بقلم: محمد حسين عبد الله
المبدأ الرأسمالي الديمقراطي مبدأ وضعي، عقيدته (فصل الدين عن الحياة) مناقضة للعقيدة الإسلامية، ونظامه مخالف لنظام الإسلام، فهو من وضع عقول البشر، لا يستند إلى وحي الله، وإنما يستند إلى الشعب، فالشعب في هذا المبدأ مصدر للسلطات الثلاثة: التشريعية، والقضائية، والتنفيذية.
وحتى يضمن المشرعون بقاء هذا المبدأ، وإقناع الناس بصلاحيته، وضعوا طريقة لاحتواء الناس المعارضين، وباسم حرية الرأي التي ينادي بها النظام الديمقراطي، سمحوا بتعدد الأحزاب، حيث يصل بعضها إلى سدة الحكم إن حصلت على أغلبية أصوات مجلس البرلمان، وتظلّ بقية الأحزاب في صف المعارضة، التي عادةً ما تكون خارج السلطة التنفيذية، وأحزاب المعارضة هذه، هي التي تتولى قيادة الناس المعارضين لما يصدر عن السلطة التنفيذية من قوانين أو قرارات أو تصرفات، فتدخل مع السلطة الحاكمة في حوارات ومفاوضات ضمن الدستور، وما ينبثق عنه من صلاحيات السلطة التنفيذية، تحت شعارات مصلحة البلد، والصالح العام، ومجاراة الظروف والأوضاع.
فالمعارضة في النظام الرأسمالي، مؤسسة تقتضيها «اللعبة الديمقراطية»، المقصود منها احتواء وامتصاص التيار المعارض، لتسهيل سنِّ القوانين، وتنفيذ القرارات التي تتبناها – على حدِّ زعمهم – الأغلبية.
فالتيار المعارض الذي يسير في خط معاكس لخط السلطة، مرسوم له أن لا يصطدم معه لإيقافه، وإنما هو يوازيه ليسير كل منهما في الاتجاه المرسوم له… السلطة تنفذ أعمالها باسم الأغلبية المزعومة، والمعارضة تقود الرأي الآخر وتحتويه لتحمي النظام منه… والمعارضة – كما قالوا – صِمام الأمان، فهي خادمة للنظام؛ تزيّن وجهه القبيح، وتمتص نقمة الساخطين عليه، وتُخمد حماسة المخالفين له.
هذه هي المعارضة بالنسبة للدول الرأسمالية الحقيقية، كبريطانيا، وفرنسا، وأميركا وغيرها. أمّا بالنسبة لدول العالم الثالث، ومنها الدول القائمة في العالم الإسلامي، والتي تدعي الديمقراطية، أو التي أُجبرت عليها، فإنّها قد صنعت «المعارضة المشروعة» بيديها، وشكلتها بالشكل الذي تريده كمّاً وكيفاً، لتكون خادمة لها في بقائها، وفي ادعائها الديمقراطية وحرية الرأي، من أجل تنفيذ ما تطلبه الدول السيّدة منها.
هذه هي حقيقة المعارضة في النظام الديمقراطي الحقيقي، وفي الديمقراطي المزيّف.
