صفحاتٌ مضيئةٌ من تاريخ المسلمين بالمغرب الأقصى تنطق بوجوب إقامة الخلافة
2007/03/23م
المقالات
1,869 زيارة
صفحاتٌ مضيئةٌ من تاريخ المسلمين بالمغرب الأقصى تنطق بوجوب إقامة الخلافة
قال تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) [المائدة 3]، فالدين عند الله الإسلام، أكمله لنا “عقيدة وأحكاماً” وارتضاه لنا ديناً نحيا به ونسيّر به كل شؤون حياتنا. فمن آمن بالله رباً وبمحمد نبياً ورسولاً وبالإسلام شرعةً ومنهاجاً، واستقام على ذلك وَعَدَه الله ليُحيينه حياةً طيبةً، قال تعالى: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [النحل 97]. ومن أعرض عن الله وخالف منهج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهجر كتاب الله فليحْيَيَنَّ حياة ضنكاً، قال تعالى: ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) [طه 124].
إن قول الله صدق وأحكامه عدل ووعده حق. قال تعالى: ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) [الأنعام 115] وقال أيضاً: ( إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ) [لقمان 33]. لهذا فإن الأمة الإسلامية إن استقامت على أمر الله ومنهج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فحكَّمت الإسلام داخلياً في العلاقات بين المسلمين أنفسهم وبين المسلمين وأهل الذمة، وخارجياً في علاقة المسلمين بغيرهم، فإنها مصداقاً لوعد الله ستحيا حياة طيبة، حياة السعادة والطمأنينة، حياة الأمن والأمان، حياة الرفاهية ورغد العيش، حياة العز والكرامة، حياة النصر على الأعداء والنصر المبين… قال سبحانه: ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ) [الأعراف 96].
أما إذا أعرضت الأمة الإسلامية عن العمل بكتاب الله والتحاكم إليه وتحكيمه وهجرته وراء ظهرها فإنها مصداقاً لقول الله عز وجل ستعيش في ضنك، ستعيش في شقاء وتعاسة، ستعيش في ذل ومهانة، ستعيش في ضيق وحرج، ستُستباح بيضتها وتُنتهك حرمتها ويسلط عليها أعداؤها… قال تعالى: ( وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) [الأعراف 96] وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاً لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» (رواه ابن حبان).
إن حقيقة كون خيرِ المسلمين وعزِّهم هو بالاستمساك بالإسلام وتنفيذهم لأحكامه، وأن ذُلَّهُم وشقاءَهم هو في تفريطهم بإسلامهم وأحكامه، هي حقيقةٌ يقينية دلت عليها الآيات القطعية الدلالة، وشهدت لها كذلك حقائق التاريخ.
جاء في كتاب “الجامعة العربية” لهارون هاشم رشيد:
((تعرضت البلاد العربية في العهد العثماني لمطامع الدول الأوروبية، فاحتلت فرنسا الجزائر سنة 1830م، وفرضت حمايتها على تونس سنة 1881م وعلى المغرب سنة 1912م. كما احتلت إنجلترا مصر في سنة 1882م، واحتلت إيطاليا ليبيا سنة 1911م. وبهذا خضع العرب في أفريقيا للسيطرة الأوروبية، واستمر خضوع العرب في آسيا للسيطرة العثمانية، باستثناء عدن وبعض مناطق الخليج العربي التي بسط عليها الإنجليز نفوذهم.
ظل هذا الوضع قائماً إلى أن نشبت الحرب العالمية الأولى في عام 1914م فانحازت الدولة العثمانية إلى جانب ألمانيا ضد الحلفاء، مما جعل العرب ينتهزون هذه الفرصة للتحرك من أجل المطالبة باستقلالهم والتخلص من الحكم العثماني. وبدأ العرب في تنظيم صفوفهم في جمعيات سرية وعلنية أثناء الحكم العثماني، وبالتحديد منذ عام 1908م عند إعلان الدستور العثماني، وكان من أبرز التنظيمات التي نشأت آنذاك جمعية الإخاء العربي لإعلاء شأن الأمة العربية، والمنتدى الأدبي الذي كانت تتلاقى فيه آمال الشباب العربي وأفكاره، وحزب الكتلة النيابية العربية للدفاع عن حقوق العرب، والجمعية العربية الفتاة السرية التي تأسست في باريس ثم أصبحت أقوى المنظمات العربية، وجمعية العهد العسكرية التي تدعو إلى استقلال البلاد العربية استقلالاً داخلياً تحت التاج العثماني، وحزب اللامركزية في بيروت، والمؤتمر العربي بباريس سنة 1912م. وكل هذه المنظمات كانت القومية العربية هي العمود الفقري لها، والحافز على وجودها، وقد واجه الأتراك كل الجمعيات العلنية منها والسرية بأشد أنواع القمع والإرهاب.
