يوم كان لنا خليفة ودولة
أبو يحيى – عقر دار الخلافة القادمة بإذن الله
منذ سقوط دولة الخلافة الإسلامية ، وفقدان الامة للحامي والراعي ، وظهور المزق العميلة الكرتونية ، واستعار الغزو الفكري وحملات التشويه والتضليل والتحريف المبرمجة ضد ديننا وخلافتنا وحضارتنا وانجازاتنا وأبطالنا وعلمائنا ، بأيدي المجرمين من المستشرقين الحاقدين ، ومن تتلمذ على ايادهم النجسة من المضبوعين والظلاميين وعلماء السوء والسلاطين والأقلام المأجورة والنفو المهزوزة المريضة ، التي تطاولت على خير أمة أخرجت للناس في محاولة لفصلها عن دينها ونظام حكمها ، وسلخها عن هويتها ، وتشكيكها في ماضيها وحاضرها ومستقبلها ، وصدها عن العمل لاستئناف حياتها الإسلامية وإقامة خلافتها الراشدة الثانية الموعودة القائمة قريباً بإذن الله ، كان لا بد ان نسطر هذه العجالة لنذكر الأمة بغيض من فيض الأنجازات التي انجزت في ظل دولة الخلافة الأسلامية ، التي ملأت الأرض عدلا وعلما ونورا وحضارة ورقيا على مدى ثلاثة عشر قرنا من الزمان ، وكانت بداية نهضة الغرب الحديثة على أكتف اقتباس وسرقة ونهب وانتحال إنجازاتها واكتشافاتها بعد ترجمة النتاج العلمي الإسلامي الهائل ، بداية على أيدي من درسوا من الكفار في جامعات ومعاهد دولة الخلافة أمثال قسطنطين الأفريقي وجون الأشبيلي وجيرار الكريموني والبابا سلفستر الثاني ، وبالاستعانة باّلاّف الاّلاّف من المخطوطات الإسلامية التي سرقت ونهبت وسربت ونسبت لغير أهلها ظلماً وعدواناً ، قائلين لكل كافر حاقد ومنافق مارق ومضبوع مشكك ومأجور متاّمر ومضلل جاهل ومتطاول فاجر: “أولئك اّبائي فجئني بمثلهم”.
فمنذ أسس رسول الله صلى الله عليه وسلم الدولة الإسلامية ، أسس المسجد النبوي الشريف كمكان للصلاة وتعليم المسلمين أمور دينهم ودنياهم ورعاية شؤونهم، وبدأ بوضع الأسس العلمية والصناعية والإدارية والاقتصادية والعسكرية للدولة الإسلامية، وسن الأحكام والتشريعات الخاصة بها والمستندة إلى القرآن الكريم والسنة المطهرة ، كالفيء والخراج والجزية والزكاة والصدقة ، وأرسل مجموعة من المسلمين إلى اليمن لتعلم صناعة السيوف والرماح والأسلحة، وأمر بصنع الدبابة ، وهي آلة من خشب وجلود صعبة الاحتراق استعملها في حروبه لدك أسوار الحصون، وعين ولاة للحكم وعمالا على الصدقات، ووصع أسس مبدأ تفرغ العلماء التزاما بقول الله سبحانه وتعالى: ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) التوبة 122، وأسس مبدأ التفكير والبحث العلمي مصداقا لقوله تعالى: ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لإولي الألباب، الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) آل عمران 190-191.
وقد سار الخلفاء من بعده على هديه صلى الله عليه وسلم في الاهتمام بتقوية ونهضة الدول الإسلامية من جميع النواحي ، فأنشأ الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه بيت المال كمركز للإدارة المالية وتنظيم نفقات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية. وكذلك قام رضي الله عنه بجمع القران كما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رسما وتلاوة:
وفي عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنشئت الدواوين للقضاء والإحصاء والمحاسبة ، وأقيم نظام للبريد.
وقام الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه باستنساخ نسخ من جمع أبي بكر للقرآن ، وأرسلها إلى جميع الولايات الإسلامية.
والخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي اشتهر بالعلم والمعرفة والفطنة والذكاء وحسن الخطابة… حتى إن خطبه تعتبر من المراجع المهمة في دراسة اللغة العربية.
ثم بعد الخلفاء الراشدين أسس الخليفة معاوية بن أبي سفيان أول مصنع لصناعة السفن الحربية التي خاضت معركة ذات الصواري، أول معركة بحرية للدولة الإسلامية.
