مفهوم مضلِّل (جيش ضعيف لا يتدخل في السياسة خير من جيش قوي يغتصب السلطة)
2003/10/20م
المقالات
1,414 زيارة
مفهوم مضلِّل
(جيش ضعيف لا يتدخل في السياسة خير من جيش قوي يغتصب السلطة)
هذه القاعدة السلطانية سمعتها، من أحد الأعضاء، في مجلس الحكم العراقي، المعين من قبل القوات الأمريكية الغازية المحتلة الكافرة، وهي تدل على أن المسلم إذا لم يكن عنده قاعدة فكرية إسلامية، تنبثق منها الأحكام، ويبني عليها الأفكار، فانه سرعان ما يخرج عن السبيل، فالعقل أو الميول الفطرية لا تصلح أن تكون مقياسا في التحسين والتقبيح، أي إنهما لا يصلحان للحكم على الأفعال والأشياء، بل الحكم لله وحده سبحانه “ألا له الحكم والأمر” فما حكم هذه القاعدة شرعا؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، لابد من الإشارة إلى أن كل فرد من أفراد الجيش، ضعيفا كان الجيش أو قوياً، هو من الأمة، ويجب عليه إن يهتم بأمر المسلمين، وهذا الاهتمام هو اشتغال بالسياسة، وهذا المعنى ليس مقصودا هنا، بل المقصود هو أن الجيش لا علاقة له بالسلطان، أي ولاية الأمر، والمراد من هذه القاعدة أن نبقي جيشنا ضعيفا، حتى نضمن عدم تدخله في السلطان، لأن السلطان للأمة، وهذا كلام ظاهر البطلان، ومن كان هذا تفكيره فإنه لا يعرف ما هي وظيفة الجيش، وجل همه أن يكون في السلطة، أي سلطة، ويحافظ على كرسيه، ولو كان سنده الحقيقي من خارج أمته أو شعبه، حتى وإن كان من أعداء الأمة الكفار، فالجيش الذي يلزمه، هو جيش يجب أن تقتصر همته على حفظ كرسيه من تغيير الأمة وغضبها.
أما الجيش الذي أوجب الله إنشاءه على المسلمين، فهو جيش يستطيع أن يحفظ أمن الأمة والدولة، داخليا وخارجيا، أي عنده القدرة على حماية الثغور، وحمل الدعوة إلى الأمم الكافرة، في الوقت الذي يحارب فيه المرتدين والبغاة وأهل الحرابة، ويحفظ الأمن الداخلي، وأنى لجيش ضعيف أن يقوم بهذه المهام، قال تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُم)[الأنفال/60] ونحن مأمورون بالجهاد طلبا ودفعا، وأدلته معروفة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، وهذا الجهاد لا يتم إلا بجيش قوي، فكان إنشاء هذا الجيش فرضا، من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
هذه هي وظيفة الجيش الإسلامي القوي، حفظ الأمن الداخلي والخارجي، ولا يجوز أن يكون له من السلطان شيء، فكيف يضمن ذلك؟ أيكون بإضعاف الجيش بحيث يكون ليس أكثر من شرطة مكافحة الشعب؟ وإذا لم يطع ولي الأمر استدعى له قوات عدوة كافرة تبيد خضراءه، وتدوس كرامته وكرامة الأمة معه. والصواب أنه لا بد للأمة من جيش قوي، ويتبع لضمان عدم تفكيره بتسلم السلطان ما يلي:
