صندوق النقد والبنك الدوليان وسيلتان ماليتان للاستعمار الأميركي الجديد
2002/10/19م
المقالات
2,167 زيارة
صندوق النقد والبنك الدوليان
وسيلتان ماليتان للاستعمار الأميركي الجديد
مؤتمران مهمان انعقدا في نهاية الحرب العالمية الثانية:
الأول: سياسي، وهو مؤتمر يالطا، والذي بموجبه تم تقسيم تركة الحرب بين الحلفاء.
الثاني: اقتصادي، وهو مؤتمر (بريتون وودز) وهو الذي أفرز صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
انعقد هذا المؤتمر المالي والنقدي في منطقة بريتون وودز في ولاية نيو هامبشير في الولايات المتحدة الأميركية في 22 تموز(يوليو) سنة 1944م، حضره ممثلو (44) دولة، إضافة إلى مجموعة من الخبراء الاقتصاديين الكبار، وعلى رأسهم اللورد كينز البريطاني، والأستاذ هاري وايت الأميركي.
والصندوق تم التصديق على إنشائه في كانون الأول (ديسمبر) سنة 1945، وبدأ بمزاولة أعماله في آذار (مارس) سنة 1947 وبلغ عدد أعضائه آنذاك 49 عضواً، وكانت باكورة أعماله تثبيت عملات 32 دولة عضواً فيه. وفي آذار سنة 1974 بلغ عدد الدول الأعضاء 154 دولة، وارتفع هذا العدد إلى 182 دولة بعد انضمام روسبا وعدد من دول أوروبا الشرقية.
فالقيادة المركزية للنظام الاقتصادي العالمي تتمثل في ثلاث ركائز: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وأُضيف إليهما منظمة التجارة الدولية.
ولكن صندوق النقد الدولي يختلف عن جميع المؤسسات الدولية بفارق كبير وأساسي، يكمن في امتلاكه لسلطة وأدوات يستطيع بها فرض قراراته على جميع أعضائه. وبما أن جميع النشاطات الاقتصادية تدخل في مجال عمل الصندوق، فإن آثار قراراته تمتد لتشمل جميع دول العالم، ويكون دوره شديد الأهمية بالنسبة للدول النامية، حيث إن الصندوق هو أهم مفاتيح السياسة الداخلية والخارجية، ويفرغ استقلال هذه الدول من جوهره الحقيقي، ليحوله إلى مجرد استقلال نظري أجوف، ويُدخلها في إطار نظام التبعية.
وصندوق النقد الدولي وإن كان هو القلب النابض المحرك للنظام النقدي الدولي، فإنه في حقيقته هو الأداة الرئيسة لتنفيذ عملية الانتقال إلى الاستعمارالجديد، والمحافظة عليه، وبالنظرة العميقة إلى بنود ميثاق الصندرق يتبين أنه إنما وُجد لخدمة الدول الاستعمارية عموماً والولايات المتحدة بشكل خاص في سعيها لتنفيذ مخططها الجديد الذي رسمته في نهاية الحرب العالمية الثانية لاستغلال العالم الثالث أولاً، ثم تكريس سيادنها لتكون هي الدولة الأولى في العالم. فكان البنك الدولي توأماً للصندوق تولدا من رحم بريتون وودز. ثم جيء بمنظمة التجارة الدولية، لتكوّن إطاراً شرعياً تدور في داخله بقية الدول الأعضاء في المنظمة الدولية.
والإطار الذي تتحرك فيه الهيكلية الاقتصادية في العالم هو قاعدة تشغيل المال بالمال، فكان الاهتمام منصباً على تنمية (رأس المال المالي) وأصبح (رأس المال التجاري) ثانوياً. فتنمية رأس المال المالي مضمونة مرابحها ولا تلحقها الخسارة البتة. أما تشغيل رأس المال التجاري، فإنه من الممكن أن تكون مرابحه طائلة، ولكن لا ضمانة لعدم تعرضه للخسارة. ومرابح رأس المال المالي تتجلى في الفوائد الربوية، ولذلك وجدت التسهيلات الائتمانية بكافة أنواعها، وكلها تقوم على الاقتراض بفوائد ربوية، مع وجود ضمانات وتوثيقات لسلامة هذه القروض ثم سدادها في موعدها.
