تقدم مشروع الخلافة وتقهقر مشاريع الكفار
2008/06/27م
المقالات
1,748 زيارة
تقدم مشروع الخلافة وتقهقر مشاريع الكفار
تعيش الأمة الإسلامية اليوم حالة مخاض عسير لميلاد دولة الإسلام التي تمثل نهضة الأمة الإسلامية وعلو شأنها وعودتها لتعتلي الصدارة وتقتعد ذرى المجد، ويأتي هذا المخاض في ظل معوقات جسيمة وضعت أمامه من قبل الكفار لمنع حصول هذا التغيير وحدوث هذه النهضة، وقد صاحب هذا المخاض حالة من الدهشة والتخوف بل والرعب من قبل الكفار خشية عودة الخلافة ونجاح مشروع النهضة للأمة الإسلامية، وهم الذين كدّوا عقوداً طويلة ليمنعوا الأمة من التقدم في هذا المشروع، لا بل ليحجبوا هذا المشروع عن الأمة حتى تبقى الأمة رهينة لهم، وحتى يكونوا في مأمن من قوة دولة المسلمين المنتظرة التي ستسعى -كما سعت من قبل- لتخليص البشرية جمعاء من براثن هؤلاء، ولكي تخرج العباد من الضنك الذي يحيونه إلى نور وعدل الإسلام، ولا عجب من تخوف الكفار وسعيهم هذا وهم الذين لا زالت جيوش الخلافة التي اكتسحت أوروبا ماثلة أمام ناظرهم، وسنابك خيل المسلمين تقرع آذانهم ، في فرنسا واسوار فيينا وفي أوروبا الشرقية جميعها.
إن ما تحياه الأمة اليوم هو معركة حقيقية حامية الوطيس أطرافها الكفار ومن تبعهم، فهم يحملون مشروعاً استعمارياً لإبقاء هيمنتهم على الأمة، ومشروعهم هذا أخذ أسماء متعددة وأشكالاً مختلفة، أسماء كالاستقلال والحرية والديمقراطية والشرق الأوسط الكبير وغيره، وأشكالاً كالاحتلال المباشر وفرض التوصيات الاقتصادية والسياسية على المنطقة ، والطرف الآخر في هذه المعركة هم الساعون للتغيير ومن سار معهم والتف حول دعوتهم، ومشروعهم مشروع نهضة للأمة وإنقاذ للبشرية عبر إقامة الخلافة حاملة وحامية مبدأ الإسلام بفكرته وطريقته، مشروع حضاري بديل للرأسمالية المتعفنة.
وفي خضم هذه المعركة استطاع الكفار بمكر خبيث -كجزء من حربهم لمشروع نهضة الأمة- أن يدخلوا اليأس والإحباط لدى بعض المسلمين عبر التشكيك بإمكانية نجاح هذا المشروع من جديد وإمكانية كسب هذه المعركة وفق المعطيات الحالية من تحكم الغرب المطلق بدفة مركب البشرية، والحقيقة التي لا يمكن لمبصرٍ أن يخطئها أن الأمور تسير على غير ما يهوى الكفار، وأن سحرهم قد بَطُل وكيدهم قد فشل وفألهم قد خاب. وإن ما تحياه الأمة لخير شاهد على ذلك.