وفي 29 حزيران 1916م أعلن شريف مكة الحسين بن علي الثورة على الأتراك، وتمكن من بسط نفوذه على جزيرة العرب، وزحفت القوات العربية لتحارب إلى جانب الحلفاء.
انتهت الحرب العالمية الأولى بانتصار الحلفاء، الذين بادروا فوراً بقلب ظهر المجن للعرب، والتنكر لكل الآمال والأطماح التي كانوا يتطلعون إليها، فبدلاً من وفاء الحلفاء بعهودهم -التي قطعوها للعرب- فقد قرروا في مجلسهم الأعلى الذي عقد في (سان ريمو) عام 1920م بوضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، ووضع العراق وفلسطين وشرق الأردن تحت الانتداب البريطاني، وأكثر من ذلك الاعتراف ليهود بحق تأسيس “وطن قومي” لهم في فلسطين)).
لقد دعا القوميون العرب إلى الارتباط بين العرب على أساس قومي عربي وليس على أساس الإسلام، وعصوا بذلك الله ورسوله، قال عليه الصلاة والسلام: «من تَعَزَّى بعزاء الجاهلية فأعِضُّوهُ ولا تُكَنُّوا» (رواه ابن حبان). وخرج الحسين بن علي على دولة الخلافة العثمانية مناصراً للكفار، فعصى بذلك الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من نزع يداً من طاعة لم تكن له حُجَّةٌ يوم القيامة، ومن مات مفارق الجماعة، فإنه يموت موتة الجاهلية» (رواه أحمد).
ووالى كل من القوميين العرب والحسين بن علي الكفار المستعمرين، قال تعالى: ( إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) [الممتحنة 9].
وقد كان من نتيجة هذه الأعمال أن زالت الدولة الإسلامية عن الأبصار سنة 1342هـ 1924م. ورأت الأمة الإسلامية دولتها تُزال وأحكام الكفر تطبق عليها، ومن قبل ذلك وبعده المؤامرات تُحاك حولها وضدها بفعل الكافر المستعمر وأذنابه من بني جلدتها، لكنها لعجزها وجهلها لم تَهُبَّ هبَّتها المرجُوَّة التي يمليها عليها إسلامها حين رؤية الكفر البواح. عن عبادة بن الصامت (رضي الله عنه) قال: «دَعَانَا النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ إِلا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ» (متفق عليه). وانقادت الأمة لسماسرة الكافر المستعمر من مثقفين وأحزاب، وانشغلت بالكفاح الرخيص الذي ركز تفرقة البلاد الإسلامية باسم الاستقلال؛ فانفرط عقد وحدة الأمة الإسلامية وانقسمت بلادها إلى أكثر من خمسين دولة، على كل دولة عميل استبدل أحكام الإسلام بأحكام الكفر وحارب كل من يدعو إلى وضع الإسلام موضع التطبيق.
فحق وعد الله بأمة الإسلام، قال تعالى: ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [الأنفال 53].
فانقلب عز الأمة الإسلامية إلى ذلٍّ، وأمنها إلى خوف، ورخاؤها إلى شقاء، وأصبحت نهباً لكل طامع، واحتُلَّت أرضها، وقتل أبناؤها، وأسيء إلى قرآنها، وسُبَّ نبيُّها… ولا تخرج من كربةٍ إلا دخلت في أعظم منها.
