الحـروب المدمِّـرة
2002/04/19م
المقالات
1,934 زيارة
إن أهوال الصراع الكيميائي والجرثومي والذري لم تعد تصورات جامحة وخيالاً علمياً ونظرياً. فمنذ الحرب العالمية الأولى لم تستخدم الغازات إلاّ في حالات قليلة جداً. فقد استخدمت آنذاك في أغلب الأحيان ضد الجيوش غير المحمية بتاتاً والجيوش البدائية نسبياً فاستخدمها الإيطاليون في ليبيا وفي أثيوبيا كما استخدمت على نطاق واسع بشكلها المخيف بهدف ضبط أعمال الشغب وإرغام المختبئين في أغوار الأرض على الخروج من سراديبهم في فيتنام وفي بعض الدول. إذ تشكل حرب الغازات الأساس في الحرب الكيميائية وغازات تعرية الأشجار هي أيضاً من هذه الفئة، وقد استخدمت في فيتنام.
==========================================
وللغازات تأثيرات متنوعة: منها الغازات التي تسبب الإزعاج المؤقت ومنها الغازات القاتلة في غضون ثوان، ومنها الغازات التي هي ذات طبيعة دائمة أو مستمرة وتستطيع إيقاع الخسائر بعد زمن طويل من استخدامها ومنها الغازات غير الدائمة التي تنجرف مع سرعة الريح نسبياً. وتتألف بعض الغازات غير القاتلة من مسيلة للدمع ومهيجة ولهذه الغازات تأثير فوري على الأعين حيث تسبب وخزاً وإفاضة دموع العين وسرعان ما تتلاشى أعراضها بعد انتهاء الهجوم. وهناك الغاز المهيج وهو أشد إزعاجاً ويتألف من مركبات تسبب هياجاً وألماً حاداً في الأنف والحنجرة وجهاز التنفس. ومن هذه الفئة التقيؤ الشديد والشعور بالكآبة. ويشكل المزيج من الغازات المسيلة للدموع والمهيجة سلاحاً فعالاً لا سيما في تفريق الناس عند التظاهرات. وهناك فئة من الغازات التي تسمى ـ الشالة ـ فإنها تسبب الدوخة والصداع إذا استخدمت في أماكن محصورة فهناك خطر أن تصاب الضحية بشلل مركز التنفس في الدماغ يعقبه موت سريع. ولها تأثير قليل في الهواء الطلق فهي تتلاشى سريعاً دون إيقاع ضحايا. وهناك الغازات ذات الطبيعة القاتلة والتي تسمى غاز ـ الأرسين ـ الذي يمكن أن تمتصه الرئة ويحدث ـ أرسين ـ الإصابة بفقر الدم ـ الأنيميا ـ فالموت لاحقاً. وتسبب هذه الغازات الخانقة التهابات حادة في الرئة تؤدي بالتالي إلى ملئها بسائلها الذاتي وبذلك يختنق المصاب. وهناك غاز الخردل الذي استخدم في الحرب العالمية الأولى فهو يطلق بخاراً غير مرئي تفوح منه رائحة بصل قوية. وهذه الغازات تدوم لمدة طويلة وهي كغيرها من الغازات التي تؤثر على الجلد فتقرح البشرة في كل جزءٍ تصيبه من الجسد وتخترق الملابس العادية ويمكن أن تسبب عمىً مؤقتاً وإن استنشق الغاز فقد ينتج عنها التهاب الشعب الرئوية. وهناك غاز الأعصاب فهو سريع المفعول وبلا رائحة ولا تراه الأعين فإن الإنذار الوحيد عن وجوده هو بواسطة جهاز كشف خاص يحمل أو يلبس من أجل هذا الغرض. فهذا الغاز من الغازات السامة إن استنشق بخاره أو امتص سائله أي جزء من الجسد. وفي الحالتين تكون النتيجة واحدة إذ يتقلص إنسانا عيني الضحية ويعشى بصرهما ويجد المصاب صعوبة في التركيز وفي غضون ثوانٍ يحس المصاب بألم حاد في الأذنين يعقبه سيلان من الأنف والفم ويضيق الصدر ويصعب عليه التنفس ويبدأ الغثيان فالتقيؤ ويعقب ذلك تقلص في العضلات، فتشنج ثم انهيار كامل فموت.
