الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية (4)
2010/05/18م
المقالات
2,783 زيارة
الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية (4)
الصِّحَّةُ الْفَرْدِيَّةُ: 1ـ الوقاية
الوقايةُ لغةً الحفظُ والصَّوْنُ، نَقولُ: وَقاهُ اللهُ وَقْياً وَوِقايةً وواقِيةً: صانَهُ، ووَقَيْتُ الشيءَ أَقِيهِ إِذا صُنْتُهُ وسَتَرْتُهُ عنِ الأَذى، ووقاهُ ما يَكْرَهُ ووقَّاهُ: حَماهُ منهُ. وفي التَّنْزِيلِ العزيزِ: (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ) [الإنسان 11]. والوِقاءُ والوَقاءُ والوِقايةُ والوَقايةُ والوُقايةُ والواقِيةُ: كلُّ ما وَقَيْتَ بهِ شيئاً.
وعليهِ فإنَّ الوقايةَ الصحيةَ هيَ مجموعُ الأعمالِ التي تهدفُ إلى تقليلِ الإصابةِ بالأمراضِ والتأثُّرِ بها والوفاةِ مِنْها. وتكونُ الوقايةُ على ثلاثِ مُستوياتٍ هيَ:
أ) الوقايةُ الأوليَّةُ: وهيَ الأعمالُ التي تمنعُ الإصابةَ بالمرضِ إبتداءً، ومعظمُ إجراءاتِ الصِّحةِ العامةِ هيَ إجراءاتُ وقايةٍ أوليةٍ.
ب) الوقايةُ الثانويَّةُ: وهيَ الأعمالُ التي تهدفُ إلى تشخيصِ المرضِ مُبكرًا، لزيادَةِ فُرَصِ العلاجِ في مَنْعِ تفاقُمِ المرضِ وظُهورِ أعراضِهِ.
ج) الوقايةُ الثالثيَّةُ: وهيَ الأعمالُ التي تُقَلِّلُ الآثارَ السلبيةَ للمرضِ الواقعِ عن طريقِ إعادةِ التأهيلِ والتَكَيُّفِ للحالةِ المرَضِيَّةِ، وتقليلِ مُضاعفاتِ المرضِ.
والوقايةُ منِ الأمراضِ خيرٌ منْ علاجِها، وحفظُ الصحةِ ابتداءً خيرٌ منْ محاولةِ استعادَتِها بعدَ زَوالِها، ولذلكَ تُرَكِّزُ الدولةُ الإسلاميةُ على الوقايةِ الصحيةِ، وَتُقَدِّمُ المشاريعَ التي منْ شأنها صَوْنُ الصحةِ على غيرِها منَ المشاريعِ العِلاجِيَّةِ.
وقدْ أمَرَ الإسلامُ بالوقايةِ، وأرشدَ إلى بعضِ جوانِبِها، بما يُغْني عنْ ذكرِ جميعها، وتَرَكَ لِوَلِيِّ الأمرِ أنْ يجتهدَ ويسعى لاستخدامِ كُلِّ الأساليبِ والوسائلِ لحفظِ صحةِ الرعيَّةِ ووقايَتِهِمُ المرضَ والأسقامَ، لأنهُ مأمورٌ برعايةِ شؤونهِمْ وهذِهِ مِنْها، ومأمورٌ بإزالَةِ الضَّرَرِ عنهم، والمَرَضُ منَ الضَّرَرِ.