وقد صدق شوقي حين قال في رثائه للخلافة:
فلتَسمَعُنّ بكل أَرضٍ داعياً
|
|
يدعو إِلى الكذّابِ أَو لسَجاح
|
ولتشهدُنّ بكل أَرض فِتنةً
|
|
فيها يباعُ الدِّين بيعَ سَماح
|
يُفتَى على ذهبِ المُعزِّ وسيفِه
|
|
وهوى النفوس، وحِقْدِها المحاح
|
وصدق الشاعر قبله حيث قال:
لولا الخلافة لم تؤمَّن لنا سبلٌ
|
|
وكان أضعفنا نهباً لأقوانا
|
وذلك لأن التنعُّم بطيب الحياة لا يكون إلا بالاستقامة على الإسلام، التي لا تكون إلا بوضعه موضع التنفيذ والتطبيق، وهذا لا يكون إلا بالخلافة. وقد أجمع أهل السنة على وجوب نصب الخليفة. نص الإمام الإسفرائيني في كتابه “الفَرق بين الفِرَق” أن الخلافة والإمامة هي من الأصول التي اجتمع عليها أهل السنة: “وقالوا في الركن الثاني عشر -المضاف إلى الخلافة والإمامة- إن الإمامة فرض واجب على الأمة لأجل إقامة الإمام، ينصب لهم القضاة والأمناء، ويضبط ثغورهم، ويغزي جيوشهم، ويقسم الفيء بينهم، وينتصف لمظلومهم من ظالمهم”.
فلا سبيل لخلاص المسلمين من ضنك العيش الذي يصطلون بناره وبذلّه إلا ببيعة خليفة على كتاب الله وسنة رسول الله، أي بإقامة دولة الخلافة التي تنفذ الإسلام داخلياً وخارجياً، وتحمل الدعوة الإسلامية للناس، والتي هي دولة المسلمين جميعاً بغض النظر عن قومياتهم ووطنياتهم ومذاهبهم.
فبالخلافة ننفذ أحكام الشرع ونفوز بمرضاة الله ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) [الحج 41]، وبالخلافة يتحقق التمكين والأمن والأمان ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [النور]. وبالخلافة يعم الخير، قال عليه الصلاة والسلام: «ينـزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه، حتى تضيق عنهم الأرض الرحبة، وحتى يملأ الأرض جوراً وظلماً، لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم، فيبعث الله عز وجل رجلاً من عترتي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدَّخر الأرض من بذرها شيئاً إلا أخرجته، ولا السماء من قطرها شيئاً إلا صبَّه الله عليهم مدراراً، يعيش فيها سبع سنين أو ثمان أو تسع، تتمنى الأحياء الأموات مما صنع الله عز وجل بأهل الأرض من خيره» (رواه الحاكم في المستدرك).
وبالخلافة نعيش في رخاء: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي المَالَ حَثْيًا لا يَعُدُّهُ عَدَدًا» (رواه مسلم)، وبالخلافة يكون حفظ بيضة المسلمين والذب عن حرماتهم، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ» (متفق عليه)، وبالخلافة تَعُمُّ البركة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لَحَدٌّ يُقام في الأرض خيرٌ لأهل الأرض من أن يُمْطَروا ثلاثين صباحاً» (أورده الألباني في صحيح الترهيب والترغيب من طريق أبي هريرة (رضي الله عنه)، قال الألباني: حسن لغيره).
وإننا إذ نرى اليوم ونسمع آهات الثكالى واسثغاثات النساء وبكاء الرجال ونحيب الأطفال، وتصلنا أصواتهم مباشرةً مطالبةً الحكام لنجدتهم، وجامعة الدول العربية لإغاثتهم، والمجتمع الدولي لإنصافهم ووقف القتل فيهم ورد حقهم إليهم، ونرى الشعوب الإسلامية تحترق ألماً لما يصيب إخوانهم المسلمين وتطلب من الحكام بفتح باب الجهاد، لا يسعُنا إلا أن نقول للمستغيثين من المسلمين ولشعوب البلاد الإسلامية: إنك مُكبَّلةٌ، وإن الحدود موصدةٌ في وجهك للجهاد، وقد أضحى الجهاد ونصرة المسلمين في عُرف حُكَّامك “مغامرةً ومقامرةً”، بل واستكثر عليك حكامك مجرد الخروج إلى الشوارع للتظاهر وهم لا يألون جهداً لمنع هذه المظاهرات، فالحكام هم صنيعة الكفار وأذنابه ونواطيره…
لهذا كله وغيره فإن الحكام لا يرجى منهم خير، وها هم مجتمعون من شرق الأرض إلى غربها لم يوصلوا لمسلمي فلسطين درهماً ولا نصفه طيلة الحصار المضروب عليهم من يهود ومن فرعون الحكام.
