أين وصل العمل لإقامة الخلافة؟
2007/11/25م
المقالات, كلمات الأعداد
2,058 زيارة
أين وصل العمل لإقامة الخلافة؟
انقضت الذكرى السادسة والثمانون على هدم دولة الخلافة الإسلامية، والأمة الإسلامية لم تذق يوما طعما للعزة والكرامة منذ ذلكم الوقت، وإنما تجرعت مرغمة كؤوس الذلة والمهانة. انقضت الذكرى السادسة والثمانون لهدم دولة الخلافة وما زال الإسلام بعيدا عن الحكم والتطبيق، ينتمي إليه مليار ونصف أو يزيدون ولكن معظم أحكامه لم تجد من حياتهم نصيبا. وها هي السنة الرابعة والخمسون تنقضي على بدء عمل حزب التحرير الذي نذر نفسه لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الراشدة، وما زال من أبناء الأمة الإسلامية من لم يع بعد عظم الفرض عند الله سبحانه وتعالى وحاجة الأمة الإسلامية الماسة والملحة بل وحاجة البشرية جمعاء إليه وقد حل بها ما حل في ظل الرأسمالية العفنة. وبعد عقود مضت على عمل حركات وأحزاب أخرى لم تحقق شيئا في سبيل غايات حددتها بل نكصت على أعقابها فتنازلت وتخاذلت وقزمت قضايا أمتها حيث قزمت، وبعد تقدم العمل لإقامة الخلافة إلى مراحله الأخيرة، فإنه ما زال البعض من المسلمين غير مدرك عظم العمل الفكري السياسي، غير مدرك تقدم العمل لإقامة الخلافة، يرنو من بعيد للعاملين ولسان حاله بل ومقاله يقول غر هؤلاء دينهم، فكيف للخلافة أن تقوم بعمل فكري سياسي، ومتى ستقوم تلك الدولة التي يعدنا بها حزب التحرير ويمنينا؟
إنه لمن المفرح والمحزن في آن معا أن تخرج مثل هذه العبارات من أبناء الأمة الإسلامية، أ/ا ما يفرح فهو أن الخلافة قد أصبحت على كل لسان وفي كل مكان، وقد أصبحت الأمة لا ترى سواها حلا لقضاياها، وما هذه التساؤلات إلا دليل على أن فكرة الخلافة قد أصبحت في موضع من الأمة عظيم، فتراها تتساءل عن أحوالها وأين وصل العاملون لها.
أما المحزن والمبكي، فهو أن هذا الكلام إنما يصدر عن مسلمين، فرض الله سبحانه وتعالى عليهم العمل لإقامة الخلافة كما فرضه على العاملين لإقامتها، ويكأنهم يظنون بأن الله قد أعفاهم من العمل لإقامة الخلافة وفرضه على حزب التحرير وحده دون غيره من الأمة. ويكأن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية” لجماعة مخصوصة دون غيرها.
إنه لمن المحزن أن تجد من أبناء الأمة الإسلامية اليوم من لا يدرك عظم العمل الفكري السياسي الذي يقوم به حزب التحرير لاستئناف الحياة الإسلامية، وكفى به عظمة أنه درب الرسول صلى الله عليه وسلم، درب المصطفى الذي انتهجه بوحي من الله، فكان عمله في مكة قائما على صراع أفكار الكفر وكفاح الحكام فيها سياسيا، ثم توج أعماله بطلب النصرة فرده من رده من قبائل كثيرة حتى نصره من نصره من أهل يثرب، أنصار الإسلام ودعوته رضوان الله عليهم.