ومنْ جوانبِ الوقايةِ التي وردتْ في هَدْيِ الرسولِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ما وَرَدَ عنْهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ عندَ مُسْلِمٍ في صحيحِهِ أنهُ قالَ: ”إِذَا عَرَّسْتُمْ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ، فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ وَمَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ”، وعندَ البخاريِّ أنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قالَ: “إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ فَإِنَّهُ لا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ“. وقدِ احترقَ بيتٌ بالمدينةِ على أهلِهِ، فحُدِّثَ النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بشأنهمْ، فقالَ: “إِنَّمَا هَذِهِ النَّارُ عَدُوٌّ لَكُمْ فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ”، رواهُ ابنُ ماجةَ وصحَّحَهُ الألبانِيُّ. وروى البخاريُّ ومسلمٌ عنهُ (صلى الله عليه وآله وسلم): “خَمِّرُوا الآنِيَةَ وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ، فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا جَرَّتْ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ”. وقالَ (صلى الله عليه وآله وسلم): “مَنْ بَاتَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَيْسَ لَهُ حِجَارٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ”، رواهُ أبو داودَ وصحَّحهُ الألبانِيُّ، وذلكَ اتقاءً للسُقوطِ عنْ ظهرِ البيتِ، وقدْ عَبَّرَ الرسولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ ببراءةِ الذمةِ للدلالة على الإثم الواقع فيه كل من تساهل في وقاية نفسه من الأذى والضرر، مما يدُّلُ على فَرْضِيَّةِ الوقايةِ.
ونذكرُ أيضًا في مجالِ الأَمْرِ بالوقايةِ، الحديثَ المتفقَ عليهِ، حيثُ قالَ النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم): “مَنْ مَرَّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا أَوْ أَسْوَاقِنَا بِنَبْلٍ فَلْيَأْخُذْ عَلَى نِصَالِهَا، لاَ يَعْقِرْ بِكَفِّهِ مُسْلِمًا”. وكذلكَ نَهْيُهُ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ عنِ العدوى، فَهُوَ في الواقعِ أَمْرٌ بالوقايةِ، لأنَّ العدوى مما يحصلُ بهِ المرضُ عادةً، فقدْ روى البخاريُّ عنْ أبي هريرةَ (رضي الله عنه) أنَّ الرسولَ (صلى الله عليه وآله وسلم) قالَ: “لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ”، وفي صحيحِ البخاريِّ أيضًا عنْهُ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّهُ قالَ: “إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا”، وفيهِ أيضًا عنهُ (صلى الله عليه وآله وسلم): “فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنْ الأَسَدِ”، وروَى مسلمٌ عَنْ عَمْرو بن الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قالَ: “كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم): إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ!”.
أَما نَفْيُهُ (صلى الله عليه وآله وسلم) للعَدْوى فيما رواهُ البخاريُّ أنَّهُ (صلى الله عليه وآله وسلم) قالَ: “لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ”، فليسَ نفيًا لحقيقةِ العدوى، بلْ هوَ نفيٌ لاسْتِقْلالِها بغيرِ تدبيرِ اللهِ وتقديرِهِ للأسبابِ، والدليلُ على ذلكَ أنَّ الحديثَ بتمامِهِ في صحيحِ البخاريِّ هوَ: قَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم): “لاَ عَدْوَى وَلا صَفَرَ وَلا هَامَةَ”، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: “يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا بَالُ الإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيُخَالِطُهَا الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيُجْرِبُهَا؟”، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): “فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ؟”، فالأعرابيُّ فَهِمَ أنَّ النفيَ في الحديثِ هُوَ نفيٌ لحقيقةِ العدوى، ولذلكَ سأَلَ مُسْتَغْرِبًا لأنَّهُ رأى واقعًا أنَّ العَدْوى تحصلُ مِنَ المريضِ للصحيحِ، فَنَبَّهَهُ الرسولُ إلى أَنَّ العدوى قدْ تَتَخَلَّفُ ويحصلُ المرضُ، أيْ أنَّ سببَ المرضِ هوَ تقديرُ اللهِ سبحانه وتعالى فقطْ، سواءٌ أَحَصَلَ بطريقِ العدوى التي جعلَها اللهُ حالَةً منْ حالاتِ حُصولِ المرضِ أمْ بِحالَةٍ أُخرى. فموضوعُ الحديثِ هوَ العقيدةُ، وهدفُهُ إبطالُ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَعْتَقِدهُ أَنَّ الأَمْرَاضَ تُعْدِي بِطَبْعِهَا مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ إِلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى، فَأَبْطَلَ النَّبِيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) اِعْتِقَادهمْ ذَلِكَ وبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى هُوَ الَّذِي يُمْرِض وَيَشْفِي، وأشَارَ إِلَى أَنَّ العدوى لاَ تَسْتَقِلُّ بِذاتِهَا بِغَيْرِ تقديرِ اللهِ.