أما جامعة الدول العربية فلا يُرجى منها خير كذلك، فهي قد تأسست بقرار بريطاني، قال وزير خارجية بريطانيا المستر إيدن أمام مجلس العموم البريطاني في 24/02/1943م:” إن حكومة بريطانيا تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب، لتعزيز الوحدة الاقتصادية، أو الثقافية، أو السياسية بينهم”، فما كاد يمضي شهر على هذا التصريح حتى ألقى مصطفى النحاس باشا رئيس وزراء مصر بياناً في مجلس الشيوخ المصري في 29/03/1943م قال فيه: “ومنذ أعلن مستر إيدن تصريحه، فكرتُ طويلاً ورأيت أن الطريق المثلى التي يمكن بها التوصل إلى غاية مرضية هي أن تتناول هذا الموضوع الحكومات العربية الرسمية، وانتهيت من دراستي إلى أنه يحسن بالحكومة المصرية أن تبادر باتخاذ خطوات في هذا السبيل”. وكذلك كان، فقد سعى حكام مصر خُدَّام بريطانيا آنذاك إلى تأسيس جامعة الدول العربية مع كل من سوريا، العراق، السعودية، الأردن، لبنان، واليمن وهي دول ذات ولاء بريطاني آنذاك.
أما منظمة المؤتمر الإسلامي فهي أبعد من أن تدعو لسلِّ سيف نصرة للمسلمين، بل على العكس من ذلك فإنها تحتضن قتلة المسلمين وتحسن ضيافتهم، وما قرار المنظمة قبول روسيا كمراقب فيها تمهيداً لضمها كعضو بالمنظمة عنا ببعيد، ناسين أو متناسين مجازر روسيا في الشيشان، وإرسالها لـ 5000 جندي إلى أوزبكستان حيث سهروا على تنفيذ مجزرة أنديجان التي راح ضحيتها في بعض التقارير ما لا يقل عن 7000 قتيل مسلم.
أما هيئة الأمم المتحدة، أو الرباعية، فهي هيئات نصرانية لا ترقب في مؤمن إلاً ولا ذمة، وهي أداة من أدوات الاستعمار، فالدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن -روسيا، فرنسا، أميركا، بريطانيا والصين- هي التي تحتل بلاد المسلمين: روسيا في الشيشان، وأميركا وفرنسا وبريطانيا في أفغانستان والعراق، والصين في بلاد الإيغور، وهم الذين يدعمون دولة يهود بالمال والسلاح، أما الرباعية ففيها أوروبا التي بدت البغضاء من فيها وما يخفي صدرها أكبر -موقفها من سب رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أشرف المخلوقين والمرسلين وسيد ولد آدم-.
إن أمة الإسلام لن تُغاث إلا بالإسلام، أي بما فرضه الإسلام، وهو تسيير جيوش جرارة بأمر من أمير المؤمنين، يدكُّ بها حصون الكفر ويستنقذ المسلمين من ظلم الكفار. وإن الوقوف على أبواب هيئة الأمم المتحدة لن يزيد أمة الإسلام إلا ذلاً ورهناً لقضاياها بمصالح الكفار المستعمرين أعداء الله ورسوله والمؤمنين.
