صـراع الحضـارات
2016/09/26م
المقالات
2,091 زيارة
صـراع الحضـارات
Clash of Civilizations
(صوموئيل هنتنغتون)
هذا نص البيان الختامي لحلقة بحثية بصدد مقالة هنتنغتون كانت نتيجة نقاش لعدة جلسات دار بين ثلة من شباب كتلة الوعي الإسلامي في جامعة بير زيت
فلسطين، وارتأينا إرساله إلى مجلة الوعي لتعميم الفائدة على جميع قراء هذه المجلة ولاطلاعهم على ما يدور في أفئدة الكفار أعدائهم.
أول ما يطالع المراقب للأوضاع الدولية، والمفاهيم السياسية في التسعينات من هذا القرن هو محاولة تحديد نمط توزيع القوة الجديد، إثر المتغيرات الهائلة في النظام الدولي، إسقاطاً لذلك راح المفكرون الغربيون وسياسيوهم يتنطحون لدرس معالم ما بعد الحرب الباردة، والوضعية الجديدة التي يتبلور عليها (النظام الدولي). ومن الدراسات التي أثارت جدلاً واسعاً على مستوى العالم وما زالت هي مقالة صوموئيل هنتنغتون (صراع الحضارات) والذي يعتبر أحد كبار منظري الحرب الباردة منذ أربعين سنة.
يجمل هنتنغتون ثلاثة ألوان في التحليل كانت قد رأت النور كإجابات على الوضعية الجديدة للعلاقات الدولية وماهيتها وهي:
أن العالم وصل إلى نهايته ومرحلته الأخيرة بانتصار الليبرالية ذات الطراز الأمريكي على كل ما سواها, ومثل هذا الطرح (فرانسيس فوكاوياما) وكتابه (نهاية التاريخ وخاتم البشر).
الطرح الثاني وهو تشظي الدول وعودة القوميات في ظل عالم تسوده الديمقراطية وحقوق الإنسان والأقليات.
الطرح الثالث: وهو ما يسمى العولمة، وذلك أن العالم تحول الى قرية عالمية صغيرة بفعل القفزات في تطور وسائل الاتصال والمواصلات والتكنولوجيا، الأمر الذي يعني المبشرات الأولى باضمحلال الدولة في العلاقات الدولية وانهيار الدولية القومية
يرفض هنتنغتون هذه الفرضيات وأنماط التحليل، ويقدم بديلاً لذلك عبر أطروحته التي تقوم على عدة فرضيات يمكن إجمالها في:
أن السياسة الدولية تدخل مرحلة جديدة يمثل الصراع الثقافي فيها المصدر الأساسي للصراعات في العالم الجديد.
أن الدول ستظل القوى المؤثرة في الشؤون الدولية فالدولة ستبقى وحدة التحليل في العـلاقات الدولية بينما الخلافات الرئيسية بين دول العالم سوف تقع بين جماعات أو تجمعات حضارية.
أن الإسلام هو العدو القادم، بل المرشح الأول كخصم جديد للغرب، وأن هنالك تحالفاً إسلامياً كنفوشـياً سيقف أمام الحضارة الغربية.
إن المؤلف -هنتنغتون- راح يحاول ترتيب التاريخ بتحديده مفاصل ومراحل الصراع، ويخلص بنتيجة أن كل الحروب إنما هي (حرب أهلية غربية) فلا ناقة للشرق -الإسلام- فيها ولا بعير وينسف تاريخ صراعهم مع دولة الإسلام مدة 1400 عام. وفيما يتعلق بفرضيته الثالثة المشتملة رفع الإسلام كمرشح لقيادة الحرب القادمة فإنه يطرح ما أسماه (خطوط الصدع) بين الحضارات لتحل هذه مكان الحدود السياسية، ويذكر هنا تصعد الصراع مع الإسلام منذ 1300 سنة (لاحظ التناقض ما يطرحه في مراحل التاريخ) ويزيد أن دخول الديمقراطية الغربية الى العالم الإسلام أفادت الحركات الإسلامية المعادية للغرب. وليس ذلك فقط بل يضيف أن الإسلام محاط بحدود دموية وأن عملية التجمع الحضاري بدأت تلاحظ في البوسنة والعدوان على العراق وأذربيجان ويمكن إجمال نتائج دراسته -صراع الحضارات- في النقاط التالية:
الوعي الحضاري آخذ بالإزدياد وسوف يحل محل شتى أنواع النزاعات.
