كلمة الوعي: المسـيرة السلمـية تحتضـر
2016/09/26م
المقالات, كلمات الأعداد
1,822 زيارة
أعلن الناطق الرسمي بلسان نتنياهو ديفيد بار إيلان أن نتنياهو أبلغ حكومته للمرة الأولى في جلستها الأسبوعية الأحد 23/8 أنه وافق على انسحاب الجيش الإسرائيلي من 13 بالمائة من مساحة الضفة الغربية (كما تقترح المبادرة الأميركية)، مشترطاً بقاء 3 بالمائة من هذه المساحة تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة، بحيث تبقى خالية من السكان ويمنع البناء فيها وتصبح محمية طبيعية. وكانت إسرائيل اقترحت، في محاولة لتعديل المبادرة الأميركية، جعل هذه ألـ 3 بالمائة تحت تصرف أميركا، تعيدها إلى السلطة الفلسطينية، إذا قامت الأخيرة بمكافحة جدية وشاملة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وعدّلت بنود الميثاق الوطني الفلسطيني التي لا تعترف بإسرائيل وتطالب بتدميرها. وقد رفض الفلسطينيون هذا العرض، وتمسكوا ببنود المبادرة الأميركية دون تعديل، وطالبوا الإدارة الأميركية بالضغط على نتنياهو لقبول مبادرتهم ضمن مهلة زمنية محدّدة، وإلاّ أعلنوا مبادرتهم على الملأ، وكشفوا من كان السبب وراء تعطيلها.
وفي الوقت الذي اعتبر مسؤول أميركي أن موافقة نتنياهو المشروطة على المبادرة الأميركية (لا تأتي بشيء جديد)، وصرّح مسؤول في الخارجية الأميركية بأن الحكومة الأميركية “لم تُبلَّغ أي تغيير في موقف نتنياهو من الانسحاب من الضفة”، اعتبر عرفات الموافقة الإسرائيلية بأنها انفراج وأنها بداية.
وترافقت هذه الموافقة مع مقتل حاخام يهودي في مدينة الخليل يوم 20/8، وإعلان محاصرة الخليل، ومنع التجول في المناطق التي تحتلها إسرائيل منها، وقرار نتنياهو تحويل المساكن النقالة في تل الرميدة بالخليل إلى مساكن ثابتة، ورصدت الحكومة الإسرائيلية ثلاثة ملايين دولار لتطوير جيب تل الرميدة، مع إعطاء بلدية القدس موافقتها النهائية على مشروع لبناء 132 وحدة سكنية للمستوطنين في منطقة رأس العمود بالقدس بعد أن أقرّت حكومة العدو توسيع بلدية القدس فيما سمي مشروع (القدس الكبرى) والذي بموجبه تضم إسرائيل 10 بالمائة من أراضي الضفة الغربية. فبأي وجه يعتبر عرفات موافقة نتنياهو بأنها بداية!
وكان الناطق بلسان شارون أعلن أن ما مجموعه 2300 وحدة سكنية للمستوطنين اليهود، و2500 شقة للمصطافين ستبنى في الجولان، بعد أن وافق وزير دفاع العدو موردخاي على الانسحاب من الجولان مستخدماً صيغة رابين “عمق الانسحاب مرتبط بعمق السلام”؛ فهل يمكن في هذه الأجواء استئناف المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية؟!