ولنا في التاريخ عبرة، ففي القرن الرابع الهجري تحرك الأذفنش، لعنه الله، في جيوش لا تُحصى من الروم ومن الإفرنج والبَشْكُنْس والجلاقة وغيرهم، فشقَّ بلاد الأندلس شقاًّ يقف على كل مدينة منها ثلاثة أيام فيفسد ويخرب ويقتل ويسبي ويرتحل إلى غيرها؛ ونزل على أشبيلية فأقام عليها ثلاثة أيام؛ فأفسد أحوازها وهَتَكَها؛ وخرَّب بالشرق قرى كثيرة، وكذلك فعل بشذونة وأحوازها؛ ثم سار حتى وصل إلى جزيرة طريف فأدخل قوائم فرسه في البحر وقال: “هذا آخر بلاد الأندلس قد وطئته”، ثم رجع إلى مدينة سَرَقُسطة؛ فنـزل عليها وحاصرها وحَلَفَ أن لا يرتحل عنها حتى يدخلها أو يحول الموت بينه وبين ما يريد؛ وأراد أن يُقدِّمها بالفتح على غيرها من بلاد الأندلس.
وعلى طريقة الجبناء المخذولين توجه أميرها المستعين بن هود بمال عظيم للأذفنش فبذله له؛ فلم يقبله منه وقال: “المال والبلاد لي”، فضيَّق الحصار عليهم حتى ملك مدينة طليطلة سنة 477 هـ. فلما رأى رؤساء الأندلس ما نزل بهم من مضايقة عدو الدين، واستطالته على ثغور المسلمين، أجمعوا رأيهم على إجازة يوسف بن تاشفين. فكاتبه أهل الأندلس كافة من الخاصة والعلماء يستصرخونه في تنفيس العدو عن مخنقهم، ويكونون معه يداً واحدة عليه.
وكتب المعتمد بن عباد إلى يوسف بن تاشفين يقول له: “إن كنت مؤثراً للجهاد فهذا أوانه، فقد خرج الأذفنش إلى البلاد، فأسرع في العبور إليه ونحن معاشر أهل الجزيرة بين يديك”، وكان يوسف بن تاشفين على أتمِّ أهبةٍ فَعَبَرَ إلى الأندلس، ثم أرسل يوسف بن تاشفين للأذفنش كتاباً يعرض عليه فيه الدخول في الإسلام أو الجزية أو الحرب كما هي السُّنة، ومن جملة ما في الكتاب: “بلغنا يا أذفنش أنك دعوت الله في الاجتماع بنا، وتمنيت أن تكون لك سُفُنٌ تعبر عليها البحر إلينا، فقد عبرناه إليك، وقد جمع الله تعالى في هذه العرصة بيننا وبينك، وسترى عاقبة دعائك! ( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ) [الرعد 14].
فلما سمع الأذفنش ما كتب إليه يوسف جاش بِحَرِّ غيظه، وزاد في طغيانه، وأقسم أن لا يبرح من موضعه حتى يلقاه. فاستنفر الفرنجة للخروج، ورفع القسيسون والرهبان والأساقفة صلبانهم، ونشروا أناجيلهم، فاجتمع له منهم ما لا يحصى عدده.
بعد ذلك نزل الأمير يوسف بن تاشفين بموضع يعرف بالزلاقة؛ وتواعد والأذفنش أن تكون الملاقاة يوم الاثنين 14 رجب سنة 479 هـ، لكن اللعين خان الاتفاق وأقبل يوم الجمعة في وقت الصلاة، وزحف قبل موعد الملاقاة على جنود المسلمين، والتقى الجيشان وكانت الغلبة في البداية لجيوش النصارى، وتولى بعض أمراء الأندلس، وثبت المعتمد بن عباد ثم أقبل يوسف بعد ذلك، وطبولُه قد ملأت أصواتُها الجو. ثم تراجع ابن عباد إلى يوسف، وحمل معه حملةً جاء معها النصر. وصدقوا الحملة، فانكشف الطاغية، وفرَّ هارباً منهزماً، وقد طُعِن في إحدى ركبتيه طعنةً بقي يخمر بها عمره. وهبت ريح النصر، فأنزل الله سكينته على المسلمين، ونصر دينه القويم. وهكذا انتصر المسلمون على الصليبيين عندما اتحدوا وتوكلوا على الله. وغنم المسلمون بذلك حياة جديدة في الأندلس امتدت أربعة قرون أخرى.