وكونت رأساً هرمياً أركانه وقواعده التحتية هي هذه المجالات والمواقع التي ترسي فيها هذه القروض. فمن هذه المواقع والقروض أو الأرضية التحتية التي تصبح محلاًّ لتشغيل هذه القروض أو استثمارها ميزانيات الدول الضعيفة سواء ميزان المدفوعات أو الميزان التجاري ثم المنشآت التحتية كالموانئ والمطارات والمصانع الكبرى، ثم العمل في أسواق المال والبورصات، ورائد كل هذه التحركات هو تحصيل الفوائد الربوية مع ضمانة سداد رأس المال. وظاهرة الديون على الدول النامية وجدولة هذه الديون كانت تعبر أصدق تعبير عن عن مدى الجشع القاتل الماحق فيما يتركه من آثار تدميرية لتلك الدول الضعيفة، ثم وقوعها في أزمات اقتصادية تؤدي إلى اضطرابات وتحركات جماهيرية، وتترك البلد يعيش في مشاكله طيلة بقائه، ناهيك عن الفقر والذل والتبعية وظلم الحكام، وتسلط المتنفذين.
كل هذا وصندوق النقد الدولي في وسط المعركة، فهو أكبر مؤسسات التآمر، وهو الذي يعطي شهادة حسن سيرة وسلوك، تؤهل البلد المقترض لأخذ القروض، كما إن شهادة الصندوق هذه هي التي تعطي الموافقة لنوادي المال بجدولة ديون البلد الذي يعجز عن السداد.
ولا يمنح الصندوق هذه الشهادة إلا بعد تدخلات ومفاوضات مع البلد المدين والخضوع إلى شروط الصندوق التي يفرضها كبرنامج للإصلاح الاقتصادي في البلد ذاته وهذه الشروط هي التي تؤدي بالبلد إلى الدمار والخراب.
وبعثات صندوق النقد الدولي تجوب الأقطار لِلمراقبة والتفتيش والمحاسبة والاطلاع على كل برامج الاقتصاد في البلد ودراسة التقارير عن النفقات والمدخولات لميزانيات تلك الأقطار. فالصندوق هو عبارة عن شرطي الاقتصاد العالمي، يتحرك لمصلحة أميركا والدول الصناعية الكبرى. فتحركه سياسي أكثر منه اقتصادي أو مالي، ويشارك بعثات الصندوق أعضاء من موظفي البنك الدولي، حيث يتم التنسيق والتعاون بينهما.
عضوية الصندوق:
الأعضاء المشاركون في الصندوق، هم الأعضاء المشاركون في البنك الدولي، ولا تُقبل عضوية أية دولة في أحدهما إلا بالعضوية في المؤسسة الثانية. وجميع الدول الموقعة على ميثاق الأمم المتحدة، هي نفسها الأعضاء في المؤسستين: الصندوق والبنك، باستثناء دول المنظومة الاشتراكية حتى بداية التسعينيات.
وينص نظام التصويت القائم في صندوق النقد الدولي على أن لكل دولة (250) صوتاً، يضاف إليها (10) أصوات عن كل مليون دولار إضافية في مساهمتها، وبالتالي كلما تعاظم حجم مساهمة الدولة ازدادت قوتها التصويتية، أي أن المانحين الرئيسيين للأموال يمتلكون سلطة اتخاذ القرار في الصندوق. وهكذا فإن الولايات المتحدة الأميركية تمتلك 17.35٪ من الأصوات، واليابان تمتلك 6.23٪ من الأصوات، وأوروبا مجتمعة 35٪.
وظائف الصندوق:
1 – الرقابة على تثبيت أسعار الصرف: يقوم الصندوق بالرقابة الشديدة على سياسات الصرف التي يتبعها الأعضاء، ولهذه الرقابة أسلوبان، الأول: تحديد المعايير التي يفترض أن يكون السلوك الاقتصادي والمالي للدولة العضو مطابقاً لها.
الثاني: التأكد عن طريق الفحص الدقيق والمشاورات والمناقشات أن العضو المعني ملتزم بتطبيق تلك المعايير. وعلى كل عضو أن يتعهد بصفة خاصة بالآتي:
أ – السعي إلى توجيه سياساته الاقتصادية والمالية نحو هدف دعم النمو الاقتصادي المنظم في ظل ثبات معقول للأسعار.
