الثاني عشر من ربيع الأول: يوم مولد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويوم إقامة الدولة الإسلامية الأولى زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويوم إقامة الخلافة الراشدة الأولى من بعده
2010/03/20م
المقالات, كلمات الأعداد
2,713 زيارة
الثاني عشر من ربيع الأول: يوم مولد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
ويوم إقامة الدولة الإسلامية الأولى زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
ويوم إقامة الخلافة الراشدة الأولى من بعده
في الثاني عشر من ربيع الأول من عام الفيل، كانت مكة، بل البشرية جمعاء، على موعد مع أسعد حدث لها على الإطلاق، على موعد مع مولد خير الناس وأحبهم إلى الله سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الطاهر المطهر الذي قال عن نفسه: «لا يزال الله يُخرج بي من أصلاب الطاهرين إلى فروج الطاهرات، فقد خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح»، «أنا خيار من خيار من خيار، إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، ومن إسماعيل كنانة، ومن كنانة قريش، ومن قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم»، وفي حديث يوحي إلى وجوب اجتماع البشرية على اتباعه فيما جاء به من الله تعالى، روى البيهقي (رحمه الله) عن أبي أمامة (رضي الله عنه) قال: قلت: يا رسول الله، متى بدأ أمرك؟ فقال: «أنا دعوة إبراهيم، ونبوءة موسى، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي آمنة».
فهذا الدين، وهذه الدعوة التي جاء بها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت الحلقة الأخيرة من سلسلة الدعوات الحقة التي جاء بها الأنبياء والرسل عليهم السلام من قبل. وهي الدين الخاتم. وإذا كان الله سبحانه وتعالى يرسل النور ويؤيد بالحق كل رسول ونبي يرسله فيضيء به جنبات ما يرسل إليه، فإن سيدنا محمد مما فضل عليهم به أن نور رسالته يضيء جنبات الكون كله إذ أرسله الله سبحانه للناس كافةً بشيراً ونذيراً، ولن ينفك أحد من البشر من الحساب عن سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذه الدعوة محفوظة فما جاء به سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من دين حفظه الله بنصوصه ولا يمكن أن تمتد إليه يد التحريف والتبديل وذلك تحدياً من الله تعالى.
في الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الثالثة عشرة من البعثة، وكان يوم جمعة، كان يوم وصول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه صاحبه أبو بكر (رضي الله عنه) إلى المدينة من هجرته، وكان يوماً تاريخياً أعز الله فيه الإسلام بإقامة دولته الأولى على يد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وصحبه (رضي الله عنهم)، ولشدة أهمية هذا اليوم اتخذ المسلمون من السنة التي تمت فيها الهجرة بداية التأريخ الإسلامي والتقويم الهجري، وقد لخص سيدنا عمر (رضي الله عنه) هذا الموقف بقوله: «ذاك يوم نصر الله فيه الحق وأزهق الباطل.
ويومها خرجت المدينة تستقبل وافد الخير ليدخلها وسط أصوات التحميد والتقديس والارتجاز من بنات الأنصار بكلمات لله درها من كلمات:
طلع البدر علينا
وجب الشكر علينا
أيها المبعوث فينا
جئت شرفت المدينة
|
|
من ثنيات الوداع
ما دعا لله داع
جئت بالأمر المطاع
مرحباً يا خير داع
|
في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشر من الهجرة كان يوم وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في ضحاه، فقد فارق الحياة مختاراً الرفيق الأعلى، ولكم كان يوماً ثقيلاً على الصحابة الكرام، ولكن أصحاب الفهم المشرق هؤلاء، والالتزام الحق بالإسلام لم يشاؤوا أن يمر هذا اليوم من غير أن يختاروا خليفة يخلف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحكم، فتركوا أشرف الخلق وأحبهم إلى نفوسهم مسجّى في فراشه الشريف ليختاروا خليفة لهم في نفس اليوم حيث بويع أبو بكر (رضي الله عنه) بيعة انعقاد ليبايعه المسلمون في اليوم التالي بيعة طاعة. وهكذا جعل المسلمون من هذا اليوم الثقيل، لوفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه، يوم إقامة الخلافة الراشدة الأولى أفضل عهد مر به المسلمون بعد عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحكم والتطبيق ونشرالإسلام بالجهاد والدعوة.
