بسم الله الرحمن الرحيم (ليستخلفنهم في الأرض)
2003/09/20م
المقالات
1,824 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
(ليستخلفنهم في الأرض)
قال تعالى: ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) [النور].
ـــــــــ
ذكر ابن كثير في سياق تفسيره لهذه الآية ما يعتبر إنفاذاً للوعد المذكور فيها، وكان مما قاله: «هذا وعدٌ من اللَّه تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض أي أئمة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً وحكماً فيهم. وقد فعله تبارك وتعالى وله الحمد والمنّة: فإنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى فتح اللَّه عليه مكة وخيبر، والبحرين، وسائر جزيرة العرب، وأرض اليمن بكمالها، وأخذ الجزية من مجوس هجر، ومن بعض أطراف الشام. ثم لما مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قام بالأمر بعده خليفته أبو بكر الصديق، فلمّ شعث ما وهى بعد موته صلى الله عليه وسلم وأخذ جزيرة العرب ومهدها، وبعث جيوش الإسلام إلى بلاد فارس ففتحوا طرفاً منها، وجيشاً آخر إلى أرض الشام، وثالثاً إلى بلاد مصر؛ ففتح اللَّه للجيش الشامي أيامه بصرى ودمشق ومخاليفهما من بلاد حوران وما والاها. وتوفاه اللَّه عز وجل ومنّ على أهل الإسلام بأن ألهم الصدّيق أن يستخلف عمر الفاروق، فقام بالأمر بعده قياماً تاماً، لم يدُر الفلك بعد الأنبياء على مثله في قوة سيرته وكمال عدله. وتمّ في أيامه فتح البلاد الشامية بكمالها، وديار مصر إلى آخرها، وأكثر إقليم فارس. وكسر كسرى، وقصر قيصر وأنفق أموالهما في سبيل اللَّه، كما أخبر بذلك ووعد به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم لما كانت الدولة العثمانية امتدت الممالك الإسلامية إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها، ففتحت بلاد المغرب إلى أقصى ما هنالك الأندلس، وبلاد القيروان وبلاد سبتة مما يلي البحر المحيط، ومن ناحية المشرق إلى أقصى بلاد الصين؛ وقتل كسرى وباد ملكه بالكلية وفتتت مدائن العراق وخراسان والأهواز، وقتل المسلمون من الترك مقتلةً عظيمةً جداً، وخذل اللَّه ملكهم الأعظم خاقان، وجبى الخراج من المشارق والمغارب إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وذلك ببركة تلاوته ودراسته وجمعه الأمة على حفظ القرآن. ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «إن اللَّه زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها». فها نحن نتقلب فيما وعدنا اللَّه ورسوله، وصدق اللَّه ورسوله، فنسأل اللَّه الإيمان به وبرسوله والقيام بشكره على الوجه الذي يرضيه عنا. قال الإمام مسلم عن جابر بن سمرة قال: «سمعت رسول اللَّه يقول: «لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً» ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمةٍ خفيت عني فسألت أبي ماذا قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقال: قال: «كلهم من قريش» وفي هذا الحديث دلالةٌ على أنه لا بد من وجود اثني عشر خليفةً عادل… يكونون من قريش يلون فيعدلون، وقد وقعت البشارة بهم في الكتب المتقدمة، ثم لا يشترط أن يكونوا متتابعين، بل يكون وجودهم في الأمة متتابعاً ومتفرقاً، وقد وجد منهم أربعة على الولاء هم أبو بكر ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم ثم كانت بعدهم فترة، ثم وجد منهم من شاء اللَّه، ثم قد يوجد منهم من بقي في الوقت الذي يعلمه اللَّه تعالى…».
وفي تفسير الآية قال ابن كثير: «قال الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله ( ytãuصلى الله عليه وسلم ª!$# tûïÏ%©!$# (#qãZtB#uä óOä3ZÏB ) الآية، قال كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة نحواً من عشر سنين، يدعون إلى اللَّه وحده وإلى عبادته وحده لا شريك له سراً، وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال حتى أمروا بعد الهجرة إلى المدينة فقدموها، فأمرهم اللَّه بالقتال، فكانوا بها خائفين يمسون في السلاح ويصبحون في السلاح، فصبروا على ذلك ما شاء اللَّه، ثم إن رجلاً من الصحابة قال: يا رسول اللَّه أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟ أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع عنا السلاح؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لن تصبروا إلا يسيراً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبياً ليست فيه حديدة» وقال البراء بن عازب: «نزلت هذه الآية، ونحن في خوفٍ شديد». وهذه الآية الكريمة كقوله تعالى: (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون) [الأنفال]. وقوله تعالى: (كما استخلف الذين من قبلهم) كما قال تعالى عن موسى عليه السلام أنه قال لقومه: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) وقوله: (وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم) قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم حين وفد عليه: «أتعرف الحيرة؟» قال: لم أعرفها ولكن قد سمعت بها. قال: «فوالذي نفسي بيده ليتمنّ اللَّه هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، ولنفتحنّ كنوز كسرى بن هرمز، وليبذلنّ المال حتى لا يقبله أحد»، قال عدي بن حاتم: فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت في غير جوار أحد، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز. والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد قالها. وقال الإمام أحمد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب». وقوله تعالى: ( يعبدونني لا يشركون بي شيئاً) قال الإمام أحمد عن معاذ بن جبل أن رسول اللَّه قال: «يا معاذ بن جبل» قلت: لبيك يا رسول اللَّه وسعديك. قال: «هل تدري ما حق اللَّه على العباد؟» قلت: اللَّه ورسوله أعلم. قال: «حق اللَّه على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً». قال: ثم سار ساعةً ثم قال: «يا معاذ بن جبل» قلت لبيك يا رسول اللَّه وسعديك. قال: «فهل تدري ما حق العباد على اللَّه إذا فعلوا ذلك؟» قال: قلت اللَّه ورسوله أعلم. قال: «فإن حق اللَّه على العباد أن لا يعذبهم» أخرجاه في الصحيحين. وقوله تعالى: ( ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) أي فمن خرج عن طاعتي بعد ذلك، فقد خرج عن أمر ربه، وكفى بذلك ذنباً عظيماً. فالصحابة رضي اللَّه عنهم لما كانوا أقوم الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم بأوامر اللَّه عز وجل، وأطوعهم للَّه كان نصرهم بحسبهم، أظهروا كلمة اللَّه في المشارق والمغارب، وأيّدهم اللَّه تأييداً عظيماً وحكموا في سائر العباد والبلاد. ولما قصر الناس بعدهم في بعض الأوامر نقص ظهورهم بحسبهم، ولكن قد ثبت في الصحيحين من غير وجهٍ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرّهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى يوم القيامة – وفي روايةٍ – حتى يأتي أمر اللَّه وهم على ذلك – وفي رواية – يقاتلون الدجّال – وفي رواية – حتى ينزل عيسى بن مريم وهم ظاهرون» وكل هذه الروايات صحيحة ولا تعارض بينها.
«الوعي»: نسأل اللَّه تعالى أن نكون تلك الطائفة الظاهرة بإذنه وأن يبشرنا بالسنا والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض بأن يمنّ علينا بخلافةٍ راشدة تكون مفتاح خيرٍ لما بعدها. من قضاءٍ على يهود: «تقاتلكم يهود فتقتلونهم» وفتحٍ لروما معقل النصرانية: «تفتح روما» وانتشارٍ للإسلام في مشارق الأرض ومغاربها: «وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها» .
2003-09-20