ولأجل إلقاء الضوء على تفاصيل هذه المعركة الدائرة، ولأجل نزع بذور الشك والريبة من قلوب بعض المسلمين، ولأجل أن نبصر الى أين وصل العمل لنهضة الأمة؛ كان لا بد لنا من وقفة نبين فيها مخطط الكفار ومشروعهم، وما صنعوا لأجله، وماذا قدموا لإنجاحه، وما هي إمكاناتهم وقدراتهم، وما مصير هذا المخطط. وأن نبين مشروع الساعين للتغيير والنهضة إلى أي مرحلة قد وصل، وما هي إمكانات أصحاب هذا المشروع، وما هي قابلية نجاحه وتحققه في أرض الواقع ؟
قبيل هدم الخلافة، لا بل منذ قرون خلت، حدد الكفار غايتهم في صراعهم مع المسلمين في أمرين اثنين، أولهما العمل على ضرب الفكرة الإسلامية ومحاولة إدخال المفاهيم المغلوطة عليها بل ومحاولة استبدالها -في مرحلة متأخرة- بمفاهيم غربية. وثانيهما هو هدم دولة الخلافة، وكانت هذه الاهداف أحدى توصيات الملك لويس التاسع عقب أسره أثناء حملته الصليبية على بلاد المسلمين، وهي عينها ما عبر عنه وزير خارجية بريطانيا بعيد هدم الخلافة في مجلس العموم البريطاني بقوله -مسفراً عن الغاية المبيتة التي سعى لها الغرب بأسره وعلى رأسه آنذاك بريطانيا- قائلاً (القضية أن تركيا قد قضي عليها ولن تقوم لها قائمة؛ لأننا قد قضينا على القوة المعنوية فيها: الخلافة والإسلام“) ولإنجاح هذا المخطط بذل الكفار ما استطاعوا لتحقيقه، وضاعفوا جهدهم للمحافظة على المكاسب التي حققوها، لقد بذلوا جهوداً جبارة لتحقيق الهدفين المذكورين أعلاه.
فعلى صعيد حرب الفكرة الإسلامية عمد الكفار إلى وسائل عدة، وحاربوا الفكرة الإسلامية على صعد مختلفة، فقاموا بإرسال الحملات التبشرية في سعي منهم لزعزعة أفكار وعقائد المسلمين، وسعوا الى حرب اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن ولا يمكن فهم الإسلام بدونها، وعملوا على إدخال السم في الدسم عبر تضليل المسلمين وتحميلهم أفكاراً غربية غريبة عن الإسلام بدعوى أنها لا تعارض الإسلام، أو بدعوى أنها من الإسلام، وجندوا لذلك علماء ومشايخ وحركات وجمعيات ووسائل إعلام من فضائيات وإذاعات وصحف وكتاب ومفكرين، ووضعت لأجل هذا الغرض مناهج تعليم، جندت كل هؤلاء وغيرهم الكثير ليحرفوا أذهان الأمة عن فكرة الإسلام الحقة النقية، ليحرفوا أذهان المسلمين عما أصبح يعرف بالاسلام السياسي الذي يطرح الإسلام كمبدأ وكبديل حضاري، فترى من هؤلاء الجند من ينبري ليجعل الاسلام ديناً كهنوتياً ويوالي الحكام على كفرهم وفسقهم وحكمهم بالطاغوت، وترى من هؤلاء من يزعم أن الديمقراطية هي الشورى وأنها بضاعتنا ردت إلينا، وآخر يفتي الناس بجواز البنوك والتعامل بالربا، وآخر يفتي بجواز زواج المسلمة من الكافر إفتراءً على الله، وآخر يجيز شرب اليسير من الخمور، وآخر يزعم أن الإسلام دين الحرية الشخصية والدينية، وآخر يحارب فكرة الخلافة باسم الإسلام ويصفها بالخرافة، وآخر يجيز التحالف مع أميركا تحت ذريعة مشاركتها في الحرب على الإرهاب، ومناهج تعليم تفسد على الطفل قبل الكبير دينه وتدنس فطرته فتحرفها إلى العلمانية واللادينية، ووسائل إعلام تقرع آذان المسلمين صباح مساء بل تداهم كل خصوصياتهم فتنفث سمومها في كل بيت لا تغادر كبيراً ولا صغيراً ولا رجلاً ولا امرأة، فتروّج للحرية والفساد والخلاعة والعلمانية، وإن أسوأهم طريقة بل أضلهم من يضلل الأمة باسم الإسلام عبر محطات فضائية تسمى دينية تحرف الأذهان عن جادة الحق والصواب عبر طرح أحكام ضبابية وفتاوى تتماشى مع العصر والديمقراطية تسمى فتاوى شرعية بألسنة علماء خصصوا لهذا العمل وتفرغوا له… هذا على صعيد حرب الفكرة الإسلامية.
