ماذا يجري في أوزبيكستان
1999/03/25م
المقالات
1,943 زيارة
في 16/02/1999م وقعت ستة انفجارات قوية في مدينة طشقند عاصمة جمهورية أوزبيكستان. وكان أقواها الانفجار الذي وقع في مبنى رئاسة الوزراء, وذلك قبل حوالي عشر دقائق من وصول الرئيس الأوزبيكي إسلام كريموف لحضور اجتماع فيه. وحصلت الإنفجارات الأخرى بواسطة سيارات مفخخة واحد عند مبني المخابرات العامة, وآخر عند مبنى البنك القومي وثالث عند البنك المركزي, وكلها في أماكن حساسة. ونتج عن هذه الانفجارات 15 قتيلا وحوالي مائة جريح حالة بعضهم خطرة. وقد نجا الرئيس لأنه بدّل موعد الاجتماع.
وقد ألقى الرئيس ظهر ذلك اليوم خطابا نقله التلفزيون الأوزبيكي, ذكر فيه أن المقصود من هذه الانفجارات هو اغتياله شخصيا. وهاجم » القوى التي تريد إيقاف مسيرة أوزبيكستان وإعادتها إلى الوضع السابق «وقال: »وأنا أقول لهم لقد تأخرتم, وإن أوزبيكستان لها مستقبل محدد تتجه إليه, ولن تتراجع عنه حتى لو حصلت إزاحة الرئيس بالفعل«. وفي قوله هذا تلميح واضح لروسيا. ولكنه غطى تلميحه هذا بتوجيه الاتهام إلى » الأصوليين المسلمين«.
وفي ظهر اليوم نفسه ألقى وزير الداخلية ذاكر علي ماتوف خطابا قال فيه بأن مائة ألف شاب انضموا إلى تنظيمات »سلفية«, وقد سمي صراحة »حزب التحرير«. وقال إن وراء التفجيرات »حزب التحرير« وأن الذي نفذ التفجيرات »حزب الله « الذي هو الجناح العسكري لحزب التحرير (حسب قول وزير الداخلية), وأن حزب التحرير يقوم بالتخطيط وباقي الحركات تنفذ. وقد ذكرت صحيفة »سلوفو« في 19/02/99 أن أجهزة الأمن تشتبه في أن أسامة بن لادن له ضلع في التفجيرات.
وكان وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي ناتان شارانسكي اتصل بالرئيس كريموف 18/02/99 للتعزية بالقتلى, وكان في جواب الرئيس كريموف بأن الانفجارات من تنفيذ »حزب الله«, الذي هو الجناح العسكري لِ »حزب التحرير« حسب قول وزير الداخلية. وقال: »كل الشباب أولادي أنا, وأنا لا أسلم أولادي إلى حزب التحرير«.
وبالتأكيد فإن الرئيس كريموف يعلم أن »حزب الله« لا يعمل في أوزبيكستان, ويعلم أن حزب الله ليس جناحا عسكريا ل »حزب التحرير«, ويعلم أيضا أن »حزب التحرير« لا يقوم بالعمل المسلح, وليس له جناح عسكري, بل عمله هو عمل فكري إسلامي سياسي فقط. إنه يعلم ذلك ووزير داخليته أيضا يعلم ذلك, ويعلمون أن وراء الإنفجارات المخابرات الروسية, ولكنهم يستغلون الإنفجارات ليلصقوها بحزب التحرير لإيجاد المبررات لضرب هذا الحزب الذي ينضم إليه في آسيا الوسطى (وبخاصة أوزبكستان) عشرات الآلاف تحت سمعهم وبصرهم.
في 03/02/1999م عملت صحيفة »تركستان« مقابلة مطولة مع الرئيس كريموف نشرتها جميع الصحف ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية ووزعت على الوزارات والمدارس والجامعات والمستشفيات وسائر المؤسسات, وعملوا حولها ندوات حتى أصبحت مبتذلة من كثرة التكرار. وقد جاء في هذه المقابلة أن أوزبيكستان بحاجة إلى إيديولوجية راسخة متينة, وهي إيديولوجية الاستقلال القومي و الوطني. وذكر الإمام البخاري والترمذي ونقشبند كشواهد على قوله. وأوضح أنه يوجد خطران: خطر شيوعي وخطر إسلامي أصولي متطرف. أما الخطر الشيوعي فيتمثل في اتحاد روسيا مع روسيا البيضاء, ودعوتها لسائر دول الإتحاد السوفياتي السابق إلى الانضمام إلى هذا الحلف الجديد.
