كلمة الوعي: تسخين جبهة كشمير هل هو: مقدمة لتحريرها أو للمساومة عليها؟
2002/06/19م
المقالات, كلمات الأعداد
1,767 زيارة
إن المتتبع للحلول التي تعرض لقضايا المسلمين منذ القضاء على الخلافة أوائل القرن الماضي، وإلى يومنا هذا، يجد أن هذه الحلول تدار بطريقة عجيبة غريبة، ومريبة. إنّ هذه الحلول يطلقها أولاً الكفار المستعمرون، ثم يتلقفها عملاؤهم من الحكام في بلاد المسلمين، فيقومون بتسويقها في المنطقة بالترغيب والترهيب لتؤتي الثمار التي خطط لها الكافر المستعمر، وتكون بالمقاس الذي رسمه وصمّمه، بعيدة عن الصواب كل البعد، مجاوزةً للحق كل المجاوزة، رائحة الخيانة تنبعث منها، ومع ذلك يستمر العمل فيها على مرأى ومسمع من الأمّة، يحرسها المتسلطون على رقابها. تارةً بالتضليل من الأقوال، وأخرى بخبث الفعال. فإذا وعت الأمة وتحركت، لا بل إذا تململت قمعوها، وكمّموا أفواهها، وعدّوا هذا الفعل منها إرهاباً، وتخريباً، وخروجاً عن الأمن والنظام وسيادة القانون.
كما أن المتتبع لما يخططه الكافر المستعمر من حل يجده لا يخرج عن تفكيك بلاد المسلمين، وتجزئتها، واقتطاع أجزاء منها هنا وهناك، تصغر أو تكبر حسب تهيئة الظروف المناسبة، ودرجة الترويض الملائمة التي يقوم بها عملاؤهم، ثم وضع هذه الأجزاء تحت سلطة الكفر وأهله، ومن بعدُ التفاوض معه، والصلح والاعتراف به، وجعله عضواً فاعلاً في المنطقة.
وأصدق مثال على ما نقول قضيتان تحركتا خلال القرن المنصرم وتفاعلتا بقوة في منتصفه، ولا زالتا ماثلتين حتى اليوم وهما: فلسطين وكشمير.
أما فلسطين، فقد أقيم فيها كيان لليهود، أشد الناس عداوةً، اغتصبوا الأرض المباركة، أرض الإسراء والمعراج بدعم من بريطانيا ثم أميركا من بعد، وبخيانة الحكام العرب حول فلسطين. ثم بدأ التنازل عنها شيئاً فشيئاً.. نادى الحكام في البداية بتحرير فلسطين السليبة التي احتلت في 1948م، ثم كانت حروب حولها في 56، 67، 73. وفي كل مرّة يجعلون لليهود نصراً ظاهراً فيها حتى أعطوْا كيان يهود حجماً أكبر من حجمه، ورسموا له هالةً من النصر ليس هو أهلاً لها. ثم بحجة الظروف الدولية، وبحجة تسلُّح كيان اليهود تسلُّحاً قوياً بدعم من الدول الغربية وبخاصة أميركا، وبحجة الواقعية! كان الحكام ومنظمة التحرير الفلسطينية ثم السلطة الفلسطينية يقولون إنه لا حلّ إلا الاعتراف بكيان يهود على فلسطين المحتلة في 1948 والتي تتجاوز 80٪ من مساحة فلسطين ثم التفاوض مع هذا الكيان على ما يمكن أن يسترجع من الباقي الذي احتل في 1967، حتى وصل الحال الآن أنّ عدداً من الدول العربية تعترف صراحةً بكيان يهود لا بل إن السلطة الفلسطينية تعترف بهذا الكيان قبل أن يعترف اليهود بأي سلطان للسلطة الفلسطينية على أي جزء من فلسطين، لدرجة أصبح معها الحصول على حكم إداري كامل للسلطة نصراً مبيناً!
هذا واقع فلسطين اليوم: كيان يهودي غاصب معترف به من حكام عرب ومن السلطة الفلسطينية، على ما يزيد عن أربعة أخماس فلسطين، والخمس الباقي محل تفاوض مع يهود، يتوسل الحكام والسلطة بالمفاوضات أن يتنازل كيان يهود عن شيء مقابل شروط يضعها العدو ويفرض تنفيذها أبرزها أن تطفأ جذوة الجهاد وأن يقضى على كل مقاومة ضد يهود، وأن تستقبل دباباتهم في حلها وترحالها بالسلم والاستسلام، وأن يصاحب هذا وذاك نص صريح، من الحكام والسلطة، بأن العمليات الاستشهادية هي عمليات انتحارية إرهابية. وهذا ما كان حيث أصبحت ألسنة الحكام والسلطة تنطق بهذا جهاراً نهاراً دون حياء أو خجل لا من الله ولا من عباد الله.
أما كشمير فهي كالتوأم لفلسطين، أحداثهما متشابهة، بل إن قضيتيهما تفاعلتا في زمن متقارب، كما أن الدول الكافرة المستعمرة المحركة لأحداثهما هي هي: بريطانيا ومن بعد أميركا. لقد كانت بريطانيا منتدبة على فلسطين ثم كان تقسيم 47 ولما أنهت انتدابها في 1948م سلمت مواقعها إلى اليهود وأعلنوا دولة لهم على معظم فلسطين. وهكذا كان في كشمير، فقد كانت بريطانيا محتلة لشبه القارة الهندية فأجّرت كشمير إلى مهراجا هندي ثم ألْحق هذا الحاكم الهندوسي كشمير إلى الحكم الهندي بفعل بريطانيا بعد خروجها من شبه القارة الهندية وتقسيمها سنة 1947م، وإقامة دولتي الهند وباكستان. وكما صدرت قرارات دولية (181، 242، 337) بخصوص فلسطين لم تنفذها دولة يهود على هزالها بالنسبة لأهل فلسطين، فكذلك صدرت قرارات دولية حول كشمير سنة 1948م، 1949م، 1957م إلا أن الهند رفضتها كلها، وضمت كشمير المحتلة إليها بقرار حكومي رسمي أصدرته سنة 1956م، أي أنَّ أكثر من ثلثي كشمير أصبح بموجب القرار جزءاً من الهند ولم يبق تحت الإدارة الباكستانية سوى 30٪ من كشمير.