إن حال الأمة لن يتغير إلا برجلٍ كيوسف بن تاشفين رحمه الله، يعمل فيها بسُنَّة النبي ويتقدمها بنفسه يقود جيوش المسلمين لصدِّ عدوان الكفار عنها. جاء في روض القرطاس: “وقد وفق الله عز وجل هذا الأمير فلم يوجد في بلدٍ من بلاده، ولا في عمل من أعماله، على طول أيامه، رَسْمُ مَكْسٍ ولا معونة ولا خراج لا في حاضرة ولا في بادية إلا ما أمر الله تعالى به وأوجبه حكم الكتاب والسنة من الزكاة والأعشار وجزية أهل الذمة وأخماس غنائم المشركين، وكان رحمه الله يسير في أعماله فيتفقد أحوال رعيته كل سنة، وكان محباً في الفقهاء والعلماء والصلحاء ومُقَرِّباً لهم صادراً عن رأيهم مُكْرِماً لهم”.
لهذا وجب على الأمة الإسلامية أن تعمل بأقصى طاقة وبأقصى جهد وتحمل الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة، وأن تجعل ذلك قضية مصيرية لها، أي أن تجعل مصيرها مرتبطاً بإقامة الخلافة، فإما أن تحيا الأمة في ظل الخلافة و إما أن تموت لأجل إقامتها، وأن يكون شعارها قول رسول الله: «مَوْتٌ فِي طَاعَةِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ» (رواه الطبراني).
فعلى الأمة الإسلامية أن تحتضن الدعوة، وأن تحتضن العاملين لإقامة الخلافة وعلى رأسهم شباب حزب التحرير، وأن تَهْفُوَ بقلبها لحمل الدعوة وللحزب، وأن يفتح المسلمون لشباب الحزب دورهم وأنديتهم ليُثَقِّفوا الناس بالإسلام، وليحثُّوهم على الاستقامة على الإسلام وحمل الدعوة، كما عليهم أن يوصلوا دعوة الحزب وشبابه ويدخلوهما على المثقفين والسياسيين وذوي التأثير.
كما على الأمة أن تستجيب لنداء حزب التحرير الذي وجهه للأمة الإسلامية و بخاصة أهل القوة فيها في 28 رجب 1426 هـ الموافق 02/09/2005م والذي جاء فيه:
«ولحبه الخير لكم بالتحرك معه لإقامة الخلافة فتشاركوه هذا الفضل العظيم، فإن حزب التحرير يدعوكم، عامة الناس وأهل القوة، أن تلتحقوا بصفوفه منذ اليوم، وقبل أن يفوتكم ذلك اليوم المشهود. وطريق الالتحاق به ليست صعبةً ولا عسيرةً، فقط تحتاج قوةً من البصر والبصيرة، لتستدلوا بها على المكاتب الإعلامية للحزب ولشبابه وممثليه، ولا تخشوا عيون الدول وأزلامها فهم أضعف من أن يردوا مؤمناً يطلب الخير، وأوهن من أن يعوقوا ساعياً إلى الحق جاداً في السير، فالأجر كبير، والفوز عظيم، والمشاركة في صنع الخلافة تستحق أن تطوى له المسافة. فسارعوا أيها المسلمون، سارعوا إلى إقامة الخلافة مع الحزب، لا أن تشهدوها منه فحسب، والخير الذي تنالون في التحاقكم بالصفوف اليوم لا يدنو منه الخير والأجر في التحاقكم بالصفوف بعد اليوم حتى وإن كان في كلٍّ خير: ( لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) [الحديد 10]».
كما على الأمة أن لا تتقالَّ عملية إفهام الناس الإسلام وهي تشتاق للجهاد ومنازلة الكفار، وعليها أن لا تترك جهداً إلا بذلته في سبيل تيسير عمل الحزب لصهر الناس بالإسلام وتحميلهم الدعوة. كما عليها أن تتذكر أن قيام دولة المرابطين العظيمة كان بالأساس بفضل حرص قبيلة صنهاجة على تعلم الدين، ثم بفضل احتضان قبائل لمتونة للعالم عبد الله بن ياسين. وقد كان من بركات هذا الاحتضان:
1- قيام الدولة المرابطية بالمغرب الأقصى والأوسط وقطع دابر الفتنة والبدعة فيهما.