وعليهِ فَإِنَّ الحديثَ لا يَدُّلُ على نَفْيِ حقيقةِ العدوى وبالتالي نفيِ الوقايةِ لمنعِ المرضِ. وهذا ما فهمَهُ الصحابَةُ الكرامُ منْ واقِعِ العدوى وعلاقَتِها بالمرضِ والقَدَرِ، فقدْ رَوَى البخاريُّ ومسلمٌ عن ابنِ عباسٍ (رضي الله عنهما) أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ (رضي الله عنه) خرجَ إلى الشَّامِ حتى إذا كانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أَهْلُ الأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ، فقالَ عمرُ (رضي الله عنه): “ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ”، فَدَعَاهُمْ، فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ، فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: “قَدْ خَرَجْتَ لأَمْرٍ وَلا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ”، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: “مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وَلا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ”، فَقَالَ (رضي الله عنه): “ارْتَفِعُوا عَنِّي!”، ثُمَّ قَالَ (رضي الله عنه): “ادْعُ لِي الأَنْصَارِ”، فَدَعَاهُمْ لَهُ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلافِهِمْ، فَقَالَ (رضي الله عنه): “ارْتَفِعُوا عَنِّي!”، ثُمَّ قَالَ (رضي الله عنه): “ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ”، فَدَعَاهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ رَجُلانِ، فَقَالُوا: “نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ”، فَنَادَى عُمَرُ (رضي الله عنه) فِي النَّاسِ إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ (رضي الله عنه): “أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟”، فَقَالَ عُمَرُ (رضي الله عنه): “لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ”، وَكَانَ عُمَرُ (رضي الله عنه) يَكْرَهُ خِلافَهُ، “نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَتْ لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ، إِحْدَاهُمَا خَصْبَةٌ، وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ؟”. فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ (رضي الله عنه)، وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ، فَقَالَ: “إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) يَقُولُ: إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ“، قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (رضي الله عنه) ثُمَّ انْصَرَفَ.
أَمَّا حديثُ جابرٍ بن عبدِ اللهِ (رضي الله عنه) أنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذَ بيدِ مجذومٍ فَوَضَعَها مَعَهُ في قصعتِهِ، فقالَ: “كُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثِقَةً بِاللَّهِ وَتَوَكُّلاً عَلَيْهِ”، ففي إِسنادِهِ الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ، ضَعَّفَهُ أَهْلُ الحَديثِ، فَالحَديثُ ضَعِيفٌ لِذلِكَ. وَحتى لَوْ صَحَّ الحديثُ، فَيُمْكِنُ الجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): «فر من المجذوم كما تفر من الأسد» الدال على الأخذ بأسباب الوقاية، وبينَ فِعْلِهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) حينَ أخذَ بيدِ المجذومِ ووَضَعَها مَعَهُ في القصعةِ، بِأَنَّ قولهُ (صلى الله عليه وآله وسلم) “فر من المجذوم…” خطابٌ خاصٌّ بالأُمَةِ وليسَ عامًّا، وأنهُ وإنْ كانَ خطابُ الرسولِ (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمتِهِ خطابًا لهُ، لأنَّهُ يَدْخُلُ في عمومِ كلامهِ، ولكنْ إذا جاءتْ قرينةٌ تدُلُّ على أنَّ لهُ حكمًا خاصًّا بهِ، فيكونُ منْ خصوصِيَّاتِهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهنا جاءَ أخذُهُ يدَ المجذومِ ووَضْعُها في القصعةِ إذا وُضعَ إلى جانبِ قولِهِ “فر من المجذوم…”، فإنهُ يكونُ قرينةً على أنَّ فِعْلَهُ (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصٌّ بهِ والقولُ خاصٌّ بالأمةِ، وعليهِ فَلا تَعَارُضَ بينَ الأخذ بأسباب الوقاية وبينَ فِعْلِهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) بِكَوْنِهِ أخذَ يدَ المجذومِ ووَضَعَها في القصعةِ الذي يُفهمُ منهُ عدمُ مراعاةِ أسبابِ الوقايةِ، فإنَّ هذا خاصٌّ بهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلكَ لأنَّ قولَهُ للأُمةِ أَمرٌ خاصٌّ بهمْ بقرينةِ فعلِهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهوَ أخصُّ من أدلةِ التأسِّي القاضيةِ باتباعِهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) في أقوالهِ وأفعالهِ، فبُنِيَ العامُّ على الخاصِّ، ولا يجبُ التأسِّي بهِ في هذا الفعلِ الذي وردَ الأمرُ للأُمةِ بخلافِهِ. وعليهِ فحتى لوْ كانَ حديثُ الأكلِ معَ المجذومِ صحيحًا، فهو خاصٌّ به (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتبقى الوقايةُ فرضًا على أُمتِهِ. وَهذا كُلُّهُ في حَقِّ الفردِ، أما الإمامُ فإنَّ عملهُ لحفظِ صحةِ الرعيةِ ووقايتِهِم منَ الأمراضِ يَبْقَى فرضًا لأَنَّهُ كما قُلنا منْ رعايةِ الشؤونِ وإزالةِ الضررِ التي هيَ فرضٌ فرضَهُ اللهُ عليهِ وتوعَدَّهُ على التفريطِ فيهِ.
وهذه أنواع من الرعاية والوقاية التي أمر بها الإسلام:
أ) رِعَايَةُ الحَوامِلِ وَالأَطْفَالِ: لقدْ حَثَّ الإسلامُ على النكاحِ وأمرَ بهِ ورغَّبَ فيهِ، فقالَ (صلى الله عليه وآله وسلم): “يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ”، متفقٌ عليهِ.
ومع أن للرجل أن يختار الزوجة التي يرضاها وفق أحكام الشرع، وكذلك للمرأة أن تختار الزوج الذي ترضاه وفق تلك الأحكام، إلا أن الإسلام جعل حالات أفضلية في الزواج، فقد حث الإسلامُ على الإنجابِ وتكثيرِ النَّسْلِ، قالَ سبحانه وتعالى: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ) [البقرة 187] أيِ الولدَ. وقد أخرج أحمد من طريق أنس بن مالك «تزوجو الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة». وهكذا فإن الإسلام يحث على الإنجاب وتكثير للنسل بالزواج من المرأة الولود التي تُعرف بهذه الصفة من معرفة أمها وعماتها وخالاتها…
ولذلكَ كانتْ الرعايةُ الصحيةُ للأمهاتِ والأطفالِ قائمةً على هذا الأساسِ لحثِّ النساءِ والأزواجِ على الإنجابِ وللاهتمامِ بصحةِ الأمِّ قبلَ فترةِ الحملِ وخِلالها وبعدَ الولادةِ، وكذلكَ الاهتمامِ بصحةِ الأطفالِ ومتابعةِ نُمُوِهِمُ الصحيِّ حتى البلوغِ،
ولتحقيقِ الرعايةِ الصحيةِ للأمهاتِ والأطفالِ يُقامُ في كلِّ حيٍّ مركزُ “رعايةِ الأمِّ والطفلِ”، يَضُمُّ طاقمًا منْ طبيبٍ وممرضةٍ وخبيرِ تغذيةٍ وَ”عامِلَةٍ اجتماعيَّةٍ”، وَكُلُّهُمْ أصحابُ تأهيلٍ إضافيٍّ في الصحةِ العامةِ، ويكونُ هذا المركزُ تابعًا إداريًا لدائرةِ الصحةِ في العمالةِ. ويقومُ كلُّ مركزٍ منْ هذهِ المراكزِ بإحصاءِ كُلِّ النساءِ والأطفالِ في الحيِّ، ويكونُ مسؤولاً مباشرةً عَنْهُمْ.
