الكبيسي.. وفتاويه الأميركية
2003/07/20م
المقالات
1,828 زيارة
الكبيسي.. وفتاويه الأميركية
الشيخ أحمد الكبيسي رئيس جمعية علماء العراق، وأحد الذين برز نجمهم مع ثورة الفضـائيات، وتعمّـقت معرفة المشـاهدين به مع برنامج الفتاوى المباشـر الذي كانت تبثه بصفة شبه يومية قناة دبي.
والشـيـخ هذا هو أحد أعضـاء مجمع الفقه الإسـلامي بـمـكـة الـمـكـرمـة. وكان لبعض اجتهاداته الفقهية وتفسيراته المحدثة لبعض آيات القرآن والأحاديث النبوية المتعلقة بالفتن وآخر الزمان ردود رافضة.
وهـذا الشـيـخ يذكـرنـا بحـديـث رواه التـرمـذي وأصـحـاب السـنـن عـن عـقـبـة بـن عـامـر (رضي الله عنه) أنه قال: قلت يا رسول اللَّه: ما النجاة؟ قال: “أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتك”.
ــــــــــــــــــــ
فـي لقاء أجرته معه صحيفة الشرق الأوسط نشر يوم الثلاثاء في 5/3/1424هـ الموافق 6/5/2003م. قال الكبيسي: «إن من الخسة أن تكذب وتدجل وأن تدّعي أنك تريد أن تقيم دولة إسلامية وأنت لم تستطع طوال خمسة عشر قرناً أن تقيمها، حتى عندما كنت في أوج قوتك، وفي وجود جيشك». وأكد أنه «ما من عباءة أشد فرقة من العباءة الدينية» لذلك لا ينبغي أن تقوم حكومة دينية ويقول بالحرف الواحد: «نحن لا يجب أن نجعل دين الدولة على مذهب واحد. نريد دولة شعبها مسلم يتمتع بحريات كاملة، دون أن تمثل طائفة بعينها». وأكد الكبيسي أن «إقامة حكومة إسلامية أمر مستحيل مستشهداً بالتجربة التاريخية للمسلمين عبر خمسة عشر قرناً». ورأى أن دولة الإسلام باقية ما بقي المسلمون، وما دام أن المجتمع يمارس واجباته الدينية ويحظى بحقوقه بشتى مذهبياته وطوائفه…
كذلك نقلت جريدة الحياة عن الكبيسي في 3/5/2003م. قوله إن: «عودة الملكية إلى العراق هي أفضل مخرج. وإن حمل السلاح الآن ضد القوات الأميركية يضرّ بالبلد.. وإن تقسيم العراق احتمال وارد، وإن حكومة بإيديولوجيا إسلامية طائفية ستكون بمثابة كارثة» وذكر أنه يعمل «لتهدئة الشارع العراقي باتجاه عدم حمل السلاح الآن» وأن أميركا «في منتهى الغباء إذا لم توسّع سيطرتها في المنطقة فهذه فرصتها الوحيدة». وأضاف في سؤال وجهه إليه مراسل الحياة عن محاولات لعقد اجتماع مع غارنر فقال: «لا أمانع في الاجتماع مع غارنر، ولا أكشف سراً إذا قلت إنه توجه لعقد لقاء معي لكن الترتيبات لم تكن كافية، فأنا غادرت إلى الإمارات، ولم يعقد الاجتماع».
نعم، لا يتعجبنّ مسلم من صدور مثل هذا الكلام عمن يقال إنه رئيس جمعية علماء العراق، وأحد أعضاء مجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة. إذ إن بلاء الأمة الإسلامية، في هذا الزمن الرديء لم يقتصر على حكامها العملاء، بل تعدّاه إلى علماء السوء الذين أخبر عنهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنهم أخوف ما يخاف على أمته منهم من بعده. وصدق رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم) حين قال: «إثنان من أمتي إن صلحا صلحت أمتي وإن فسدا فسدت أمتي: العلماء والأمراء».
