مؤسسة «راند»: حلقة من حلقات الحرب على الإسلام
2008/08/27م
المقالات
2,148 زيارة
مؤسسة «راند»: حلقة من حلقات الحرب على الإسلام
منذ أن بزغ فجر الإسلام والصراع بين الحق والباطل قائم لم تخبُ ناره ولم تهدأ عواصفه، بل إن هذا الصراع كان ككرة الثلج المتدحرجة بلا توقف، كلما مرت عليها الأيام والسنون كبرت وتضخمت، وهذا لا يخفى على كل بصير، غير أن أشكال هذا الصراع أخذت تتنوع وتتشكل وأكتست صوراً متعددة، فظن قصيرو النظر أن حدة الصراع قد ضعفت، وأن زماننا زمان “ثقافة الحوار وحوار الحضارات وتكاملها” كما يحلو للبعض أن يسميه، ولكن هؤلاء قد أخطأوا كبد الحقيقة وجانبوا الصواب بعلم وبينة أو بغفلة وجهل، فالصراع بين الحق والباطل لا يمكن أن يقف ولو للحظات إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فهذه سنة من سنن الله، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
طوال فترات الصراع اعتمد الكفار على الخديعة والمكر، بينما كان صراع المسلمين للكفار وأديانهم ومعتقداتهم الفاسدة دحضاً للباطل وإحقاقاً للحق والعدل والإنصاف، فالمسلمون -برغم تقلب وتغير أحوالهم- كانوا ولا زالوا على مدى سنوات الصراع يملكون الحقيقة المطلقة للوجود والتي لا يقوى أي مفكر أو فيلسوف أن يقف أمامها، لذا كان صراع المسلمين واضح المعالم سامي الأهداف والغايات، بينما صراع الكفار يعتمد على التضليل والخداع والمراوغة والوقيعة نظراً لما يفتقدون إليه من حجة تثبت طرحهم، أو دليل يدعم عقائدهم، أو برهان يعضد مبدأهم، فامتاز صراعهم دائماً بالخبث والدهاء، فكان لا بد للمسلمين من دوام سبر أغوار مخططات الكفار وكشفها وفضحها لإبطالها وإفشالها سيما في ظرفنا الراهن الذي فقدنا فيه رأسنا ومدبر أمرنا وحامي بيضتنا خليفتنا وجنتنا.
ولإحكام كيدهم ومخططاتهم وشعوراً منهم بتغير حال المسلمين -الطرف المستهدف- عمد الكفار وسيما أميركا، الدولة الأولى في العالم وحاملة لواء الحرب الصليبية، عمدوا إلى إنشاء مراكز أبحاث متخصصة ذات كوادر وطاقات أكاديمية وسياسية، همّها دراسة أحوال المسلمين، وتحديد أسباب تقدم الأمة في المستوى الفكري وفي مشروعها النهضوي، والعمل على وضع طرق وأساليب لحرب تقدم الأمة والساعين لنهضتها، ودراسة جدوى مخططاتهم ومدى ما حققت من نتائج، وإعادة دراسة كل مخطط لإصدار توصيات باستمرار اعتماده أو بضرورة تعديله أو استبداله.
ومن المراكز المشهورة والتي يطلق عليها مصطلح أوعية التفكير (Thinks Tanks) مؤسسة راند، مركز نيكسون للأبحاث، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، معهد الشرق الأوسط، مجلس العلاقات الخارجية، معهد المشروع الأميركي للأبحاث السياسية، مركز سابان لدارسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينغز، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، معهد السلام الأميركي (Usip)، معهد أميركان إنتربرايز…
ونحن في هذا المقال اخترنا أن نلقي الضوء على مؤسسة من هذه المؤسسات التي اختصت في الآونة الأخيرة بدراسة أحوال المسلمين بشكل مركز، وقدمت عدة توصيات بضرورة أعتماد سياسة ركوب الموجة باستغلال حركات ما يسمى بالإسلام المعتدل، وإشراكه في اللعبة السياسية والحكم، واستخدامه كأداة لضرب التوجهات الإسلامية الحقيقية التي يصفها أصحاب هذه المراكز بالتيارات المتطرفة والإرهابية، فكانت لنا هذه الوقفة لنلقي الضوء على هذه المؤسسة، وعلى توصياتها الأخيرة الخطيرة التي لا بد من ضرورة التنبه لها لمعرفة كيفية التصرف حيالها.
