حزب التحرير والتعتيم الإعلامي
2008/08/27م
المقالات
1,814 زيارة
حزب التحرير والتعتيم الإعلامي
محمد البغدادي
تعرض حزب التحرير إلى العديد من الممارسات والضغوط بغية القضاء عليه أو على الأقل الحدّ من نشاطه، فقد حُظر الحزب ومنع من مزاولة نشاطه السياسي في أغلب الأقطار التي يعمل فيها، وتعرّض أعضاؤه ومناصروه لحملات الاعتقال المستمرة، والتي أسفرت عن أحكام بالسجن أو الإعدام لأعداد كبيرة منهم، سيّما وأنّ الحزب قام بعدة محاولات لاستلام الحكم، وهذا ما جعل منه هدفاً دائماً للحكومات، وقد كان التعتيم الإعلامي الشديد على أنشطة حزب التحرير وأفكاره، وما يتعرض له أعضاؤه وأنصاره من حملات الاعتقال، والأحكام التي تصدر في حقهم، كان ذلك من أبرز الأساليب التي انتهجتها الحكومات العميلة ومن ورائها قوى الكفر التي تتحكم في العالم، وإزاء ذلك لم يقف حزب التحرير مكتوف الأيدي، فقد قام بأعمال كثيرة لكي يفرض حضوره الإعلامي على الخارطة السياسية، ومن هذه الأعمال:
1- فتح مكاتب إعلامية، ومكاتب للناطقين الرسميين للحزب في أقطار كثيرة من بلاد المسلمين، حتى في البلاد التي يكون فيها مجرد الانتماء للحزب جريمة يعاقب عليها القانون، مثل الأردن وتركيا وباكستان وغيرها، بل وحتى في بلاد الغرب.
2- أفاد حزب التحرير من خدمة الإنترنت، فنلاحظ أنّه يستعمل أكثر من موقع رسمي، فضلاً عن مواقع أخرى لا تكاد تخرج عن أفكار الحزب، ثم توّج الحزب هذه الخطوة بفتحه إذاعة على الإنترنت: (إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير).
3- المسيرات والمؤتمرات، إذاً كما لاحظنا قام الحزب بعقد عدد غير قليل من هذه الفعاليات، وفي عدة بلدان إسلامية وغير إسلامية.
4- استمرار الحزب بما اعتاد عليه من إصدار النشرات التي تتناول مواضيع الساعة، سواء على مستوى القيادة العامة للحزب أم على مستوى الولايات، التي لم تكد تنقطع في أحلك ظروف الحزب، وكذلك الكتب التي يوجهها إلى المسؤولين، من رؤساء، أو وزراء، أو رؤساء مجالس برلمانية، أو غيرهم، يدعوهم فيها إلى نصرة الإسلام.
5- استثمر حزب التحرير الفراغ السياسي والفكري والروحي الذي خلفه سقوط الاتحاد السوفياتي، في البلاد الإسلامية التي كانت تخضع للاتحاد السوفياتي السابق، وقد أظهرت تجاوباً منقطع النظير مع دعوة الحزب، وبخاصة في أوزبكستان.
6- الجرأة التي تحلّى بها الحزب في كشف الحكومات القائمة في العالم الإسلامي وبيان تبعيتها للغرب الكافر.
وعموماً نلاحظ أنّ ظهور حزب التحرير على الساحة السياسية والإعلامية قد أصبح لافتاً للنظر وخاصة بعد احتلال أميركا لأفغانستان عام 2001م، على أثر أحداث 11 أيلول، ثم أكثر من ذلك بعد احتلال العراق عام 2003م، ما يمكن أن نصفه بأنه هيّأ الأجواء أكثر لانتشار الحزب وكسر طوق التعتيم الإعلامي؛ وذلك لأمور:
1- كون هذه الحروب قد خلقت أجواء مربكة لكثير من الحكومات التي بدأت تخشى الخطر الخارجي المتمثل بأميركا، بدلاً من الداخلي.
2- انكشاف الحكام وظهور عمالتهم لدول الكفر الكبرى بكل وضوح وصلافة.
3- الجرائم التي قامت بها قوى الكفر بقيادة أميركا ضد المسلمين، جعلت المسلمين يتحركون إيجاباً تجاه الدعوة إلى إقامة الخلافة، بعد أن سقطت كل الدعوات القومية والوطنية وغيرها، حتى أضحت الدعوة إلى إقامة الخلافة مطلب الأمة الإسلامية.
4- ظهور عجز الحركات والجماعات التي اتخذت من المشاركة في حكومات الكفر طريقة لها، إذ لم تحقق أي نتائج تذكر، قياساً بالتنازلات التي قدمتها على حساب الدين.