أَمَّا أهدافُ مَراكِزِ رِعايةِ الأمِّ والطفلِ فهيَ:
1- منعُ الأمراضِ المُعديةِ عنْ طريقِ التطعيمِ.
2- الاكتشافُ المُبكرِ للمشاكلِ الصحيّةِ عنْ طريقِ الفحوصاتِ الدَّوْرِيَّةِ.
3- مراقبةُ المشاكلِ الصحيةِ في المجتمعِ واتخاذِ الإجراءاتِ المطلوبةِ حسبَ اللازمِ.
4- الإرشادُ الصحيُّ لتحسينِ الصحةِ ومنعِ الأمراضِ والحثِّ على تكثيرِ النَّسْلِ.
أمَّا فيما يتعلقُ بالنساءِ المتزوجاتِ قبلَ فترةِ الحملِ، فإنَّ دائرةَ الصحةِ تقومُ بالتوعيةِ الصحيةِ على المواضيعِ المتعلقةِ بالنساءِ، وما يتعلقُ بالتحضيرِ للحَمْلِ والإنجابِ، عنْ طريقِ المحاضراتِ العامةِ والكُتَيباتِ والأفلامِ التي تُوَزَّعُ بصورةٍ دَوْرِيَّةٍ على مراكزِ رعايةِ الأُمِّ والطفلِ، ويُشْرِفُ على هذهِ الموادِّ طاقمٌ خاصٌّ منْ دائرةِ الصحةِ، يهتمُ بأنْ تكونَ المعلوماتُ سهلةً غيرَ مُعَقَّدَةٍ، ومفيدةً في ذاتِ الوقتِ، معَ مراعاةِ الفُروقِ في العاداتِ والأعرافِ في كلِّ منطقةٍ منْ مناطقِ الدولةِ وملاءَمَةِ الإرشاداتِ والتوعيةِ لهذهِ العاداتِ والأعرافِ.
كما تقومُ مراكزُ رعايةِ الأمِّ والطفلِ بفحصِ الأمراضِ المُعديةِ التي قدْ تُؤَثِّرُ على الأمِّ أوِ الجنينِ في فترةِ الحملِ، وتقديمِ العلاجِ أوِ الإرشادِ المتعلقِ بكُلِّ حالةٍ. وتهتمُّ المراكزُ كذلكَ بتقديمِ الإرشادِ للتغذيةِ الصحيةِ وما تحتاجُهُ المرأةُ منْ فيتاميناتٍ وإضافاتٍ للطعامِ قبلَ الحملِ.
أما الحواملُ، فإنَّ مراكزَ الرعايةِ تهتمُّ بمتابَعَتِهِنَّ دوريًّا للاطمئنانِ على سلامتهِنَّ وسلامةِ الجنينِ، ويُحَدَّدُ جدولٌ للفحوصاتِ اللازمةِ خلالَ الحملِ، من أجل الرعاية الصحية السليمة لهن طوال فترة الحمل.
ومنَ المهمِّ التذكيرُ بأنَّ الإجهاضَ ليس حراماً فقط بعد نفح الروح في الجنين، الذي يكون بعد مائة وعشرين يوماً كما في الحديث الصحيح المتفق عليه، واللفظ لمسلم من طريق عبد الله بن مسعود قال « إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ… » بل هو حرام قبل ذلك منذ بدء التخلق.
وقد ورد في الأحاديث أن التخلق يكون قبل نفخ الروح بشهور، فقد أخرج مسلم من طريق ابن مسعود قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) يَقُولُ إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا وفي رواية ” أربعين ليلة “.
