القيادة الفكرية والإمارة والطاعة
2016/09/26م
المقالات
3,264 زيارة
القيادة الفكرية والإمارة والطاعة
القيادة الفكرية ليست إمارة فكرية. واستعمالها في الفكر مجاز وفي الأشخاص حقيقة. أما الإمارة فتستعمل في الأشخاص حقيقة. ولا نعلم أنها استعملت في الفكر مجازاً، فلم يُقل إمارة فكرية، مع إمكان التجوز. والطاعة غير الانقياد، فالانقياد يكون للفكرة وللأمير، أما الطاعة فلا تكون إلاّ لذات مشخصة.
القيادة الفكرية هي فكرة أساسية أو عقيدة أو قاعدة فكرية ينبثق عنها نظام، يعتنق الناس هذه العقيدة وينقادون لنظامها. ورد في نقطة الانطلاق: “أما تغيير القاعدة الفكرية عند الناس فهي في حمل القيادة الفكرية للعالم أي حمل العقيدة الإسلامية عن طـريق عقلي” والقيادة الفكرية تحمل إلى العالم حملاً، ورد في نقطة الانطلاق أيضاً: “… الذي يؤدي إلى جعل المسلمين يحملون قيادتهم الفكرية دولياً إلى العالم لتظهر على سائر القيادات الفكـريـة في جميع الوجود”. كما استعملت القيادة الفكرية بهذا المعنى في نظام الإسلام وأواخر كتاب المفاهيم.
وشباب الحزب ينقادون للفكرة الإسلامية ويعملون في الأمة لتنقاد لها، ثم يعملون معها لينقاد العالم لفكرتهم. وهذا كله من قبيل المجاز. والانقياد للفكرة هو غير الانقياد للأمير، فالفكرة معنوية والأمير ذات حقيقية. ويقال في اللغة تمسّكْ بالفكرة واعتنقها واعتقدها وتقيدْ بها ورُدّ إليها، ولا يقال أطعها، قال تعالى: (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) أي إلى الكتاب والسنة، وقال صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا». أما عند الأمر بالطاعة فنقول: أطع الله، أطع الرسول، أطع الأمير، أطع أباك، أطع أمك، أطيعي زوجك، قال تعالى: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)، وعند التنازع أمر بالرد إلى الكتاب والسنة ولم يأت بلفظ الطاعة، وقال صلى الله عليه وسلم: «اتقي الله وأطيعي زوجك» أما الأحاديث التي تأمر بالطاعة لذات مشخصة فكثيرة.
فالطاعة لا تكون إلا لشخص مشخص أو ذات معينة، ولا تكون لفكرة، أما الانقياد فيكون لفكرة مجازاً ويكون لشخص حقيقة، والشباب مأمورون بطاعة أميرهم وهم مع الأمير مأمورون بالانقياد للإسلام كفكرة. والقائل بأن أمير الحزب لا طاعة له والطاعة إنما تكون للفكرة واهم، وقوله يضاهئ قول المحكمة الأولى الذين قالوا: “لا حكم إلا لله” فقال علي: “كلمة حق أريد بها جور إنما يقولون لا إمارة ولا بد من إمارة بر أو فاجر”. فمن قال إن الطاعة للفكرة وليست لشخص الأمير فقد وهم. صحيح أن الحكم لله وحده والسيادة للشرع وحده ولكن الله سبحانه ليس أميراً تعالى عن ذلك علواً كبيراً، وكذلك الشرع ليس أميراً والفكرة ليست أميراً. ورد في جواب سؤال بتاريخ 2/6/1971: “الطاعة إنما هي الطاعة التي أمر الله بها وهي طاعة صاحب الصلاحية… لأن أمر الإمام يرفع الخلاف ويقاس عليه كل صاحب صلاحية… وكل ثلاثة اختاروا أميراً فطاعته واجبة عليهم”.
وطاعة أمير الحزب واجبة، والدليل السنة والقياس على الخليفة.
أما السنة: فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من أطاع الأمير فقد أطاعني» وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (الأمير) تعم كل الأمراء الذين تكون إمارتهم شرعية، فيشمل كل أمير حتى أمير السفر، إلى أن تنتهي إمرة المسلمين من الوجود، لما رواه أبو نعيم في الحلية عن الأعمش عن زيد قال: قال عمر: “إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا عليهم أحدهم ذاك أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم“. ويشمل أمير الحزب الإسلامي.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم الذي يرويه السرخسي في شرح السير الكبير عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالسمع والطاعة لكل من يؤمر عليكم ما لم يأمركم بالمنكر، ففي المنكر لا سمع ولا طاعة» و(كل من يؤمر) يشمل أمير الحزب.
