الإعلام: سهم من سهام الغرب المسمومة ضد الإسلام والمسلمين
2009/08/21م
المقالات
2,362 زيارة
الإعلام: سهم من سهام الغرب المسمومة ضد الإسلام والمسلمين
عبد الرحمن الناجي- بيت المقدس
يلعب الإعلام دوراً كبيراً في تشكيل وتغيير الأفكار والمفاهيم والمشاعر لدى الناس, وللإعلام أهمية وخطر في آن واحد على المجتمعات، حيث إن الإعلام يمكن استعماله كأسلوب لبناء المجتمعات أو لهدمها، وقد أدرك الغربيون هذا الأمر مبكراً فاهتموا به اهتماماً كبيراً فأدخلوه إلى بلاد المسلمين في أواخر الدولة العثمانية لكي يهدموها في نفوس المسلمين قبل أن يجهزوا عليها عسكرياً؛ فتنتهي بذلك الدولة التي أرقت نومهم لمئات السنين وكان لهم ذلك. وحتى لا تعود دولة الإسلام إلى الحياة من جديد استمر الإعلام بنفث نَفَسه الخبيث في عقول المسلمين: يحارب الإسلام وأفكاره، ويبث الأفكار الغربية، ويحرك المشاعر على أساس الوطنية والقومية إمعاناً في تفريق الأمة وشرذمتها.
وأول وسيلة للإعلام أدخلت في بلاد المسلمين كانت الصحف والمجلات بعد منتصف القرن التاسع عشر سنة 1866م، ولكي يكون دخولها سلساً لا يحارب من قبل المسلمين أو الدولة أعطوها أوصافاً براقة وأسماء كبيرة، فأسموها بالسلطة الرابعة وصاحبة الجلالة، ووصفوها بأنها أقلام مسلطة على فساد الحكام والمسؤولين، لكنها في الحقيقة كانت تشكك المسلمين في دولتهم وتدخل إليهم الأفكار الوطنية والقومية، فجعلتهم يحاربون دولتهم التي بها كانوا أعزاء وسادة للعالم. وأول من أسس الصحف في بلاد المسلمين ثلة من نصارى لبنان بدعم من الإنجليز ولحقهم نصارى مصر ويهود وبعض أبناء المسلمين ممن خانوا دينهم وأمتهم، وذلك بعدما ثقفوا الثقافة الغربية وحملوا الأفكار الرأسمالية فأصبح الغرب يثق بهم.
وبعد سقوط دولة الخلافة استمر إنشاء الصحف والمجلات لكي تبقى تغذي هذه الأفكار التي زرعها الغرب في عقول المسلمين. ومما ساعد وما زال يساعد على نشر الأفكار الغربية دخول الراديو والتلفزيون إلى بلادنا. فهاتان الوسيلتان الأخيرتان للإعلام أشد خطراً من الأولى حيث إن الراديو يرافق الناس في أعمالهم وسفرهم وفي بيوتهم، والتلفزيون يجلس مع العائلة صغيرها وكبيرها في وقت راحتهم يعلمهم ويربيهم.
والذي زاد الطين بلة هو دخول موجة الفضائيات التي تخاطب كل إنسان بحسب ما تشتهيه نفسه، فمن يهتم بالسياسة له قنوات عديدة، ومن يحب الرياضة فعنده من القنوات ما يحب ويشتهي، ومن يريد إلهاء نفسه وإضاعة الوقت فهنالك قنوات المسلسلات والأفلام وله أن يختار نوعيتها عربية أو أجنبية، ومن يحب الموسيقى والغناء فله بدل الواحدة العشرات، حتى من يريد الدين فله قنواته، فإذا لم يعجبه الشيخ الفلاني فما عليه إلا أن يضغط على كبسة الريموت حتى يخرج له شيخ يحدثه بما يحب أن يسمع. لكن هذه القنوات كلها أقيمت على عين الغرب وحتى تخدم أهدافه على كل صعيد، فتغير ما تريد تغييره من أفكار، وتثبت ما تريد تثبيته، وتصرف ما تريد صرفه من أفكار، وتشوه ما يشكل خطراً عليها من أفكار…
من هذا الباب كان لابد لنا أن نأخذ بعض النوعيات من هذه القنوات التلفزيونية مع بيان بعض الأساليب الخبيثة التي يستعملونها، وبيان مدى ارتباطها بالغرب؛ حتى ندرك خطرها ونستطيع التعامل معها بحذر.