ب – السعي إلى دعم الاستقرار الدولي بتعزيز الشروط الاقتصادية والمالية الأساسية بطريقة منظمة، ونظام نقدي لا يتجه إلى خلق اضطرابات.
ج – تجنب التلاعب في أسعار الصرف أو النظام النقدي الدولي.
د – اتباع سياسات الصرف التي تتفق مع التعهدات الواردة في النظام الأساسي للصندوق، وإجراءات الصرف المحددة.
أما الرقابة التي يقوم بها الصندوق، فتتم على أساسين: ثنائي وجماعي. فالأساس الثنائي يكون بين الصندوق والدولة العضو، حيث تقوم بينهما مناقشات تتسم بالسرية التامة يحرص فيها خبراء الصندوق وفنيوه على تحليل ودراسة سياسات الدولة العضو الاقتصادية، وأوضاعها المالية، والتأكد من مدى مظابقتها لقواعد السلوك الدولي، وتبرَّر هذه السرية بالحرص على سلامة القرارات الاقتصادية التي تتخذ بشأن الدولة.
وهذا في حقيقته يضع الصندوق في موضع الاتهام بالتدخل في الشؤون الداخلية للدولة العضو، وفرض كثير من القرارات المالية والاقتصادية، وإخضاعها للشروط في ظل هذه السرية، خاصةً وأن الصندوق يباشر المناقشات الثنائية بصفة دورية.
وهناك رقابة جماعية، تكون على شكل تنسيق السياسات بين الدول الصناعية الكبرى، ووضع المعالم والموجِّهات التي تحكم سير النظام النقدي الدولي، وبالتالي تكون هذه الرقابة خالية من الفحص الذي يتم لاقتصاد الدول النامية؛ ولا تخضع الدول الصناعية الكبرى لأية مساءلة من جانب الصندوق.
وهناك لجنة (التنمية) وهي من اللجان المتفرعة عن الصندوق، وهي لجنة وزارية مشتركة بين الصندوق والبنك الدولي، وتقوم بدراسة نقل الموارد الحقيقية اللازمة للدول النامية من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية، والتغلب على المشاكل التي تواجه سير نموها الاقتصادي.
نشأت الحاجة لإيجاد هاتين المؤسستين من ضرورة وجود نظام اقتصادي عالمي يضمن ترتيب عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، على أساس جديد يشمل النواحي التجارية، والمالية، والنقدية. وحاولت أميركا أن تفرض تصوراتها عند تصميم مشروعات اتفاقية بريتون وودز، وتستغل نفوذها الاقتصادي والسياسي الكبيرين لتحقيق السيطرة التامة من خلال المؤسسات الدولية، ما يضمن لها الاستقرار ويخدم أهدافها الاستراتيجية التي كان من بينها يومئذٍ إعادة إعمار أوروبا التي دمرتها الحرب للاستعانة بها في الصراع مع الاتحاد السوفييتي، وتعزيز دورها التجاري، وتوسيع نفوذها في المناطق التي كانت تحت سيطرة الحلفاء الأوروبيين.
ولصندوق النقد الدولي وظائف تمويلية تتمثل في مد أعضائه بوسائل الدفع الدولية سواءً كان ذلك في شكل قروض أو تسهيلات ائتمانية، لمواجهة الاختلال الطارئ في موازين المدفوعات على المدى القصير.
وتتمثل الوسائل التمويلية للصندوق في:
1 – حقوق السحب العادية (العامة).
2 – حقوق السحب الخاصة.
والتسهيلات الائتمانية في مجملها تتمثل في حوالي اثنتي عشرة حالة.
وأما موارد الصندوق: فإنه غالباً ما يربط الصندوق بين الاستفادة من تسهيلاته التمويلية، وبين التزام الدولة المستفيدة ببرنامج للتصحيح الاقتصادي، يستند إلى رؤية خبراء الصندوق. وتكلفة هذه البرامج باهظة لأنها لا تراعي متطلبات التنمية، وطبيعة المشكلات الاقتصادية الهيكلية.
وتكون تسهيلات الصندوق قصيرة الأجل، ولعلاج المشكلات الطارئة، بينما معظم الدول النامية تكون في حاجة ملحة لتمويل طويل الأجل.