وأما الخطر الإسلامي الأصولي المتطرف فيتمثل في عدة حركات واتجاهات. وعمّم الكلام وأطال فيه ثم قال: »ومن بين هذه الحركات يتميز حزب التحرير الإسلامي بنشاطه الكثيف في المنطقة. وهؤلاء يحاولون جذب الشباب إلى فكرتهم, ويبذلون قصارى جهدهم وجميع أموالهم في سبيل ذلك«, ثم أضاف: »ومن البديهي أنه من المستحيل توحيد الشعوب المختلفة اللغات في دولة خلافة واحدة<< وقال: »أنا لا أتصور أن لا يكون حدود بين الكزاخ والأوزبيك« ثم هاجم الذين يزورون التاريخ, وزعم أن تركستان لم تكن في يوم من الأيام دولة إسلامية, وإنما كانت دولة قومية علمانية في عهد تيمور لنك وغيره من الملوك«.
وبدأت السلطة تعتقل أعضاء حزب التحرير منذ بضعة أشهر, وذلك حينما رأت أن الناس بدأو يدخلون في هذا الحزب أفواجا, لأنه يدعوهم إلى تفهم دينهم والتمسك به بعد أن أبعدتهم الشيوعية عن دينهم بالحديد والنار. ولم تجد السلطة المضللة مبررا مقبولا لاعتقال الشباب المتمسكين بدينهم, فصارت تلفق لهم التهم الكاذبة بأنهم يتاجرون بالمخدرات, وبأنهم يستعملون السلاح. وقد بلغ عدد من اعتقلتهم من هذا الحزب 150 شخصا بهذه التهم الكاذبة.
والآن تستغل السلطة حادث التفجيرات لتزيد الاعتقالات.
قلنا بأن الرئيس كريموف لمح إلى إن مخابرات روسيا هي وراء الإنفجارات ليقول لروسيا بأنه يعرف الحقيقة, ثم صرح بأن الأصوليين المسلمين هم وراءها من أجل أن يستغل ذلك كمبرر لضرب حملة الدعوة الإسلامية.
وكانت قد حصلت انتفاضة مسلحة في طاجيكستان, على حدود أوزبيكستان, في 25/11/98 استمرت خمسة أيام وتم إخمادها. وقام إمام علي رحمانوف رئيس طاجيكستان باتهام أوزبيكستان بأنها هي التي سلحت الانتفاضة وحركتها. ورد إسلام كريموف بأن مخابرات روسيا هي التي دبرت ذلك للإيقاع بين رحمانوف وكريموف. وقد ردت مخابرات روسيا في حينها باتهام إسلام كريموف بأنه صار عميلا لأميركا.
وقد ظهر أنه قد ذهبت فعلا قوات عسكرية, كان يتم تدريبها وتسليحها في أوزبيكستان, إلى طاجيكستان وحركت أهل المنطقة للقيام بالعمل المسلح ضد حكومة طاجيكستان, ولكن الرئيس كريموف لم يكن يعلم بذلك, بل الذي كان وراء ذلك هو الرجل الثاني (جورابيكوف) المعروف بولائه المطلق لروسيا.
بعد تفكك الإتحاد السوفيتي ووجود رابطة الدول المستقلة بقي كريموف على ولائه لروسيا. ولكن بعد الضعف الشديد الذي انتاب روسيا سياسيا وعسكريا واقتصاديا وبخاصة بعد سنة 1995, صار كريموف يتطلع نحو أميركا, التي كان نفوذها يزداد في أفغانستان عن طريق ما يسمى بالمجاهدين, ثم عن طريق هيمنة حركة طالبان, ويزاد نفوذها أيضا في دول آسيا الوسطى عن طريق الأموال والشركات, والضغوط الاقتصادية من صندوق النقد الدولي, والوفود العسكرية الأمريكية المستمرة التي تجتمع بكريموف, وعن طريق جهود السفير الأميركي الذي ازدادت لقاءاته في الفترة الأخيرة بالرئيس كريموف.