الحضارات غير الغربية لها وجود فعال.
يجب تجنب تصعيد الخلافات مع المسلمين والصين.
على الحضارات أن تتعايش بعضها مع بعض ويجب على الغرب تقديم المساعدة للمسلمين والصينيين إذ لا توجد حضارة عالمية واحدة.
انطلاقاً من القضايا التي أثارتها المقالة والتي نرى أهمية الإطلاع عليها كونها تمثل طرازاً من التفكير الغربي والذي يبين مدى تخوفهم من (الصحوة الإسلامية) ومحاولتهم استغلالها. ولكي يقوم الموضوع على قدميه فلا بد من تحديد المفاهيم أولاً، ثم النظر في البنية التي يمزج فيها المجتمع بالدولة بالحضارة كمثلث تعلب فيها الثقافة الزاوية الممسكة بهذه الأضلاع.
الحضارة: هي مجموعة المفاهيم عن الحياة ولكننا عند استعمالها نلاحظ التصاق هذا المفهوم وارتباطه بشعب أو أمة حملت هذه المفاهيم وجهة نظر وطريقة عيش. فإطار الحضارة نظرياً وعملياً هو المجتمع بعلائقه ونمط عيشه ومجمل سلوكه، ومن هنا ندرك صيرورة الإسلام حضارة المجتمع الإسلامي، وبوجود الحضارة لمجتمع معين تتجلى (هوية المجتمع) بحيث تصبح طرائق عيش مجموع الناس (المجتمع) بمفاهيم عن الحياة كهوية ومحدد لهذا المجتمع، ومميز له عن ذاك، أي أن عملية صياغة هوية المجتمع تكون بناءً على مفاهيمه التي تشكل حضارته. فالحضارة هي (مجموعة المفاهيم التي تعين وجهة النظر وطريقة العيش) لذلك يمكننا التحدث عن الحضارة الغربية باختلاف دولها إذ أنها جميعها تشترك في مجموعة المفاهيم التي تعين وجهة النظر وطريقة العيش.
أما أنماط الاختلاف بين الناس والفوارق التي تظهر بين أفراد الحضارة الواحدة فراجع إلى اختلافهم في مفاهيم جزئية وثقافية خاصة توارثها الناس بمرور الأيام وتجاربهم الخاصة الحياتية الفكرية. وهذا بدوره يفسر وجود ثقافة فرنسية وإنجليزية وأمريكية… في ظل الحضارة الغربية. وكذلك في الحضارة الإسلامية نرى اختلاف الثقافات الخاصة بين الأفراد وإن كان له أسباب تختلف باختلاف الحضارات والأمم. وهذا يدفعنا الى الدخول في بلورة لمفهوم الثقافة.
الثقافة: هي معارف غير علمية تؤخذ بالتلقي والوراثة تنقسم إلى قسمين:
ثقافة عامة: وهي الأفكار العامة -تشمل المفاهيم- التي تؤخذ بالتلقي فالثقافة العامة هي أفكار عامة وكلية تحتوي المفاهيم التي تشكل الحضارة والأفكار التي يتداولها أناس معينون بشكل مشترك وذلك ما يجعلها رابط ثقافي. وتفترق عن الحضارة أنها لا يشترط فيها أن تكون مفاهيم.
الثقافة الخاصة: وهي مجموعة من الأفكار – وتشمل المفاهيم- التي يحملها شخص معين أو مجموعة معينة كشعب ينتمي لأمة أو حزب ينتمي لشعب أو أمة.
ونتيجة لذلك فلا يشترط في الثقافة أن تتجمع وتتجسد في وحدة حضارية واحدة، فقد تكون ولا يكون هناك وحدة حضارية، وقد توجد الوحدة الحضارية. فمثلاً قبل بناء المجتمع الإسلامي في المدينة. وإعلان مفهوم الأمة الإسلامية هناك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد بنى ثقافة إسلامية في تكتل تبنى هذه المفاهيم في مكة المكرمة، ودخل هذا التكتل صراعاً ثقافياً مع مجتمعه في مكة، الى أن شكلت الدولة والمجتمع المسلم وصار الصراع صراعاً حضارياً يأخذ صوراً شتى من صور الصراع سواء الثقافي أو العسكري أو السياسي … فالحضارة الإسلامية برزت عندما تجسدت هذه الثقافة في حياة مجتمع المدينة. فكانت هي مزيج التفاعل بين المجتمع والثقافة الذي استقر على صياغة هذا المجتمع بهذه المفاهيم وجعلها نمط عيش ووجهة نظر.
