ليتمنى أن يكون الدهر كله رمضان.
إننا عندما نجد أن حياة المسلمين في رمضان تتبدل عن حياتهم العادية خارج رمضان نعلم كم أن الأمة تحب ربها ودينها، يعلم ذلك المسلم فيطمئن وينشرح، ويرى ذلك الكافر فيخاف ويضطرب؛ ذلك أن الصيام في رمضان جعله الله مظهراً من مظاهر وحدة المسلمين، يجتمع فيه مليار ونصف المليار مسلم على صعيد واحد هو عبادة الله وطلب رضاه. فوحدة المسلمين تخيف الكفار، خاصة إذا كانت على الله سبحانه.
إن كل مسلم يتقرب إلى ربه في رمضان، من عادته أن يتوجه بالدعاء مخلصاً لله أن يغير أوضاع المسلمين السيئة، ولكن الأوضاع لا تتغير، ويدعوه بأن يرفع الغلاء والبلاء وتسلط الأعداء، ولكن لا شيء من ذلك يرفع، والمسلمون في صلواتهم وقنوتهم وخطب جمعاتهم، يدعو أمامُهم الله بأن ينتقم من الأميركيين والكفار، وأن يعين المسلمين المجاهدين في فلسطين والعراق وكشمير والصومال والشيشان… فيؤمِّنون بصوت هو أقوى مما يؤمِّنون عليه في سائر دعائهم، ولكن لا شيء من ذلك يتبدل. ويدعو بأن يهيئ الله للمسلمين من يحكمهم بالكتاب والسنة وليس من مجيب! فما السر في ذلك والمسلم يشعر بأنه قريب من الله في رمضان، ويشعر بأنه يرضيه؟… إن المسألة لا تتعلق بأن يشعر المسلم بأنه يرضي الله، بل تتعلق بأن يرضى الله حقاً عن المسلم، فشتان ما بين الأمرين.
نعم إن الله سبحانه قد عز جنابه وجل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، وتعالى ذكره، كان رضاه مقصد كل مؤمن وملتمس كل تقي، وكان غاية الغايات ومعقد العزمات… فطوبى لمن يرضى الله عنه، فكيف السبيل إلى ذلك؟
وإن محبة الله ودينه قوية لدى المسلمين، يشهد بذلك الكفار قبل المسلمين، وهذا أول الغيث، ومتى وجد سهل ما بعده؛ لأنها تفتح العقل والنفس على القيام بكل ما يرضيه… ولكن المسألة متعلقة برضاه هو سبحانه أولاً، ثم برضانا لرضاه، وليس رضانا منفصلاً عن رضاه سبحانه.
فالمسلمون كل آمن بالله وحده أنه هو الخالق، وأنه هو وحده المعبود، وأنه سبحانه خلقنا حصراً لنعبده، وأنه سبحانه أرسل سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الناس كافة ليبين لهم كيفية عبادته، فبين لنا (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه لا يُعبد الله إلا بما يريده الله، وكان على ذلك هو وصحابته، فغيّر الله حالهم إلى أحسن حال، وهذا ما نحن بأمس الحاجة إليه اليوم، فكيف السبيل إلى ذلك؟
إن على المسلم أن يعلم أن دينه كامل شامل لكل تصرفات الإنسان في حياته، سواء منها المتعلقة به كفرد كالعبادات والمطعومات والملبوسات والأخلاق، أم كجماعة كالمعاملات والعقوبات، وكذلك تتعلق به أحكام الدولة الإسلامية من حيث العمل على إيجادها إن لم توجد، ومن حيث محاسبتها إن وجدت. فهو كمسلم مسؤول عن طائفة كبيرة من الأحكام الشرعية الواقعة ضمن تكليفه. ولا يجوز أن يقتصر على بعضها، وهذا ما يحصل. وهذا ما يوقعه في الإثم العظيم، فهو عندما يلتزم بأحكام الصلاة والصيام والحج والزكاة، وعندما يقرأ القرآن ويقيم الليل ويذكر الله تعالى ويستغفره… وعندما يلتزم بأحكام المطعومات فيبتعد عن كل ما نهاه الله عنه، والملبوسات بأن يغطي عورته، والأخلاق بأن يصدق ويبر والديه ويبتعد عن الغش والنميمة والغيبة… فإنه ولا شك يجلب لنفسه من الحسنات بمقدار ما يطيع ويخلص النية لله سبحانه، والله سبحانه أعلم بما يجزي به. ولكن عندما يترك الأحكام المتعلقة به كجماعة كأحكام المعاملات من بيع وشراء وإنشاء شركات ورهن وحوالات وأحكام إجارة… وكذلك عندما يهمل طائفة كبيرة من الأحكام الشرعية