وكانت الأوضاع الأمنية تدهورت في جنوب لبنان، وقامت إسرائيل باغتيال مسؤول أمني في حركة أمل بواسطة قصف سيارته المدنية من طائرات مروحية، وأطلق حزب الله مجموعة من الصواريخ على شمال فلسطين المحتلة موقعة عدداً من الجرحى، وقصفت إسرائيل موقعاً سورياً في البقاع فأوقعت عدداً من الجرحى، وطالب عدد من المسؤولين الإسرائيليين بقصف البنى التحتية كالجسور ومحطات توليد الكهرباء في لبنان للضغط على الحكومة اللبنانية والشعب في لبنان لسحب مقاتلي حزب الله من الجنوب، ومنعهم من مقاتلة جنود الاحتلال الإسرائيلي وعملائهم من جيش لحد، وتوقع المراقبون أن تتنصل إسرائيل من اتفاق نيسان، كما ألغت الهدنة بينها وبين عرفات عام 1982 على إثر محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، والتي أدت إلى اجتياح عام 1982. إلاّ أن الأوضاع مالت إلى الهدوء بعد تدخل شيراك وكلينتون على إثر زيارة الشرع لفرنسا. ويبدو أن اتفاق نيسان، واللجنة الأمنية الخماسية لا تزال مطلوبة إسرائيلياً لحماية المستوطنات الإسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة. وعاد التأزم إلى الجنوب من جديد على إثر إعلان جيش لحد عن تدابير وإجراءات في جزين تُلحقها بالشريط الحدودي المحتل، وإعلان فرض التجنيد الإجباري على شبان جزين، ما يمنح إسرائيل حق التمركز في جزين، ورافق هذه الأجواء أنباء عن استعدادات عسكرية سورية في لبنان، تحسباً لعملية عسكرية إسرائيلية واسعة قد تعيد احتلال بعض المناطق المحرّرة. وبذلك تدخل إسرائيل بقوة على الشأن الداخلي اللبناني، وبخاصة الاستحقاق الرئاسي. ويبدو أن إسرائيل تريد استغلال ضعف كلينتون، بسبب مشاكله الداخلية، وإخفاقاته في السياسة الخارجية للقيام بعمل عسكري يعيد خلط الأوراق، ويساهم في رسم واقع جديد، وليست الاتصالات التركية ـ الأردنية ـ الإسرائيلية إلاّ مظهراً من هذا الاستعداد الإسرائيلي. ويبدو أن كلينتون تنبه لهذا الفراغ في سياسته الخارجية فبدأ ينشط خارجياً، فاتصل بطوني بلير رئيس الوزراء البريطاني وبشيراك ويلتسين والملك حسين وعرفات ونتنياهو، وأعلن استعداده بذل جهد شخصي إضافة إلى الجهد الحكومي لتحقيق تقدم على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وأوفد روس إلى المنطقة الذي لا يزال يواصل اتصالاته، وسط إجماع فلسطيني ـ إسرائيلي على عدم قدرته على تحقيق أي اختراق، ولم يفلح سوى في اجتماع اللجان الفلسطينية – الإسرائيلية لبحث قضايا ثانوية مثل مطار غزة والممر الآمن، وهذه لم يحصل أي اتفاق بشأنها. وأثناء تواجده في المنطقة قامت إسرائيل باغتيال عماد وعادل عوض الله وهما من قيادات كتائب عز الدين القسام، فتفجرت الأوضاع في الضفة، وجرت صدامات بين الشبان الفلسطينيين وبين القوات الإسرائيلية أسفرت عن عدد كبير من الجرحى، ما اضطر إسرائيل إلى إعلان حالة التأهب في قواها الأمنية، ومنعت دخول الفلسطينيين إلى إسرائيل، وبذلك بدأت تضغط عليهم اقتصادياً كعادتها كلما أحست بتهديد جدي منهم، أو كلما قاموا بعملية عسكرية ضد العدو.
هذه هي الأجواء المحيطة بمفاوضات السلام: جمود على المسار الفلسطيني، توتر في جنوب لبنان، وتراجع عن الاستعداد للانسحاب من الجولان، وإنشاء مستوطنات جديدة في الجولان المحتل. وهذه هي ما آلت إليه مسيرة السلام بعد انقضاء حوالي سبع سنوات على مؤتمر مدريد، وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على اتفاق أوسلو المشؤوم. فماذا حققت المنطقة من انتهاج مسيرة السلام؟
فبالنسبة لمصر، والتي مضى على اتفاقات كامب دافيد قرابة عشرين عاماً، ما زالت حالة الحرب قائمة بين الشعب في مصر وبين الكيان الإسرائيلي، وما زال الناس يرفضون التطبيع مع اليهود، وما زالت الثقة مفقودة حتى بين قيادتي البلدين، فإسرائيل تتهم مصر بأنها وراء عدم رضوخ عرفات لابتزاز اليهود، وبأنها تنمّي قدراتها العسكرية، وإسرائيل تصدّر إليها شبكات التجسس، ومظاهر الإفساد، ومحاولات تخريب الاقتصاد.