إن أمثال هؤلاء العلماء يملكون أن يقولوا، ويسمح لهم أن يرفعوا صوتهم، وتسخر وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية لنقل فتاويهم، إنهم علماء الفضائيات الذين يتكلمون وفي ذهنهم إرضاء من يظنّون أن بيدهم الأمور فيداجونهم، ويستمدون حلولهم من الواقع السيئ الذي يعيشون فيه لا من قوة الحق الذي يفترض أنهم يؤمنون به.
هـل يظـن مثـل هذا العالم أنه يحـسـن صـنعاً؟! وهل لا يعلم الكبيسي، الذي لا يعلم عنه أنه لا يَعقل، ما في كلامه من نصرة لأعداء اللَّه، وتـمـكـين لباطلهم وخذلان للمسلمين، وتسليم أمرهم لأعدائهم؟!
وهل يُعقل بمن يعتبر نفسه عالماً دائم الاتصال بكتاب اللَّه وبسنة رسوله، وبكتب الفقه، أن لا يعلم حكم اللَّه في إقامة دولة إسلامية؟!
وهل يُعقل أن يغفل ذلك المسمى بالعالم، عن تاريخ المسلمين الممتد على مدار اثني عشر قرناً، والذي شهد له الأعداء المنصفون، ويقف في صف أعدائه المبغضين فيقول بمقالتهم؟!
وأين ذهبت الأحكام الشرعية التي حددت شكل الحكم في الإسلام، وشكل نظامه الاقتصادي، ونظامه الاجتماعي وسياسته الخارجية؟ فهل لم توجد أصلاً؟ أم نسخت؟
وأين ذهب بمئات الملايين من المسلمين الذين دخلوا الإسلام فيما بعد، وعلى التوالي، في ظل حكم الإسلام ونشر دينه؟!…
إن مثل هذه الأمور لا تخفى على مسلم عادي، فكيف تخفى على عالم؟
إن الأولى كان أن لا يتكلم هذا الشيخ حتى يتبين، أو على الأقل أن لا تنقل كلامه وسائل الإعلام خدمة للإسلام وللشيخ نفسه. وإن أقواله ستحسب عليه في الدنيا والآخرة؟
إن جرأة هذا الشيخ وتطاوله على دين اللَّه قد بلغت مبلغاً عظيماً في دعوته المسلمين أن يطيعوا الأميركيين في كثير من الأمر، وأن يطالبوهم بواجباتهم تجاه العراق، وتأمين الحرية للعراقيين، وتطبيق الديمقراطية أي الكفر عليهم. وفي اعتباره أن حمل السلاح ضد القوات الأميركية يضر بالبلد، وفي دعوته أميركا أن توسّع سيطرتها في المنطقة.
وإننا نقول: الحمد اللَّه الذي لم يجعل في الدين رجال دين يحلّون ويحرّمون ولا يحاسبون. بل جعلهم رجال علم يعلمون الحلال والحرام، يعرفون بالحق ولا يعرف الحق بهم، يؤخذ منهم ويرد عليهم. الحمد اللَّه الذي أمرنا بالرد على من خالف دينه وحاد عن شرعه، سواء أكان حاكماً أم عالماً.
ثم إن هذا الشيخ لم يتميز بسوء الفهم للإسلام بل كذلك بقباحة الرد على مخالفيه، فكان بعيداً عن الفقه الإسلامي والأدب الإسلامي معاً. فقد تهكّم من أحد المتصلين به في برنامجه على قناة دبي عندما قال له: إنه عليه الصلاة والسلام أقام دولة الإسلام في المدينة فور وصوله وطبّق فيها شرع اللَّه، وإن واجب المسلمين اليوم في العراق وما حولها مقاتلة الأميركيين المحتلين والعمل لإقامة الدولة الإسلامية. فقال له الكبيسي: «تعال وجاهد الأميركيين وحرّر العراق وسنقبّـل حذاءك». وعندما انتقدته مسلمة من بريطانيا لقوله بمواصلة جهاد النفس ضد المحتلين قال لها: «قاتلك اللَّه أيتها الخائبة».
لقد أبعد الكبيسي هذا النجعة ولا ندري على من يعتمد، وممن يأخذ زخمه!
