كشمير في الماضي و الحاضر
2002/03/19م
المقالات
1,973 زيارة
إعداد (عويد العجرفي)
يجري حالياً تصعيد في حملة الهند العدوانية على المسلمين في كشمير وتستعمل الهند في ذلك معزوفة الإرهاب والإرهابيين نفسها التي أذكت شعلتها وتولت كبرها الولايات المتحدة الأميركية في هجمتها الوحشية على المسلمين في أفغانستان. والتي كذلك سارت على خطاها دولة يهود المغتصبة لفلسطين في عدوانها البشع على المسلمين.
لقد قلبت أميركا وأتباعها الموازين فجعلوا احتلال بلاد المسلمين وسفك دمائهم حقاً لهؤلاء الطغاة، فإذا تحرك المسلمون المعتدى عليهم لرد الاعتداء عدّوه تجاوزاً للحقوق وإرهاباً وعدواناً. لقد صارت الضحية في عرفهم ذئباً متوحشاً وأصبح المعتدي حملاً وديعاً. حقاً إن حاملي لواء هذه المقولة وحوش تكسوهم ثياب بشرية.
ــــــــــــــــــــ
إن الهند بحملتها المسعورة ضد كشمير، وهي تردد معزوفة الإرهاب والإرهابيين، تريد أن تلقي ضباباً كثيفاً على القضية ليظن بعض الناس أن كشمير قطعة من أملاك الهندوس، وأن الأصل أن تكون تحت حكمهم، وأن قيام المسلمين في كشمير برد عدوان الهند عليهم هو خروج على الدولة الهندية ومن حقها القضاء عليهم. وهكذا يريدون تصوير القضية تصويراً زائفاً، في حين أن حقيقة القضية أن كشمير بلد إسلامي بل والهند كلها فتحها المسلمون، وأضاؤوها بعد ظلام، واستمر سلطان الإسلام فيها حتى منتصف القرن التاسع عشر، حين اعتدت بريطانيا على شبه القارة الهندية، وقاموا بمجازر وانتهاكات طالت البشر والشجر والحجر.
إن واقع كشمير أنها بلد إسلامي فتحها المسلمون ودخلها الإسلام في أواخر القرن الأول الهجري من خلال فتوحات القائد المسلم محمد بن القاسم، ثم تزايد انتشار الإسلام فيها وفي باقي شبه القارة الهندية في عهد الخليفة العباسي المعتصم 218-225هـ، حيث ساد سلطان الإسلام واستمر في شبه القارة كلها في ما يعرف اليوم بالهند وباكستان وكشمير وبنغلادش.
لقد غزت بريطانيا شبه القارة الهندية سنة 1819م وقد جوبهت بمقاومة عنيفة من المسلمين واستمرت الحرب سجالاً بين بريطانيا المعتدية يعاونها بعض قوى الكفر من هندوس وسيخ وبوذيين وغيرهم، وبين الحكم الإسلامي في شبه القارة، ولم تستطع بريطانيا الاستقرار والسيطرة عليها إلا بعد (27) سنة من الحروب المستمرة بشدة مع المسلمين أي في سنة 1846م.
بعد ذلك استطاعت بريطانيا بسط سيطرتها على المنطقة، وقسمتها إلى ثلاثة أقسام: قسم حكمته مباشرة في حدود 55٪ من شبه القارة، وهذا القسم نسبة المسلمين فيه كبيرة, وقسم حكمته عن طريق حكام ولايات، هندوس ومسلمين، نصبتهم على (565) ولاية حكم ذاتي. وقسم ثالث هو كشمير أجّرته إلى إقطاعي هندوسي مدة مئة عام وذلك بموجب عقد إيجار وقع في (أمر ستار) وصارت تعرف باتفاقية أمرستار. وكانت الاتفاقية من 1846 إلى 1946.
وهكذا أصبحت كشمير، البلد الإسلامي، تحكم من الهندوس طبقاً لاتفاقية التأجير المذكورة.
تبلغ مساحة كشمير (217935) كم2 تحيط بها باكستان والهند والصين وأفغانستان، ويبلغ عدد سكانها (12) مليون نسمة، 85٪ مسلمون، والباقي 15٪ من الطوائف الأخرى كالهندوس والسيخ والبوذيين. وقد أطلق الفاتحون المسلمون على كشمير سقف الدنيا أو جنة الله على الأرض لطيب مناخها وكثرة غاباتها ووفرة خيراتها، ولوجود أعلى قمم الجبال في العالم (هملايا) فيها. وكشمير أرض غنية بمياهها وأنهارها، ففيها نهر السند وجلهم وجناب. وأرض كشمير بوجه عام مرتفعة عن سطح البحر بما يقارب (1200)م، وتمر خلالها طريق الحرير المشهورة، وهي الرابط الوحيد بين الصين وباكستان. ولقد تم اكتشاف الياقوت فيها حديثاً (سنة 1983) مما جعل الهند تزيد من تشبثها باحتلال كشمير واستمرار السيطرة عليها.