التي يتعلق وجودها بوجود الدولة الإسلامية وتتعطل إن لم توجد، والتي على المسلمين بمجموعهم واجب العمل لإقامة الدولة لتقوم نيابة عنهم بإقامتها، وذلك من مثل الحكم بما أنزل الله، والجهاد في سبيل الله لنشر الدعوة وإيصال الإسلام إلى الكفار ببلاغ مبين، ورد اعتداء الكفار على المسلمين واحتلالهم لبلادهم، وكذلك إقامة الحدود الشرعية، وتنفيذ أحكام الله سبحانه في الأراضي والملكيات، والإشراف على إقامة كل الفروض الكفائية المتعلقة بتنظيم حياة الأمة، وغيرها الكثير الكثير… ولو أحصينا الأحكام الشرعية التي يلتزم بها المسلم في حياته لوجدناها كالتلال، بينما لو أحصينا الأحكام الشرعية التي تركها لوجدناها كالجبال.
فبوجود الدولة الإسلامية التي تعتبر من أهم الأحكام الشرعية، والتي قضى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) شطر دعوته في مكة يعمل لإيجادها، تنتظم حياة المسلم من كل جوانبها، كما حدث في المدينة، فما طبق حكم شرعي في المدينة إلا وكانت الدولة الإسلامية هي القوّامة على تنفيذه… هكذا كان المسلمون زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): كانت الدولة حاضرة في كل تصرفاتهم، وكان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حاكمها، ومن بعده الخلفاء الراشدون المهديون، وعند مراجعة حياة أي صحابي لا نراها منفصلة أدنى انفصال عن وجود الدولة الإسلامية، فالعجب كل العجب أن يقتصر المسلمون اليوم على تنفيذ جزء من الإسلام، ومن ثم يعتبرون أنفسهم أنهم قد قاموا بما عليهم، ومن ثم يكتفون بالدعاء إلى الله أن يغير أوضاعهم، وأن يهلك عدوهم، وأن يريحهم من حاكمهم. هل هكذا يحاز رضى الله سبحانه؟ وهل هذا ما كان عليه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وصحابته الكرام (رضي الله عنهم أجمعين)؟
نعم، إن المسلمين اليوم، في الوقت الذي يلتزمون فيه ببعض أحكام الإسلام، ينالهم وزر ما لم يلتزموا به، ووزر ما لا ينفذ من أحكام شرعية بسبب غياب الدولة الإسلامية المسؤولة هي عن تنفيذها. فاليوم لا يزني الزاني، ولا يسرق السارق، ولا يُشرب الخمر، أو غيره مما فيه حد إلا وينال المسلمين إثم من عدم إقامة الحدود على أمثال هؤلاء. حتى الكافر يموت اليوم من غير أن تبلغه الدعوة الإسلامية ببلاغ مبين ينال المسلمين وزرٌ من ذلك… وكذلك الكافر يحتل أراضي المسلمين ويدوس كراماتهم، ويعتدي على أعراضهم، وينهب خيراتهم، فإن المسلمين ينالهم وزرٌ من ذلك لعدم دفع عدوهم بالجهاد، وبعدم إقامة الدولة الإسلامية التي تطرده وتحفظ بيضة المسلمين وتحمي حرماتهم. وكذلك حكام السوء الخائنون لله ولرسوله وللمؤمنين، العملاء للغرب الكافر والذين يمكنون له في بلاد المسلمين ويجعلون له سبيلاً عليهم، والذين يبعدون الإسلام عن الحكم ويحاربون عودته إليه، ويحكمون بغير ما أنزل الله، فإن وجودهم وبقاءهم يرتب على المسلمين إثم القعود عن إقامة حكم الله بإقامة الدولة الإسلامية التي تضع حداً لكل هذه المعاصي، وهكذا يترتب على المسلمين كثير من الآثام نتيجة عدم إقامة الإسلام كله في حياتهم كلها، نتيجة عدم إقامة كل فرض فرضه الله عليهم، ومنها الفروض التي فرضها الله عليهم بمجموعهم كمسلمين وأناط تطبيقها بالدولة الإسلامية… فلو كان ديننا ديناً روحياً فحسب، يقتصر على بعض الفروض الفردية التعبدية لكان ما يقوم به المسلمون كافياً، أما وأن دين الإسلام دين كامل شامل، فيه أحكام الحياة جميعها، فإن المسلمين جميعهم مسؤولون عن إقامة الدين كله ومحاسبون على التقصير في أدنى فرض فيه.