إن عمل الرسول صلى الله عليه وسلم الفكري والسياسي قد أقام للإسلام دولة حيث لم تكن، ورفع راية الإسلام عالية خفاقة بعد أن كان وصحابته رضوان الله عليهم يعذبون ويفتنون عن دينهم فيصبرون، ويطلبون منه القتال فيكفهم، ويستعجلونه النصر فيذكرهم بعظم أجر العاملين وثباتهم وأن الله منجز وعده عندما يحين، وما ينطق بأبي هو وأمي عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
لقد أدرك حزب التحرير منذ نشأته عام 1953م أن إقامة الخلافة ليس بالأمر السهل والهين، بل إنه طريق صعب محفوف بالمخاطر ممتلئ بالأشواق، حافل بالصعوبات والصخور الكبيرة التي يجب تحطيمها لأنها تقف في وجه إعادة العزة للأمة، فمن النظام العلماني والديمقراطي والاشتراكي المطبق على أبناء الأمة، إلى وجود أفكار الفرقة من القومية والوطنية، إلى حكام هذه الدول الكرتونية العملاء الجاثمين على صدور أبناء الأمة، وعلماء السلاطين الذين ضللوا الأمة ردحا طويلا، وإعلام مضلل يرفع التافه من الأمور ويغفل العظيم منها، إعلام موجه من قبل الغرب الكافر لتوجيه فكر الأمة حيثما يريد، ومن وراء ذلكم كافر مستعمر لا يرقب في المؤمنين إلا ولا ذمة، احتل بلاد المسلمين سياسيا وثقافيا واقتصاديا وبعضها عسكريا، كافر مستعمر يريد أن يقضي على إسلامها ويوجد لها إسلاما آخر لا يوجد فيه خلافة ولا جهاد، ولا حكم ولا اقتصاد، ولا تعليم ولا عقوبات، وقد زاد الصعوبات صعوبة فقدان ثقة الأمة بإسلامها، واستبعادها فكرة عودة خلافتها إلى الوجود من جديد.
لقد أدرك حزب التحرير هذه العقبات والصعوبات، ولكنه مضى في عمله مستمسكا بخطى النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، سائرا وفق هذه الخطى خطوة تتبعها أخرى، مقدما التضحيات بالنفس حيث فاضت أرواح الشهداء في ليبيا والعراق وأوزبكستان وغيرها، وسجن الآلاف بل عشراتهم ولوحق آخرون، حتى وصل بفضل من الله عز وجل لما وصل إليه اليوم من أنه أصبح حزبا عالميا، يعمل في أكثر من أربعين دولة لاستئناف الحياة الإسلامية، ناهيك عن انتشار شبابه وفكرته في معظم دول العالم حتى أصبحت فكرة الخلافة مقرونة به، فأينما ذكرت الخلافة ذكر حزب التحرير وأينما ذكر حزب التحرير ذكرت الخلافة، فها هي إندونيسيا بعد سنوات قليلة نسبيا من العمل فيها تحيي بالأمس القريب ذكرى هدم الخلافة بمؤتمر انقطع نظيره حضره مئة ألف داعين الأمة للخلافة وإلى تحكيم شرع ربها فيها، وتلكم هي آسيا الوسطى، بلاد العلماء العظام بلاد البخاري يسطع نور الخلافة والإسلام منها بعدما عاشت في الظلام الدامس في ظل الاتحاد السوفياتي مفصولة عن الأمة بعيدة عنها، ضوء يشع منها بعشرات الآلاف من العاملين للخلافة والملايين من المؤيدين والمناصرين لها، والتضحيات في سبيلها التي أعادت لنا ذكرى الصحابة، رضوان الله عليهم، التي قل مثيلها، وأما باكستان وبنغلادش وماليزيا فالعمل فيها في تعاظم وازدياد، وفي بلاد الفاتح وبايزيد وعبد الحميد، رجال أبوا على أنفسهم إلا أن يعملوا بكل جد وقوة واجتهاد غير آبهين بالسجن والتعذيب وقطع الأرزاق، أبوا على أنفسهم إلا أن يقيموا الخلافة حيث تم هدمها، وأما في البلاد العربية فإنه وبالرغم من إجرام الحكام فيها إلا أن الحزب يسير فيها بخطى واثقة نحو استئناف الحياة الإسلامية، فما ضر الحزب في سوريا ولا في الأردن ولا في اليمن ولا في مصر وغيرها من بلاد المسلمين وصولا إلى المغرب الأقصى، الاعتقال ولا الملاحقة ولا التشريد، ولا تشويه السمعة، ولا ننسى إخوة لنا في بلاد الغرب الذين نحن منهم وهم منا، يرفدون بالد المسلمين بالعاملين للخلافة الساعين لإقامتها ويواجهون الغرب بالخلافة الحجة بالحجة، ويشكلون طلائع الفتح بإذن الله عند إقامة الخلافة واستئناف حمل رسالة الإسلام.