هذه كشمير التي احتلتها (بريطانيا)، الدولة المعتدية المجرمة، اغتصبتها من أهلها المسلمين وأجّرتها لهندوسي طاغية عدو لأهلها، ثم يقولون الآن إن كشمير ملك لدولة الهند وأن مقاومة مسلمي كشمير لهم إرهاب وعدوان!
لقد استعمل المهراجا الهندوسي الذي حكمها بموجب عقد الإيجار من الإنجليز كل صنوف البطش والتنكيل بالمسلمين حتى إن أحد وزرائه قدم استقالته لبشاعة الجرائم التي ارتكبتها حكومة المهراجا ضد الناس في كشمير(1)، وصرح قائلاً إن الشعب في كشمير يساق كالماشية، ويبطش به ويظلم ولا أحد من المسؤولين يسمع تظلمه، وأضاف إن الحكم في كشمير معزول عن الناس تماماً، هذا ما يقوله الأعداء فكيف بالحقيقة ذاتها؟
لقد كان الحكم الهندوسي في كشمير يتعمد انتهاك مقدسات المسلمين كالقرآن الكريم والمساجد كما حدث سنة 1931 عندما قام أحد ضباط الأمن الهندوسي بتدنيس القرآن الكريم، ومن ثم اشتعلت ثورة المسلمين هناك، غير أن الإنجليز تدخلوا بالقوة لصالح المهراجا الهندوسي مستعملين الخبث الذي درجوا عليه والمكر في أن الاتفاق سينتهي في 1946 وبعد ذلك تبحث هذه الأمور. وتشكل في كشمير حزب المؤتمر الإسلامي حيث كان أول تنظيم سياسي داخلي في كشمير للتحضير لمرحلة ما بعد انتهاء مدة اتفاق التأجير.
إلا أن مدة الاتفاق انتهت، واستمر حكم الهندوس بدعم من الإنجليز، تارة معلن، وتارة من وراء ستار. ثم قام الانجليز بتقسيم شبه القارة الهندية دون كشمير إلى دولتين الهند وباكستان حسب السكان، إلا أن حاكم كشمير الهندوسي انضم إلى الهند دون رغبة السكان المسلمين، ومن ثم نشبت عدة حروب بين الهند والحكم الهندوسي من جهة، وباكستان والمسلمين في كشمير من جهة أخرى، فاحتلت الهند ثلثي كشمير (65٪)، وبقي في الجانب الباكستاني (30٪)، واستولت الصين على (5٪) من كشمير. وهذا الواقع هو ما عليه كشمير حالياً.
في بداية الحرب 13/8/1948 صدر القرار الأول بشأن كشمير عن مجلس الأمن الدولي وقضى بوقف القتال ثم تشكيل قوة مراقبة دولية من أجل التأكد من استمرار وقف إطلاق النار، ثم تبعه قرار بانسحاب القوات الهندية والباكستانية من إقليم كشمير تمهيداً لإجراء استفتاء يقرر الشعب الكشميري مصيره النهائي. وفي 5/1/1949 وافقت كل من باكستان والهند على القرار، إلا أن الهند رفضت الانسحاب، ثم أعلن جواهر لال نهرو سنة 1956 ضم الولاية في القسم الذي يسيطر عليه الجيش الهندي إلى الهند ورفع العلم الهندي فوق المباني الحكومية، واعتبرها جزءاً لا يتجزأ من الهند.
وفي 14/2/1957 صدر قرار آخر من مجلس الأمن يؤكد على وجوب انسحاب القوات الهندية من الولاية، إلا أن الهند تجاهلت القراركعادتها بالتواطؤ مع بريطانيا، ثم أخذت تدرس الأساليب التي استعملها الطغاة لضرب الإسلام والمسلمين وفتنهم عن دينهم، لاستعمال هذه الأساليب في كشمير. وعليه فقد ارسلت سنة 1965 وفداً من الخبراء إلى إسبانيا ليدرسوا كيف تم القضاء على المسلمين في الأندلس بعد سقوط غرناطة. وكذلك كلفت الهند سفيرها في موسكو لدراسة أساليب محو الشخصية الإسلامية التي كان يمارسها الاتحاد السوفييتي السابق ضد الوجود الإسلامي هناك. ثم كثفت السطات الهندية من تعاونها مع دولة يهود بعد أن اعترفت بها وباغتصابها لفلسطين، وصارت تدرس مخططات اليهود في مجازرهم ضد المسلمين. وقد كشفت تصريحاتهم هذا التعاون، ففي تصريح لبنيامين شان، أحد وزراء حكومة شامير السابقة (إن الهند ودولة إسرائيل تواجهان خطراً مشتركاً وهو الأصولية الإسلامية في فلسطين وكشمير. لقد أدركنا كيف نتعامل مع العرب والمسلمين ونحن بدورنا سوف نزوّد الهند بما لدينا من خبرات في هذا المجال)(2).
لقد دأبت الهند على استعمال شتى الأساليب في كشمير لإيجاد أجيال بعيدة عن دينها، أو لا تعي إسلامها على الوجه الصحيح، ظناً منها أنها تستطيع بعد فترة من السنين استئصال الإسلام من كشمير. إلا أن النتائج كانت على غير ما تشتهي الهند، فالناس يزدادون تمسكاً بدينهم، ويشتد ولاؤهم للإسلام مع كل هجمة شرسة تشنها السلطات الهندية، سواء أكان ذلك بالبطش والتنكيل أم بأساليب ملتوية أخرى وبالتشويه والتضليل.
