مع القرآن الكريم:
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ، إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ، وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ).
جاء في كتاب «التيسير في أصول التفسير» لمؤلفه العالم في أصول الفقه أمير حزب التحرير عطاء بن خليل أبو الرشتة (حفظه الله وسدد خطاه):
يبين الله سبحانه في هذه الآيات ما يلي:
-
إن من الناس من يجعل مع الله شركاء وأمثالاً له سبحانه، يسوون بينهم وبين الله، ويحبونهم كحب الله، ولكنه الحب المبني على غير هدى، فلا يسمو إلى حبّ المؤمنين لله لأن أساسه على تقوى من الله وإيمان، فحب المؤمنين لله هو الأشد الأشد الذي تطمئن به القلوب وتدخل به الجنة ورضوان من الله أكبر.
ولكن أولئك المتخذين من دون الله أنداداً والمسوينهم بالله فإن مصيرهم عذاب أليم يوم القيامة، وعندها يتبينون أن الله هو القوي والقوي وحده فلا قوة لغيره، وأن عذابه للظالمين شديد أليم، وأن الذين زعموهم أنداداً لله هم مخلوقات لا حول لهم ولا قوة (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ءَالِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ، لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) يس/آية74-75.
(وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ) (لو…إذ) تختصان بالماضي وهنا وردتا مع المضارع وذلك لتحقيق أمرين معاً:
– المضارع لإفادة المستقبل لأن الموضوع يتعلق برؤيتهم يوم القيامة.
– والماضي للدلالة على قطعية تحققه في علم الله فكأنه حدث في الماضي وانتهى أمره.
وجواب (لو) محذوف للدلالة على أنه أمر عظيم يكاد لا يوصف، أي لو رأوا ما أُعِدَّ لهم من عذاب يوم القيامة وأهوالها لوقعوا في الحسرة والندامة بما لا يكاد يوصف من حال ومآل.
واستعمال (لو) و(إذ) و(حذف الجواب) في السياق المذكور قوة في البلاغة والبيان (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فصلت/آية42.
(أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) يدخل فيها (وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) وإنما في إعادة ذكرها وعطفها مبالغة في تهويل الخطب وأن لا عفو عليهم يوم القيامة، حيث إنَّ (الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) لا يوجب شدة العذاب لجواز تركه عفواً من الله سبحانه مع القدرة عليه، فَذَكَر الله سبحانه (وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) معطوفاً عليه لإزالة أي أمل عندهم في عفو الله عنهم.
-
في ذلك الموقف العظيم ومشاهدة العذاب الأليم وأن القوة لله جميعاً تنكشف حقائق الأمور:
أ. تبلغ الحسرة والندم مبلغاً عظيماً عند أولئك الذين اتخذوا من دون الله أمثالاً آلهة -أصناماً وغير أصنام- عندما يرون أن أولئك الأنداد لا حول لهم ولا قوة وأن العذاب يحيط بهم من كلّ مكان.
ب. وتزيد حسرتهم وندمهم وألمهم عندما يرون رؤساءهم الذين اتبعوهم وقادوهم إلى تلك المهالك، يتبرؤون منهم فالموقف عظيم والعذاب أليم لا يترك مجالاً للرؤساء أن يعترفوا بالأتباع فالكلّ مشغول بنفسه وكلّ روابط الاتصال بين الأتباع والمتبوعين تنقطع وكأنها لم تكن.
ج. ثم تزيد الحسرة والألم عند هؤلاء الأتباع عندما يتبين لهم أنهم لا يستطيعون الخروج من النار والرجوع إلى الدنيا لينتقموا من المتبوعين فيتبرؤوا منهم كما تبرأ أولئك منهم في الآخرة، وعندها يرون عظم سوء صنيعهم باتباعهم أولئك الرؤساء الذين قادوهم إلى المهالك ويتبين لهم أن أعمالهم السيئة تلك التي اقترفوها انقياداً لرؤسائهم قد انقلبت حسرات عليهم يتبوؤون من خلالها مقاعدهم في جهنم وبئس المصير.
-
منطوق هذه الآيات متعلق بأولئك الذين اتخذوا من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله ووصفهم الله سبحانه بالظالمين لأنهم جعلوا مخلوقات الله في مرتبة الخالق ووضعوا الأمر في غير محله وكانوا بذلك من الظالمين.