ثم إن الإجهاض ليس حراماً يسبب إثماً في الآخرة فحسب، بل عليه عقوبة في الدنيا تصيب كل من يقوم به، سواء أكانت المرأة أم الزوج أم الطبيب أم غيرهم، ويعدُّ تعدِّيًا على نفسٍ إنسانيةٍ معصومةِ الدَّمِ، يُوجِبُ الديةَ بمقدارِ غُرَّةِ عَبْدٍ أوْ أَمَةٍ، أيْ عُشرِ ديَّةِ الإنسانِ الكاملِ. قالَ سبحانه وتعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ) [الإسراء 33]، وفي الحديثِ المتفقِ عليهِ عنِ الرسولِ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنهُ قَضَى في جنينِ امرأةٍ منْ بَني لَحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ: عَبْدٍ أوْ أَمَةٍ.
وتقومُ المراكزُ كذلكَ بتوعيةِ الحواملِ صحيًّا بإرشادهِنَّ إلى التغذيةِ السليمةِ والإضافاتِ اللازمةِ، وكذلكَ إرشادهنَّ لما ينبغي الحذرُ منهُ وتجنُّبُهُ وعدم تناوله خلالَ فترةِ الحملِ حتى لا يَتَأَثَّرَ الجنينُ، وأيضًا يكونُ هنالِكَ إرشادٌ وتحضيرٌ مُسْبَقٌ للمرأةِ الحاملِ لعمليةِ الولادةِ وكيفيةِ الرضاعةِ الناجحةِ والسليمةِ، ويستمرُ إرشادُ النساءِ لكيفيةِ الرضاعةِ الناجحةِ بعدَ الوَضْعِ على يدِ مُمَرِّضَاتٍ مُتَخَصِّصَاتٍ منْ خِلالِ زياراتٍ منـزليةٍ. كما تكونُ في المركزِ أيضًا إمكانيةٌ للدعمِ النفسيِّ للمرأةِ الحاملِ بإشرافِ عاملةٍ مُتَخَصِّصَةٍ في المجالِ.
وبالنسبةِ لرعايةِ الأطفالِ فإنَّ المركزَ يهتمُّ بأنْ يوفِّرَ طبيبًا يزورُ المولودَ الجديدَ في بيتِهِ حسبَ الحاجَةِ. ويتابعُ المركزُ نموَّ جميعَ الأطفالِ وتطوُّرَهُمْ منْ خلالِ فحوصاتٍ دَوْرِيَّةٍ في فتراتٍ زمنيةٍ محدَّدَةٍ، ويتمُّ في هذهِ الفحوصاتِ أيضًا فحصُ السمعِ والنظرِ والاتصالِ عندَ الطفلِ، وتشخيصُ المشاكلِ الصحيةِ لضمانِ معالجتِها ومتابعتِها مُبَكِّرًا. وخلالَ هذهِ المتابعةِ والفحوصاتِ الدوريةِ تُعطى التطعيماتُ المقرَّرَةُ للأطفالِ في أوقاتها المحدَّدَةِ وَفْقَ ما قرَّرَتْهُ دائرةُ الصحةِ. كما ويهتمُّ المركزُ أنْ يكونَ في الحيِّ أماكنُ مخصصةٌ للعبِ الأطفالِ، وأنْ تكونَ مزوَّدَةً بما يُثريهِمْ ويُسَلِّيهِمْ ويحمِلُهُمْ على التفكيرِ.
ب) ممرضاتُ المدارسِ: تكونُ في كلِّ مدرسةٍ ممرضةٌ أو ممرض أوْ أكثرُ حسبَ الحاجةِ، مهمتهم متابعةُ الطلابِ صحيًّا، وتقديمُ العلاجِ الأوليِّ في حالةِ إصابَتِهِم. وتشملُ هذه المتابعة التأكُدَّ منْ حصول الأطفال على كلِّ التطعيماتِ المقررةِ، والاتصالَ بالمعلمينِ لملاحظةِ التصرفاتِ الغريبةِ لبعضِ الطلابِ والتي قدْ تنتجُ عنْ مشاكلَ اجتماعيةٍ أو صحيةٍ عندَهُمْ، وضَمانَ فَحْصِهِمْ ومعالجةِ هذهِ المشاكلِ بالطرقِ الصحيحةِ. وتشملُ كذلكَ تقديمَ الإرشادِ الصحيِّ للطلابِ وعائِلاتهمْ وطاقمِ المدرسةِ، عنْ طريقِ المحاضراتِ منْ فترةٍ لأخرى أو النشراتِ الصحيةِ وما إلى ذلكَ.
