الاعتدال الإسلامي على الطريقة الغربية: انحراف خطير عن تعاليم الإسلام، وليس عن الإسلام (1)
2008/04/26م
المقالات
2,002 زيارة
الاعتدال الإسلامي على الطريقة الغربية:
انحراف خطير عن تعاليم الإسلام، وليس عن الإسلام (1)
أحمد المحمود
الإسلام دين الله الحق، ومن ثوابته التي لا يناقش فيها أحد من أهله، والتي لا تقبل التأويل ولا التضليل، والتي لا تقبل إلا الالتزام بها فكراًَ وسلوكاً، أنه دين كامل شامل لا نقص فيه، عقيدة وأنظمة حياة للإنسان كإنسان في كل زمان ومكان، فهو الحق لأنه من الله الخالق العليم بما خلق، وبما يصلح للإنسان وبما لا يصلح له… وما عداه باطل بلا شك لأنه من تأليف البشر المركبين على النقص والعجز والاحتياج، وتحكّم الأهواء بهم، وأثرة المصالح لديهم. قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران 19] (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران 85] وقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه».
وإن من موجبات الإيمان بالإسلام أن يؤمن المسلم به تماماً كما جاء، وأن يلتزم به ويطبقه ويدعو له وينشره تماماً كما جاء، وأن يحافظ عليه إلى يوم القيامة تماماً كما جاء…
هذا الفهم للإسلام على أنه دين مبدئي فيه عقيدة ونظام للحياة يخاف منه الغرب ويهاجمه بقوة، ويدعي في مقابل هذا، أن الإسلام دين غير عقلاني، وتعاليمه غير إنسانية، وأنه دين استعباد لا تحرر، يقف في وجه العلم والتطور، ويمضي بعيداً في الاتهام حتى يذهب إلى استعمال الألفاظ نفسها التي استعملها في الهجوم على الدين النصراني حينما كان الصراع الفكري مستعراً بينه وبين المفكرين والفلاسفة، والذي انتهى بانتصار فكرة (فصل الدين عن الحياة) على الدين النصراني الذي كان يريد أن يستأثر بالحياة، فعزله عن الحياة وحاصره ضمن جدران الكنيسة… وبهذا يعتبر الغرب نفسه أنه قد واجه مثل هذه المشكلة من قبل وحلها بعقيدته القائمة على الفصل، وهو اليوم يستطيع أن يحلها على الطريقة نفسها وهي أن يفصل المسلمون دينهم عن الحياة، ويتعاملوا مع دينهم كما تعامل الغربيين مع دينهم النصراني.
على أن هذه الطريقة في الحل القائمة على الفصل ليست بالطرح الجديد. فقد سبق أن فرضها الغرب على المسلمين عقب انتصاره في الحرب العالمية الأولى بعدما أصبحت كل الأمور في يديه، فقد فرضها ضمن خطة متكاملة تقوم على إقصاء الإسلام عن تسيير شؤون الحياة عبر إقصائه عن الحكم؛ فقام بهدم الخلافة أولاً، ثم تقسيم بلاد المسلمين ثانياً، ثم بزرع حكام عملاء له، وسن دساتير هجينة تأخذ من هنا وهناك على طريقة الغرب في سن الدساتير، ثم بإقامة أنظمة حكم علمانية أجبر المسلمون على الخضوع لها تحت حجة طاعة القانون… ومن أجل نجاح خطة إقصاء الإسلام عن الحكم اعتمد الغرب على علماء دين عملاء، اخترع لهم مناصب رسمية عليا، وأضفى عليهم ألقاباً سامية ليوهم الناس بأنهم هم المراجع لهم في الدين، وهؤلاء أخذوا يفتون على مذهب السلطان في الفتوى، وضمن مفهوم الغرب للدين، فأعطى هؤلاء الشرعية لهؤلاء الحكام، وأيدوا مواقفهم وألبسوها لباس الشرع مهما كانت بعيدة عن الشرع، وأولوا الشرع بما لا تحتمله نصوصه حتى يتوافق مع مفاهيم الغرب، ومن ثم أشغلوا أنفسهم بفتاوى الطلاق والزواج، وتبيان أحكام الصلاة والصوم والحج، مبتعدين كل الابتعاد عن شؤون الحكم التي جعلوها من اختصاص الحكام؛ فتكرس بذلك الفصل فعلاً، ونجح الغرب بمساعدة هؤلاء الحكام وعلماء السوء من إقصاء الدين عن الحياة، وكان نجاحه يسيراً وذلك لسببين رئيسين:
1- إن الغرب كان شديد الثقة بفكرة (فصل الدين عن الحياة) ويعتبرها الوصفة السحرية التي ستخلص العالم من كل مشاكله، وكان يشعر بالاستعلاء الفكري، وقد أيّد هذا الاستعلاء وغرس هذه الثقة ما تحقق له جراء تطبيق هذا الفكر على أرض الواقع من قوة مادية وعلم وغلبة ما كان ليصل إليها لو بقي أسير تعاليم دينه.
