كلمة الوعي: الديمقراطية تتخبط بنهايتها… فمن يتقدم ليعرض الإسـلام بديلاً؟
2003/08/20م
المقالات, كلمات الأعداد
1,691 زيارة
إن الحرب العدوانية التي شنّـتها أميركا رأس الدول الرأسمالية، ومعها بريطانيا التي تعتبر نفسها صاحبة أعرق ديمقراطية في العالم لتدل بشكل واضح على المدى الذي وصلتا إليه من الإفلاس الخلقي، والخواء الروحي، وفقدان القيم، حيث إنهما لم تجلبا إلى العالم إلا الظلم والقهر والاستعباد والاستغلال ونهب خيرات العالم، والانحلال والفسق والفجور. ولعل بعض الاقتباسات مما تناقلته وسائل الإعلام حول ما اختلق من مبررات لهذه الحرب، وما رسم لها من أهداف تلقي الضوء على المأزق الذي وصلت إليه الديمقراطية وربيبتها الرأسمالية.
l في أيلول 2002م قال الرئيس بوش إن العراق لم يعد لديه سوى شهور قليلة قبل أن يمتلك سلاحاً نووياً يهدد به المنطقة وأميركا ذاتها. وأعلن: «لا أعرف ما إذا كنا في حاجةٍ إلى دليل أكثر من ذلك» كي يضرب العراق. وذكر أن معلومته الخطيرة هذه مستمدة حرفياً من تقرير رسمي أصدرته وكالة الطاقة الذرية في النمسا. خلال ساعات ثبت أن الوكالة لم يصدر عنها شيء من ذلك مطلقاً، ولكن النفي الرسمي من وكالة الطاقة لقي تجاهلاً إعلامياً أميركياً كاملاً وبقي خداع بوش.
l وفي شباط 2003م أعلن كولن باول أمام مجلس الأمن أن لدى الحكومة الأميركية دليلاً حاسماً على صفقة أبرمها العراق مع النيجر للحصول على يورانيوم لصنع أسلحة نووية. ولكن وكالة الطاقة النووية حققت في ذلك، وأعلن مديرها محمد البرادعي عدم صحة الادعاء الأميركي. واللافت أن الحكومة الأميركية ذاتها في شباط 2002م كانت تعرف أن الادعاء كاذب والوثائق المزعومة مزيفة. ومع ذلك طرحت الحكومة الأميركية هذا الزعم على أنه حقيقة لا تقبل النقض، وروّج الإعلام الأميركي حول العالم مزاعم الإدارة، وعتَّـم على الإنكار الرسمي من وكالة الطاقة.
l بعد أحداث 11 أيلول 2001م أنشأ رامسفيلد ما سمّـاه «مكتب التأثير الاستراتيجي» من خبراء الدعاية وعلم النفس والاستخبارات، لتأليف القصص الإخبارية الكاذبة، وزرعها في الإعلام الدولي كي تنقلها وكالات الأنباء بعد ذلك إلى العالم وفي كانون الثاني 2002م اضطر بوش إلى إلغاء المكتب بعد انكشافه، ولكن تبيّـن بعد ذلك ان كل ماجرى هو تغـيـير عنـوان المـكـتـب لا أكثر. وحين جرى الترويج مثلاً لقصة إخبارية عن علاقة نظام صدام حسين بتنظيم القاعدة بحجة اجتماع عقد فـي العاصمة التشـيخية براغ، بين مسؤول فـي السفارة العراقية وأحد مساعدي ابن لادن، كان أول المنـزعجين هافل رئيس جمهورية تشيخيا آنذاك. فكلّـف أجهزة الاستخبارات والمباحث تحرّي هذه القصة وبعدما تأكد له تلفيق القصة، اختار الإفصاح عن ذلك إلى باول عبر مكالمة هاتفية غير معلنة لئلا يتسبب لأميركا بفضيحة في الساحة الدولية، وهي التي يعتبرها «الصديق الأكبر». ومع ذلك استمرّ الإعلام الأميركي يلحّ على العالم والشعب الأميركي بعلاقة العراق بأحداث 11 أيلول 2001م.
l وفي آذار 2003 كذب باول أمام العالم كله، في مجلس الأمن، حين ادعى بأن العراق يمتلك أسلحة كيماوية وبيولوجية معتمداً على رسالة ماجستير قدمها أحد الطلاب في هذا الموضوع.
أما إبليس لندن توني بلير فقد بلغ به كذبه وافتراؤه أن أضاف إلى تقرير حكومته عبارة مفبركة وهي أن «صدام حسين قادر على نشر أسلحة دمار شامل في مهلة لا تتجاوز 45 دقيقة» وشاركه في كذبه وافتراءاته وادعاءاته وزيرا خارجيته ودفاعه اللذان كانا يديه اليمنى واليسرى في عملية الخداع.
وهكذا تبدو أن مبررات شنّ الحرب على العراق مفبركة، ويعني كذلك عدم وجود الأسـاس الـقـانـوني للـحـرب.
وفـي هـذه الحـرب دمـرت أميركا العـراق ليحـتـاج فيما بعد إلى شركاتها لإعادة إعماره الذي يقـدر بمـئـات المليارات. ثـم أنها قتلت وعذبت وأذلّـت المسلمين، وارتكبت كل ما هو محظور إنسـانياً واسـتخدمت أسلحة دمار شامل ضد المسلمين حتى صنفت في مقدمة الدول المنتهكة لحـقـوق الإنـسـان فـي العـالـم.
