تسريع وتيرة التطبيع بين أميركا وإيران
2016/09/26م
المقالات
1,746 زيارة
تسريع وتيرة التطبيع بين أميركا وإيران
تسير العلاقات بين أميركا وإيران بخطىً حثيثة ومتسارعة لجعل التطبيع بين الدولتين أمراً طبيعياً مما يساعد في تعزيز مكانة إيران إقليمياً ودولياً ومن ثم يساهم في تقوية حكومة خاتمي داخلياً. فلقد صرحت وزيرة الخارجية الأميركية أولبرايت في 18/6/98: “بأن الوقت قد حان لتخطي الهوة بين أميركا وإيران وأن إعادة العلاقات بين البلدين قد أصبحت حقيقة”، وأعرب الرئيس كلينتون في 19/6/98: “عن أمله بأن يكون اللقاء الكُروي بين المنتخبين الأميركي والإيراني بادرة جيدة لإعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين”. ولقد لفتت هذه التصريحات وغيرها عن المسؤولين الأميركيين نظر نائب مدير وزارة الخارجية الفرنسية الذي قال: “بأن أميركا تبالغ بشأن تصريحاتها بخصوص إيران”، مع أن ليونيل جوسبان رئيس الوزراء الفرنسي: “أكَّد خلال زيارته لواشنطن واجتماعه بكلينتون على ضرورة انضمام إيران إلى المجتمع الدولي”.
هذه التصريحات الأميركية وغيرها تتجاوب وتتناغم مع الإشارات التي ترسلها الحكومة الإيرانية بين الفينة والأُخرى بدءاً بدعوة خاتمي الشهيرة التي قدمها عبر شبكة سي إن إن ودعا فيها الشعب الأميركي إلى خوض حوار بين الحضارتين وانتهاءً بتقديم الفريق الرياضي الإيراني باقاتٍ من الورود في باريس للفريق الرياضي الأميركي بمناسبة اللقاء الكروي بينهما كرمز للصداقة.
إن تطور العلاقات الأميركية الإيرانية سيؤدي في المستقبل المنظور إلى إنهاء العقوبات الأميركية المفروضة على إيران والتي لم تنل من إيران ولا حتى آذتها مجرد إيذاء – كما حصل مع دول معاقبة أخرى من قبل أميركا مثل العراق وليبيا وكوريا الشمالية وكوبا – بل إنها دعَّمت الموقف الإيراني – الذي كان يتعرض للتصدع في كثير من الأحيان – داخلياً وخارجياً.
ومن أجل جعل إيران أكثر قوة واستقراراً وتأثيراً من ناحية إقليمية، ومن أجل جعلها أكثر قبولاً وانسجاماً من ناحية دولية، فإن الإدارة الأميركية تسعى لدمج إيران كدولة في المجتمع الدولي وتغليب التطبيع معها على التجميد، وإحلال العلاقات محل العقوبات، وذلك بغية استخدامها بشكل أكثر فاعلية في قضايا المنطقة لتحقيق المصالح الأميركية. ويبرز تطبيع العلاقات الأميركية الإيرانية في ثلاثة أصعدة وهي: الصعيد الداخلي الإيراني والصعيد الإقليمي والصعيد الدولي.
فعلى الصعيد الداخلي تعمل أميركا على تقوية خاتمي من خلال تقوية النظام الديمقراطي وما يسمى بالحقوق المدنية للمواطنين، ويبدو أنها نجحت في تثبيت خاتمي في السلطة وجعله يصمد أمام التيار الكاسح للآيات والملالي، ويعود الفضل في ثباته وعدم تهاويه أمام هذا التيار الجارف – كما حصل في السابق مع انجراف بني صدر وأضرابه – إلى ثلاثة أسباب:
وجود رأي عام مستند إلى عوام الناس مساند لمواقفه – المتحررة من القيود الإسلامية -.
عدم قيام مرشد الثورة خامنئي باستخدام صلاحياته الواسعة لإسقاط خاتمي مع قدرته على فعل ذلك لا سيما وأن أنصاره لا يدعون فرصة إلاَّ ويسعون لإسقاطه، مما يدل على أن خامنئي وخاتمي متوافقان ومتواطئان على الحفاظ على تركيبة النظام الحالية وعلى أهداف هذا النظام ولا أدل على ذلك من مواجهة خاتمي للبرلمان الذي تسيطر عليه جماعة خامنئي في مسألة عزل وزير الداخلية عبد الله نوري من منصبه من قبل أكثرية النواب وتعيينه نائباً للرئيس من قبل خاتمي فوراً، وكذلك مواجهته للقضاء الإيـراني الذي يسيطر عليه يزدي – وهو محسوب على (الصقور) – في مسألة محاكمة رئيس بلدية طهران – المحسوب على (الإصلاحيين) -.