أما على صعيد العمل على هدم الخلافة فقد استطاع الكافر المستعمر هدمها منذ أكثر من ثمانين عاماً عقب حالة الضعف التي عاشتها الخلافة، مما مكن الكفار بمعونة من خونة الترك والعرب من أن ينقضوا ويجهزوا عليها، وأصبح همّ الكفار أن يكرسوا هذا الواقع وأن يصرفوا أذهان الأمة عن الخلافة وفكرتها لئلا تعود من جديد فقاموا بخطوات عدة، منها:
1- سعوا إلى ربط ذاكرة المسلمين عن الخلافة بأنها جائرة ظالمة -وخاصة العرب- استغلالاً منهم لبعض التصرفات الخاطئة التي حصلت قبيل هدم الخلافة والتي كان لأدوات الكفار إصبع فيها.
2- عمدوا إلى تمزيق الأمة أشلاء متناثرة عبر تقسيمها إلى دول متناحرة، ولتكريس هذا التقسيم بثوا فكرة الاستقلال، وجعلوا لكل دولة حدوداً جغرافية لا تتعداها، وجعلوا لها عيد استقلال وعلماً وهوية .
3- سعوا إلى ضرب رابطة الأخوة الإسلامية التي كانت توحد الأمة في كنف الخلافة عبر بث فكرة القومية والوطنية والقبلية والجهوية، وكان لهذه الأفكار في حقبة من تاريخ الأمة رواجاً هائلاً، كما عمدوا إلى ايجاد بدائل وصور مزيفة للوحدة كمنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية.
4- جعلوا من الدول الكرتونية التي أقاموها في بلاد المسلمين حارساً وناطوراً لهم على الأمة، خشية أن تتحرك الأمة نحو الاسلام السياسي ونحو الخلافة. ولتحقيق هذا الهدف جعلوا الدول في العالم الاسلامي دولاً بوليسية، فأوجدوا لها الأجهزة الأمنية المختلفة والمتكاثرة يوماً بعد يوم، فهذا جهاز أمن وقائي، وذاك وطني، وآخر مخابرات واستخبارات ومكافحة إرهاب وغيره، وكل هذه الأجهزة ما وجدت إلا لتراقب تحرك الأمة نحو مشروع النهضة الحقيقي فتقف سداً منيعاً في وجهه ، ولأجل هذه المهمة أنفق الكفار الأموال الطائلة عبر المساعدات التي تقدمها ما تسمى بالدول المانحة لهذه الدول الكرتونية ولأجهزتها البوليسية الجاثمة على صدر الأمة.
5- أوجدوا عشرات الآلاف من الجمعيات التي تسعى بصورة مباشرة وغير مباشرة لحرب مشروع نهضة الأمة، من جمعيات حقوق المرأة، وحقوق الطفل، وحقوق الحيوان، وغيرها الكثير. فبلاد المسلمين تزخر بالجمعيات الأجنبية التي وصل تعدادها في العالم العربي حتى منتصف التسعينات الى أكثر من 70 ألف جمعية، وهي في تزايد مطّرد، ولا يخفى عليكم كم أن لهذه الجمعيات مآرب وغايات خبيثة تسهر على تحقيقها وتبذل قصارى جهدها لذلك.