وما رواه أحمد بإسناد حسن عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إلا أتى الله عز وجل يوم القيامة يده مغلولة إلى عنقه: فكه بره أو أوثقه إثمه، أولها ملامة، وأوسطها ندامة، وآخرها خزي يوم القيامة» والملامة والندامة والخزي لمن أوثقه إثمه.
وما رواه أحمد بإسناد يشهد له ما قبله ورجاله ثقات عن عبادة مرفوعاً: «ما من أمير عشرة إلا جيء يوم القيامة يده مغلولة إلى عنقه حتى يطلقه الحق أو يوبقه» وهذا الحديث بروايتيه ليس في الخليفة لأن الخليفة لا يمكن أن يكون أمير عشرة.
وما رواه في المجمع عن معاذ مرفوعاً: «أطع كل أمير وصل خلف كل إمام ولا تسبن أحداً من أصحابي» قال في المجمع مكحول لم يسمع من معاذ. وعندنا مراسيل كبار التابعين يحتج بها. وعليه فلفظ كل أمير يشمل أمير الحزب.
وأما القياس فبجامع أن كلاً منهما يرأس كياناً لا بد من دوام الانضباط فيه. والانضباط لا يكون إلا بالطاعة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
صحيح أن طاعة الأمير إنما تكون طاعة لله لقوله تعالى: (وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وطـاعة لرسوله لقوله: «من أطاع الأمير فقد أطاعني». وأن طاعته مقيدة غير مطلقة فالطاعة تكون في المعروف لا في المنكر أي المعصية. ونحن نقول دائماً إن تنفيذ قراراته واجب، وقـراراتـه إمـا أوامر وإما نواهٍ، وهي بنوعيها واجبة التنفيذ بأمر الله لكونه أميراً.
وأمر الأمير لا يوجب حراماً ولا يُحِلُّهُ كأمره بأكل الخنـزير أو الحمر الأهلية.
ونهيه لا يحرم واجباً ولا يسقطه كنهيه عن صوم رمضان أو ستر العورة.
أما أمره بمندوب معين كأن يأمر الناس بصيام ثلاثة أيام قبل خروجهم للاستسقاء، فإن هذا المندوب يجب بأمـر الإمـام تنفيذاً لهذا القرار المعين، ويبقى المندوب مندوباً في بقية حالاته التي لم يأمر فيها الأمير، وحتى هذا المندوب المعين يؤديه الناس بنية المندوب لا بنية الواجب، تنفيذاً لأمر الأمير، ومن لم يصم لا يأثم بترك الصوم وإنما يأثم بعصيان الأمير وعدم تنفيذ أمره وقراره. والحكم الشرعي يؤخذ من خطاب الشارع لا من خطاب الأمير، فخطاب الأمير لا علاقة له مطلقاً بالتشريع. ومثل هذا تماماً ما لو أمر الأمير القادرين من الشباب أن يحجوا في سنة من السنين بعد حجة الإسلام، فهذا الحج مندوب شرعاً واجب التنفيذ بأمر الأمير. ولا يقال إن هذا الحج واجب شرعاً لأنه لا يتم الاجتماع إلا به، لا يقال ذلك لأن الاجتماع ممكن بدونه.
وإذا أمر الأمير بمباح وجب تنفيذ أمره كتحديد أمير الحزب عدد أعضاء الحلقة أو جهاز المحلية بخمسة، أو أمر أمير المؤمنين بالوقوف عند الإشارة الضوئية الحمراء. ففي كل هذه الحالات لا يأثم التارك على تركه المباح وإنما يأثم بعصيان الأمير.
وأما نهي الأمير عن مباح فيجب تنفيذه كالنهي عن شرب الشاي في الحلقة والنهي عن الاختلاط في الحلقة، ونهي الإمام عن إنارة البيوت عند الغارات الجوية. ففي هذه الحالات يأثم الفاعل بعصيان الأمير لا بفعل المباح.
وإذا نهى الأمير عن مكروه وجب تنفيذ قراره كأن ينهى الإمام عن استعمال المكرُفونات للتدريس أو لقراءة القرآن في المساجد فإن الفاعل لا يأثم بفعل المكروه وإنما بعصيان الأمير وعدم تنفيذ قراره.
وبهذا يتبين أن تنفيذ قرار الأمير واجب إذا أمر بمندوب أو مباح وإذا نهى عن مكروه أو مباح فوق وجوبه إذا أمر بفرض أو نهى عن حرام.
فاختموا أعمالكم بالطاعة عسى الله أن يغفر لكم ما سلف من ذنوبكم كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: «من ختم كتابه بالطاعة غُفر له ما سلف» .
ع.ع
2016-09-26