وكما حدث في فلسطين من إطلاق وصف الإرهابيين على المقاومين ليهود، ليس فقط بلسان أميركا واليهود، بل كذلك بلسان الحكام العرب والسلطة التي قامت بمطاردتهم، واعتقالهم، زيادةً على ما تقوم به دولة يهود من مجازر ومطاردة واعتقال، فكذلك هناك في كشمير أطلق على المقاومين لعدوان الهند في كشمير وصف الإرهابيين ليس فقط بلسان أميركا والهند بل كذلك بلسان مشرف حاكم باكستان الذي قام بمطاردتهم واعتقالهم زاعماً أنهم خارجون على مصلحة باكستان العليا وأمنها.
والآن هناك توتر شديد وتصعيد للحشود العسكرية على جبهة كشمير، ونذر الحرب تتزايد، فهل تكون هذه النذر مقدمة لتحرير كشمير من سلطان الكفار والهنود؟ أم تكون هذه النذر مقدمة للتفاوض على ما بقي من كشمير والمساومة عليها؟
إن الحكم الشرعي واضح كل الوضوح بالنسبة لاحتلال الكفار لأي جزء من أرض الإسلام، سواء أكان احتلالاً لفلسطين أو لكشمير، وهو أن يُقاتِل المسلمون الكفّارَ قتالاً مستمراً إلى أن يقضى على كيان الكفر القائم على أرض المسلمين، فيُنهى الاحتلال وتعاد الأرض المحتلة كاملة إلى ديار الإسلام تحت سلطان المسلمين.
إن الجهاد ذروة سنام الإسلام، والأمة يستقر في أعماقها الجهاد في سبيل الله، وجيوش المسلمين تتحرق شوقاً لقتال العدو، فإبقاء هذه الجيوش في قواعدها لا تبدي حراكاً، وهي ترى أرض المسلمين تنتهك من العدو صباح مساء، لَجريمةٌ كبرى يبوء بإثمها وخزيها الحكامُ وأعوانهم، وكذلك من لم ينكر عليهم سوء فعالهم.
إن تسخين الجبهة في كشمير يجب أن يكون طريقاً لتحريرها من سلطان الهند، كما أن الواجب كذلك أن يكون الجيش في باكستان راعياً وحامياً وداعماً ومقاتلاً مع كل من يقاتل الهند المحتلة لكشمير، لا أن يكون مانعاً أو مطارِداً أو معتقِلاً لمن يقاتلون الكفار الهنود المحتلين لكشمير.
أما ما يثار حول تفوق الهند في العدد والعدة، ومحاولة اتخاذ ذلك حجة للقبول بالمساومة على كشمير، فهو تثبيط للعزائم وتبرير للتخاذل والاستسلام. إن العدد والعدة أسباب مادية يحرص عليها المسلم والكافر، ولكن التطلع إلى رضوان الله وجنته والشهادة في سبيله لا يملكها إلا المسلم، وهذا عنصر فاعل إذا أضيف إلى الإعداد المستطاع عند المسلمين، حتى وإن كان أقل مما عند الكفار، فإن ذلك كافٍ بإذن الله لتحقيق النصر (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) [البقرة].
إن على المسلمين ألاّ يمكنوا أي حاكم في بلاد المسلمين من التفاوض مع أعداء الله المحتلين لبلاد الإسلام، والمساومة معهم على أرض الإسلام، لا في فلسطين ولا في كشمير ولا في أية بقعة من بلاد المسلمين.
إن على الأمة أن تبذل الوسع لتكون الجيوش على الجبهات طاقة قتالية ضد الأعداء الكفار تشرد بهم من خلفهم، لا أن تكون وسائل ضغط على من يقاتلون أعداء الله لمنعهم من القتال.
إنَّ الجند المسلمين الواقفين على خط الجبهة في كشمير يجب أن يدركوا أنّ عملهم الأساس هو قتال العدو، وأنَّ جزاءهم على ذلك إحدى الحسنيين، النصر أو الشهادة، كما أن عليهم أن يعلموا أن تألُّمهم في القتال يقابله عند العدو تألُّم مثله أو أشد، ولكنهم يرجون من الله ما لا يرجو العدو (ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليماً حكيماً) [النساء].
إن ذروة سنام الإسلام تناديكم أيها الجند المسلمون المحتشدون على جبهة كشمير، فأجيبوا دعوة الداع، وكونوا حرباً على أعداء الله، وسلماً على إخوانكم المقاومين لعدوان الهند على كشمير. خذوا بأيديهم وليس على أيديهم، وقاتلوا معهم أعداء الله ولا تمنعوهم من القتال أو تعتقلوهم، وكونوا في مقدمة الزاحفين لتحرير كشمير لا في مواقف المتفرجين على جرائم الهند الكافرة التي ترتكبها ضد المسلمين في كشمير المحتلة، وارفضوا كل أمر يطلب منكم توجيه بنادقكم نحو إخوانكم المقاومين لعدوان الهند، ووجهوها إلى نحور العدو، وانصروا الله ينصركم (إن الله لقوي عزيز) [الحج] .
2002-06-19