قال الله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [سورة المائدة: 32 – 33].
يقول الله تعالى: يريد هؤلاء الكفار من المشركين وأهل الكتاب (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ) أي ما بعث به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الهدى ودين الحق بمجرّد جدالهم وافترائهم، فمثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفئ شعاع الشمس أو نور القمر بنفخه، وهذا لا سبيل إليه، فكذلك ما أرسل به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا بد أن يتمّ ويظهر، ولهذا قال تعالى مقابلاً لهم فيما راموه وأرادوه (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) والكافر هو الذي يستر الشيء ويغُطيه ومنه سُمِّي الليل كافراً لأنه يستر الأشياء، والزارع كافر لأنه يغطيِّ الحبّ في الأرض كما قال: (أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ) ثم قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ) فالهدى هو ما جاء به من الإخباريات الصادقة والإيمان الصحيح والعمل النافع. ودين الحق هو الأعمال الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة.
(لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ): أي على سائر الأديان كما ثبت في الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أُمَّتي ما زوي لي منها» وقال الإمام أحمد عن مسعود بن قبيصة يقول: صلى هذا الحي من محارب الصبح فلما صلوْا قال شبا منهم سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «أنه ستفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها وأن عمالها في النار إلا من اتقى الله وأدّى الأمانة» وقال الإمام أحمد عن تميم الدّاري يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «ليبْلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلغ الليلُ والنهارُ ولا يترك الله بيتَ مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين يُعزُّ عزيزاً أو يُذِلُّ ذليلاً، عزّاً يعزّ الله به الإسلام وذُلاً يذلّ الله به الكفر» وقال الإمام أحمد: سمعت المقداد بن الأسود يقول، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يبقى على وجه الأرض بيت مَدَر ولا وَبَر إلا دخلته كلمة الإسلام يعزّ عزيزاً ويذلِّ ذليلاً إما يعزهم الله فيجعلهم من أهلها وإما يذلهم فيدينون لها» وفي المسند أيضاً عن عدي بن حاتم سمعه يقول: دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا عدي اسلم تسلم»، فقلت: أنت أعلم بديني مني؟ قال: «نعم، أَلستَ من الركوسية وأنت تأكل مرباع قومك؟» قلت: بلى. قال: «فإن هذا لا يحلّ لك في دينك» قال: فلم يَعْدُ أن قالها فتواضعت لها، قال: «أما أني أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام، تقول إنما اتبعه ضعفة الناس ومَن لا قوة له، وقد رمتهم العرب. أتعرف الحيرة؟» قلت: لم أرها، وقد سمعت بها. قال: «فوا الذي نفسي بيده ليتمَّنَّ اللهُ هذا الأمرَ حتى تخرج الظغينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت من غير جوار أحد، ولتفتحنّ كنوز كسرى بن هرمز» قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: «نعم كسرى بن هرمز، وليبذلنَّ المال حتى لا يقبله أحد».
قال عدي بن حاتم: (فهذه الظغينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت من غير جوار أحد. ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى، والذي نفسي بيده لتكونَنَّ الثالثة لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد قالها).
وستقوم الخلافة إن شاء الله وتسيطر على العالم، وتمسك بزمام المبادرة، وتهز الكفار، وتفتح روما، ويعبد الله في الأرض. وييأس الشيطان أن يُعبد في هذا العالم الفاسد كما يئس في الماضي أن يُعبد في جزيرة العرب.
محمد محمود الغول – الأردن