وهناك طبعاً إجراءات وقائية يمكن أن تتخذ وملابس واقية يمكن ارتداؤها ومن الممكن تزويد السفن والدبابات والعربات بأجهزة تهوية وتنقية من أجل حماية الأطقم. وقد أصبح الآن التطهير عن طريق الغسل بمواد مطهرة قوية. ويمكن أن تستخدم عناصر الحرب الكيميائية في المعارك وقد يكون للأحوال الجوية تأثير مهم على استخدام هذه الغازات. فالتربة التي تسخن بأشعة الشمس ستسخن هي بدورها الهواء الذي يعلوها ما يؤدي إلى نقل الحمل الحراري وبالمقابل في الليل عندما تبرد الأرض قد يظل الهواء ساكناً لذا فإن أي تكثيف للغاز في يوم صيفي دافئ سيرتفع كثيراً فوق سطح الأرض وكما هو الحال في الضباب سيميل الغاز للبقاء على مستوى الأرض أثناء الليل وتستطيع الرياح أن تحرق البخار لكن النسيم الخفيف يمكن أن يؤدي إلى تزايد معدل التبخر في العنصر السائل وعلى هذا الأساس قد يصبح بالإمكان تشكيل غيمة متحركة من الغاز المركز وسترفع الحرارة معدل التبخير بينما يمكن أن تعمل الحرارة المنخفضة على تجميد العنصر السائل بحيث يصبح ممكن الخطورة في وقت لاحق وقد تمتص التربة الرخوة الغاز ثم ينـزل المطر ويعمل على جرفه. إنَّ تشكيل سحابة غازية لنجاح المهمة يتطلب عدداً كبيراً من القذائف والصواريخ. وبرمجة وسائط القصف فإن تغيرت الريح يصبح هناك خطورة باستمرار أن تصيب من هم بوجهة الريح. فالغازات هذه لا تستطيع تدمير المباني ولا العربات ولكن التأثير الذي سيحدثه استخدامها على العسكريين السيئي التدريب أو الانضباط بالقواعد سيفوق كل مقدار من التأثير تحدثه الخسائر الفعلية.
أما الحرب الجرثومية فهي مختلفة إلى حد ما والأسلحة الجرثومية على عكس العناصر الكيميائية يمكن إنتاجها بسهولة وبكلفة قليلة من أي مختبر ذي مستوى جيد، وحتى الدول الصغيرة باستطاعتها تصنيع هذه الأسلحة الجرثومية، ويمكن أن تسبب الهجمات الناجحة بالعناصر الجرثومية العجز المؤقت أو الإصابات الخطيرة أو القاتلة كنتيجة تفشي وباء اصطناعي، وليس من السهل إبقاء الجراثيم حية لمدة طويلة فهذه تتأثر جداً بدرجة الحرارة، وهي لا تخترق الملابس بنفس الطريقة للعناصر الكيميائية، كما أن أقنعة الغاز والبزات الواقية والتطعيم هذه كلها تؤمن بشكل عام دفاعاً ضدها، فالطبيعة غير الثابتة للأسلحة الجرثومية والكيميائية ومشاكل إيصالها للعدو تنفر الناس من هذا السلاح رغم أن بعض القادة أعدوا لهجوم فتاك في عام 1939، إلاَّ أن هذا الهجوم لم يشن، ليس بسبب إنسانية رودولف هتلر، بل لعدم قدرتهم في توجيه ضربة ثانية. ومهما تكن وحشية هذه الأسلحة وفظاعتها فهي مجرد تسليح آخر، ولن يكون من الحكمة بالنسبة إلى الأجيال أن يهملوا دراسة هذا الموضوع أو يقصروا في اتخاذ الإجراءات الاحتياطية اللازمة للوقاية، فلا بد للمرء لكي يفهم تكتيكات الحرب النووية من أن يملك معرفة أساسية بتأثيرات الانفجار النووي. ورغم اعتقاد الكثيرين بأن هذه الحرب التي تخاض