ج) التطعيماتُ: التطعيمُ هوَ وسيلةٌ لتطويرِ المناعةِ ضدَ مسبباتِ الأمراضِ منْ فيروساتٍ وجراثيمَ، عنْ طريقِ إدخالِ أجزاءٍ غيرِ خطرةٍ منْ مسبباتِ الأمراضِ هذهِ إلى الجسمِ لتحفيزِ جهازِ المناعةِ الطبيعيِّ على إنتاجِ أجسامٍ مُضادةٍ ضدَ مسبباتِ المرضِ الأكثرِ خطرًا.
فالتطعيمُ هوَ جزءٌ منَ الوقايةِ الصحيةِ الأوليةِ، بحيثُ يُقدَّمُ للأصحاءِ لتقويةِ جهازِ المناعةِ لديهمْ وزيادةِ فعاليتِهِ في مقاومةِ مسبباتِ المرضِ. وتتعدَّى فائدةُ التطعيمِ أحيانًا الفردَ المُطعَّمَ حيثُ أنَّ عدمَ إصابتِهِ بالمرضِ تمنعُ أيضًا العدوى التي يمكنُ أنْ تنتقلَ منهُ إلى غيرِهِ ممنْ لمْ يتلقَ التطعيمَ. وإذا تَلَقَّى ما نسبَتُهُ 90% منَ الناسِ تطعيمًا ضدَّ مُسَبِّبِ مرضٍ مُعَيَّنٍ، فباقي الناسِ ممنْ لمْ يتلقوا التطعيمَ مباشرةً سيكونونَ بمأْمَنٍ منَ المرضِ لأنَّ مُسَبِّبَ المرضِ يصبحُ نادرًا في مثلِ هذهِ الجماعةِ بحيثُ يَقِلُّ احتمالُ التعرُّضِ لهُ، وهذا ما يُسمَّى بمناعةِ القطيعِ.
وقدِ اختفى بهذهِ الطريقةِ مرضُ الجُدَرِيِّ (Smallpox) منَ العالمِ في عامِ 1977 ميلاديةَ، بعدَ برنامجِ تطعيمٍ شَمِلَ معظمَ دولِ العالمِ قامتْ بهِ منظمةُ الصحةِ العالميةِ، ولمْ يَعُدْ مُسَبِّبُ المرضِ هذا موجودًا إلا في المختبراتِ.
ولأهميةِ التطعيمِ وفعاليتهِ في الوقايةِ منَ الأمراضِ، فإنَّ الدولةَ الإسلاميةَ تُقَدِّمُ هذهِ الرعايةَ الصحيةَ للرعيةِ بالمجانِ، وَفْقَ برنامجٍ مُحَدَّدٍ ومُقَسَّمٍ حسبَ فئاتِ الجيلِ، يُقَرِّرُهُ أهلُ الإختصاصُ بموازنةُ مَدَى انتشارِ مُسبباتِ المرضِ المُرادِ التطعيمِ ضدَّها وخطورةِ المرضِ الناتجِ عنْها، معَ العوارضِ الجانبيةِ للتطعيمِ نفسِهِ. ويتمُّ تطعيمُ المواليدِ الجُدُدِ في المستشفياتِ ودورِ الولادةِ، والأطفالِ في مراكزِ رعايةِ الأمِّ والطفلِ، وطلابِ المدارسِ في مدارسِهِمْ، والأفرادُ الأكبرُ سنًّا في الجيشِ أو في المراكزِ الصحيَّةِ الفرعِيَّةِ.