لقد قامت الهند بمجازر في كشمير سنة 1989 أدت إلى قتل 25 ألف شهيد(3) ثم أتبعتها بمجازر أخرى في السنوات التالية، فقد أذاعت هيئة إغاثة مسلمي كشمير إحصائيات استقتها من مصادر الأمم المتحدة ومن الصحافة الهندية ووكالات الأنباء العالمية، ومن مصادر الكشميريين الذين تم الاتصال بهم، أن السلطات الهندية في كشمير ارتكبت منذ كانون الثاني 1990 وحتى كانون أول 1998:
(63275) شهيداً سقطوا رمياً بالرصاص،
(775) من السياسيين والعلماء وأئمة المساجد تمت تصفيتهم،
(3370) شهيداً تم تعذيبهم حتى الموت،
(81161) في السجون دون محاكمة.
بالإضافة إلى الأعراض التي انتهكت والحرمات التي دنست والجرحى والمفقودين الذين هم بالآلاف. وقد امتلأت تقارير المنظمات الدولية بالفظائع التي ترتكبها الهند في كشمير مثل تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في 6/2/1999.
هذا شيء من البطش والتنكيل الذي قامت به السلطات الهندية في كشمير. أما الأساليب الأخرى والتشويه والتضليل فقد عمدت السلطات إلى إيقاف تدريس القرآن الكريم واللغة العربية في المدارس الحكومية وإدخال اللغة الهندية كلغة إجبارية، ثم استعملت وسائل الإعلام بحملات مركزة لضرب القيم الإسلامية في الأسرة ولباس المرأة، بالإضافة إلى ترويج الخمور في كشمير، وقوانين الزواج المختلط بين المسلمين والهندوس، ثم تنفيذ برنامج تحديد النسل عن طريق فرض عمليات جراحية لدرجة أن ولاية كشمير ذات الغالبية المسلمة حصلت على أعلى وسام في تحديد النسل.
هذه هي كشمير التي عانت ولا زالت تعاني من الأعمال الوحشية التي يرتكبها الجيش الهندي والشرطة الهندية ضد المسلمين فيها، فإذا قام المسلمون في كشمير لرد الاعتداء الهندي، ورفض الاحتلال، فهل يعتبرون إرهابيين؟ هل يعتبرون قتلة سفاكين للدماء بغير حق؟ أم أن المحتلين المعتدين الذين يرتكبون المجازر تلو المجازر ضد المسلمين في كشمير هم القتلة المجرمون الإرهابيون؟ إن الأمر واضح لكل ذي فطرة سليمة، أما في عرف الطغاة فإن الأباطيل حقائق، والولوغ في دم الأبرياء دفاع عن النفس! أما رد المعتدين فهو إرهاب، وأما الجهاد لصيانة الدين والأرض والعرض فهو جريمة، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
إن أميركا تحمل لواء الجريمة في حربها الصليبية ضد المسلمين وأن دولة يهود تسير على دربها في فلسطين، والهند تمارس ما يمارسون وترتكب ما يرتكبون.
إن ما يجري في فلسطين وأفغانستان وكشمير وغيرها من بلاد المسلمين ليثير في النفس ألماً عميقاً، ليس لأن الكفار يتكالبون على المسلمين، فإنّ هذا شأنهم منذ وجد هذا الإسلام العظيم، ولكن الألم ينبع من هذا الذل والهوان الذي يلف الحكام في بلاد المسلمين الذين، لا نقول إنهم على الحياد لا ينصرون المسلمين، بل هم أدوات للأعداء يساعدونهم فيما يصنعون، يَـقتلون معهم، ويَـعتقلون مثلهم. فالحكم الذي نصبته أميركا في أفغانستان يعمل عيناً لأميركا على المسلمين في أفغانستان، ويداً لها تقتل وتبطش بالمسلمين، وهكذا يصنع حكام العرب حول فلسطين والسلطة في فلسطين، وهذا ما تصنعه كذلك باكستان تجاه كشمير، فقد أمر حاكمها بمطاردة واعتقال المئات من الذين يقاومون عدوان الهند واحتلالها لكشمير إرضاءً لأميركا وتنفيذاً لمخططاتها.
إن فلسطين والهند وأفغانستان والشيشان وغيرها من بلاد المسلمين، التي للكفار عليها سبيل، تستصرخ المسلمين أن يعتصموا بحبل الله، وأن يعملوا لاستئناف حكم الله، فيقيموا دولة الإسلام، الخـلافة الراشدة، فيجمعهم إمامهم، ويقاتل بهم عدو الله وعدوهم بضربات تنسي أولئك الطغاة وساوس الشيطان، فيعز الإسلام وأهله، وإنه لكائن بإذن الله. (ويومئذ يفرح المؤمنون @ بنصر الله) (الروم/5،4) .
2002-03-19