2- إن المسلمين كانوا قد فقدوا الثقة بقدرة دينهم على حل مشاكلهم،فوقفوا عاجزين فكرياً ومادياً أمام هذا الغزو الفكري والمادي الغربي، وتعاملوا معه تعامل المهزوم الذي يقبل من هازمه كل ما يمليه عليه. وقبلوا ما وضع به الغرب الدين الإسلامي كدين من أن لا علاقة له بالحياة، وقبلوا في الوقت نفسه نظرته إلى الحل.
ولكن اليوم، وبعد هذه الفترة من تطبيق الفكر الرأسمالي الناتج عن عقيدة (فصل الدين عن الحياة) في الغرب، وفي بلادنا، وفي العالم أجمع، تبين فساد هذا الفكر ووصوله إلى “مرحلة إعلان الإفلاس” وأصبحت الشعوب الغربية بعامة والإسلامية بخاصة، في وضع من يفتش عن البديل الصالح، وبهذا تكون الصورة قد انقلبت وأصبحنا أمام نتيجتين:
1- إن الغرب قد فقد ثقته بفكره، وأصبح يتحكم به حكام رأسماليون جشعون متغولون يتفننون في استعباد الشعوب، وخلت ساحته من مفكرين وفلاسفة يهتمون بطرح البديل، بل وجد منهم من أشهر الإفلاس الفكري وأعلن وصوله إلى الحائط المسدود، ومنهم من أخذ ينادي بالعودة إلى فكرة “الإله الخفي” الذي يقف وراء المادة، والذي أهملوه في كل حياتهم ونظرياتهم.
2- إن المسلمين قد عادت إليهم ثقتهم بدينهم، وأنه هو الذي سيخلصهم من أدران الغرب وطريقة حياته، وأن الإسلام على الفهم الصحيح له سيكون المخلص لهم وللعالم كله بما فيه الغرب نفسه، وهذه العودة مبصرة ومطعمة من الغرب، أي لا يمكن أن يخدعهم بسحره من جديد، بل يحدثنا الواقع حصول عملية معاكسة يتم فيها تخلي الكثير من الغربيين عن فكرهم الغربي والدخول في دين الله تعالى من الآن، وقبل أن تقوم للإسلام خلافته التي تحسن التطبيق وتجعل الناس، كل الناس، يدخلون في دين الله أفواجاً.
ولكن بالرغم من وصول الغرب إلى “مرحلة إعلان الإفلاس” الحضاري، إلا أنه لا يعترف بذلك، بل يريد أن يعيد الكرة في استيعاب الصحوة الإسلامية على الطريقة نفسها، وهذا من دلائل إفلاسه، مستنداً إلى أن الأوضاع مازالت بين يديه، والحكام تابعون له، ويقبض على الواجهة الدينية بواسطة هؤلاء الحكام، وهو من أجل ذلك يعتمد على خطة تقوم على التمييز بين نوعين من الحركات الإسلامية:
1- حركات إسلامية تقوم طروحاتها على فكرة التغيير، وتفهم الإسلام بشكل مبدئي، وتطرحه للعالم كمشروع حضاري جامع بديل عن مشروع العولمة كما يصرح بذلك زعماء الغرب ومنهم بوش.. وأصحاب هذا الطرح يحاربهم الغرب بشدة، ويعتبر أن الصراع معهم تحديداً، والنصر يكون بالقضاء عليهم.
2- حركات إسلامية تفهم الإسلام على طريقة الغرب، وتطرح الإسلام بما يتوافق مع مفاهيمه، فهذه الحركات يريد الغرب أن يمدّ لها من التأييد والدعاية مداً، ويصور للمسلمين “أن فهم الإسلام الصحيح هو ما يفهمه هؤلاء، وهو يريد أن يجعلهم شركاء الحكام العملاء له، وأن يكونوا عملاء مثلهم، ويريد منهم أن يقفوا معه في حربه ضد الحركات التغييرية بغية عزلها، ومن ثم التمكن من ضربها والقضاء عليها.