وبالنسبة للأردن، فبالرغم من انفتاح النظام الأردني برموزه على اليهود، وإيجاد شركات وصناعات مشتركة، وجحافل السياح الوافدة من إسرائيل إلى الأردن، إلاّ أن الرخاء الاقتصادي الذي وعدت به الحكومة الناس ما زل حلماً، وما زال التضييق على الناس مشدّداً، وكان آخر مظاهره الاعتقالات التي شملت الكثيرين من أبناء الأمة العاملين لإعادة عزّها ومجدها، وقانون المطبوعات الذي يضيق كثيراً على الصحافة والصحفيين، وآخر ما أصاب الناس تلويث مياه الشرب، وشح مياه الاستعمال، ما سبَّبَ للناس عنتاً وإرهاقاً شديدين. وما زالت إسرائيل تقيم مركزاً أمنياً لها في الأردن، وتتعامل الأجهزة الأمنية الأردنية مع الموساد الإسرائيلي، ولم يردعها انكشاف دور الموساد في محاولة اغتيال خالد مشعل في أحد شوارع عمان، عن الإصرار على القيام بأعمال إرهابية على الأراضي الأردنية، ولا تزال إسرائيل تحتل 400 كيلو متر مربع من أراضي الأردن كما جاء على لسان المجالي رئيس الوزراء السابق.
وبالنسبة لتنفيذ قرار 425 في الجنوب اللبناني، فقد وافقت إسرائيل على القرار بعد عشرين سنة من صدوره، ولكنها ربطت تنفيذه بشروط، تجعل لها، في حالة الموافقة عليها، سلطاناً على الأراضي اللبنانية، وحق ملاحقة المطلوبين لإسرائيل على كل الأراضي اللبنانية، وفي ذلك انتهاك للسيادة. وإسرائيل ليست جادة في تنفيذه إذ كلما تعقّد المسار الفلسطيني، وظهر للعالم تعنت إسرائيل وعملها على هدم مسيرة السلام، لجأت إسرائيل إلى المسار اللبناني، لتوهم العالم أنها جادة في السلام، وأن العرب هم الذين لا يجرؤون على توقيع اتفاقات سلام معها. وفي كل الأحوال، تقوم إسرائيل بالاعتداءات اليومية على لبنان واختراق أجوائه بكل صلف واستفزاز، ولا يوجد في المدى المنظور ما يشير إلى احتمال انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة.
وبالنسبة لسورية، فبعد أن استعد رابين للانسحاب من الجولان إلى حدود الرابع من حزيران “وقد أكد نتنياهو أمام الكنيست أن رابين وافق على الانسحاب”، وبدأ البحث في الترتيبات الأمنية على جانبي الحدود، ومراكز الإنذار المبكر، تراجعت حكومة نتنياهو عن هذه الموافقة، وأكد الكنيست قانون ضم الجولان، وأعلنت مؤخراً عن إنشاء آلاف الشقق السكنية في الهضبة السورية، مما يضاعف عدد المستوطنين هناك. أما على الصعيد العسكري، فلا تزال إسرائيل تتحين الفرص لضرب سوريا، وبالتنسيق مع تركيا وبرضى من الأردن، وبتخطيط دولي ليست بريطانيا بعيدة عنه.
وبالنسبة للفلسطينيين، فما تزال إسرائيل تقتلهم وتعتقلهم وتنكل بهم، وتضيّق عليهم في أرزاقهم، وتسرق مياههم، وتهدم منازلهم وتصادر أراضيهم، وتقيم عليها المستوطنات. فمنذ اتفاق أوسلو صادرت دولة اليهود 66 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية: منها 32 ألف دونم صودرت لشق الطرق الالتفافية لوصل المستعمرات اليهودية في الضفة، ولفصل المدن والقرى لفلسطينية عن بعضها البعض، ومنها 16 ألف دونم من المناطق الصخرية لتستخدم حجارتها في بناء المستوطنات اليهودية، وبأيدي أبناء فلسطين، وأما المناطق الحرجية فتمت مصادرتها تحت تسمية (محميات طبيعية)، وما تبقى صادرته باعتباره (أملاك دولة). أما بالنسبة للاستيطان، ففي عهد حكومتي رابين وبيريز، وضع 83 مخططاً هيكلياً للمستوطنات، وتم إنشاء عشرة آلاف وحدة سكنية، وارتفع