وفي عهد الخليفة عبد الملك بن مروان أقيمت دار صك العملات الذهبية والفضية في دمشق، وتم تعريب الدواوين وتنظيمها، وأنشئت إدارة خاصة لمد الطرقات وتعبيدها وإقامة الجسور والقناطر وحفر الآبار، وبدأ ببناء قبة الصخرة المشرفة التي تعتبر تحفة الهندسة وفن العمارة الإسلامية، وقد عجز الأوروبيون عن بناء مثلها لغاية بدايات القرن الثامن عشر. أما فن العمارة الإسلامية فقد تطور عبر التاريخ الإسلامي، وكان المسلمون أول من ابتكر نظام الأقواس الحاملة وآلية مقاومة الأبنية للزلازل حيث كانوا يستعملون أعمدة مفرغة تملأ بالرصاص ومواد أخرى تعمل على امتصاص قوة الهزة، كما استفادوا من قوانين الانعكاسات الصوتية في حساب سرعة الصوت وإرتداده في بناء مساجد ضخمة يستطيع جميع الموجودين فيها الاستماع لخطبة الإمام والآذان وإقامة الصلاة دون الحاجة إلى مكبرات الصوت، واستغلوا معرفتهم بدوران الأرض في بناء قصور تدخل الشمس إليها من شباك مختلف كل يوم، وأشهر من برع فيها العالم المسلم الشيخ البهائي والعالم المهندس سنان، ومن الآثار الباقية لهذه الأنظمة العمرانية: مسجد الأعمدة وقصر الحمراء والزهراء في الأندلس، ومساجد بخارى وسمرقند، ومساجد وقصور وقلاع إسلامبول التي لا زالت شامخة لغاية الآن.
وفي عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك تم وضع أسس نظام ما يعرف الآن بالشؤون الاجتماعية والتأمينات والمعاشات ورعاية المعاقين.
وفي عهد الخليفة هارون الرشيد صنعت أوائل الساعات الميكانيكية في التاريخ، وأهديت واحدة منها لشارلمان ملك فرنسا فهرب منها هو وحاشيته ظنا منهم أنها مسكونة بالعفاريت. وفي عهد هذا الخليفة أيضا لمع نجم العالم جابر بن حيان الذي كان أول من قام بشرح عملية الانشطار النووي وتكلم عن الطاقة الذرية، وهو أول من ابتدع عمليات التقطير والتكليس والتبلور والتصعيد التي لا تزال تمارس في جميع المختبرات الكيميائية العالمية لغاية الآن، ويعد مؤسس علم الكيمياء الذي يعني علم الكميات، وأخذه الغرب وسماه كيميكال، وكان ابن حيان أول من صنع معمليا كبريتيد الإنتموان الذي يستعمل لغاية الآن كبديل للون الذهب، كما استطاع تصنيع ورق وحبر غير قابل للاحتراق، وقلم حبر يضيء ما يكتب به في الظلام عجز العلماء لغاية الآن عن صنع مثله بعد أن ضاعت مخطوطة تركيبتها ضمن ما ضاع من كنوز الأمة العلمية، كما كان أول من قام بتصنيع قماش مضاد للماء، ويعتبر أول من صنع واستعمل الموازين الدقيقة في تجاربه ،وقام بتنقية ملح البارود كيميائيا واستخدمه كقوة دافعة بخلطه مع الفحم والكبريت مما مهد لصناعة أوائل المدافع في التاريخ، والتي تطورت فيما بعد على يد العالم المسلم الرماح الذي كان من عباقرة هذه الصناعة، حيث صنع المدافع والطوربيدات والصواريخ البعيدة المدى.
وفي زمن الخليفة المأمون أقيم مرصد قاسيون الفلكي ، وهو أحد المراصد الكثيرة التي أقامها الخلفاء والولاة في ديار الإسلام، كمرصد سمرقند ومرصد مراغة، ودرس العلماء المسلمون الفضاء وأثبت العالم المسلم ابن خرداذبة كروية الأرض قبل كوبرنيكوس بعدة قرون، وأثبت العلماء المسلمون، الذين من أبرزهم ابن حزم وعلي بن عمر الكاتبي والبيروني وابن الهيثم، دوران الأرض ، وفسروا الليل والنهار نتيجة له قبل غاليلي بخمسة قرون، واكتشفوا تأثير القمر، وفسروا ظاهرة المد والجزر،ودرسوا نجوم المجرة وسموها بأسمائها التي أخذها الأوروبيون عنهم، واكتشفوا وقاسوا الغلاف الجوي ومحيط الأرض كما هو معروف الآن، ورسموا خرائط ملونة للسماء، وليس أدل على فضل علماء المسلمين في علوم الفضاء التابعة لوكالة ناسا الأميركية بقبول نشرة قدمها عالم الفضاء المصري فاروق الباز بأسماء ثمانية عشر عالما مسلما أطلقت أسماؤهم على تضاريس القمر ومحطات الهبوط على سطحه تقديرا لدورهم في وصول الإنسان إلى القمر.
