مع القرآن الكريم:
(سل بني إسرائيل)
(سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ ءَاتَيْنَاهُمْ مِنْ ءَايَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ، زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
يتبين من هاتين الآيتين ما يلي:
1. بعد أن ذكر الله في الآيات السابقة وجوب الدخول في الإسلام كله لمن أراد أن يقبل الله إيمانه فلا يؤمن ببعض ويكفر ببعض، ولا يؤمن بالإسلام ويضيف إليه شيئاً ليس منه، وبخاصة بعد أن تأتيه البينات الواضحة والحجج القاطعة على الإيمان بالإسلام كاملاً.
وبعد أن بين الله سبحانه أن من ينحرف ولا يدخل في الإسلام كله بعد مجيء هذه البينات فإن له عذاباً شديداً.
بعد ذلك بين الله في هذه الآية الكريمة جواباً لمن يتساءل مستغرباً: كيف يمكن لإنسان أن لا يدخل في الإسلام كله بعد مجيء الآيات الدالة على ذلك؟
وهذا الجواب هو النظر في واقع بني إسرائيل، فلقد جاءتهم الحجج القاطعة بوجوب إيمانهم بموسى عليه السلام وما أنزل عليه من كتاب وبما أنزل الله فيه من صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووجوب إيمانهم به، وكلّ ذلك في آيات بينات جاءهم بها موسى عليه السلام ومع ذلك فقد كفروا بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وحرفوا وبدلوا في كتبهم كما أملته عليه أهواؤهم، فبدل أن تكون تلك الآيات البينات نعمة عليهم تدفعهم للإيمان والهدى بدلوها فجعلوها طريقاً لكفرهم وضلالهم، ولقد علموا أن من بدل نعمة الله كفراً فإن عقابه شديد أليم (فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
(سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) استفهام للتقريع والتوبيخ على طغيانهم وجحودهم وتركهم الحق بعد وضوح الآيات، وليس استفهاماً لأن يجيبوا فيعلم واقعهم من جوابهم، كما تقول لمخاطب: سل فلاناً كم أنعمت عليه، تريد توبيخ فلان وليس انتظار جوابه.
(كَمْ ءَاتَيْنَاهُمْ مِنْ ءَايَةٍ) كم خبرية، ولأن مميزها (ءَايَةٍ) مفصول عنها بفعل متعدٍ فقد وجب الإتيان بـ(مِنْ) لئلا يلتبس المميز بمفعول ذلك المتعدي على نحو قوله تعالى: (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) [الدخان 25] (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ) [القصص 58]… فلو لم تذكر (مِنْ) وكانت الآية (كم آتيناهم آية) لالتبس موضع (ءَايَةٍ) هل هو مميز (كَمْ) أم مفعول (ءَاتَيْنَاهُمْ).
-
لقد بين الله في الآية الثانية سبب عدم اتباع الكفار للآيات البينات التي تأتيهم وهو تمسكهم بزينة الدنيا وزخرفها، فتصرفهم عن تدبر الآيات ومن ثم الإيمان.