الهنود الحمر.. هل كانوا مسلمين!
1999/02/25م
المقالات
3,559 زيارة
يقدم د. يوسف مروح في دراسة له بالإنجليزية معلومات مفاجئة عن تاريخ المسلمين في أميركا الذي يسبق وصول كولومبس بخمسمائة سنة على الأقل، وهي معلومات وشواهد وحقائق على درجة من الوضوح والكثافة التي لا تدع مجالاً للشك في الحضور الاسلامي القوي في أميركا قبل الأوروبيين. فقد أبحر المسلمون ـ كما هو موثق في عشرات المراجع والأدلة ـ عبر المحيط الأطلسي «بحر الظلمات»، وقد أبحرت بواخر المسلمين عام 1961م من ميناء بالوس على الشاطئ الإسباني وعادت بعد غياب طويل.
من المعلوم أن أهم معاونين لكولمبوس في رحتله المشهورة كانا مسلمين هما «مارتن ألونسو بترون» وأخوه «فينست» وكان كل واحد منهما رباناً لسفينة، وكانا تاجرين خبيرين بالبحار وتقنيات الإبحار وصيانة السفن، وعائلة بترون ترجع في أصولها إلى عائلة أبي زيان السلطان المغربي لسلالة المريند الحاكمة.
وقد أشار المؤرخ والجغرافي المسلم المسعودي في كتابه «مروج الذهب ومعادن الجوهر» أن الملاح المسلم خشخاش بن سعيد القرطبي أبحر من ميناء بالوس سنة 889م ووصل إلى أرض معروفة وعاد بعد ذلك ومعه خزائن عظيمة. وقد أشار المسعودي في خريطته التي رسمها للعالم إلى مناطق في المحيط الأطلسي سماها الأرض المجهولة.
ورحلة كولومبس تقدم إشارات كثيرة عن الحضور الاسلامي، فقد وجد كولمبوس أن جزيرة جمرة «كنار» تحكمها عائلة عربية اسمها أبو عبد الله، وقد وجد أن الأهالي يسمون جزيرة «سان سلفادور» (جوانا هاني وهي تحريف للكلمة العربية إخوة هاني وكتب ابن كولومبس عن الرجال السود الذين شاهدهم في هندوراس وينتمون إلى قبيلة مسلمة يطلق عليها محلياً «المامي» وهي تعني «الإمامي» أو الإمام. وكتب المؤرخ الأميركي وينر ـ الاستاذ في جامعة هارفرد ـ أن كولمبوس كان مدركاً للوجود الاسلامي في العالم الجديد، وأن المسلمين في غرب إفريقيا انتشروا عبر الكاريبي إلى جميع أنحاء القارتين الأميركيتين وكانوا يتاجرون ويتزاوجون مع هنود الأوقيوسيين. وجاءت في المراجع الاسلامية تفصيلات كثيرة عن رحلات بحرية عبر المحيط الأطلسي مثل الجغرافي المشهور الإدريسي في كتابه «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» والعمري في كتابه «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار».
وذكر كولمبوس في يومياته أنه شاهد في كوبا مسجداً على قمة جبل، وآثار الكتابات العربية والاسلامية والآيات القرآنية التي اكتشف الكثير منها في كوبا وتكساس ونيفادا والمكسيك. وذكر كولمبوس أيضاً أن الرماح والأسلحة التي كان يستخدمها السكان السود في هاييتي مطابقة في طريقة صنعها وموادها الأولية وتركيبة المعادن فيها تلك التي تصنع وتسوق في أفريقيا، وقد دهش كولمبوس من مشهد السكان الذين يرتدون المأزر وأغطية الرأس، ولاحظ أنها تشبه ملابس الناس في «جونية» وتساءل من أين تعلم الناس الحشمة؟
ووصف المستكشف الإسباني هرنارد ملابس النساء الهنديات بأنها عبارة عن حجاب طويل، وملابس الرجال بنطال قصير مربوط بحزام في الخصر وموشى على طراز أجواخ «المغربة». وأطلق كولمبوس كلمة «أشال» على ملابس النساء وهي أغطية النساء في غرناطة، ويذهب التشابه ـ كما وصف الإسبان ـ حتى في أراجيح الأطفال.
وقدم د. باري نيل في كتابه «قصة أميركا» أدلة كثيرة جداً على وجود المسلمين في جميع أنحاء أميركا منها: الخرائط وبقايا المدارس واسماء القبائل والأماكن التي سجل منها 565 اسماً مشتقة من اصول عربية وإسلامية مثل Makka قبيلة هندية، ومنى، ومحمد، وأباجي وزولو، ومرابطين، إضافة إلى كثير من العادات والخبرات التي توضح الصلة الثقافية بين الهنود الأميركيين، والمسلمين العرب.
ويرى الكسندر فون في دراسة له عن الفنون القديمة في أميركا، أن كثيراً من رؤوس المنحوتات وملامحها عربية، كما لا حظ نقش الهلال في الرسومات والنقوش الموجودة التي استخدمت على الجدران وفي المسكوكات.
وفي كتابه: «جاءوا قبل كولمبوس» يقدم إثفان سيرتيما أدلة أخرى كثيرة عن وصول الأفارقة وحضورهم في أميركا مثل الأسماء المستخدمة لدى الهنود وبخاصة تلك الأسماء التي تحمل دلالات تاريخية مقدسة. وأشار المستشرق البريطاني دي لاسي في كتابه «الفكر العربي ومكانته في التاريخ الغربي» إلى رحلات بحرية نظمها المسلمون عام 1312م وقال إن المهارات الفنية في المجال البحري التي امتلكها العرب والمسلمون الأفارقة كانت تؤهلهم بالتأكيد للوصول إلى أميركا.
هناك الكثير مما يمكن أن يقال عن تراث المسلمين في القارتين الأميركيتين. وفي دراسة د. مروح إشارات واقتباسات كثيرة جداً، يقول عنها: إنها شيء قليل جداً مما وجده في المراجع والمصادر المختلفة، ولا بد أن الصحوة الاسلامية الحديثة والإمكانات الإعلامية والبحثية التي أتيحت لكثير من المسلمين المهتمين بالدعوة الاسلامية والتراث الاسلامي ـ مدعوة للاهتمام بهذه القضية على نحو يعزز الوجود الإسلامي في أميركا، ويعطيه حضوراً احتفالياً وإعلامياً بل وسياسياً، فالمكاسب الفكرية والإعلامية هي بطبيعة الحال سياسية، وليس المقصود هنا التبجح والادعاء والتباهي، ولكن من المؤكد أن العمل الإعلامي والدراسي في خدمة هذه الفكرة سيزيد من التواصل الثقافي والحضاري مع كثير من الأميركيين، وقد يؤدي إلى تعاطف وتأييد للقضايا العربية والاسلامية التي تعاني من العدواة والتشويه، وربما تخدم أيضاً برامج الدعوة الاسلامية والعمل الاسلامي في تلك المناطق، وسيساعدة اتجاه البحث عن الجذور، إضافة إلى الاختلاف التاريخي والثقافي بين الهنود والأوروبين على إنجاح مثل هذه الأفكار والبرامج.
مجلة «الدعوة» العدد 79
تشرين الأول/ تشرين الثاني 1998
1999-02-25