هذا -على الحقيقة لا المجاز- غيض من فيض مما يبذله الكفار في حربهم لمشروع نهضة الأمة، فهم يملكون من الأموال والمقدرات والطاقات والأجهزة الأمنية والدول البوليسية وأجهزة الإعلام والجمعيات والحركات والتنظيمات وعلماء السوء والمفكرين والكتاب والصحفيين الكثير الكثير، حتى يخيل للمرء لكثرة ما يملكون أن لا طاقة لأحد بمواجهتهم أو التغلب عليهم ،
في المقابل، ماذا يملك الطرف الآخر، وهم حملة مشروع نهضة الأمة في هذه المعركة؟ وما هي إمكاناتهم؟ وماذا حققوا؟ وما مصير هذا الصراع؟ لا يملك هؤلاء عشر معشار ولا أقل من ذلك من إمكانات الكفار المادية، بل إن ما يملكون لا يمكن أن يقبل المقارنة مع إمكانات الكفار بسطاً على مقام. فإمكاناتهم المادية تكاد تكون معدومة، وتحكمهم بوسائل الإعلام معدوم، بل إن وسائل الإعلام هذه مكّرسة لحربهم، ويفتقرون الى العدد نسبة لأعداد الكفار والسائرين في ركابهم. ولا أقلام ولا كتاب ولا صحفيين -إلا من رحم ربي- يشاطرهم رأيهم ومشروعهم النهضوي أو يرى إمكانية تحقيقه، وغني عن الذكر، إنهم لا يملكون دولاً ولا مؤسسات ولا جمعيات، فهؤلاء الغر الميامين لا يملكون سوى المنهج والكلمة، لا يملكون سوى قصاصة ورق ولسان والتزام بالشرع وعدم الحيد عنه ، لا يملكون سوى إيمانهم بهذا المبدأ العظيم وبصيرتهم بالحق وسيرهم على خطى سيدهم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
فماذا صنع هؤلاء في هذه المواجهة وماذا حققوا؟
لإدراك حقيقة الإنجازات التي حققها الساعون لنهضة الأمة، ولإدراك حجمها الطبيعي؛ لا بد أن توضع هذه الإنجازات في سياق هذه المعركة، فهذه المعركة بحق معركة غير منصفة القوى ولا الأعداد ولا الإمكانات فيها متكافئة، فأي إنجاز للطرف الأضعف هو إنجاز مضاعف وتقدم باهر، إذ إن النظرة العقلية المجردة عن الإيمان بالله تحكم قطعاً بفشل هؤلاء لا بل بإمكان القضاء عليهم واستئصال شأفتهم لشدة ضعفهم وقلة حيلتهم أمام هذا العدو المتجبر الذي يملك من الإمكانات والقدرات ما لا طاقة لهم بدفعه؛ لذا كان لا بد من مراعاة هذا السياق للإنصاف، ومع ذلك فقد يظن المرء أننا نذكر ذلك لضآلة ما حقق الساعون لنهضة الأمة من إنجازات مع أن الواقع يدل على خلاف ذلك، فالساعون للتغيير برغم ما ذكرنا من ضعفهم وقلة حيلتهم وعبر العقود الماضية استطاعوا أن يبهروا الكفار بل وأن يجعلوهم مشدوهين حيارى، وكل ذلك بفضل من الله وحده ومنّه، فلقد استطاع دعاة الخلافة -بفضل الله وحده ومنه- أن يردوا سهام الكافرين إلى نحورهم، وأن يبطلوا سحرهم ويكشفوا كيدهم، ونظرة خاطفة سريعة إلى حال الأمة والكفار اليوم ترينا ذلك رأي العين، وتؤكد أن الكفة باتت ترجح لصالح مشروع نهضة الأمة.
فالأمة اليوم وبالرغم من الجهود الجبارة التي بذلت من قبل الكافرين ما عادت تقبل عن الإسلام بديلاً، ولا عادت تقبل الإسلام المداهن للحكام ولا الإسلام الأميركي ولا الأوروبي أو ما يسمى بالإسلام المعاصر أو الوسطي، وها هي تنقب عن أحكام دينها ولا ترضى إلا بالإسلام النقي بديلاً عما سواه، فبالله عليكم، أين القومية ورواجها؟ أو العلمانية ودعوتها؟ أو الاشتراكية والمروجون لها؟ أو الجهوية العصبية؟ ألم تصبح هذه الأفكار أثراً بعد عين؟ ألم تعد الأمة لمعدنها ودينها وأصبحت ترفض ما سواه؟!