كما أن حجم الموارد المالية المتاحة للدول النامية بموجب الاتفاقيات الائتمانية غير كافٍ لأنه مرهون بحجم حصة العضو. ومعلوم أن حصص الدول النامية تكون ضئيلة ولا تلبي احتياجاتها المالية.
وهناك شروط تفرض عند سداد قيمة التسهيلات والموارد التي اقترضت، ويطلب من الدولة المستفيدة أن تتعهد بالسداد وفق برنامج زمني معين، وإلا واجهت عقوبات صارمة بوصفها دولة غير متعاونة أو غير مؤهلة، وذلك يعني حرمانها من أية قروض أخرى، وكذلك منع مصادر التمويل الأخرى من إقراضها.
ولكن حدثت تطورات مهمة في نظام صندوق النقد الدولي وكان لها انعكاساتها على الوظائف التي يقوم بها. وتتلخص في النقاط التالية:
أولاً: بدأ الصندوق يزاول أعماله في 1/3/1947 بعد أن أكملت الدول الأعضاء سداد حصصها، وتحديد سعر التعادل الذهبي للعملات. وكان النظام النقدي وقتئذٍ يقوم على قاعدة الدولار الذهبي، فهو العملة الرئيسية التي تستخدم في تسوية المدفوعات الدولية، وتستعملها السلطات النقدية في جميع الدول للتدخل في أسواق الصرف الأجنبي، كما أنه العملة الاحتياطية لكل الدول.
ثانياً: في سنة 1961 قام الصندوق بدور الوسيط بين مجموعة عشر دول صناعية في عملية إقراض متبادل فيما بينها، وهي مجموعة نادي باريس الدولي. والقروض التي تقدم لا تستفيد منها إلا أعضاء هذه المجموعة. ويكون دور الصندوق كضامن القروض الممنوحة التي تتراوح بين 3-5 سنوات بفائدة منخفضة. وواضح أن الغرض من هذه الترتيبات العامة للاقتراض هو معالجة المشاكل الخاصة للبلدان الصناعية، وتوفير السيولة الدولية من العملات الرئيسية، وضمان سلامة النظام النقدي الدولي. حيث صار لمجموعة بلدان نادي باريس دور متعاظم في النظام العالمي*.
ثالثاً: في 15 آب سنة 1971 أعلنت الولايات المتحدة الأميركية إنهاء قابلية تحويل الدولار الورقي إلى ذهب أو أية أصول احتياطية أخرى، وقصدت أميركا معالجة مشاكلها على حساب الدول الأخرى، وحافظت على دورها الاقتصادي في النظام الدولي بالإبقاء على الدولار الورقي.
ومنذ بداية عقد الثمانينيات كان هناك خصائص جديدة لصندوق النقد الدولي:
مثلاً عندما واجهت المكسيك مشكلة عدم القدرة على سداد دينها الخارجي البالغ (80) مليار دولار سنة 1982 تدخّل صندوق النقد الدولي لإنقاذها من الإفلاس، وإنقاذ البنوك التجارية الأميركية والأوروبية الدائنة لها من الانهيار، واستطاع الصندوق أن يقنع الأطراف صاحبة المصلحة بضرورة حل الأزمة، وذلك بأن يقدم الدائنون قروضاً جديدة للمكسيك حتى تستطيع أن تسدد الدين المستحق عليها، وبالمقابل تتعهد المكسيك بتنفيذ برنامج التصحيح الاقتصادي، ومن خلاله تعود الثقة في قدرة المكسيك على سداد الدين.
وبعد هذه التجربة الجديدة صار صندوق النقد الدولي يشترط الجمع بين توفير التمويل الجديد، وإعادة جدولة الديون التجارية والقروض الإسعافية وبرنامج التصحيح الاقتصادي فيما يسميه بـ (رابطة الإنقاذ) وهذا ما يعرف بالدور التحفيزي لصندوق النقد الدولي، حيث يقوم بدور الوسيط لدى مصادر التمويل الأخرى وإقناعها بتقديم موارد مالية ومساعدات للدولة المدينة، وصارت مصادر التمويل الأخرى مثل البنوك التجارية والحكومية الدائنة، وبنك التسويات الدولية تشترط شهادة حسن سيرة وسلوك من صندوق النقد الدولي عندما تتقدم أية دولة بطلب الاقتراض.