2- ضم المغرب الأقصى إلى الخلافة العباسية، فقد تسمى يوسف بن تاشفين سنة 466 هـ بأمير المسلمين وتلقب بناصر الدين، ورفض عرض أشياخ المرابطين بحمل لقب أمير المومنين وقال: “حاشا لله أن أتسمى بهذا الاسم، إنما يتسمى به خلفاء بني العباس، لكونهم من تلك السلالة الكريمة وأنهم ملوك الحرمين، وأنا رجلهم والقائم بدعوتهم”.
3- إغاثة مسلمي الأندلس وقطع دابر النصارى وتوحيدها مع المغرب الأقصى.
وبإذن الله فإن استجابة الأمة لنداء الحزب واحتضانها له ومسارعتها للعمل معه سيكون من بركاتها إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة وإقامة الدولة التي وصفها الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: «يرضى عنه ساكنُ السماء وساكن الأرض».
أما أهل القوة خاصة، فعليهم أن يخلعوا يدهم من أيدي حكام الجبر ويضعوها في يد أمير المؤمنين عاجلاً غير آجل. ألا تشتاق أنفسهم ليوم كيوم المخازن يُذلُّ الله فيه الكفر ويُنصر فيه الإسلام.
لقد كان من ملوك السعديين بالمغرب محمد المتوكل على الله، وكان ظالماً مستبداً مكروهاً من الرعية، فرأى عمه عبد الملك أنه أحق بالملك منه، فاستنجد بالعثمانيين فبعثوا معه 5000 جندي ليعزلوا المتوكل ويعيدوا حكم المغرب الأقصى لعبد الملك. فلما بدأ عبد الملك يستعيد مدن المغرب، فرَّ المتوكل واستغاث بملك البرتغال بعد أن لم ينجده ملك إسبانيا. فاستجاب ملك البرتغال لطلبه مقابل أن يُمَلِّكَه شواطئ المغرب.
فعبر ملك البرتغال “سيباستيان” إلى المغرب، وقد حشد في حملته الصليبية -بتوجيه من البابا- كل قوة البرتغال بالإضافة إلى آلاف المقاتلين من الإسبان والألمان، بالإضافة إلى النساء والأطفال ومئات الكهنة يتقدمهم ممثل البابا وعدد كبير من المطارنة، حيث كان ملك البرتغال مُصمِّماً أن يجعل من نصره نصراً للنصرانية على الإسلام. فنودي في المغرب (أن اقصدوا وادي المخازن للجهاد في سبيل الله) وكتب عبد الملك من مراكش إلى سيباستيان :(إن سطوتك قد ظهرت في خروجك من أرضك، وجوازك العدوة، فإن ثبتَّ إلى أن أقدُم عليك، فأنت نصراني حقيقي شجاع، وإلا فأنت كلبٌ بن كلب) وكتب عبد الملك إلى أخيه محمد أن يخرج بأهل فاس وما حولها ويتهيأ للقتال، وهكذا خرج عبد الملك رغم مرضه بأهل مراكش وجنوب المغرب، وخرج أخوه محمد بأهل فاس وما حولها، وكان اللقاء بمحلة قرب القصر الكبير. وقد التقى الجيشان يوم الاثنين 30 جمادى الآخرة 986 هـ، وكان النصر حليف المسلمين وقُتل الصليبي ملك البرتغال، وغرق الخائن المتوكل في وادي المخازن، وتوفي عبد الملك من مرضه الذي ألمَّ به، وقال الشاعر:
خليليَّ مُرّا بي بواد المخازن
|
|
نجدد شكراً بين تلك المواطن
|
مواطن كانت للجهاد مشاهداً
|
|
بهن مياه العز غير أواسن
|
به وقعة ما زال يسري نسيمها
|
|
على بعد عصرٍ وابتعاد الأماكن
|
بأيدي رجال شيَّدوا الدين وارتَدَوْا
|
|
رداءً من العلياء ضافي المحاسن
|
فلم تثنهم عن راحة العز راحةٌ
|
|
ولا حَسَوْا كأساً بين شادٍ وشادن
|
رجال من أبناء المغاربة الأولى
|
|
هُمُ الناس إن عُدَّت كِرَام المواطن
|
فنشمخ أنفاً ثم نطرق بعدها
|
|
حياءً لفوت بيننا وتباين
|
أولاك حموا أقصى البلاد وأنتم
|
|
مساكين محميون وسط المساكن