إن العلماء الذين يسمع لهم المسلمون اليوم، وخاصة في رمضان، هم الذين يصرفون المسلمين عن الفهم الصحيح من حيث يعلمون أو لا يعلمون، وذلك عندما يركزون على بعض الأحكام دون غيرها، ويوهمون المسلمين أنهم متى فعلوها فقد حيز لهم الدين كله، وأرضوا ربهم. ومنهم من يصور بعض الحكام أنهم ولاة أمور المسلمين وبالتالي عليهم واجب طاعتهم حتى فيما هم فيه من التفريط بالدين وموالاة الكافرين، هذا فضلاً عن العلماء الرسميين الذين لا تصدر أحكامهم إلا عن باطل الحكام… إن أمثال هؤلاء قد فرطوا بأمانة العلم والعمل به كل بقدر ما يفرط، وكان على هؤلاء أن يلتقوا مع المسلمين جميعهم على العمل ليقوم أمر الله كله بإقامة الدولة الإسلامية، إن أدنى نظرة إلى حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وصحابته من بعده تشير إلى ذلك، فالعجب كل العجب أن يضرب أمثال هؤلاء العلماء الذكر عن هذا صفحاً.
أيها المسلمون
إن هذا الأمر جد، وليس بالهزل، ولا يظنن ظانّ أنه يمكن حله على طريقة من يعرفونهم من علماء اليوم، وإن واقع ما عليه المسلمون من الضنك لن يرفعه علم هؤلاء، ولا دعاء القاعدين المتثاقلين، لن يرفعه إلا دعوة صادقة لإقامة الإسلام كله، فهل من مجيب لداعي الله… إن الأمور بدأت تشير بنفسها إلى صحة ما نقول وما نقوم به، فضلاً عن الشرع الذي هو هادينا إلى ذلك.
أيها المسلمون
يا من تحبون أن تكونوا عتقاء رمضان، يا من جعل الله لكم فسحة خير في رمضان لكي تتدبروا الفهم الصحيح، يا من تفتح نفوسكم وقلوبكم لكل ما يرضي الله، يا من صفد لكم الشياطين في هذا الشهر… ارموا عنكم سلاسل القعود عن القيام بأمر الله كله، وتحرروا منها، وانطلقوا إلى مرضاة ربكم كما يحب ويرضى. واعلموا أن المسلمين مسلمان: مسلم أخذ الإيمان منه مأخذه، وأشغل نفسه في طاعة ربه كلياً بأن يقوم أمره كله لتقوم حجة الله في دينه على الناس أجمعين، ولتكون كلمة الله هي العليا، وغايته في ذلك نوال رضى الله. نسأل الله أن نكون من هؤلاء السابقين قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ، فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ، وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ) [الواقعة 10-14]. ومسلم مقتصد خلط عملاً سيئاً وآخر حسناً، وهنا يدخل الميزان: وجبال الحسنات أو تلالها، وجبال السيئات أو تلالها. وهنا يفصل القرآن حال هؤلاء بقول الله تعالى عنهم: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ، وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ، فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، نَارٌ حَامِيَةٌ) [القارعة 6-11].
إننا نتوجه إلى المسلمين بعلمائهم وعامتهم، مخلصين لهم النصيحة في الدين، فنقول لهم لا تطمئنوا إلى ما أنتم عليه، فإنكم بعبادتكم هذه لستم تنامون على حرير كما تظنون، إن ما تقومون به مطلوب ولكنه غير كافٍ، ولن يستقيم أمركم إلا بأن يستقيم على أمر الله تماماً كما أنزل، وتماماً على ما فصله وأحسن، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) [البقرة 208] أي في الإسلام كله. وعلى الله قصد السبيل.
2008-09-28