ومن هذا التفريق نرى أن الصراع الثقافي أو الحضاري أو العسكري كلها صور من صور الصراع بين الناس وليس فيها أي مفهوم للمرحلية كما يطرح هنتنغتون وكذلك فوجود الدولة ليس شرطاً لوجود هذه الأشكال من الصراع وإنما هو درجة أعلى وأكثر تنظيماً من غيرها، فالصراع الحضاري مثلاً وهو موضوع البحث تكون الدولة عند وجودها منظماً فعالاً يحدد صوره ويدخله بصورة السلاح أو السياسة… مع أن مفهوم الدولة ليس هو المرتبط بالصراع الحضاري وإنما المجتمع، وقد رأينا مثالاً صارخاً في التاريخ على المجتمع للصراع الحضاري مع ضعف دور الدولة كما حصل عندما غزا التتار أرض المسلمين واحتلوا بغداد والشام فإن الذي هزمهم حضارياً ثم سياسياً هو المجتمع المسلم وقد تحول الغازي الى دين من غزاهم لتجلي الحضارة الإسلامية في هذا المجتمع مع ضعف دور الدولة في تلك الحقبة من الزمن وهو معروف.
الصراع الحضاري الذي يدعونه اليوم، جاء عقب تحرك الثقافة الإسلامية بين المسلمين عن طريق المخلصين من أبناء هذه الأمة، الذين أحيوا مفاهيم الإسلام لا كثقافة فقط، وإنما حركوا هذه الثقافة بين المسلمين لتؤثر في طريقة حياتهم، وليعيدوهما لكي تكون نمط عيش لهم ووجهة نظر، لما رأى الغرب هذه الحركة أيقن أنه إن تركت سوف يعود الإسلام ليدخل الصراع الحضاري بصورته القوية المبنية على مجتمع تتجسد فيه هذه المفاهيم على شكل حضارة تحدد هويته، فحمل الإسلام حملاً صحيحاً لا ثقافياً فقط وإنما كحضارة ومفاهيم وأيديولوجيا هو الذي أخاف الغرب من جديد من عودة الصراع القديم فصار يحاول أن يحل محله الصراع الثقافي البعيد عن ربطهما بنمط العيش أو وجهة النظر المسيرة للحياة.
وبعد ذلك نؤكد أن الأمر لا يتعلق بمرحلة جديدة من الصراع بعد الحرب الباردة وإنما صورة قديمة جديدة من صور الصراع، فاندثار نظريات الغرب حول الصراع لا يعني بحال من الأحوال موت الصراع وإنما موت نظرياتهم وتغير صور الصراع، فالصراع ثقافي حضاري ودموي… مما يعني أن الصراع هو الثابت وصورته هي المتغيرة وإنما إعادة الحضارة الإسلامية الى الوجود مرة ثانية لكفيلة بإسقاط نظريات مراحل الصراع عند كل مفكري الغرب ليعودوا مرةً أخرى إلى التاريخ ويروا دور المفاهيم في حركته وسيضطر هنتنغتون أن يقول أن الصراع الحضاري أو الثقافي ليس آخر مرحلة وإنما هي مراحل تأتي من جديد، ويعيد فوكوياما النظر في حلمه حول انتهاء التاريخ وتصوراتهم التي تعكس منطق القوة والزهو الحضاري الردي.
وفي النهاية نرى أن تحليلاتهم في الغرب تعكس واقعهم ومخاوفهم من تغير الأمور وخاصة فيما يتعلق بالمسلمين فيعمدون الى نشر نظريات تثير جوانب صراع أو يحاولون فيها تغيير سير الصراع أو تحقيق مكاسب مادية وقومية لهم. وإن أفضل رد على نظرياتهم هو خلق المجتمع الإسلامي ودولة الخلافة وإقحامها في خضم الحركة الدولية وسنرى بعدهما نظريات جديدة تتحدث عن بدء التاريخ بدل انتهائه، وسنفرض عليهم منطقاً جديداً في التفكير. وبهذه الصورة فقط يكون الرد على هؤلاء، فبدل النقاش يخلق الواقع الذي يثير مخاوفهم ويحرك شياطين فكرهم، وبإقامة المجتمع الإسلامي تبرز حضارة الإسلام من جديد نمط عيش ووجهة نظر تقيم العدل وتضع الأمور في نصابها.
اللهم عجل بالنصر المبين
2016-09-26