ثم هناك الهدف الحقيقي الذي لم يعد خافياً على المسلمين وهو الاستعمار: الاستعمار الفكري بضرب الإسلام، والاستعمار الاقتصادي لوضع اليد على النفط، والاستعمار العسكري ببناء القواعد العسكرية لها للسيطرة على المنطقة، والاستعمار السياسي لصياغة المنطقة من جديد بحسب مصالحها.
هذه هي الديمقراطية النتنة التي يريد الغرب أن يقود العالم والمسلمين بها. وهذه هي الرأسمالية الظالمة التي لم تجلب إلى العالم إلا المآسي. لقد انهزمت الدول الغربية القائمة عليها وتؤذن أن تتهاوى، وكل المؤشرات توحي أنها تتخبط بنهايتها. إذا إن أول السقوط هو مثل هذا السـقـوط الفكري، ولقد ثبت فشل أنظمتها في حل مشاكل العالم، ويمكن القول بأن مآسي البشرية جميعها هي برسم الدول الغربية وهي تقف وراءها تماماً كما حدث في العراق، وما حدث ويحـدث للمسـلمين فـي أفغانسـتـان، وفي فلسطين وفي كل مكان. حتى الصراع في إفريقيا المرشـح للاحـتـدام والتي تزهـق فيه النفوس بغير حساب هو صراع بين الدول الغربية على المصـالح، وبالتحـديد بين أميركا وأوروبا وبالذات فرنسـا. نعم إن الدول الرأسمالية تاكل بعضها إن لم تجد ما تاكل. إن صراع المصالح، وليس صراع الحق، الذي تؤمن به الرأسمالية يقوم على العداء ولا يحترم حقاً ولا يراعي قيمة.
إن العالم اليوم يعيش فـي حالة من شـريعـة الغاب انعـدمت فيه موازين الحـق، وسـادت موازين القـوة، يعـيـش فـي حـال من القـرصـنة والبلطـجـة يباح فيها القتل والنهب، والاستعمار والاسـتبداد، والمكر والخداع، والحقد والكذب،… في سبيل تحقيق المصالح. إن البشرية وصلت إلى مأزق كبير ويتسلم أمرها الذئاب.
إن العالم اليوم بحاجة لمن يخلصه من هذا الواقع السيئ، بحاجة إلى الإسلام، إلى الإيمان باللَّه الخالق للبشر المدبّـر لأمرهم، بحاجة إلى المفاهيم الصادقة والقيم الرفيعة التي يتحلى بها الإسلام.
ثـم إن الإسلام بحاجة لمن يحسن فهمه، ويعرضه بشكل صحيح، بحاجة لمن يدفع به إلى المـعـتـرك الدولي بشـكـل كـفـؤ. بحـاجـة لمن يسـتطيع أن يقود به المسلمين، ولمن يستطيع أن يقـود بالـمـسـلـمـيـن الـعـالـم.
إن معركة إثبات أن الإسلام هو البديل قائمة. وإن الغرب، وعلى رأسه أميركا يبذل قصارى جهده ليشوه صورة الإسلام، ويدفع به إلى الوراء؛ حتى يفوّت عليه هذه الميزة، وحتى لا تختاره الشعوب بديلاً.
إن على المسلمين العاملين اليوم أن يدرسوا السبيل الشرعي إلى فوز الإسلام في معركة الحضارة وإن الأمور عندما تتداخل على المسلمين، وعندما يحاط بالمسلمين ويحاربون من الجميع، فإن عليهم أن ينظموا عملية الصراع والمواجهة مع أعداء دينهم حتى يصلوا إلى النهاية المرجوة. وإن أخطر ما يواجه المسلمين العاملين هو ردات الفعل، أو الانزلاق في الخط المرسوم من قبل أعدائهم للمواجهة.
إن الطريق لجعل الإسلام يغلب في معركة الحضارة هو أن نتأسى بفعل الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فنعمل لإقامة الدولة الإسلامية التي لم تكن غاية عند المسلمين في يوم من الإيام، وإنما طريقة لإتمام النور وإظهار الدين على سائر الأديان والمبادئ. فالدولة هي التي تجمع طاقات المسلمين وتوحد أهدافهم، وتقضي على كل أثر لعدوهم في أرضهم وداخل نفوسهم. إن الدولة الإسلامية هي التي تخوض معركة صراع الحضارات وليس الأفراد ولا الجماعات، وهي التي تواجه الدول، وتزيل الامبراطوريات تماماً كما فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام، ما عدا ذلك فإنه وأد للجهود، وبناء فـي الرمال، وتضحية بالنفوس من غير طائل.
إن قيام دولة إسلامية هو العمل الذي يبدأ به المسلمون مسيرة النهضة وهداية العالم. وإن ما يجب أن يقوم به المسلمون اليوم أن يتبعوا طريقة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في إقامة الدولة. وإن أمر إقامة الدولة الإسلامية قد تحقق معظمه، فلم يعد يحتاج إلا إلى أهل القوة من جيوش المسلمين لأن يقوموا بواجبهم من أخذ الحكم من أيدي هؤلاء الحكام المجرمين بحق دينهم وشعوبهم وتسليمه إلى المسلمين العاملين لإقامة الخلافة على منهاج النبوة حتى يتحقق فيهم ما تحقق في الأنصار الذين آووا الرسول ومن معه ونصروه. فإلى هذا ندعوكم يا أهل القوة، ندعوكم لأن تكونوا أنصار اللَّه عسى أن تلحقوا بهم في الأجر واللَّـه من وراء القصد .
2003-08-20