لذلك لا تستطيع أية دولة أن تلجأ إلى نادي باريس لجدولة ديونها إلا بالحصول على شهادة حسن سيرة وسلوك من الصندوق، وهذا ما سماه بعض الاقتصاديين بدور الشرطي في النظام المالي العالمي.
إن مكمن الخطر في البرامج التي يعدها صندوق النقد الدولي خاصة إذا علمنا أن الدول الصناعية ذات الوزن الاقتصادي والسياسي المسيطر على العالم، هي التي تفرض البيئة الاقتصادية بالقدر الذي يجعل الدول النامية تدور في فلكها، ولا تنفك عنها المشكلات المزمنة، كما أن الدول الكبرى تسعى لأن تجعل شبكة العلاقات التجارية والنقدية والمالية الدولية خادمة لاقتصادياتها، مما يكرس وضع التخلف والتبعية الذي تعيشه الدول النامية.
وهناك تنسيق وتعاون بين المؤسسات الدولية. وقد ظهر هذا التعاون جلياً بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات التابعة له، وأصبح هناك تكامل وتنسيق تام بينهما. فمثلاً تشترط المؤسستان الصندوق والبنك الدوليان عند تصميم برامج اقتصادية في ظل التسهيلات التمويلية، بغرض التصحيح الهيكلي، ضرورة الاتفاق مع العضو حول السياسات المطلوب اتباعها. وعلى ضوء ذلك يتحدد التمويل المسموح من المؤسستين، كما يشارك خبراء الصندوق ضمن بعثات البنك الدولي الفنية الموفدة للبلاد النامية. وكذلك عند وضع برامج الإصلاح متوسطة الأجل. وهناك أيضاً تعاون بين موظفي الصندوق ونظرائهم في منظمة العمل الدولية واليونيسيف.، وتجمع بينهم اجتماعات لمناقشة القضايا المشتركة.
ولقد أخذ الصندوق يتشدد في فرض شروط صارمة وواسعة عندما يود أي عضو أن يستفيد من التسهيلات التي يقدمها، ويشترط الصندوق اتفاق الدولة العضو وخبراء الصندوق الذين يقومون بتصميم برامج التصحيح الاقتصادي، وقد يستعينون بالفنيين من البنك الدولي، ولا بد أن يكون تقديم أية قروض من الصندوق والبنك الدولي مرتبطاً بتنفيذ الدولة لما ورد في وثيقة التصحيح وتسمى ورقة (سياسات التصحيح والتكيف) وتحاول هذه السياسات أن تضع اقتصاد الدولة النامية متكاملاً بدرجة مترابطة وقوية مع الاقتصاد العالمي، الأمر الذي يساهم في إيجاد اقتصاد عالمي يجمع كل الدول تحت مظلة الرأسمالية التي تعتبر أن السوق هي الأداة الرئيسية القادرة على تخصيص الموارد الاقتصادية.
وللبنك الدولي روابط دستورية وعلاقات عمل وثيقة مع الصندوق، وهما يعقدان معاً اجتماعات سنوية مشتركة.
أما البنك الدولي:
فقد كانت فكرة تأسيسه سابقة لتأسيس الصندوق، وكان عمله أشمل من عمل الصندوق، إذ إن الصندوق كان عمله منحصراً في متطلبات الدول الغنية واهتماماته منصبة على تنظيم مصالحها التجارية والمالية، ولم يتحول إلى مشاكل الدول النامية إلا بعد الستينيات.
وأما البنك الدولي، فإن فكرة إنشائه كانت مرتبطة بالدمار الذي أتى على البنى الأساسية في القارة الأوروبية، ثم إعطاء القروض لبناء الصناعات ومشروعات التنمية وإقامة مشاريع البنى التحتية ولم يكن اهتمامه بالدول الكبرى الغنية والصناعية كالصندوق وإنما كان اهتمامه منسحباً على جميع الدول الغنية والنامية.