استحداث منصب رئيس تشخيص مصلحة النظام الذي يتولاه رفسنجاني الرئيس الإيراني السابق والذي يعتبر كصمام أمان لخاتمي وذلك لمنحه الصلاحية في التدخل لحل المشاكل والأزمات التي تعصف بنظام الحكم بهذه التركيبة المتوازنة والتي تمنع أياً من مراكز القوى العسف بالمراكز الأخرى إلاّ من خلال الانتخابات.
هذا على الصعيد الداخلي وأما على الصعيد الإقليمي فواضح أن أميركا تسعى لتعزيز وضع إيران في مناطق الشرق الأوسط والخليج وأفغانستان والجمهوريات السابقة للاتحاد السوفيتي.
ففي الشرق الأوسط زادت قوة تحالفاتها مع سوريا ولبنان وزاد نفوذها عن طريق حزب الله في المنطقة. وفي التأثير على المفاوضات مع إسرائيل، وتسعى القيادة السورية لعقد حلف بينها وبين مصر بالإضافة إلى سوريا لمواجهة إسرائيل، وتحسنت علاقاتها كثيراً مع مصر كمقدمة لعودة العلاقات بينهما، وهذا كله يزيد من قوة التحالف الأميركي الموجَّه للضغط على إسرائيل.
وفي الخليج فقد تحسنت علاقاتها كثيراً مع السعودية ويدل على ذلك تكرر الزيارات بين المسؤولين الإيرانيين والسعوديين والخليجيين على أعلى المستويات ما يؤهلها للعب دورٍ رئيسيٍّ في الخليج إن لم تكن هي الدولة الأولى فيه.
وفي أفغانستان لا زالت إيران تمسك بقوة بورقة المعارضة الشمالية لحركة طالبان وما زالت تزداد نفوذاً في القضية الأفغانية.
وفي تركمنستان وبقية المنظومة (للدول المستقلة) فلا شك أن إيران تزداد قوة ونفوذاً في علاقاتها مع تلك الدول وخاصة في المجالات التجارية والاقتصادية والتسليحية.
وأما على الصعيد الدولي فإن أميركا لم تطبق العقوبات التي نص عليها قانون داماتو الذي يقضي بإيقاع العقوبات على الدول والشركات التي تستثمر في إيران مبلغاً يزيد عن أربعين مليون دولار متذرعة بحجج واهية.
فمن المعلوم أن شركة توتال الفرنسية بالاشتراك مع شركة روسية وأُخرى ماليزية قد وقَّعت اتفاقاً مع إيران تبلغ قيمته بليوني دولار في أيلول عام 1997، وارتفعت الأصوات في الكونغرس – ومنها صوت السناتور داماتو الذي عُرف القانون باسمه – مطالِبة الحكومة الأميركية بإيقاع العقوبات على توتال بحجة انتهاكها للقانون الأميركي، غير أن الحكومة الأميركية تلكأت في إيقاع العقوبات، ثم بعد ذلك قررت عدم إيقاع العقوبات نهائياً، فقد صرحت أولبرايت في لندن بتاريخ 17 أيار الفائت أن الشركات الثلاث – الفرنسية والروسية والماليزية – انتهكت بنود الاتفاق، لكن عدم إيقاع الحكومة الأميركية عقوبات عليها هو استثناء لأسباب تتعلق بالمصالح القومية، وأوضحت أولبرايت: “أنه طالما استمر هذا التعاون مع – الأوروبيين وروسيا وماليزيا – على صعيد عدد من القضايا ذات الاهتمام الثنائي والمتعدد الأطراف، فإن الولايات المتحدة تتوقع أن تمنح استثناءات مشابهة لشركات أوروبية أخرى وقعت اتفاقات لاستكشاف وإنتاج النفط والغاز”.
ولم تأبه الإدارة الأميركية لمعارضة الكونغرس والإيباك على قرارها بإعاقة تطبيق قانون داماتو لأن مصلحة كبار الرأسماليين وأصحاب الشركات الأميركية التي تنتظر دورها في الرجوع إلى الاستثمار في إيران جنباً إلى جنب مع الشركات الأوروبية أكبر من أية معارضة أميركية أو يهودية قد تمس بالمصالح الحقيقية لأميركا .
29 صفر 1419هـ.
24 حزيران 1998م.
2016-09-26