عدد المستوطنين في الضفة من 105 آلاف إلى 145 ألفاً. أما في عهد حكومة الليكود، فقد تم وضع مخطط لبناء 30 ألف وحدة سكنية، بدأ البناء فعلاً في 11 ألف وحدة منها. أما مدينة القدس، التي أخرجها اتفاق أوسلو من المفاوضات المرحلية، فارتفع عدد المستوطنين فيها إلى 170 ألفاً، وسينفذ مشروع بناء 19 ألف وحدة سكنية: في جبل أبي غنيم، وفي مستوطنة (جفعات هميتوس) وفي مستوطنة النبي يعقوب، إضافة إلى الشقق السكنية في رأس العمود، ضمن مخطط (القدس الكبرى) المتحرك الذي يلحق بإسرائيل فوراً 10 بالمائة من مساحة الضفة الغربية، والذي يقول عنه عبد السلام المجالي إن “الإسرائيليين لو استطاعوا لجعلوا حدود القدس عند بغداد”. هذا، بالإضافة إلى أن اتفاق أوسلو أعطى الشرعية للاحتلال الإسرائيلي، وأعطى اليهود الحق في تحديد مستقبل الأرض الفلسطينية بشكل متساوٍ مع الجانب الفلسطيني. وفي الوقت الذي تزيد إسرائيل من قدراتها العسكرية وتختبر بنجاح صاروخ (السهم) المضاد للصواريخ الباليستية، تفتح السلطة الفلسطينية في أريحا أضخم كازينو للقمار في منطقة الشرق الأوسط كلفته خمسون مليون دولار، كجزء من مشروع سياحي ضخم يشارك فيه مستثمرون فلسطينيون وعرب ويهود وآخرون، يضم ثلاثة فنادق سياحية تتسع لـِ 800 سرير بالإضافة إلى الملاعب والمسابح، كلفته الإجمالية 150 مليون دولار، وتبشّر الناس بأن ذلك سيؤدي إلى ازدهار الاقتصاد الفلسطيني.
هذه مراجعة شاملة وسريعة لمسيرة السلام المهين الذي اتخذته دول المنطقة استراتيجية ثابتة، فهل يصح أن يبقى مسلم مخلص يعلق آمالاً على هذه المسيرة؟ وهل يصح أن يبقى المسؤولون يطالبون بتحقيق «سلام شامل وعادل ودائم» بناءً على (مرجعية مدريد) ومبدأ (الأرض مقابل السلام)؟ ألم يئن للذين آمنوا أن يعلموا أن الأرض المحتلة لا تسترد بغير الجهاد؟ ألم يقرأوا قول الله تبارك وتعالى: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ)، وقوله تعالى: (فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)؟
إن اليهود تحكمهم عقيدة دينية توراتية ترى أن فلسطين كلها هبة من إله اليهود لهم، ويعتبرون أن أي انسحاب من جانبهم من أرض فلسطين تضحية يجب أن يبقى عند أضيق نطاق، ويرون أن الأوضاع الإقليمية مواتية لهم لتحقيق أمنهم مع الاحتفاظ بالقدر الأكبر من الأراضي المحتلة، ولهذا يعملون لتحسين حصتهم في اتفاق أوسلو، كما حصل في مدينة الخليل، إذ اقتطعوا لأنفسهم 20 بالمائة من مساحة المدينة خلافاً لاتفاق أوسلو، وزعماء الليكود يتحالفون مع ألأحزاب الدينية لتغطية مماطلتهم في تنفيذ ما التزموا به، وهم يخططون لهدم المسجد الأقصى المبارك إيذاناً بالبدء بإعادة بناء هيكل سليمان، فهل سنتركهم ينفذون ما يخططون له، ونكتفي بالبكاء على الأطلال؟
فاحزموا أمركم أيها المسلمون، ووحّدوا صفكم، وأخرجوا حب الدنيا وكراهية الموت من قلوبكم، وأعلنوها حرباً لا هوادة فيها على اليهود وأعوانهم، ولقّنوهم درساً لا ينساه أعداؤنا الغرب الكافر الذين جاءوا بهم إلى بلادنا، ومنحوهم وعد بلفور ورعوا إنشاء دولة لهم، لتكون صارفاً لنا عن قضيتنا المصيرية ألا وهي رفع راية الإسلام ونصب خليفة للمسلمين. فإلى هذا العمل المبرور ندعوكم، لنكون أهلاً لأن يحقق الله لنا وعده بالنصر المبين.
( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) .
2016-09-26