ثم أين هؤلاء الحكام الذين كانت الأمة عبر سنين الضلال والغفلة تهتف باسمهم وتلهج ألسنتها بذكرهم وتعلق آمالها عليهم؟ ألم يعد هؤلاء دمىً في نظر الأمة يحركها الكافر حيث يشاء؟ ألم يصبح هؤلاء أمواتاً لا ترجو الأمة منهم عدلاً ولا صرفاً ولا حياةً كريمة؟ بل ألم تصبح الأمة تلعنهم وتسخط عليهم وتتبرأ إلى الله منهم ومن فعالهم وتآمرهم عليها وغدرهم بها صباح مساء؟
ثم أين تلك الحدود التي مزقت الأمة وأين قدسيتها الكاذبة؟ ألم تعد الأمة تتطلع للوحدة ولم تعد تقيم وزناً لهذه الحدود؟ ألا ترون كيف يشعر أهل فلسطين بأهل العراق، وأهل السودان بأهل أفغانستان، وأهل كشمير بأهل الشيشان؟ ألا ترون معي كيف يتطلع المسلمون جميعاً في كافة أقطار المعمورة إلى الوحدة الحقيقية في ظل دولة واحدة، لا يقيمون فيها وزناً لا للون ولا لعرق ولا لحدود سوى لإسلامهم.
ومن ثم ألا ترون كيف أصبحت دعوة الخلافة هي البضاعة والصناعة للأمة، وأصبحت محط أنظارها وأملها في الخلاص، بل إن وعي الأمة على دينها وعلى الخلافة يزداد يوماً بعد يوم، ورأيها العام أصبح رأياً منبثقاً عن وعي عام على الإسلام.
ثم ألا ترون أن الكرّة قد انقلبت على الكافرين فأصبحت أفكارهم في معرض النقض وبيان بطلانها على الصعيد العالمي لا المحلي فحسب، وأصبح المسلمون -وخاصة في بلاد الغرب- يهاجمون الأفكار الرأسمالية الغربية في الصميم -بدل أن يندمجوا في المجتمعات الغربية كما أراد لهم الكفار- مما قاد إلى اعتناق عشرات الآلاف من الغرب للإسلام، وهذه علامة تراجع ونكوص لمشروع الكفار.
من مجمل ماذكر نستطيع الحكم والقول بلا تردد أن مشروع الخلافة -مشروع نهضة الأمة- في تقدم لا بل في تسارع، ومشروع الكفار في تقهقر وانحسار، ولكي نُبلغ في الدلالة نذكر النقاط التالية التي تؤكد ذلك:
1- حالة الذهول التي أصابت الكفار عقب كل ما بذلوه لصد الأمة عن نهضتها ودينها، فبدل أن تصاب الأمة في مقتل، كما طمع عدوها جراء هذه المعركة، نرى الأمة قد حزمت أمرها نحو خلاصها عبر تبني مشروع الخلافة، مما دعا الكفار إلى إعلان حرب صليبية بصورة علنية، وفي ذلك إعلان إفلاس لهم وفشل لجميع المخططات التي رسموها من قبل عبر العقود الماضية.
2- التقارير والأبحاث والتوصيات التي تصدر عن مراكز أبحاث الكفار، كمؤسسة رند ومركز نيكسون للإبحاث، والتي تعترف بدنو قيام الخلافة وتعتبره السيناريو المتوقع للعالم في السنوات القليلة القادمة، مما دعا زعماءهم إلى إظهار تخوفهم من عودتها بصورة علنية. فهذا بوش يصرح مراراً وتكراراً قائلاً: «إن أولئك المتطرفين -ويعني أصحاب مشروع الخلافة- مصممون على القضاء على أي تأثير أميركي أو غربي في الشرق الأوسط» وقال أيضاً مبدياً تخوفه وحذره: «سيسعى أولئك إلى تأسيس إمبراطورية إسلامية متطرفة. فهم يعتقدون أن السيطرة على بلد واحد سيحشد الجماهير المسلمة، ويمكنهم من إسقاط الحكومات المعتدلة في الشرق الأوسط، وإقامة إمبراطورية إسلامية تمتد من إسبانيا إلى إندونيسيا»، وكذا صرح صنوه بلير قائلاً «إن تحكيم الشريعة في العالم العربي، وإقامة خلافة واحدة في بلاد المسلمين، وإزالة نفوذ الغرب منها، هو أمر غير مسموح، ولا يمكن احتماله مطلقاً» ووزير داخليته كلارك صرح أيضاً قائلاً: «إن مسألة عودة الخلافة وتطبيق الشريعة الإسلامية أمران مرفوضان لا يقبلان النقاش أو المساومة» وبوتين الذي اعتبر روسيا خط الدفاع الأول عن أوروبا لأنه -على حد قوله- «يوجد من يعمل على إسقاط الأنظمة العلمانية بغية إقامة دولة إسلامية في آسيا الوسطى» وساركوزي الذي حذر من إمبراطورية إسلامية تمتد من إسبانيا إلى نيجيريا، وكل هذه التصريحات تؤكد أن الأمة تتجه نحو مشروع نهضتها، وما عادت تلتفت إلى ما سواه، وتؤكد مدى الخوف والهلع الذي أصاب الكفار جراء ذلك.