مؤسسة “راند”.
(تأسست عام 1945م بإشراف القوات الجوية الأميركية، وبمشاركة شركة “دوغلاس للطيران”. إلا أن المشروع تحول لاحقاً في عام 1948م إلى “منظمة مستقلة غير ربحية” بتمويل من وقف فورد الخيري (Ford Foundation) ويصف البعض هذه المؤسسة بالولد الشرعي للبنتاغون.
كان الهدف من تأسيس المؤسسة في الأصل -كما يذكر بعض المراقبين- هو “إمداد القوات الأميركية بالمعلومات والتحليلات اللازمة” إلا أن هذا الهدف توسع لاحقاً عندما أصبحت المؤسسة شبه مستقلة، ليشمل تعاملها واهتمامها بمعظم المجالات ذات العلاقات بالسياسات العامة داخل أميركا وخارجها. لمؤسسة راند “مجلس أمناء” يضع خططها المستقبلية، ومن أهم من عمل بهذا المجلس: دونالد رامسفيلد، كوندوليزا رايس، زالماي خليل زادا.
الإمكانات:
تتوفر لمؤسسة راند إمكانات هائلة تكاد تشبه ميزانية بعض الدول. فنفقات “راند” السنوية تبلغ أكثر من 150 مليون دولار، كما يبلغ عدد العاملين فيها 1600 عامل، ما بين إداري وباحث.وتوجد عدة فروع للمؤسسة، بعضها داخل أميركا وبعضها في الخارج. إذ توجد ثلاث مقرات رئيسية في كل من: سانتا مونيكا كاليفورنيا، وواشنطن دي.سي، وبتسبيرغ بنسلفينيا، وكامبردج بالمملكة المتحدة، إضافة إلى فرع افتتح حديثاً في دولة قطر.
الأهداف:
تسعى “راند” إلى مساعدة الساسة وصناع القرار في فهم القضايا العامة من خلال البحث الجاد والتحليل العميق، وهذا هو نفس الهدف الذي تعلن عنه معظم مراكز التفكير في العالم ضمن ديباجة التأسيس.
التأثير على صناعة القرار:
ظلت “راند” شديدة التأثير في صياغة الرأي لدى صناع القرار في أميركا، وخاصة المؤسسة العسكرية ممثلة بالبنتاغون.
هذا وقد أصدرت مؤسسة “راند” تقارير توصي باستخدام ورقة الحركات الإسلامية “المعتدلة” في الصراع، سعياً منها لتوجيه صناع القرار في الإدارة الأميركية نحو ضرورة تحويل الصراع وتغيير منحاه، فقد أصدرت تقريرين هامين أحدهما في عام 2004م بعنوان (الإسلام المدني الديمقراطي: الشركاء والموارد والاستراتيجيات) والثاني في عام 2007 بعنوان (بناء شبكات مسلمة معتدلة).
يعالج التقريران المذكوران المعضلة التي وقعت فيها أميركا بعدما أعلن بوش سياسته وتصنيفه للعالم بقوله “إما معنا أو ضدنا”، وقد تبين لصانعي القرار الأميركي خطأ هذه السياسة وفشلها؛ لذا أوصت بضرورة إعادة استخدام ورقة الحركات الإسلامية التي تصنف أميركياً بأنها معتدلة.