وفي عهد هذا الخليفة أيضا صدر أو قانون ينظم مهنة الصيدلة ويلزم من يمارسها بالحصول على رخصة، وكان المحتسب مسؤولا عن مراقبة الصيادلة.
وفي عهد الخليفة المقتدر مات أحد المرضى نتيجة خطأ طبي ؛ فأصدر الخليفة قانونا للرخص الطبية لا يجوز بموجبه لأحد ممارسة الطب إلا بعد امتحان وإجازة، وعين سنان بن ثابت كبيرا للأطباء ومسؤولا عن إجازة الأطباء، فامتحن تسعمائة طبيب في عام واحد في بغداد وحدها.
وفي عهد الخليفة المعتصم أقيمت أول مشرحة في التاريخ على شاطيء دجلة، واستعملت فيها القرود لكي يتدرب طلاب الطب البشري والبيطري تدريبا عمليا.
وفي ظل الخلافة كان المسلمون يصدرون كتابا سنويا اسمه ” المناخ” يبين أحوال الجو وحركة الرياح ومواسم الطقس والمطر والزراعة.
وفي ظل الخلافة كان العالم المسلم المقدسي أو من رسم الخرائط الجغرافية الملونة للعالم المعروف للأغراض المدنية والعسكرية، وحدد عليها خط الاستواء ، وبين القطبين، وجعل محيط الأرض 360 درجة ، وهي موجودة في كتابه المعروف ” أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم”. وكان العالم المسلم أبو الريحان البيروني أول من قال بوجود قارة كبيرة في الطرف الثاني من العالم يعني بذلك أميركا، التي ان عالم البحار والملاح المسلم ابن ماجد يبحث عنها عندما أرشد فاسكو دي غاما إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
كما كان البيروني أول من فكر بحفر قناة السويس ورسم الخرائط لذلك قبل ديلسبس بكثير، وكان العلماء المسلمون أول من أدخل الرسوم العلمية في مؤلفاتهم كما نلاحظ في كتاب الزهراوي المكون من ثلاثين مجلدا المسمى ” التصريف” والبذي رسم فيه أكثر من ثلاثمائة تصميم لآلات جراحية لا زال معظمها يستخدم في مستشفيات العالم لغاية الآن، وكان علماء المسلمين أو من ألف القواميس العلمية حسب الحروف الأبجدية مثل موسوعة النبات لابن البيطار.
وفي ظل دولة الخلافة اخترع المسلمون البوصلة والإسطرلاب ورقاص الساعة الذي نسبه جاليليو لنفسه وسماه البندول، كما كان المسلمون هم السباقين إلى اختراع الورق والصابون وتعطيره فيما يعرف الآن بالشامبون، ولا تزال كلمة سابون مستعملة في اللغات الأوروبية.
وفي ظل دولة الخلافة كان العالم المسلم زين الدين الآمدي أول من اخترع الحروف البارزة لمساعدة المكفوفين على القراءة قبل بريل بعدة قرون، وكان المسلمون قد اكتشفوا التلقيح والتطعيم والتعقيم الصحي ضد الأمراض المعدية والسارية قبل باستور الفرنسي بعدة قرون، ما يفسر عدم انتشار ما كان يعرف في أوروبا بالموت الأسود في بلاد الخلافة الإسلامية، وقد نقلت زوجة السفير البريطاني في إسلامبول هذا الأمر إلى أوروبا عام 1724م.