قنوات المسلسلات والأفلام
تشغل قنوات المسلسلات والأفلام معظم الفئات وبمختلف الأعمار، وهي متنوعة بشكل يجعل كل فئة تجد مطلبها من الأفلام القديمة إلى الأفلام الحديثة إلى أفلام المغامرات، ومن المسلسلات الاجتماعية إلى الفكاهية، إلى برامج الأطفال، إلى برامج الكرتون، حتى أصبح التلفزيون بمثل هذه المسلسلات صديق كل فرد في العائلة بحسب ما يهواه ويتمناه.
تتنوع البرامج والمسلسلات التي تبثها هذه القنوات، ونأخذ منها الأفلام والمسلسلات الأجنبية والعربية. أما الأجنبية منها فتصور الغرب وحضارته العفنة وكأنها الجنة، وأن أهله فيهم الشهامة وحب الخير لا لشعوبهم فقط بل للبشرية جمعاء، وهم في الحقيقة على العكس تماماً مما يصورونه.
والأفلام الأميركية تتلقى الدعم من البنتاجون نفسه، فيوجد للبنتاجون مكتب في هوليوود كما يوجد لهوليوود مكتب في البنتاجون، ويتلقى البنتاجون عشرات الطلبات في السنة لدعم الأفلام كما ذكرت ذلك صحيفة أميركية، وتتلقى الأفلام الدعم بالأموال والعتاد الضخم من طائرات ودبابات وسفن منهم بشرط أن يتماشى السيناريو مع مصلحة الجيش الأميركي، وذلك لتحسين صورة الولايات المتحدة وجيشها، وإظهار حضارتها القائمة على العهر بمظهر العفاف، وجيشها الجبان بأن جنوده أبطال لا يهابون الموت، أو جنود لهم أهداف إنسانية في مهماتهم القتالية وهم عكس ذلك تماماً.
أما الأفلام والمسلسلات العربية فإنهم يخططون ويفكرون ويحيكون المؤامرات لإفساد الأمة بواسطتها وذلك بزرع مفاهيم غربية وتشويه مفاهيم إسلامية متعلقة بمختلف العلاقات كعلاقة الرجل بالمرأة أو تعدد الزوجات، أو تتناول موضوع الإرهاب من منظور الغرب والأنظمة الحاكمة، أو تعود بهم إلى الماضي كتراث وعادات لا تمت إلى الإسلام بصلة. ومن اللافت للانتباه أن جل المسلسلات يتم بثها لأول مرة في شهر رمضان المبارك شهر الطاعات حتى يبتعد الناس عن الطريق القويم في التعبد والتبتل والتقرّب إلى الله، إلى المسلسلات المفسدة المبعدة عن أوامر الله ونواهيه.
جاء في التقرير الصادر عن مكتب نائب وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط والذي قدم لوزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس، جاء «شكر وثناء على النمط الانفتاحي المطور المتعلق بقنوات الـmbc 1,2,3,4 التي وحسب التقرير الأخير قدمت النموذج الأميركي الثقافي والترفيهي بعباءة عربية وأحياناً بدون عباءة، بل وتفوقت هذه القنوات على القنوات اللبنانية المتحررة مثل المستقلة والـLBC اللتين كانتا أقل ذكاء في التعامل مع المتلقي العربي حيث تم استفزاز كثير من المشاهدين بصورة مباشرة عكس برامج الـmbc 1,2,3,4 التي راعت التدرج والاستفادة من الواجهات الدينية».