إن موضوع الكبيسي هذا يطرح موضوعاً أنه في كل بلد من بلاد المسلمين أكثر من كبيسي.
وإننا نطمئن إلى حال الأمة الإسلامية اليوم، فهي أفضل من حال كثير من علمائها، وإننا نطمئن إلى أن المسلمين يضعون مثل هذه الآراء وراء ظهورهم ولا يقيمون لها وزناً. وإن مثل هذه الآراء تزري بصاحبها وتجعله ساقطاً في عيون المسلمين. فالمسلمون في بغداد وخارجها، عقب أول صلاة جمعة جمعوها بعد الاحتلال الأميركي للعراق خرجوا بمظاهرات ورفعوا يافطات تقول: «لا لبوش، لا لصدام، نعم للإسلام» و«لا لأميركا، لا للعلمانية، نعم لدولة إسلامية». إننا أصبحنا في زمن يحتاج العالم فيه أن يخوّف من اللَّه، وأن يذكّر بعذابه قبل غيره. ولكننا نطمئن في الوقت نفسه أن هذه الأمة مليئة بالعلماء الأتـقـيـاء الذين لا تفتح لهم الفضائيات شاشاتها، الذين يؤثرون التقوى على الظهور والمباهاة والمماراة؟
إن الغرب يريد أن يجهض حمل الخلافة، وأن يشوّه صورة العمل الإسلامي، وأن يفتّ من عضد العاملين المخلصين لإعزاز هذا الدين، من أجل ذلك اتخذ له علماء ليكونوا حجر عثرة في طريقهم إلى جانب الحكام الذين جعلهم سوطاً بيده يجلد الأمة بهم ويسومها العذاب. فكان له كارازاي وأكثر من كبيسي في كل بلد من بلاد المسلمين.
إن عزم الأمة قد انعقد على نصرة هذا الدين ولن يقف في وجهها مثبط ولا خاذل ولا مناوئ.. فقد اجتازت الأمة مرحلة الخطر، وصارت في طور عودتها إلى حياتها الإسلامية، وصار المسلمون يلمسون أن أمر اللَّه آتٍ، ووعد الاستخلاف والتمكين قائم، ولن يستطيع أن يصدّ عنه صادّ.
إن العلم الشرعي يجب أن يجرّ إلى خشية اللَّه. قال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) [فاطر/35]. لأن في مداومة العلم مداومة الاستذكار لقوة اللَّه وفضله… وتفكير بالمعاد والمصير، بالجنة والنار، فأين خشية اللَّه في قلبك يا كبيسي، خاصة وأنك في آخر عمرك.
إن العلماء الذين فسدت طبيعتهم الإسلامية ويعملون على إفساد طبيعة المسلمين الإسلامية يجب أن يقلعوا عن فكرة أنني إذا كنت لا أستطيع أن أقول الحق أن أطالب بالباطل. فإن سكوتهم، على ما فيه من كتم للحق، وعدم نصرة للدين، أخفّ ذنباً من التكلم بالباطل.
إن في كلام الكبيسي نصرة لأعداء المسلمين عليهم إذ جعل من نفسه خصيماً للكافرين. وإننا نذكره بحديث رسول اللَّه الذي أخرجه البخاري في تاريخه عن أسود بن أبي أصرم المحاربي قال: قلت يا رسول اللَّه أوصني. قال: «هل تملك لسانك؟» قلت: فما أملك إذا لم أملك لساني! قال: «فهل تملك يدك؟» قلت: فما أملك إذا لم أملك يدي! قال: «فلا تقل بلسانك إلا معروفاً، ولا تبسط يدك إلا إلى خير». وسئل رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم) عن شر الناس فقال: «العلماء إذا فسدوا». وفي الحديث الصحيح: «إن أخوف ما أخاف عليكم ثلاثة: منافق يقرأ القرآن لا يخطئ منه واواً ولا ألفاً، يجادل الناس أنه أعلم منهم ليضلهم عن الهدى، وزلة عالم، وأئمة مضلون» .
2003-07-20