المراحل التي يمر بها القرض من البنك:
إن أول خطوة على طريق الاستجابة من قبل البنك لطلب العون المالي الذي يتقدم به بلد ما، هي قيام البنك بدراسة شاملة لاقتصاد هذا البلد، وهذه تأخذ صورة (تقرير اقتصادي) ويتخذ أساساً لقرارات البنك فيما يتعلق بالمعونة المالية والفنية التي تُؤدى للدولة، ويجري تحديث التقرير بين حين وآخر. وهو يعد وثيقة أساسية لوكالات التمويل، ويوضع برنامج عمليات البنك وهيئة التنمية الدولية على أساسه. هذا وتبدأ عمليات البنك في الدولة المعنية بالتعرف على المشروعات بوساطة بعثة يطلق عليها (بعثة التعرف على المشروعات) ويتلو ذلك إعداد المشروعات بوساطة (بعثة إعداد المشروعات) ثم تتم بعد ذلك عملية التقييم بوساطة (بعثة التقييم) وتجري مناقشة تقرير هذه البعثة مع المسؤولين المختصين في الحكومة، وبعد أن يتفق البنك والمقترض على كافة العناصر، تبدأ المفاوضات الخاصة بالقرض بوساطة (بعثة التفاوض بشأن القرض) يقدم بعدها رئيس البنك تقريراً عن القرض إلى المديرين التنفيذيين، وفي حالة موافقتهم يجري التوقيع على اتفاقية القرض الذي تسجل مستنداته لدى الأمم المتحدة، وتصبح سارية المفعول بعد ستين يوماً من تاريخ التوقيع على الاتفاقية، ويبدأ احتساب رسوم الارتباط من هذا التاريخ، كما يبدأ دور المقترض بأن يقوم بإعداد مواصفات المعدات والخدمات المطلوبة للمشروع، وعرض العقود في مناقصة دولية، وفقاً للقواعد والإجراءات الموضوعة من البنك.
ويتبع البنك الدولي منظمتان ماليتان دوليتان هما: (هيئة التنمية الدولية) و(مؤسسة التمويل الدولية) كما يتبعه المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار. وتسمى هذه مع البنك (مجموعة البنك الدولي).
يشترط البنك أن يتم سداد القرض على (20) سنة بفائدة تحدد حسب الأسعار السائدة في الأسواق المالية (8٪) مثلاً أو أكثر أو أقل. ويركز البنك نشاطه على الدول النامية، على أن تكون على درجة من القوة الاقتصادية التي تمكنها من تمويل مشروعاتها الائتمانية من مواردها.
استقر الاتفاق على أن يتكون رأسمال البنك من (10) بلايين دولار. وينقسم اكتتاب كل دولة عضو إلى قسمين:
القسم الأول: هو عبارة عن 20٪ من قيمة الاكتتاب، ومن هذه النسبة 2٪ تدفع بالذهب أو بالدولار.
أما النسبة البالغة 18٪ فتبقى تحت طلب البنك وتدفع بعملة العضو.
القسم الثاني: وهو عبارة عن 80٪ من قيمة الاكتتاب. وهذا المبلغ لا يطلب إلا عندما يحتاج إليه البنك لمواجهة التزاماته الناشئة عما يكون قد اقترضه لمصلحة دولة ما، أو عما يكون قد ضمنه من قروض، ويكون الدفع بالدولار أو بالعملة اللازمة لكي يواجه بها البنك تلك الالتزامات.
ورأسمال البنك القابل للاستدعاء هو الـ (80٪) من اكتتاب الأعضاء المضمون في يد البنك، يستدعيه أي يأخذه ويحصله متى يشاء.
الأعضاء في البنك الدولي ينقسمون إلى قسمين:
القسم الأول: هي الدول التي تسمى دول الفائض.
القسم الثاني: هي الدول التي تسمى دول العجز.
وعلى خلاف منظمات الأمم المتحدة – وإن كان البنك منظمة حكومية – فإن حقوق الدول الأعضاء غير متساوية حيث إن حقوق التصويت تتحدد بمدى مساهمتها في رأسمال البنك، الأمر الذي يتحدد وفقاً لمعايير معقدة تأخذ في الاعتبار الوزن الاقتصادي للدول. لذلك فإن الدول الصناعية الكبيرة تتمتع بقوة تصويت كبيرة تمكنها من السيطرة الفعلية على مقدرات البنك. فخمس دول (الولايات المتحدة الأميركية واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا) تتمتع بما يقرب من 42 في المائة من رأس المال، وبالتالي من الأصوات. وتتمتع الولايات المتحدة بدور متميز في إدارة البنك، ليس فقط لأنها تملك أكبر حصة (حوالي 18٪) وكانت في البداية تملك حوالي (27٪) بل لوجود مقر البنك في واشنطن، والاتفاق غير المكتوب بأن يكون رئيس البنك أميركياً ترشحه الحكومة الأميركية. ومبنى البنك الدولي هو مبنى صندوق النقد الدولي.