القنوات الدينية
عندما أدرك الكفار وعملاؤهم حكام المسلمين أن امة الإسلام بدأت تفيق من غفوتها وترجع إلى دينها الذي فيه عزها، وخوفاً من تأثير الصحوة على الناس؛ تم فتح قنوات دينية وإبراز بعض الرموز والعلماء الفضائيين الذين راحوا يحدثون الناس عن كل شيء إلا عن التغيير ومواجهة الواقع الخطأ الذي لا يرضي الله والمفروض عليهم من الحكام والغرب… وذلك لاحتواء هذه الصحوة وركوب موجتها وحرفها عن الغاية التي ترنو لها؛ لذلك قاموا بعدة خطوات منها إنشاء أو السماح بإنشاء القنوات الدينية (المعتدلة كما يسمونها) التي تصور الدين بأنه منحصر في العبادات وبعض المعاملات والأخلاق وغير ذلك مما لا دخل له في السياسة والحكم، مع إدخال بعض الأفكار الغربية التي ألبسوها ثياباً إسلامية. جاء في التقرير الصادر عن مؤسسة راند للأبحاث ما يلي «من المهم جداً أن يتم تشخيص القطاعات الاجتماعية التي يمكن أن تشكل حجر الأساس للشبكات المقترحة. والأولوية في هذا الإطار يجب أن تعطى للأكاديميين والمفكرين المسلمين من الليبراليين والعلمانيين وعلماء الدين الشباب والمعتدلين… وينبغي للولايات المتّحدة أن تضمن لهذه الشخصيات البرامج وأن تجعلها مرئية، وعلى برامج المساعدة أن تركّز على الشرائح المذكورة سابقاً على أن تتضمن التعليم والتثقيف الديمقراطي، خاصة البرامج التي تتضمن تقاليد إسلامية لتعليم الحجج التي تدعم القيم الديمقراطية والتعددية. ودعم الإعلام المعتدل أمر في غاية الأهمية وذلك لمحاربة الإعلام الذي تسيطر عليه عناصر إسلامية محافظة ومعادية للديمقراطية».
وهنا لابد من الإشارة إلى أن بعض علماء المسلمين الفضائيين يقومون بوعظ الناس وتعليمهم القرآن وأحكامه عن إخلاص ومحبة نشر للخير من غير أن يدروا التوجه المرسوم لهذه البرامج والتي يساهمون فيها من غير إدراك لمراميها. وهناك البعض الآخر منهم يشارك في المؤامرة فيضلل الناس بإفهامهم أن الحكام العملاء هم ولاة أمور تجب طاعتهم والانصياع لهم، وأن الدعوة لإقامة الخلافة هو وهم وحلم وهو بعيد المنال بل هو خروج عن الطاعة لولي الأمر التي توجب سخط الله عز وجل. ونجد آخرين يروجون إلى فكرة حوار الأديان مع أن الحوار في الإسلام يقوم على تبيان الإسلام أنه حق وأن ما عداه مما عليه الأديان الآن هو باطل وحمل ذلك لغير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا يقوم على التفتيش على الحل الوسط بين الحق الذي هو الإسلام والباطل الذي هو غيره، وأن الفتوى يجب أن تكون محصورة فيهم، فهم أهل الاختصاص، ويصفون من يقوم بمواجهة الغرب والحكام بأنهم إرهابيون أحداثٌ في الدين.
القنوات الإخبارية
أنشئت القنوات الفضائية العربية المختصة بالأخبار في بلاد المسلمين بعد أن مل الناس سماع النشرات التقليدية التي كانت تبث عبر قنوات البلدان العربية الرسمية والتي كانت تركز على أخبار الحكام الممجوجة وبطولاتهم المفبركة، فجاءت هذه القنوات بحلة جديدة وبرامج عديدة ومتنوعة وجذابة وبأساليب أكثر دهاءً وخبثاً من سابقاتها، فلم تعد تسبح بحمد الحكام كما في السابق، بل على العكس من ذلك فإنها تفضحهم أحياناً وتوجه لهم الانتقادات اللاذعة في النشرات الإخبارية والبرامج المتنوعة ما جعل الكثير من الناس يثقون بها.