أمّا المحاسبة، وهي الطريق الشرعي الذي جاء به الإسلام لتقويم اعوجاج الحاكم، وإعادته إلى جادة الصواب إن أخطأ أو انحرف عن الطريق المستقيم، وهي مسؤولية الأمة أفراداً وأحزاباً، قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ…) وقال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ…) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يكونان لمجرد المعارضة، وهي إظهار عدم الرضا، وإنما يكونان من أجل حمل الحاكم على الالتزام بأوامر الله ونواهيه، قال -صلى الله عليه وسلم-: «من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحُرم الله، حاكماً في عباد الله بالإثم والعدوان، ولم يغيّر عليه بقول أو فعل، كان على الله أن يدخله مُدخله» وقال أيضاً: «من رأي منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» فالقصد من المحاسبة ليس إظهار عدم الرضا فقط، وإنما هو العمل لتغيير ما يراه المحاسب منكراً، مخالفً لشرع الله، بما يستطيعه من قول أو فعل، قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحقرن أحدكم نفسه، قالوا: يا رسول الله، وكيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: يرى أنّ عليه مقالاً ثم لا يقول به، فيقول الله عز وجل يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا، فيقول: خشية الناس، فيقول: فايّاي كنت أحقّ أن تخشى» والله تعالى يقول: (فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي…)، فلا يحلُّ لمسلم أن يسكت عن قول الحق إذا لزم ذلك، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، يستحق عذاب الله بسبب سكوته، ولقد وضع لنا الإسلام مقياساً دقيقاً للمحاسبة، وهو شرع الله، وليس العقل أو المصلحة أو الأغلبية، قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ…) فالتحاكم في النزاع مع الحاكم أو محاسبته يكون مردّه إلى كتاب الله وسنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وليس إلى القوانين الوضعية أو المواثيق الدولية، أو الأغلبية البرلمانية.
والمحاسبة مسؤولية شرعية قد أدركها الصحابة والمسلمون، فقد حاسبوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلح الحديبية، وفي تقسيم غنائم غزوة حنين، وحاسبوا الخلفاء الراشدين من بعده، فهذا أبو بكر الصديق خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب المسلمين قائلاً: «إن أحسنت فأعينوني وغن صدفت فقوموني…» ويقول: «أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم»، وهذا أحد المسلمين يقول لعمر أمام الجمهور: «لو رأينا فيك اعوجاجاً لقوّمناه بحدّ سيوفنا» فيقول عمر: «الحمد الله الذي أوجد من يُقوّم اعوجاج عمر بحدّ سيف»، وهذه امرأة واحدة من المسلمين، تصوّب رأي عمر في تحديد المهور، فالأغلبية في المحاسبة لا قيمة لها، كثرت أم قلت، وإنما قوة المحاسبة تأتي من قوة الدليل الشرعي الذي يستند إليه المحاسبون، فلو قال أغلب الحكام ومعهم أغلب النوّاب، ودعمتهم وسائل الإعلام: إنّ اليهود لا يضمرون العداوة للمسلمين، وإنّ إنهاء حالة العداوة والحرب معهم، وهم يحتلون أرض المسلمين، جائر، فلا قيمة لهذا الرأي، ولا قيمة لهذه الأقوال لأن فيها تكذيباً لقول ربّ العالمين: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا…) ولقوله تعالى: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) ويقول تعالى لهؤلاء: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ).
والمحاسبة للحكام والتغيير عليهم، كما كانت مطلوبة من المسلمين في دولة الخلافة، هي مطلوبة الآن أكثر، في زمن قد عمّ فيه الفساد، وزادت المنكرات، وحيكت فيه الدسائس والمؤامرات، لضرب الأمة الإسلامية، ومنعها من تحكيم دينها، وإعادة دولة الخلافة. وقد أخبرنا رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- عن هذا الواقع الذي نعيشه، وبيّن لنا الموقف الذي نتخذه تُجاه هذا الواقع الفاسد، لننال العزة في الدنيا، ورضوان الله في الآخرة، قال -صلى الله عليه وسلم-: «ألا إن رحى الإسلام دائرة، فدوروا حيث دار، ألا إنّ السلطان والقرآن سيفترقان، فألزموا الكتاب، ألا وإنه سيولى عليكم أمراء ضالون مضلون، إن اتبعتموهم أضلوكم، وإن خالفتموهم قتلوكم. قالوا: فماذا نفعل يا رسول الله؟ قال: كما فعل أصحاب عيسى، شدوا على الخشب، ونشروا بالمناشير، فوا الذي نفس محمد بيده لميتة في سبيل الله خيرُ من حياة في معصية».
فهيا إلى المحاسبة الحقة أيها المسلمون، لإيقاف مهزلة الصلح مع اليهود، وتطبيع العلاقات معهم، وإقرارهم على احتلال بلاد المسلمين .