فالمؤسستان الصندوق والبنك، ما كان وجودهما إلا ليضمن مصالح الدول الغنية الكبرى. فهما مؤسستان يتركز فيهما تجمع المال، وهذا المال بدوره يتحرك لمصالح الدول الغنية على شكل قروض ربوية دورية، حسب نظام كل مؤسسة منهما، وتقوم المؤسستان بدورهما الاقتراضي.
فالبنك كما يمنح القروض فإنه يقترض أيضاً، ويبيع البنك أسهمه في الأسواق العالمية. ويغطي البنك موجوداته بأن يبيع إلى المستثمرين الخارجيين السندات التي يتلقاها من المقترضين. وكل ذلك يتم بطرق المعاملات الربوية، فيكون الربا هو المحرك لدورة المال والاقتصاد والتجارة في العالم.
أما الناحية الثانية: فإن عمل المؤسستين هو عمل سياسي بوسائل مالية، وذلك بدعم اقتصاد الدول الكبرى، ليتسع ويشمل مناطق عديدة في العالم، فتكون الدول النامية هي الضحية، لأنها ستكون عبارة عن ساحات مفتوحة لتنمية أموال المستثمرين من الدول الغنية، هذا مع استئثارها بالخامات والثروات الطبيعية، وعلى رأسها البترول، وهذا يقتضي أن تحمل هذه البلدان التبعية، وتكون مجالاً للمنافسة، ومحلاً للصراع على النفوذ وأسواقاً مفتوحة لمؤسسات الإنتاج الغربية. ويقتضي كل هذا أن تتكيف الإدارة السياسية في البلد لما فيه ضمانة حرية السوق وحرية الدخول والخروج للأموال المستثمرة، وهنا تكمن التبعية والخضوع للنفوذ والسيطرة. بل هذا ما يسمى بالاستعمار الجديد.
جاء الإسلام رسالة عالمية للناس كافة، وبدأت الفتوحات الإسلامية لنشر هذا المبدأ وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وضمان الحياة الهنيئة في الدنيا والسعادة في الآخرة.
دخل الناس في دين الله أفواجاً في مشارق الأرض ومغاربها، واجتمعوا على عقيدة واحدة صحيحة، وذابت القوميات وتلاشت الفوارق الطبقية، ووضعت شؤون المال وأحكام الاقتصاد في موضعها، فما كان هناك من غني متكبر ولا فقير مستذل.
إنهم كانوا يدركون معنى قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» وكانوا يدركون قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «والله لا يؤمن من بات شبعاناً وجاره جائع وهو يعلم» وكانوا يدركون معنى قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «من ترك مالاً فلورثته ومن ترك كلأً فلبيت المال».
إن حرمة الربا صريحة في القرآن الكريم: (وأحل الله البيع وحرم الربا) [البقرة/275]، وحرمة كنز المال صريحة في القرآن الكريم: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) [التوبة]، وحرمة تداول المال بين فئة الأغنياء صريحة في القرآن الكريم: (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) [الحشر/7].
بعد هذا لا مجال لوجود احتكارات ضخمة، ولا لوجود ديون تستغرق الإنتاج المحلي أقساطها وفوائدها. ولا وجود لفئة تتربع على عرش المال والاقتصاد، وبقية العالم يئن تحت وطأة الجوع والفقر والذل.
وتحقيق كل ذلك مرهون بإعلان الخلافة وتطبيق الأحكام الشرعية، والتقيد بالحلال والحرام، والتطلُّع لليوم الآخر عند العمل للدنيا.
والله وعد بإظهار دينه على الدين كله، ووعد بنصر عباده المؤمنين العاملين. فهيئوا أنفسكم أيها المسلمون لتحقيق هذه المهمة وإنجاز هذا الواجب والفوز بنصر الله في الدنيا، ونعيم الجنة في الآخرة .
أبو غازي
* دول نادي باريس هي: أميركا، إنجلترا، ألمانيا، فرنسا، اليابان، إيطاليا، كندا، هولندا، بلجيكا، والسويد.
2002-10-19