أولاً: أن يكون الخليفة هو القائد الفعلي للجيش لا القائد الأعلى، وذلك كما كان الحال في زمنه صلى الله عليه وسلم وزمن الخلافة على منهاج النبوة، فقد كان صلى الله عليه وسلم هو الذي يقود الغزوات، ويبعث السرايا، ويعقد الألوية، ويعين الأمراء، ويعزلهم، كما فعل في فتح مكة، عندما عزل سعداً، وولى ابنه، وعين أمراء مؤتة الثلاثة، وأعطى الراية لعلي، وفتح الله عليه في خيبر، ورد بني قينقاع، ومنعهم من المشاركة في القتال في أحد، وأرسل حذيفة لاستطلاع حال جيش الأحزاب، وأسرع السير عندما أثار المنافقون مشكلة، وكان يرسل السرايا للتجسس. ويكتفى بهذا القدر من تصرفاته صلى الله عليه وسلم كقائد فعلي للجيش. أما أبو بكر فإنه بدأ بتعيين من يحفظ أنقاب المدينة، وعين ابن مسعود على العسس، وخرج بنفسه لقتال بعض المرتدين حول المدينة، وأنفذ بعث أسامة، ثم عين القادة لقتال المرتدين، وبعد ذلك أرسل الجيوش إلى كل من العراق والشام، وعين الأمراء، وأوصاهم، ومشى معهم يشيعهم، ورفض أن ينزع خالداً، رغم أن وزيره عمر أشار عليه بذلك. وسار عمر نفس السيرة، فكان يعين الأمراء، ويعزلهم، ويرسل الأمراء، وينهاهم عن ركوب البحر، ويحرك الجيوش من جبهة إلى أخرى، وتفقد أحوال جيش الشام بنفسه، وتولى فتح بيت المقدس. وكذلك فعل عثمان بن عفان، فأذن بركوب البحر، وإنشاء اسطولي الشام ومصر، وفي زمنه كانت ذات الصواري، ولم يأذن بقتال الخارجين عليه، ونهى من حاول الدفاع عنه. وأما علي فقد تولى القتال بنفسه في كل من الجمل والنهروان وصفين. فلم يفكر الجيش في زمان الخلفاء الأربعة بتولي الأمر، وغصب سلطان الامة، والذين خرجوا على عثمان، لم يفكروا بتولي الأمر، وإنما بايعوا علياً، والخوارج اغتالوه.
ثانياً: تثقيف الجيش ثقافة مركزة، في المسائل التي تلزمه كجيش، ومنها مسألتنا هذه، بحيث يكون من المسلّمات المعلومة بداهة، أن السلطان للأمة لا للقوة، وأن عمل الجيش هو القتال والجهاد والغزو والفتح.
ثالثاً: تكثير عدد الجيوش والسرايا بحيث يكثر عدد الأمراء، وربطهم مباشرة بالخليفة، يتلقون أوامرهم منه، ويفعل هذا بجيوش البر والبحر والجو.
رابعاً: عدم تطويل مدة إمارة الأمير على جيش واحد، وتجديدها على جيش آخر، بحيث لا يفتن به جيش.
خامساً: تركيز مفهوم النصر، والاعتقاد أنه من عند الله، وأنه سبحانه يؤيد بنصره من يشاء ، وقد يكون النصر لرجل واحد، إذا كان سرية وحده، كما حصل مع عبد الله بن أنيس الجهني، عندما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي، وبلغه أنه يجمع له، وكان بين عرفه وعرفات، فقال له: “اذهب فاقتله”، فنصره الله، وقتله من بين الجموع التي بلغت الألوف، وبنصره انتصرت الأمة وانتصر الدين، وقد يكون النصر لجيش كما حصل في اليرموك والقادسية وتَستَر وحطين، وهذا الجيش ينصر بإيمانه، وبنصره لله، وبضعفائه، ونصر الجيش يكون نصراً للأمة وللدين. هذا في حال وجود الدولة، أما في حال غيابها، كما هو حال المسلمين اليوم، فإن النصر يكون بوجود أنصار، يقيمون الدولة، وينصرون الدين، فإن وجد من عندهم قوة ومنعة، يقوون على إقامة الدولة، وحمايتها، ونصرة دين الله، ومنعة المستضعفين، كان النصر للأمة والدين .
ع.ع
2003-10-20