|
هذه الأبيات قالها شاعر الصحراء الشيخ محمد الإمام أيام الحماية الفرنسية وهو يمر على واد المخازن، ونكررها على أسماع أهل القوة مع تذكيرهم أنهم غير محميين في ثكناتهم، وأن بزاتهم العسكرية لن تحميهم من بطش الكافر إن سكتوا على فعاله وفعال عملائه من الحكام ( إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ) [الممتحنة2]، وقال سبحانه: ( كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ) [التوبة 8]. وإنهم إن لم يختاروا لأنفسهم حياة العز بنصرة الإسلام وحَمَلَتِه فإنهم سيحيون حياة الذل كما شهدنا بعض ضباط العراق واقفين في الطابور مادِّين أيديهم للكافر الأميركي المحتل يبغون منه أجراً، والجندي الكافر الجبان يتبختر برشاشه بينهم، وهي مشية كانوا هم الأولى بها، لكنهم لم يلبوا نداء النصرة واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.
ولعل في موقف المعتمد بن عباد مع ابنه وحاشيته لما سلم الجزيرة الخضراء للمرابطين عبرة لأهل القوة في زماننا، فقد قال المعتمد لابنه: (أي بُنَيَّ، والله لا يُسمع عني أبداً أنني أعدت الأندلس دار كفر ولا تركتها للنصارى، فتقومَ عليَّ اللعنة في منابر الإسلام مثل ما قامت على غيري)، وقال: (إن دُهينا من مداخلة الأضداد لنا فأهون الأمرين أمر الملثمين -لقب المرابطين- ولأن يرعى أولادُنا جمالهم أحبُّ إليهم من أن يرعوا خنازير الفرنج)، وقال لبعض حاشيته لما خوفوه من ابن تاشفين: (تالله إنني لأوثر أن أرعى الجمال لسلطان مراكش على أن أغدو تابعاً لملك النصارى وأن أؤدي له الجزية، إن رعي الجمال خير من رعي الخنازير). إن أمة الإسلام أمة خير والخير فيها غير منقطع إلى يوم القيامة، وإن أهل القوة جزء من الأمة وينطبق عليهم ما ينطبق عليها وفيهم الخير الكثير، إلا أن منهم من ما زال يخاف قوة الكافر وهم يقفون على باب الحق ولكن لم يَلِجُوه بعد.
ورفعاً لهمة هؤلاء نذكرهم بقول الحق سبحانه: ( أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) [التوبة 13]، وقال تعالى: ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) [الزمر 36]، ونذكرهم بهذه الكلمات من رسالةٍ بعثها القائد المخلص الحريص على أمته عبد الله بن سعيد إلى الشيخ الشهيد محمد بن عبد الكبير الكتاني للتوسُّط لدى السلطان بخصوص الأطماع الأوروبية:
“واعلم -سيدي- أن الفرنسيس ليس له قوة ولا قدرة على إلزام المسلمين، وهو -مع شدة الخوف منا- قد طمع فينا بسبب ما رأى في بعض الرجال من الخوف منه، وهل يخاف من الكافر إلا من كان ناقصَ دينٍ، وضعيفاً في اليقين؟”.
كلمات حُقَّ لها أن تُسَطَّر بمدادٍ من ذهب: “وهل يخاف من الكافر إلا من كان ناقصَ دين، وضعيفاً في اليقين؟”.
فيا أهل القوة ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) [آل عمران 133]، سارعوا إلى النصرة وإلى بيعةٍ رضيَّةٍ تعاهدون فيها خليفة المسلمين على ما عاهد عليه جيش البخاري المولى إسماعيل، حيث قال لهم: “أنا وأنتم عبيد لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وشرعِه المجموع في هذا الكتاب (أي صحيح البخاري) فكل ما أمر به نفعله، وكل ما نهى عنه نتركه، وعليه نقاتل”.
2007-03-23