ويذكر هنا أن الغرب، وعلى رأسه أميركا، كان قد حزم أمره ابتداءً على أن يحل هذه المعضلة بنفسه ومباشرة، بعد أن أتى بقوته العسكرية إلى أفغانستان والعراق، وكان في نيته أن يكمل المشوار إلى سائر بلدان المنطقة ليصوغها من جديد بحسب رؤيته الخاصة، ومن غير الاستعانة بمن يسمون الآن بالمعتدلين، ولكنه فشل، ووجد أن عملية رفضه بين المسلمين تتعاظم، وكان فشله وما ارتكبه بعد فشله من مجازر، وما اتخذه مسؤولوه من مواقف كان مساعداً كبيراً على تعاظم هذا الفشل، وصارت عملية رفضه بين المسلمين تشتد بموازاة شدته في التصرف معهم، وكان يرافق سوء تصرفاته وإجرامه مزيد انهيار لحضارته، وذلك على مرأى من العالم أجمع… كل هذا اضطره إلى اللجوء إلى خيار اللعب بورقة المسلمين المعتدلين الذين تقضي خطته المكشوفة، والمتداولة إعلامياً على نطاق واسع، بإيصالهم إلى الحكم، ومشاركتهم في لعبته السياسية التي يبغي من ورائها كما تصرح به مراكز الأبحاث والدراسات الغربية منع عودة الخلافة والجهاد..
في هذا السياق، بدأ الغرب يفتش عن الحركات الإسلامية المعتدلة بنظره، والتي يطمئن إلى أنها ستسير معه على شروطه، ولن تنقلب عليه، ومن وجد من هؤلاء يجتمع بهم سراً، ويتفق معهم سراً على إيصالهم بحسب خطة يشاركون فيها حكام السوء الجاثمين على صدر هذه الأمة ليكونوا شركاءهم في عمالتهم وإجرامهم، وإقصاء الحكم بالإسلام على الفهم الصحيح. هكذا تجري الأمور بكل صراحة من غير رتوش، وهكذا يصرحون على المكشوف.
أما ما هي المواصفات التي يشترط الغرب، وعلى رأسه أميركا، وجودها في الحركات الإسلامية المعتدلة؟ فهي:
1- أن تقوم هذه الحركات على مثل فهمه للدين، أي أن يكون فهمها للدين منسجماً مع فكرة (فصل الدين الإسلامي عن الحياة) وبالتالي فلا مطالبة بتطبيق الشريعة وإقامة الخلافة، وعليها أن تعلن ذلك.
2- أن تعلن هذه الحركات نبذ العنف، وأن تتبنى موقف الغرب من الحركات الأصولية التغييرية، وأن تهاجم ماتقوم عليه هذه الحركات الأصولية من أفكار، وما تقوم به من أعمال.
3- أن تعلن قبولها باللعبة الديمقراطية، وتداول السلطة عن طريق الانتخابات، واحترام نتائجها، والقبول بالتعددية السياسية.
4- أن تعلن صراحة موقفها من بعض المواقف التي يعتبرها الغرب مفصلية في الصراع، من مثل الموقف من الخلافة من أنها طريقة حكم غير ملزمة، ومثل الموقف من الجهاد بأنه جهاد النفس، وللدفاع فقط، ومن مثل الموقف من المرأة وحقها في تولي كافة مناصب الحكم، ومن مثل الموقف من غير المسلمين وإعلان اعتبارهم شركاء في المواطنية يحق لهم ما يحق للمسلمين من تقلد كافة مناصب الحكم…
5- أن تعلن اعترافها بوجود (إسرائيل)، والاستعداد للصلح ومن ثم التعامل معها، وهذا يعتبر من أهم المؤشرات التي تحكم على هذه الحركات بالاعتدال.
هذا نموذج للمواصفات التي تعتبر على أساسها هذه الحركات الإسلامية معتدلة أو غير معتدلة. والحركة التي تحوز هذه المواصفات تفوز بالدخول إلى جنة حكم الدجال…
وهذا واقع ما يفكر به الغرب اليوم للقضاء على الصحوة الإسلامية. وهي تقوم على الاستعانة بالمسلمين المعتدلين في حربه على الإسلام تحت مسمى الإرهاب.
والآن، وللرد على هذه الحملة الغربية الكافرة الظالمة الماكرة على الإسلام، لابد من:
أولاً: عقد مقارنة سريعة بين الدين الإسلام والدين النصراني لبيان خطأ ماذهب إليه الغرب من نتائج بناء على هذه المقارنة.
وثانياً: عقد مقارنة سريعة بين الدين الإسلامي والمبدأ الرأسمالي بغية إظهار أن الدين الإسلامي قبل كل شيء هو مبدأ، أي دين للحياة وما قبلها وما بعدها، ومن ثم هو المبدأ الصالح البديل عن المبدأ الرأسمالي الفاسد.
وثالثاً: ما حكم هذه الحركات الإسلامية المعتدلة التي ترضى أن تكون سكيناً بيد عدو الإسلام يطعن بها الصحوة الإسلامية، ويحارب بها عودة الخلافة الراشدة التي بشر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنها ستعود، وفي هذه الأيام إن شاء الله؟
[يتبع]
2008-04-26