5- تولي الشيخ عطا خليل إمارة الحزب، التي يمكن أن نصفها بأنها الجمع بين الأصالة والتحديث،الأصالة من حيث حسن الالتزام بالنصوص، والتحديث من حيث ابتكار أنجع الأساليب والوسائل.
لقد جعل هذا النشاط القوي الذي أظهره الحزب يتخطى حواجز التكتم الإعلامي، إذ أصبح من المعتاد أن يسمع أو يرى المسلم خبراً عن حزب التحرير، بيان أو مظاهرة أو مسيرة أو مؤتمر أو ندوة، أو الكشف عن اعتقالات، بل بدأت مراكز البحوث في مختلف الدول، ولا سيما التابعة للولايات المتحدة الأميركية، تعقد المؤتمرات، وتصدر التقارير، وتبعث بالتوصيات في محاولة منها لتحييد دور الحزب والوقوف على موطن قوته ونقاط ضعفه بغية الوصول إلى ما يبرر تصنيفه ضمن الحركات الإرهابية كما فعلت روسيا، وغيرها.
ومن أهم هذه التقارير:
1- تقرير صادر عن مكتب شؤون آسيا الوسطى بوزارة الخارجية الأميركية… يحذر فيه من نشاط حزب التحرير، ومما جاء فيه: «الولايات المتحدة تراقب عن كثب حركة حزب التحرير الإسلامي، التي دعت إلى قلب حكومات آسيا الوسطى»، وأضاف: «غير أنّ هذا الحزب لا يُحبّذ اللجوء إلى العنف على الرغم من خطابه الملهب للمشاعر، والمعادي للسامية، وغير المتسامح»، مؤكداً أنّ: «الولايات المتحدة امتنعت عن تصنيف هذا الحزب كمنظمة إرهابية أجنبية، بسبب عدم وجود أدلة على أن حزب التحرير قد قام بأعمال عنف لتحقيق أهدافه السياسية»، وأكد التقرير أن: «الحزب دعا إلى قلب الحكومات في العالم الإسلامي، وإلى إقامة خلافة إسلامية ثيوقراطية لا حدود قومية لها».
2- مؤتمر بعنوان: ( تحديات حزب التحرير، فهم ومحاربة الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة)، عقد في تركيا أوائل شهر أيلول من عام 2004م، برعاية مركز نيكسون الأميركي، لبحث أبعاد انتشار حزب التحرير، استمر المؤتمر على مدار يومين، ودونت أعمال ونتائج المؤتمر ووضعت في تقرير من 157 صفحة.
3- تقرير تقدَّمت به زينو باران (مديرة قسم الأمن الدولي والطاقة في مركز نيكسون) خلال شهادتها أمام اللجنة المصغَّرة (حول الإرهاب والتهديدات والقدرات)، في: 14/3/2006م وقد خاطبت الكونغرس مذكرة إيّاه على حد تعبيرها: «بأن حزب التحرير يشكل مجموعة من التهديدات للمصالح الأميركية، وهو يساهم في خلق تمايز وانفصال بين الغرب والمسلمين، ويسهم في بث روح العداء لأميركا والسامية»، وتضيف محذرةً: «إنه الحزب الوحيد الذي يتحدث عن الأمة والخلافة بمفهوم جامع لكل الأمة، وليس في الدولة أو الدول التي يدعو فيها مثل الجماعات الأخرى»، وأنه قد أحرز: «تقدماً جدياً واسع الانتشار وخطيراً باعتباره المقاتل الرئيسي في حرب الأفكار».
4- نشرت جريدة التايمز البريطانية في: 5/4/2006م، مقالاً عن حزب التحرير، كتبه (دين جودسون) مدير البحث في مؤسسة الثينك ـ تانك لسياسة التبادل، يظهر من خلاله إشكالية التعامل مع الحزب في بريطانيا.
وغير ذلك من التقارير والمقالات والبحوث التي تناولت حزب التحرير.
وهكذا يستطيع المتابع المنصف أن يقول: إن حزب التحرير قد تجاوز المنهج القمعي الذي تعاملت به أغلب الحكومات في العالم الإسلامي للحدّ من نشاطه، وللحيلولة دون وصول أفكاره ومنشوراته إلى قطاعات الأمة المختلفة، وحطم قيود التعتيم الإعلامي، فأظهر حضوراً قوياً لافتاً للنظر، سيما وأنّ الكثير من الجماعات والأحزاب قد تعرضت لعوامل التعرية السياسية والفكرية، وانصاعت لمغريات القوى الغربية التي سوقتها عن طريق الحكّام في البلاد الإسلامية، فانطلت عليها اللعبة، وأصبحت إحدى أدوات هذه الحكومات تسخرها كيف تشاء.
2008-08-27