وفي عهد الخليفة محمد الفاتح ظهرت ولأول مرة في التاريخ وبشكل منظم، في الجيش الإسلامي فرق المدفعية بمدافعها الحديثة العملاقة التي دكت أسوار القسطنطينية ،كما ظهرت فرق زرع الألغام التي كانت تسمى ” لغمجية” ، وكانت مهمتها زرع الألغام تحت أسوار القسطنطينية المنيعة، وفرق الهندسة التي تمكنت من نقل أكثر من سبعين من السفن الإسلامية برا من مضيق البوسفور إلى القرن الذهبي في ليلة واحدة، في عمل تعجز عنه أعتى الجيوش الحديثة بما تملكه من تقنيات، ولا يزال يدرس في معظم الكليات الحربية في أنحاء مختلفة من العالم لغاية الآن ، فنعم الجيش ونعم الأمير ونعم المبدأ ونعم الدولة ونعم الأمة التي أنجبت هؤلاء، ونبتهل إلى المولى عز وجل أن يكون جيش الخلافة الراشدة الثانية القائمة قريبا بإذن الله الزاحف لفتح روما مجهزا بأحدث التقنيات العسكرية المصنعة في مصانع دولة الخلافة ، ومن تصميم أبناء وعلماء الأمة المتخرجين من معاهد ومراكز أبحاث الدولة المنتظرة.
وفي الوقت الذي كانت أوروبا والغرب الكافر ، الذي يتطاول علينا الآن ويرمينا بسمومه وقذاراته الرأسمالية الوضعية، يغط في ظلمات الجهل والتخلف والبربرية والأساطير، وكانت أمثل وصفة طبية لديهم تقول :” أكل فجلة بعد صيام يوم كامل تريحك من الصداع الناتج عن ثرثرة المرأة”، كان المرضى المسلمون يعالجون في أرقى المستشفيات التي أقامتها دولة الخلافة الإسلامية وولاتها في كل مدينة كالبيمارستان العضدي والنوري والصلاحي والناصري والمنصوري، وفق أنظمة ومعايير لم تصل إليها كثير من الدول لغاية الآن، حيث كان في قرطبة وحدها أكثر من خمسين مستشفى مختصة بجميع الأمراض، بدءا من عمليات استئصال الشرطان ، وجراحة المسالك البولية ، وعمليات التجميل النسائية، والتوليد تحت الماء إذا كان الجنين غير مستقر ، وجراحة الغدة الدرقية التي لم يجرؤ أي جراح غربي على إجراء أي منها قبل عام 1930م، وذلك بعد دراسات مستفيضة لمؤلفات علماء المسلمين الذين ابتكروا هذه العمليات.
وكانت الدولة الإسلامية قد بلغت مبلغا كبيرا من الحضارة والتقدم والرقي والازدهار والتنظيم، حيث كان الخلفاء والأمراء والولاة يحتضنون العلماء ويغدقون عليهم العطايا والأرزاق للتفرغ للعلم والبحث والاختراع، ويقيمون لهم في الجوامع الكبرى المنتشرة في أرض الإسلام ما يعرف الآن بمراكز البحث العلمي والمكتبات والجامعات كمسجد وجامعة القرويين في فاس ، ومسجد وجامعة الزيتونة في تويس، ودار الحكمة والمستنصرية في بغداد، والأزهر في مصر، والمسجد الأموي في دمشق، ومسجد الكوفة في العراق، وجامع قرطبة وأشبيلية في الأندلس، وجند شابور في فارس، وجوامع الهند وبخارى وسمرقند التي تخرج منها خيرة العلماء المسلمين في جميع فروع العلم، أمثال جابر بن حيان والخوارزمي والرازي والمسعودي والبيروني وابن النفيس وابن سينا وابن حوقل والادريسي وابن الهيثم والزهراوي وابن باجة وابن خلدون ولسان الدين الخطيب وابن العربي الفقيه الأندلسي وعالمة الرياضيات المسلمة أمة الوحد ستيتة المحاملي البغدادية، والآلاف غيرهم ممن لا تزال مؤلفاتهم ومكتشفاتهم ونرياتهم تدرس في جامعات اوروبا وأميركا وروسيا والهند ولاصين إلى اليوم. أما ما سرق من مكتشفاتهم ومخطوطاتهم واقتبس ونسب إلى غيرهم ، وما أخفي واختفى واحترق ودمر واندرس وبيع وأهدي وسرب خلال هجمات التتار والصليبيين البربرية ، وبعد احتلال إسلامبول وحواضر العالم الإسلامي على يد الكافر المستعمر ، وهجمات ومؤامرات المستشرقين وأذنابهم وتولي الرويبضات لشؤون الأمة، فلا يعلمه إلا الله.