وهكذا نجد أنه في مثل هذا اليوم شهد المسلمون مولد الإسلام بمولد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومولد الدولة الإسلامية الأولى على يد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومولد الخلافة الراشدة الأولى باستخلاف أبي بكر (رضي الله عنه). ذكر البخاري عن أنس «إن المسلمين بينا هم في صلاة الفجر يوم الاثنين [وهو الثاني عشر من ربيع الأول أي يوم الوفاة] وأبو بكر يصلي بهم لم يفجأهم إلا رسول الله كَشفَ ستر حجر عائشة فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة، ثم تبسم يضحك، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد أن يخرج إلى الصلاة فقال أنس: وهمّ المسلمون أن يفتنوا في صلاتهم فرحاً برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأشار إليهم بيده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر، ثم لم يأتِ على رسول الله وقت صلاة أخرى» وهكذا قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو مطمئن إلى اجتماع المسلمين على أمر الله في الصلاة بإمامة أبي بكر (رضي الله عنه). واستمر أمر الدين وحمل الدعوة على نفس ما كان عليه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد أنفذ أبو بكر بعث أسامة الذي جهزه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل مرض وفاته في صفر من السنة الحادية عشرة، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين لإرهاب الروم وإعادة الثقة إلى قلوب القبائل العربية الضاربة على الحدود…
إن الصحابة (رضي الله عنهم) لم يتخذوا من مولد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم عيد وفرح يكرمون ذكراه في كل عام، ولم يجعلوا من يوم وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم عزاء سنوي، بل مضى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الرفيق الأعلى ليشق المسلمون بعده الطريق التي رسمها لهم في إقامة الدين ونشره بالجهاد والدعوة. ولما كان الدين من عند رب العالمين ويقوم على ما يحكم به الله تعالى وحده، فعلى المسلمين أن لا يحدثوا في ذلك حدثاً، بل يجب أن يتعاملوا مع هذا الدين كما تعامل معه الصحابة الكرام. يجب أن ينظر إليه كما ذكرت الآية (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران 144] يجب أن ينظر إليه المسلمون كما قال أنس بن النضر في غزوة أحد وقد أشيع حينها أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد مات: «اذهبوا وموتوا على ما مات عليه».
هكذا يجب أن ينظر المسلمون إلى مثل هذا اليوم، ويجعلوا منه يوماً لإقامة الدين، إن الله سبحانه لا يرضيه من المسلمين أن يفصلوا الأحداث الإسلامية عن غاياتها، لا يرضيه أن نتذكر مولد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) دون أن نتذكر لم جاء له؟ وما الذي أمر به، وما الذي قام به؟ وما الذي جاهد عليه؟ إن أجمل هدية يقدمها المسلمون لنبيهم الكريم هو أن يجعلوا هذه الذكرى هو يوم تعاهد على جعل يوم مولده يوم مولد للخلافة الراشدة الثانية التي وعد بها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه بها. اجعلوا الرسول يبتسم ثم يضحك في قبره كما تبسم وضحك يوم رأى المسلمين مجتمعين على إمامة أبي بكر (رضي الله عنه) في الصلاة.
لقد سجل المسلمون لرسولهم الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أسماء عديدة وهي أسماء مشتقة من صفات قائمة به (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا تذكروا بعضها وتنسوا بعضها. فهو نبي الرحمة ونبي الملحمة الذي بعث بجهاد الأعداء، وهو الماحي الذي محا الله به الكفر، وهو الفاتح الذي فتح الله سبحانه وتعالى به أمصار الكفار كما فتح به القلوب والأبصار، وهو الكامل المكمل المؤيد بشريعة هي أمانة في رقاب المؤمنين على أن يؤدوها للعالم كافة.
إن إكرام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يكون باتباعه، ومن سار على دربه فاز بقربه، روى البيهقي أن رجلاً من أهل بغداد سأل أبا عثمان الواعظ: متى يكون الرجل صادقاً في حب مولاه؟ فقال: إذا خلا من خلافه كان صادقاً في حبه، فوضع الرجل التراب على رأسه، وصاح وقال: كيف أدعي حبه ولم أخلُ طرفة عين من خلافه، فبكى أبو عثمان وأهل المجلس، وصار أبو عثمان يقول في بكائه: «صادق في حبه، مقصر في حبه» هذا هو واقع المسلمين اليوم يحبون رسولهم (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يسيرون سيرته.
إن إكرام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يكون باتباعه تماماً على الذي أنزل الله تعالى.
فليعنَ المسلمون اليوم، إكراماً لمولد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) واقتداءً بسيرته وسيرة السلف الصالح، بإقامة الخلافة الإسلامية الراشدة الثانية التي أظل زمانها، وآن أوانها. إنه المشروع المستقبلي الكبير للعالم، يجب أن يعمل المسلمون له عن إدراك أن دينهم هو المخلّص لهم وللعالم أجمعين، وليعلموا أن الكفار ينتظرونه من غير معرفة وإدراك من هو الدين الصحيح ولكنهم يشعرون بالحاجة الماسة إليه بعد طول عناء ومكابدة جراء تطبيق الفكر الرأسمالي المتوحش عليهم… إن من يعمل كما عمل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى طريقته يستحق هذه البشرى.
اللهم اجعلنا أهلها والعاملين المقبولين لها والأحق بها، إنك سميع قريب مجيب، وعلى الله قصد السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
2010-03-20