وتتلقى هذه القنوات الدعم من حكام العرب التابعين للغرب كما تتلقاه أيضاً من دول الغرب وأجهزة مخابراتها، فقد أوصى تقرير صادر عن مكتب نائب وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط «بتقديم مساعدة لقناة العربية بقيمة خمسمائة مليون دولار أميركي على مدى خمس سنوات على أن تقدم 10% من هذا المبلغ بصورة مادية مباشرة، أما الـ90% المتبقية فتكون على شكل مساعدات فنية ولوجستية وإعلانات مدفوعة. أما المساعدات المعنوية فتتمحور في إعطاء العاملين في هذه القناة السبق في العالم العربي من ناحية المعلومة أو المقابلات مع كبار المسؤولين الأميركيين من خلال المؤتمرات الصحفية وتزويدها بالمعلومات والتقنيات المتطورة».
ويقول الباحث والكاتب العراقي جمعة عبد الله مطلك في معرض حديثه عن علاقة قناة الـ(بي بي سي) العربية وقناة الجزيرة بجهاز المخابرات البريطانية: «ترتبط الـ(بي بي سي) وفضائية الجزيرة بأمر مشترك هو غموض مصادر التمويل التي يترتب عليها بعد ذلك غموض دوافع المواقف السياسية والثقافية التي تتبناها كلتا المحطتين»، وقد قدم الأستاذ محمد حسنين هيكل تفسيراً للسبب الذي يدعو جهاز المخابرات البريطاني (أم أي 6) إلى تمويل المحطات الإذاعية الناطقة بغير اللغة الإنكليزية وبضمنها القسم العربي في الهيئة، ففي الوقت الذي تمول فيه هيئة الإذاعة البريطانية “وبضمنها التلفزيون” من دافع الضرائب الإنكليزي أي من الدولة فإن القسم العربي من الهيئة ” ضمن أقسام أخرى ” يمول من جهاز المخابرات البريطاني، وقد أذاع الأستاذ هيكل مرات عدة وفي مناسبات مختلفة أن المخابرات البريطانية تعتبر هذا التمويل جزءاً مما أسماه القوة الناعمة للمملكة المتحدة في العالم».
والقنوات الإخبارية تهتم بشكل كبير جداً في تشكيل الرأي العام في بلاد المسلمين وإبقائه بعيداً كل البعد عن الإسلام، وذلك بتبني قضايا الأمة ومشاكلها وتسليط الأضواء على الحلول المأخوذة من النظم الغربية، وإبعاد الناس عن الحلول الشرعية، والتعتيم عليها كالطوق الإعلامي المضروب على مشروع دولة الخلافة التي بها تحل جميع مشاكل المسلمين بل والبشرية جمعاء، والتشويه والتعتيم الذي يمارس ضد حـزب التحـرير الذي يتبنى هذا المشرع العظيم. فمن تابع المؤتمر الاقتصادي العالمي الذي دعا إليه حـزب التحـرير لطرح البديل عن النظام الرأسمالي المشرف على الانهيار في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة والمؤتمرين الصحفيين في بيروت ولندن يدرك تمام الإدراك مدى تآمر الإعلام على الأمة ومشاريعها.
هذه هي رسالة الإعلام الحقيقية كانت منذ نشأتها سهماً موجهاً في خاصرة الأمة حتى هدمت دولتها، واستمر الحال على ما هو عليه ولكن بأساليب متعددة ومتغيرة؛ وكل ذلك لتمكين الاستعمار من خيرات المسلمين وإفساد مجتمعاتهم والحيلولة دون أن يرجعوا إلى سابق عزهم. فلابد لنا من أن نتعامل مع الإعلام الموجه غربياً بكل جدية وحذر، وألا نترك أبناءنا يشاهدون كل ما هب ودب من برامج وأفلام تلعب في أدمغتهم وتجيرها لما يريده الغرب الكافر، بل يجب علينا أن نعلمهم أن هذا الإعلام هو عدو، ونكشف حقيقة أهدافه لهم لكي يتخذوه عدواً.
نسأل الله أن يعجل لنا بالفرج والتمكين في الأرض فتختفي كل هذه الوسائل المضللة، وتحول إلى وسائل تبني المجتمع وتحفظه من الرذيلة وتسوقه إلى طاعة الله عز وجل والجهاد في سبيله. نسأل الله أن يكون ذلك اليوم قريباً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
2009-08-21