لن نستطع حصر الاختراعات والاكتشافات والنظريات التي وضعها علماء دولة الخلافة الإسلامية، وما زال أثرها أساسيا في بناء مدنية الغرب، سواء ما اعترف به أم ما نسبه الأفاقون من الكفار لأنفسهم، وأثبتته المخطوطات الإسلامية والمنصفون من الباحثين الغربيين والمثابرون من الباحثين المسلمين المعاصرين لأهله من علماء الإسلام، حيث أثبت الباحث الأستاذ محمد خليل عبد الخالق أن ابن سينا هو مكتشف دودة الإنكلستوما ، ووصفها وسماها الدودة المستديرة في كتابه ” القانون” قبل الإيطالي دويبني بحوالي سبعة قرون ونصف ، وقدم البحث إلى مؤسسة روكفلر التي تحرت الأمر واعترفت بالفضل لابن سينا. كما أكد الباحث محي الدين التنطاوي أن ابن النفيس هو مكتشف الدورة الدموية، وأن وليم هارفي قد نسبها لنفسه. كما قدم الباحث جلال شوقي بحثا مفصلا أثبت فيه أن المسلمين قد اكتشفوا قوانين الحركة وذكرها بنصها الذي جاء به نيوتن قبله بحوالي أربعة قرون، ونفض الطرف عما لم نستطع إثباته لأهل حتى يأتي اليوم الذي ستعود فيه مخطوطات علمائنا المنتشرة في أقبية متاحف وكنائس وأديرة ومعاهد وجامعات العالم، وفي مخازن دول الضرار عبر أرض الإسلام.
أهم الاكتشافات والاختراعات التي أبدعها المسلمون في ظل الخلافة وأسس عليها الغرب مدنيته ما يلي:
-
علم الحساب والجبر والأعداد حيث يعتبر العالم المسلم محمد بن موسى الخوارزمي ، الذي نبغ في عهد الخليفة المعتضد، صاحب الفضل الأكبر في علم الحاسبات الحديثة والحاسوب، وهو أساس جميع العلوم الحاضرة، فلا يكاد علم من العلوم المعقدة الحديثة يخلو من جبر الخوارزمي وإنجازات المسلمين في الرياضيات والإحصاء باعتراف الغربيين أنفسهم، حيث يقول البروفسيور كيني:” يكفي المسلمين فخرا أن تكون أرقامهم أساسا لكل علومنا الحاضرة” ويقول روم لاندو: ” على أيدي المسلمين وحدهم عرفت الرياضيات ذلك التحول الذي مكنها آخر الأمر أن تصبح الأساس الذي قام عليه العالم الغربي الحديث. فلولا الرياضيات كما طورها المسلمون، كان خليقا بمكتشفات كوبرنيكس وكلبرت وديكارت ولايبنز أن يتأخر ظهورها كثيرا” أما المستشرق المنصف بريمو فقد شهد للحضارة الإسلامية وفضلها على الغرب بقوله:” إن العلم أجل خدمة أسدتها الحضارة الإسلامية إلى العالم الحديث، ولها الفضل الكبير في تعريف أوروبا بالمعرفة العلمية، وإن العلم الأوروبي سيبقى مدينا بوجوده إلى هذه الحضارة” حيث لا تزال كلمة خوارزمية تستعمل في أحدث الحواسيب عبر العالم، فهو مبدع نظام الأرقام، ومخترع الأعداد وعلم الحساب والمتواليات العددية والهندسية والتألفية والمعادلات الجبرية والجذور واللوغاريتمات والفلك والمثلثات، وهو مؤسس علم الجبر ومبتكر الصفر، وقد سرق الإيطالي فيبوناتشي الكثير من علم الخوارزمي ونسبه لنفسه لعدة قرون إلى أن اكتشف الغربيون المخطوطات التي ترجمها فيبوناتشي ونسبها لنفسه حرفيا. وللخوارزمي أكثر من 27 مؤلفا معروفا كانت تدرس في الغرب لغاية بدايات القرن العشرين.
-
مضخة المكبس دي الإسطوانات التي تعمل على تحويل الطاقة إلى قوة ميكانيكية، وكانت من اختراع العالم الميكانيكي المسلم الجزري، وقد أورد لها وصفا دقيقا مزودا بالرسوم التوضيحية الملونة في كتابه المعروف ” الحيل الجامعة بين العلم والعمل ” والذي ترجم إلى معظم اللغات الأوروبية باسم ” الحيل الهندسية” بالإضافة إلى كتاب ” الحيل النافعة في الميكانيكا” لأولاد موسى بن شاكر ، وقد أخذ الغربيون منه الفكرة الأساسية التي بنوا على أساسها المحرك البخاري ومحركات الديزل والبنزين.