ووضعت “راند” مواصفات للحركة التي تعتبر “معتدلة”. وأوصت بضرورة دعمِ الإسلاميين المعتدلين أو العصرانيين ليقفوا سداً منيعاً ضد “الأصوليين المتطرفين”.
بيد أن التوجه الجديد للمؤسسة -في تقرير عام 2007م- يتجه نحو ضرورة تغيير الفكر والمعتقد للحركات “المعتدلة” حتى في أساسيات مبدئها ودينها ولا يكتفي بمجرد الولاء السياسي، ولعل ما أقدمت عليه حكومة حزب العدالة والتنمية -وكشفت عنه صحيفة ذا جارديان- من مشروع لإحداث تغييرات في الدين الإسلامي عبر شطب نصوص ثابتة من الأحاديث الشريفة، وتغيير أحكام قطعية لتتوافق مع الطرح العلماني باسم التجديد في الدين الإسلامي وملاءمة العصر، ولعل هذه المشروع أحد الأمثلة الحية لهذا التوجه.
خلاصة التقارير التي صدرت في هذا الشأن من مؤسسة “راند” ومن مؤسسات بحثية أخرى، والتي تسعى جاهدة للاستفادة من أساليب مواجهة الشيوعية لتطبقها على حربها على الإسلام والتي تسعى لتجعل -على حد وصفها- من الحركات الإسلامية “المعتدلة” تلعب دور الحركة البروتستانتية في أوروبا بدعوتها لليبرالية والتحرر، خلاصة هذه التقارير توصي بنقل صعيد المعركة التي فشلت أميركا والغرب إلى الآن في كسبها، من حرب أطرافها المسلمون وأميركا إلى حرب بين “الأصوليين” و”المعتدلين” من أبناء الأمة، وستعمل أميركا والغرب على دعم “المعتدلين” بشتى أساليب الدعم والمعونة، وترى هذه المراكز هذا النهج هو الذي يمكن أميركا من تحقيق غايتها في المنطقة دون عناء. وسيراً على النهج نفسه بنقل الصراع إلى الجبهة الداخلية للمسلمين أوصت هذه التقارير بإشعال الفتنة الطائفية بين المسلمين كفتنة السنة والشيعة.
أيـّها المسلمون:
إن واقع الأمة اليوم، الذي حمل السياسة الأميركية على وجه الخصوص والغربية بشكل عام على استخدام ورقة الحركات المصنفة غربياً بأنها معتدلة، يحمل بشارة وتحذيراً، أما البشارة فهي أن أميركا والغرب قد فشل في حربه الصريحة المعلنة على الإسلام وأهله، وأنه برغم كل ما بذلوه من أموال وجهود لم تستطع أن تغير منحى المسلمين المتجه صعوداً نحو الخلافة وتطبيق الإسلام الخالي من الشوائب الغربية، ما ألجأ هؤلاء مرة أخرى إلى إعادة تفعيل استخدام ورقة الحركات الإسلامية “المعتدلة” والموالية سياسياً للغرب، من بعد ما قرر هؤلاء حرب الإسلام بكافة شرائحه وأطيافه وحركاته حتى “المعتدلة” منها، وفي ذلك على تقهقر ونكوص . اما التحذير فمن مكمنه يؤتى الحذر، فواجب المسلمين اليوم أن لا يقبلوا بين ظهرانيهم دعوة للعلمانية بثوب إسلامي، أو دعوة لضرورة التحاور والتوافق مع الغرب والمبدأ الرأسمالي، فواجب المسلمين أن يزنوا هذه الدعوات والحركات التي تتبناها بميزان الإسلام الدقيق لكي لا ينـزلقوا في هذه المنـزلقات الخطيرة، فينشغلوا بحرب بعضهم البعض فكرياً أو مادياً، ويتركوا العمل لمشروع الأمة النهضوي (إقامة الخلافة) الذي به يتخلصون به من هيمنة أميركا والغرب، بل به ينقذون البشرية مما تعانيه.
2008-08-27