3- عقب حرب أفغانستان وانعتاق طالبان، قررت أميركا أن تتراجع عن استعمال الحركات الإسلامية المخترقة لتحقيق مصالحها وأهدافها، وقررت ضرب كل حركة إسلامية مهما كانت، واليوم تشهد هذه السياسة تراجعاً بسبب فشل السياسة الأميركية في حرب الإسلام السياسي، فعادت أميركا تريد ضرب الإسلام ومشروعه النهضوي بحركات ما يسمى الإسلام المعتدل المقبول أميركياً، وفي ذلك دلالة واضحة على عجز أميركا على مواجهة تقدم وتسارع مشروع الأمة بأفكارها الرأسمالية العفنة، مما ألجأها مرة أخرى لاستخدام ورقة الحركات الإسلامية التي تصنف أميركياً بأنها حركات معتدلة ومقبولة، وأخذ يفاوضها ويحاورها لإيصالها إلى الحكم أو لإشراكها فيه.
هذه هي أهم المعالم والإشارات الدالة على تقدم وتسارع مشروع نهضة الأمة وتقهقر وانحسار وفشل مشروع الكفار، وأن مشروعهم هذا -بإذن الله- إلى زوال واندحار، وهذه المعالم والإشارات قد أربكت الكفار وشدهتهم وأصابتهم بالهلع، فهم عبر أكثر من ثمانين عاماً يسهرون على تضليل الأمة وحرفها عن جادة دينها وسبب عزها ومجدها، ويبذلون الغالي والنفيس لأجل هذا الغرض. بعد كل ذلك يتفاجأ هؤلاء بثلة قليلة العدد والعدة تستطيع بجهودها المحدودة ان تغير مسار الأمة، وأن تجعل الكفة ترجح لصالح الأمة ومشروع نهضتها، إن ما لا يدركه الكفار هي تلك القوة الروحية الكامنة في نفوس العاملين لنهضة الأمة ومعونة الله لهم ، لذا فهم بعد كل ما بذلوا أصيبوا بالخذلان وشعروا بدنو الهزيمة، فهلاّ أحسستم بذلك أيها المسلمون وتفطنتم له كما تفطن له عدوكم؟ والحال كذلك كيف يمكن لليأس أو الإحباط أن يتسللا لقلب مؤمن! وأنى لمؤمن أن يرضى لنفسه أن يبقى متفرجاً في هذه المواجهة الخطيرة؟!
أيها المسلمون:
إن الكفار قد أجمعوا كيدهم صفاً لحربكم ولحرب دينكم وخلافتكم المنشودة رمز عزكم ونهضتكم، وها هم يقاتلونكم في آخر الخنادق، فالمعركة خطيرة جداً والظرف حاسم، فلا يؤتين من قبلكم، فسارعوا قبل فوات الأوان للعمل مع من نصبوا نحورهم وأنفسهم لأجل نهضتكم وعزكم حتى تُسرّعوا عجلة التغيير وتحققوا مشروع النهضة؛ فتفوزوا بالنصر والتمكين في الدنيا والمغفرة والفلاح في الآخرة.
وصدق الله العظيم القائل: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال 36].
علاء أبو صالح – فلسطين
2008-06-27