-
صناعة الفولاذ أو ما يعرف الآن بمصانع الحديد والصلب، وهو من مقومات الدول العظمى، وقد تجلت في صناعة الآلت الجراحة الدقيقة ومختلف أنواع الأسلحة، حيث أثبتت الفحوصات المخبرية الحديثة التي أجريت على هذه المصنوعات اليدوية الإسلامية أنها أصلب وأمتن بعدة مرات من مثيلاتها الغربية المصنعة وفق أحدث التقنيات والآلات الحديثة ، حيث توصل علماء وصناع المسلمين ومن أبرزهم العراقي الذي اكتشف أنواع الأصباغ والدهانات وتحويل الحديد إلى فولاذ في كتبه المشهورة ” عيون الحقائق” و ” الكنز الأفخر” وأشار فيها إلى أسرار هذه الصناعة قبل الغرب بعدة قرون، ولا يزال الغربيون خلال هذه المدة يلهثون جاهدين بإجراء التجارب في محاولة للوصول إلى اكتشاف أسرارها ، حيث أجرى العالم الروسي أنوسوف آلاف التجارب في بدايات القرن التاسع عشر، ثم تبعه الباحث تشيرنوف المختص بعلم المعادن في ذلك، ولم يتوصلوا إلى نتيجة كاملة ، ثم تبعهم الباحثان الأميركيان أوليغ شيربي أستاذ علم المعادن والهندسة في جامعة ستانفورد وهيفري إديسون الذي يعمل في مختبرات شركة لوكهيد للصناعات الحربية الأميريكة، حيث توصلا بعد أبحاث مضنية استمرت لسنوات وبالاستعانة بأحدث الآلات إلى طريقة مشابهة للطريقة الإسلامية. أما أحدث الدراسات فقد أكدت أن المسلمين كانوا يستخدمون ما يعرف بالنانو وهي أنابين بأبعاد نانومترية، أي رتبة من جزء من المليار من المتر ، تحفر خلال الصلب لإعطاءه الصلابة والليونة وهذه لم تكتشف إلا عام 1991م، كما برعوا في علم المعادن حيث اكتشف المسلمون معظم أنواع المعادن وقاموا باستخراجها وتصنيعها ومعرفة خواصها، واكتشفوا النفط وقاموا باستخراجه واستخدامه في الحروب فيما عرف بداية بالنار الإغريقية ثم تحول إلى سلاح أساسي في الجيوش الإسلامية تسمى فرق النفطجية.
-
القمرة أو الخزانة المظلمة ذات الثقب التي اخترعها العالم المسلم ابن الهيثم الذي يلقبه الغربيون بأمير النور، وهي ما أخذت وحرفت إلى الكاميرا، وهي أساس جميع الكاميرات الموجودة في العالم اليوم، بدءا من القمرات العادية وكاميرات الجوال وكاميرات الأقمار الصناعية التجسسية ، وانتهاء بكاميرات المناظر الطبيعية ، كما يعود له الفضل في اختراع وتصنيع العدسات المقعرة والمحدبة التي تستعمل في صناعة الكاميرات والمناضير والتلسكوبات والمراصد الفلكية والنظارات الطبية إلى الآن، وهي موجودة في كتابه المسمى ” المناظر” حيث كان أول من اخترع النظارة قبل جيلي أماني بخمسة قرون لتساعده على القراءة . وهو أول من أكتشف مسار الضوء في العين وحدد وظيفة القرنية والعدسة والبؤبؤ والشبكية، بالإضافة إلى أنه أول من استطاع عن طريق الحسابات تحديد ما يعرف الآن بخطوط العرض وذلك موجود في كتابه المسمى ” ارتفاع القطب”.
-
فكرة الطائرة وكان العالم المسلم عباس بن فرناس قد سبق الأخوين رايت بألف عام بمحاولة الطيران وصناعة طائرة ، حيث طار من مئذنة مسجد قرطبة بعباءة محشوة بمواد خشبية ، ولكنه اكتشف أنه لم يصنع ذيلاً للطائرة فلم تصمد طويلا في الجو ، فأعاد المحاولة وصنع اّلة أخرى من الحرير وريش الطيور ، طار فيها من أعلى جبل وبقي في الجو لأكثر من عشر دقائق ، ولو لم تعاجله المنية واستمر في محاولاته لربما وصل إلى أكثر مما وصل إليه الأخوان رايت في محاولاتهم الكثيرة للطيران.