إنه بفضل الله وعمل العاملين للخلافة قد بدأت الأمور تتبدل والموازين تنقلب لصالح ميزان الحق، ميزان الإسلام فلم تعد القومية ولا الوطنية ولا الديمقراطية ولا طريقة العيش الغربية تستهوي المسلمين بالرغم من كل وسائل الإعلام والفضائيات التي يسخرها الكافر لمصلحته، ولم تعد الأحزاب والجمعيات العلمانية ولا من يسمون أنفسهم بالمثقفين المنضبعين بالثقافة الغربية يحظون بأية شعبية، ولم تعد فتاوى علماء السلاطين تنطلي على المسلمين كما كانت من قبل، وصارت وحدة المسلمين مطلب الأمة وعودة الخلافة أملها. وأصبح الحكام لعنة على كل لسان لأنهم سبب الفساد والظلم والبلاء، ولم تعد ألاعيبهم وخطاباتهم ولقاءاتهم وقممهم تؤثر في أحد، وأصبحت نظرة المسلمين إلى الغرب الكافر نظرة حقد وانتقام، وسعي للثأر مما فعله بالأمة من جرائم لا تنسى.
لقد أدرك الكافر المستعمر قبل كثير من أبناء الأمة الإسلامية أهمية وعظم العمل الفكري السياسي الذي يسير فيه حزب التحرير لإقامة الخلافة حتى وصل الأمر بهم إلى حظر الحزب في بلاد تدعي حرية الكلمة وينظر في حظره في بلاد أخرى، وبلغ الحد بدول الكفر التي باتت ترى خطر الخلافة ماثلا أمامها أن تعمل بكل ما بوسعها من قوة لقتل هذا المولود الجديد قبل أن يخرج للحياة، فخرجت التصريحات على ألسنة أساطين الكفر بوش وبوتين وبلير وديك تشيني ورامسفيلد وزبانيتهم محذرة من إقامة الخلافة الإسلامية، الدولة الواحدة لأمة واحدة.
أوليس غريبا أن يعي الكافر المستعمر أهمية العمل قبل أن تعيه الأمة الإسلامية؟
إن استئناف الحياة الإسلامية يعني إحياء الأمة بالإسلام، وهو عمل لو تعلمون عظيم، إن إقامة الخلافة يأتي بالعمل بين الأمة ومعها لتحقيق هذه الغاية، ومن أبناء الأمة هؤلاء أهل القوة والمنعة في بلاد المسلمين، الذين هم أمل الأمة في تحقيق الغاية المرجوة، حتى إذا التحمت الدعوة بالمنعة، ونصر الإسلام أنصار اليوم كما نصره بالأمس أنصار المدينة، قامت الدولة، إن هذا العمل لا يكون إلا عملا فكريا سياسيا، ولا يتم تحقيقه إلا بذلك، وإن حزب التحرير يعمل به تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سار على بصيرة هو ومن اتبعه، وما قام بعمل مادي في طريقته تلك لإقامة الدولة، فالهدف ليس إقامة خلافة على الجماجم وإنما أن تقوم قوية ثابتة على فكرة راسخة أصله ثابت وفرعها في السماء، فيها أمن وأمان وتمكين واستخلاف ومن ثم جمل الدعوة الإسلامية للعالم أجمع بالدعوة والجهاد، وتطبيق للإسلام في شؤون الحياة كافة وتحرير بلاد المسلمين من ربقة الكفار المستعمرين.
أيها المسلمون
إن رسولكم الكريم قد أقام الخلافة بالعمل الفكري السياسي وسيرته شاهدة على ذلك تنطق به، وأنه قد أقام الخلافة بعد عمل عظيم توج بإعلانها في المدينة المنورة بعد أن كان مطاردا من أهل مكة إبان الهجرة يطلبون رأسه. وكذلك قيام الخلافة اليوم، فما هي إلا مسألة وقت حتى تعلن الدولة حين تحين ساعة الصفر وتتحقق الكفاية في أهل القوة والمنعة، فإن العاملين للخلافة قد وصلوا الخندق الأخير وإن الأمة الإسلامية قد صارت مهيأة لقبول الخلافة، فاعملوا أيها المسلمون لإقامة الخلافة تنالوا شرفا عظيما كما ناله صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلموا أن النصر بيد الله يعطيه لعباده العاملين، قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) محمد 7 وقال:(إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) غافر 51.
كونوا معنا لنحكم الإسلام في حياتنا كلها، كونوا معنا لنتعاون على القيام بهذا الواجب الذي فرضه الله علينا، كونوا معنا لإقامة هذا الشرف العظيم وهذا العمل العظيم الذي يحبه الله ورسوله ورضوان من الله أكبر يوم لقائه(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) الأنفال 24.
2007-11-25