التضحية عند المسلمين
2016/09/26م
المقالات
2,511 زيارة
التضحية عند المسلمين
التضحية هي بذل الجهد للقيام بعمل من الأعمال من أجل تحقيق شيء معين.
وحتى تصح التضحية عقلاً في سبيل شيء معين لابد من تحقق أمرين:
1- أنه لابد أن يكون هذا الشيء مساوياً أو أعظم من التضحيات التي يمكن أن تبذل فيه.
2- وكذلك لابد أن يكون ما ينشأ من خسارة حين ترك التضحية من أجل ذلك الشيء أكبر من خسارة الشيء نفسه. لأنه إذا كان ما يُضحى من أجله أقل مما يمكن أن يُبذل في سبيله من جهد فإن معنى ذلك أن التضحيات من أجله ضرب من العبث واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.
إن الذي يُسير الناس في حياتهم هو مصالحهم على اختلافٍ بينهم في نظرتهم الى المصلحة لاختلاف أفكارهم ومعتقداتهم. فإذا نظر الإنسان إلى المصلحة باعتبار الدنيا فقط فإن المصالح كلها يمكن الزيادة عليها، وتخضع للمساومة وما يخضع للمساومة لا يمكن أن يكون ثابتاً وبالتالي لا يَصحُ اتخاذه دافعاً للتضحية.
أما إذا نظر الإنسان الى المصلحة باعتبار الآخرة فإن الجنة والنار من ضمن ما ينظر فيه الإنسان، ولن يكون في النظرة مصلحة أكبر من الجنة ولا مفسدة أكبر من النار وهما من العقيدة الإسلامية. فإن أي شيء اتصل بالعقيدة فقد اتصل بأصل ثابت لا يمكن الزيادة عليه أو خضوعه للمساومة، وأضحت التضحية من أجله تضحية من أجل الجنة والتفريط به تفريط بالعقيدة واختيار النار والعياذ بالله تعالى.
والأشياء المتصور للإنسان أن يُضحي بها من أجل تحقيق شيء آخر هي كل ما هو شديد التمسك به من نفس ومال وولد وزوج وجاه وسلطان، أي كل ما يصدق عليه أنه من متاع الحياة الدنيا. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ). وقال: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ).
إبراهيم عليه السلام قال الله عنه في القرآن الكريم: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ) قال كعب وغيره، لما أُري إبراهيم ذبح ولده في منامه قال الشيطان: والله لئن لم أَفتِنْ عند هذه آلَ إبراهيم لا أفتنُ منهم أحداً. فتمثل الشيطان لهم في صورة الرجل، ثم أتى الى أم الغلام وقال: أتدرين أين يذهب إبراهيم بابنك؟ قالت: لا، قال: إنه يذهب به ليذبحه، قالت: كلا، هو أرأف به من ذلك. فقال: إنه يزعم أن رَبه أمره بذلك، قالت: فإن كان ربه قد أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه. ثم أتى الى الغلام فقال: أتدري أين يذهب بك أبوك؟ قال: لا، قال: فإنه يذهب بك لِيذبحك، قال: ولمَ؟ قال: زعم أن ربَّه أمره بذلك، قال: فليفعل ما أمره الله به سمعاً وطاعة لأمر الله، ثم جاء إبراهيم، فقال: أين تريد؟ والله إني لأظن أن الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح إبنك، فعرفه إبراهيم، فقال: إليك عني يا عدوَ الله، فوالله لأمضينَّ لأمر ربي. فلم يُصب الملعون منهم شيئا. ذكره ابن كثير مسنوداً إلى أبي هريرة.
قصة إبراهيم مع ابنه وما فيها من تضحية بولده، وتضحية الولد بنفسه استجابة لأمر الله تعالى هي مثال عالٍ من التضحية. لأن إبراهيم (وولده) عنده مقياس الربح والخسارة هو ليس مقياس باقي البشر. بل عنده مقياس المؤمن بالله وبجنته وبناره. فأي مصلحة أكبر من الجنة وأي مفسدة أعظم من النار. فالاستجابة لأمر الله تعالى أعظم من النفس ومن الولد، والتمرد أو العصيان لأمر الله هو مفسدة عظيمة وهي النار والعياذ بالله تعالى.
وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه الذي رضي أن يضحّي بنفسه فداءاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما هم الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة المنورة فنام في سريره. أتراه ضحى بنفسه لأجل ابن عمه (محمد)؟ أم ضحى بنفسه فداءاً للعقيدة لأن الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم جزء من هذه العقيدة التي تستحق كل هذه التضحية حتى ولو كان بالنفس. وعليٌ رضي الله عنه هو من صحابة الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم، حمل معه الدعوة وهو في سن الشباب بل الصبا. فبتضحياته وتضحيات أمثاله من صحابة محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان وصلنا هذا النور العظيم، فقد بلغنا هذا الدين لأن الله أمر بتبليغه: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) فتضحيات صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت استجابة لأمر الله تعالى، فحقيقٌ لهم المدح منه: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ*أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) وقال: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ).
واليوم من أراد أن يعيد للإسلام مجده وعزه ويكون ممن حق لهم المدح من الله تعالى من فوق سبع سماوات فعليه أن يستجيب لأمر الله تعالى فيكون من الآخرين قال تعالى: (وَقَلِيلٌ مِنْ الْآخِرِينَ) وقال: (وَثُلَّةٌ مِنْ الْآخِرِينَ). وسلعة الله غالية لا ينالها الجبناء بل ينالها من يضحي بما هو غالٍ على نفسه، ويستصغر ذلك في سبيل الله.
وحنظلة الذي سمع نداء الجهاد فلبَّى نداء ربه خالعاً ثوب الخوف والمتعة في يوم عرسه حتى أنه خرج جُنُباً. فأبدله الله خيراً من زوجته من حور عين في جنات النعيم. وغسلته الملائكة فكان (حنظلة الغسيل) أي مرتبة عظيمة هذه. أي أناسٍ أولئك، انهم مضرب الأمثال في التضحية في سبيل الإسلام.
إنها سلعة الله وسلعة الله غالية ألا وهي الجنة قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) وقال: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ).
وسعد بن معاذ وسعد بن عبادة زعيما الأوس والخزرج، إنهما أهل الزعامة والرياسة، إنهما أهل الرأي والحكمة، هما من يطاع أمره، إنهما أهل السلطان. تخليا عن كل هذا لرجل لا يعرفهم ولا يعرفونه ولم يسبق لهم أن رأوه ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وتبعوه عن طيب نفس وألزموا أقوامهم باتباعه، لماذا كل هذا؟ أتراه لمصلحة دنيوية؟ لماذا لم يفعل الشيءَ نفسه أهلُ قريش مع محمد صلى الله عليه وسلم وهو منهم ويعرفهم ويعرفونه وهو من أشرافهم وليس غريباً عنهم؟ إذاً الأمر ليس متعلقاً بمصلحة دنيوية، وإلا لفعلها كفار قريش حتى أنهم لم يسألوه كما سأله غيرهم: لمن الملك من بعدك؟ بل أسلموا له مقاليد الأمور جميعاً ولم ينكُثوا عهداً ولم ينقضوا ميثاقاً طمعاً بمنصب أو متاع زائل انه الإيمان، إنها المصلحة الأخروية، انها الجنة، إنها النعيم المقيم. ان آخر من يدخل الجنة يكون نصيبه من الملك عشرة أضعاف ملوك الأرض. فماذا سيكون نصيب هؤلاء ومن يعمل مثلهم. إنها التضحية من أجل الإسلام وبدونها ما كان وصلنا هذا النور العظيم وبدون تضحية من جيل جديد حريص على إعادة الإسلام الى الحياة لن يكون هذا.
فيا حَمَلَة الدعوة ان سلعة الله غالية ألا وهي الجنة «حُفَّت الجنة بالمكاره وحُفّت النار بالشهوات» فمن أحب أن يكون رفيق محمد صلى الله عليه وسلم في الجنة، ومن أحب أن يكون مع النبيين والصديقين والشهداء، ومن أحب أن يكون مصيره الجنة وأن ينال رضى الله عز وجل فلا سبيل غيرُ سبيل واحد: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ). إن هذه السلعة لها من يشتريها وهي متعددة الدرجات، فمن يدفع ثمناً أغلى يَفُزْ بدرجة أعلى. فأين المتنافسون على الدرجات العُلا؟
اللهم اجعلنا ممن يتنافسون على الدرجات العُلا اللهم اجعل مصيرنا الفردوس الأعلى، اللهم واجعلنا ممن ينعمون بالنظر إلى وجهك الكريم اللهم هذه أنفسنا وأموالنا فداءاً لعقيدة الإسلام فاقبلنا يا ربنا ولا تردنا عن بابك خائبين .
2016-09-26