-
علم الذرة والانشطار النووي حيث كان جابر بن حيان أول من أشار إليها وشرح الانشطار النووي في كتاباته التي من أشهرها “المعرفة بالصفة الإلهية” ثم تبعه العالم الشيخ البهائي سيد علماء الذرة ، الذي قال: لو قدر لنا ان نقسم النواة لنتجت طاقة تحرق بغداد. وقد درس علماء المسلمين المعادن المشعة ، وكان ابن سينا قد تحدث عن الذرة ووصفها وصفاً دقيقاً فيما يعرف عنده بنظرية البعد الرابع ، وكان المسلمون قد توصلوا إلى ذلك قبل دالتون ورازرفود بعشرة قرون ، الذين لا يستبعد أنهم قد اقتبسوا الاكتشاف عن المسلمين.
-
علم ضغط السوائل الذي برع به العالم المسلم البيروني حيث قام بدراسات ووضع نظريات وتطبيقات ، وشرح كيفية صعود مياه الفوارات والينابيع لأعلى ، ويعتبر مؤسس ما يعرف الان بعلم الهيدروليكا الذي تعمل على أساسه معظم الاّلات الصناعية والرافعات والحفارات العملاقة وغيرها ، ويعتبر أول من حسب سرعة الصوت والضوء في كتابه في الفلك.
-
العلوم الطبية والعمليات الجراحية حيث كان للمسلمين الفضل في وضع أسس علم التخدير على يد ابن سينا ، وكان يسمى المرقد ، كما كان أول من قام بإجراء عمليات استئصال السرطان وجراحة الأعصاب المقطوعة ، ويعتبر أول من غلف الأدوية بأملاح الذهب والفضة ، وأول من وضع فكرة الغلفانومتر لتحديد سرعة خفقان القلب كما أن الرازي كان أول من صنع خيوط الجراحة من أمعاء الحيوانات ، وأول من لخترع الحقن الطبية وسماها الزراقة. ويعتبر أول من درس البيئة الصحية المناسبة لإقامة المستشفيات ، وأول من وضع نظام الفحص السريري ونظام الحمية للمرضى وقياس الحرارة والنبض وتحسس الكبد والأمعاء وفحص بول المريض ، وابتدع نظام العزل الطبي. أما ابن زهر فكان أول من اكتشف الجراثيم وشرح الميكروب في كتابه “إصلاح الأجساد والأنفاس”. وكان عز الدين الجلدكي أول من استعمل الكمامات أثناء علاج المرضى ، وشرح القلويات والحوامض في كتابه “نهاية الطب”. أ/ا الطبيب ابن أسلم الغافقي ، فهو اول من أجرى عملية إزالة الماء الأزرق من العين ، وقد نسبها الجراح جون هنتر لنفسه زورا وبهتانا. أما الزهراوي فهو اول من ابتدع جراحة الأوعية الدموية وخياطة الشرايين باستخدام أسلاك الذهب وعمليات استئصال اللوز زإزالة حصى المثانة وشق الحنجرة للتنفس وجراحات الأنف والأذن وعمليات جراحة البطن والأمعاء والمسالك البولية ، وأول من أجرى عملية الغدة الدرقية ووصفها قبل هالستد بأكثر من ثمانية قرون ، كما يعود له الفضل في وضع تصاميم ورسومات وطريقة صنع اكثر من ثلاثمئة اّلة جراحية لا يزال معظمها يستخدم لغاية الان. ولمن أراد الاستزادة عن إنجازات العلماء المسلمين فليرجع إلى كتاب “الحاوي في الطب” و “سر الأسرار” و “الطب المنصوري” و “من لا يحضره الطب” ، وغيرها للرازي ، و”القانون” وبقية كتب ابن سينا ، و”التصريف” وغيره للزهراوي ، وغيرها الالاف المؤلفة من مؤلفات الأفذاذ الذين نبغوا في جميع المجالات بتشجيع ودعم ورعاية الدولة الإسلامية وخلفائها وولاتها. بدافع من تقوى الله وابتغاء مرضاته لدى الحاكم والرعية.