بمثل هذه الأسلحة هي بمثابة انتحار عالمي! إلاّ أنّ هناك قذائفاً ذرية صغيرة يمكن إطلاقها بمدفع أو قذفها بصاروخ قصير المدى بل ومن الممكن تجهيزها مسبقاً وإطلاقها عن بعد، ومن الممكن تماماً امتلاك أسلحة نووية تكتيكية. هناك ثلاث نتائج رئيسية فورية تنشأ عن إطلاق الجهاز النووي: أولها حدوث وميض من الضوء المبهر المشفوع فورياً بإشعاع حراري شديد، ويعقب هذا موجة انفجارية قوية جداً، وهناك أخيراً الإشعاع النووي. وقد يحدث في ظل بعض الظروف تلوث إشعاعي وترسبات نووية. ويبدو بشكل عام أكبر قدر من الانفجار عند سطح الأرض، فإن انفجرت قذيفة على مستوى سطح الأرض، فستتبخر كمية كبيرة من التربة، وتتصاعد مع الكتلة النارية حيث تتلوث بالمادة المشعة، وعندما تعود متساقطة على الأرض ستتشكل خطورة قصوى، وبسبب اختفاء جزء من الكرة النارية تنخفض الأشعة الحرارية ويعمل جزء كبير من الانفجار على إحداث هزّة أرضية يمكن استخدامها لتدمير الأهداف الموجودة تحت الأرض وعادةً تكون هذه الأهداف محمية من الانفجار الجوي بوساطة ما فوقها من التربة أو الإسمنت. وفي حال حدوث الانفجارات تحت السطح فإن الموجة الانفجارية الجوية تقل كثيراً ويحتمل أن تدفع جزءاً من وجه الأرض نحو الأعلى. ويعتمد الأثر الحقيقي على مدى العمق الذي انفجرت عليه القنبلة تحت سطح الأرض وعلى جيولوجية منطقة الهدف. ومن شأن هذا السلاح أن يثقب أو يشق الأرض قاذفاً نحو الأعلى كمية هائلة من الأنقاض المشعة. وهذا يسبب أيضاً ترسبات نووية تحمل خطورة قصوى. وطبيعي أنه لن يكون هناك إشعاع حرارة أو ضوء. ومن الجلي أن السلاح النووي الذي ينفجر فوق سطح الأرض على ارتفاع منخفض يحدث المدى الأقصى من الأثر التدميري على الأهداف الساحلية. في هذه الأيام تتدرب الجيوش على اتخاذ إجراءات وقائية بسيطة أثناء الهجوم النووي. وللجندي المدرب فرصة نجاة معقولة إن هو اتخذ هذه الاحتياطات. أما السكان المدنيون غير المعَدّين لذلك ففرصتهم أقل من ذلك بكثير.
إنه ما من امرئٍ عاقل يرغب في حرب نووية ولكن من الحماقة بالنسبة إلينا ألاّ نكيف تكتيكاتنا بحيث نستطيع ـ إن حدث الأسوأ ـ أن نطبقها بشكل يتلاءم مع الوضع الذي نحن نختاره من أجل حمل الدعوة هدايةً إلى العالم، ونأخذ العبر مما يتعرض له مسلمو العالم من ترغيب وترهيب تحت مظلة ما يسمى الشرعية الدولية. وما يتعرض له مسلمو أفغانستان من هجوم مدمر باسم تلك الشرعية. وهذه أميركا تتهدد وتتوعد، فقد تناقلت وسائل الإعلام أن أميركا ستستعمل السلاح النووي ضد من تشاء من الدول التي لا تدور في فلكها، وأنها ستمنع أية دولة لا ترضى عنها! من امتلاك هذا السلاح.
فهل يصح أن تبقى الأمة الإسلامية أمة مستضعفة بعيدة عن أسباب القوة أم تستجيب إلى ربها فتعد لامتلاك أسباب القوة من نواصيها؟ (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم) (الأنفال/60) .
عويد العجرفي
2002-04-19