كل هذا أدى إلى تغيّر في السياسة الأوزبكية تجاه روسيا, وظهر ذلك من خلال تغيرات أحدثها كريموف في أجهزة الدولة, كان من أهمها إقصاء الرجل الثاني في أوزبيكستان (جورابيكوف) المعروف بولائه المطلق لروسيا, وإقصاء مجموعة كبيرة من كبار موظفي الدولة في وزارة الداخلية, وجهاز المخابرات, وحكام الولايات الذين كانوا يعدون من رجالات جورابيكوف في أوزبيكستان. وقد صرح السفير الأميركي بعد ذلك أنه قد نصح كريموف سابقا بإقصاء جورابيكوف. وقد حاولت روسيا ثني كريموف عن ذلك بواسطة بعض الزعماء من أصدقاء كريموف, مثل شيفاردنادزه رئيس جمهورية جورجيا. ولما لم ينفع معه ذلك حاولت تحذيره بالإيقاع بينه وبين إمام رحمانوف عن طريق الانتفاضة المسلحة التي وقعت25/11/98. ولكن هذا التحذير زاد الأمور سوءا, فأعلنت أوزبيكستان أنها تستمر في اتفاقية الدفاع المشترك لرابطة الدول المستقلة. فأرسلت إليها روسيا سكرتير رابطة الدول المستقلة باريس بيريزوفسكي (الثري اليهودي الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية بالإضافة إلى الجنسية الروسية), ثم أوفدت رئيس البرلمان الروسي لحل الإشكال وعرض اتفاقية دفاع جوي مشترك على أوزبيكستان. فكان رد أوزبيكستان الرفض. وفي هذه الفترة خرج جورابيكوف إلى روسيا واستقر فيها.
وفي ظل هذه الأوضاع جاءت انفجارات طشقند في 16/2/1999م, وحجمها يشير إلى أن الذي نفذها يملك متفجرات وخبراء تفجير ويملك معلومات عن مواعيد اجتماع الرئيس مع الوزراء ومعلومات عن الأمكنة التي يمر فيها الرئيس, وأن الذي نفذها له مصلحة بقتل الرئيس وعمل انقلاب في الحكم.
إن هذه المواصفات لا تتوفر إلا عند روسيا وعملاء روسيا.
جماعة طالبان يحاولون الآن إرضاء أميركا, فليس لهم مصلحة في قتل شخص يميل نحو أميركا وليس لهم مصلحة في قلب نظام يتعاطف مع أمريكا. وابن لادن يريد إرضاء طالبان كي يبقى في أفغانستان لأنه إذا خرج من هناك قد لا يقبله أي بلد كما حصل مع أوجلان. والسلفيون التابعون للسعودية لا يمكن أن يفكروا في قتل حاكم يميل نحو أمريكا لأن السعودية تسير مع أمريكا. وحزب الله وإيران لا يعملان في أوزبيكستان. وحزب التحرير لا يستعمل العنف لا في أوزبيكستان ولا في غيرها. فيكون اتهام الرئيس ووزير داخليته للحركات الإسلامية ليس صحيحا.
لقد أقامت السلطة في أوزبيكستان علاقات أمنية وثيقة منذ أشهر قليلة مع إسرائيل لمواجهة ما تسميه ب »الهجمة الأصولية«.
وتقوم الوكالة اليهودية »سحنوت« بنشاط ملحوظ في العاصمة الأوزبكية. وقد ذكرت صحف روسية أن هذه الوكالة عمدت منذ زهاء شهر إلى تعزيز الإجراءات الأمنية, ما عُد دليلا على أن الاستخبارات الإسرائيلية ربما تلقت معلومات عن تنظيم عمليات في طشقند.
الرئيس كريموف لا يتصور عودة الخلافة الإسلامية, ولا يتصور إمكانية وحدة المسلمين, ولا إمكانية إلغاء الحدود بينهم, وهو لا يصدق التاريخ الذي ملأ الدنيا طيلة أكثر من ثلاثة عشر قرنا. ونرجو أن يرى ذلك بعينيه قريبا إن شاء الله. ووزير داخليته يقول بأن هناك مائة ألف »سلفي«, ولو دقق في الموضوع لوجد أن هناك ملايين المسلمين في آسيا الوسطى العاملين لعودة الخلافة وإقامة الدين, وليس مائة ألف فقط.
1999-03-25