ويكونُ التطعيمُ إلزاميًا أوْ اختياريًا، بحسبِ تَعَلُّقِهِ بإزالةِ الضررِ عنِ الجماعةِ. فإنْ كانَ المرضُ المرادُ التطعيمُ ضدَّهُ خَطِرًا ومُعديًا يُجْبَرُ الفردُ على تَلَقِي التطعيمِ، حتى لا يُعَرِّضَ غيرهُ منْ أفرادِ المجتمعِ لخطرِ الإصابةِ بالمرضِ، وحتى يتكوَّنَ ما يُسَمَّى بمناعةِ القطيعِ. ويُسْتَثْنَى منَ المُجبرينَ على تلقي التطعيمِ منْ كانَ لَدَيْهِ حساسيةٌ للتطعيمِ، أوْ كانَ مُصابًا بضعفٍ في جهازِ المناعةِ بحيثُ يكونُ التطعيمُ نَفْسُهُ خطرًا عليهِ، وهؤلاءِ تكونُ حمايتهُمْ منَ المرضِ بمناعةِ القطيعِ. أما الأمراضُ التي لا تُسَبِّبُ ضررًا للجماعةِ، كأنْ يكونَ المرضُ غيرَ مُعْدٍ أوْ غيرَ خَطِرٍ على الجماعةِ فَيُخَيَّرُ الفردُ في تَلَقِّي التطعيمِ ضدَّهُ.
وقدْ تكونُ هنالِكَ برامجُ تطعيمٍ عالميَّةٍ تقومُ بها منظماتٌ دوليةٌ كمنظمةِ الصحةِ العالميةِ أوْ دولٍ أخرى لإزالةِ مرضٍ مُعَيَّنٍ منَ العالمِ كما في حالَةِ الجُدَرِيِّ، ويُطْلَبُ منَ الدولةِ الإسلاميةِ المشاركةُ فيها. وفي مثلِ هذهِ الحالةِ على الدولةِ الإسلاميةِ أنْ تشترطَ أنْ تَطَّلِعَ على كافةِ المعلوماتِ المتعلقةِ بالتطعيمِ وَعَوَارِضِهِ الجانبيةِ وبرنامجِهِ، وأنْ يُصَنَّعَ التطعيمُ المُرادُ تقديمُهُ لِرَعَايَا الدولةِ الإسلاميةِ في مصانِعِ الدولةِ وتحتَ إشرافِ دوائِرِها وَمُخْتَصِّيها، ويُعْطَى للرعيةِ بواسطةِ أجهزةِ الدولةِ الإسلاميةِ الصحيةِ وبإشرافِها، ولا يُقْبَلُ أنْ يَتَوَلَّى هذهِ الأعمالَ مندوبونَ منْ منظمةِ الصحةِ العالميةِ أوْ منْ دولٍ أخرى إلا بصفةِ مراقبينَ فقطْ. ويكونُ التطعيمُ في هذهِ الحالاتِ إلزاميًّا للرعيةِ بحسبِ تَعَلُّقِهِ بإزالةِ الضررِ عنِ الجماعةِ وَفْقَ التفصيلِ السابِقِ.
د) صِحَّةُ الفمِ وَالأَسْنَانِ: تُشَكِّلُ أمراضُ الفمِ واللِّثَّةِ والأسنانِ مشكلةً صحيةً واسعةَ الانتشارِ، فَتَسَوُّسُ الأسنانِ وحدهُ يُصيبُ ما بينَ 60-90% منْ طلابِ المدارسِ والأغلبيةَ الساحقةَ منَ البالغينَ في معظمِ الدولِ الصناعيةِ، وكذلكَ الأمرُ بالنسبةِ لأمراضِ اللثةِ.
وأمراضُ الأسنانِ تُسَبِّبُ المعاناةَ والألمَ، كما أنها تُؤَثِّرُ في سلامةِ النُّطْقِ والكلامِ، وتُغَيِّرُ رائحةَ الفمِ وَجَمَالَ الإنسانِ، هذا فَضْلاً عنْ مشاكلِ المضغِ والطعامِ.
وقدْ اهتمَّ الإسلامُ بصحةِ الفمِ وطهارتِهِ وحثَّ على العنايةِ بها، وَقَرَنَ بينها وبينَ نوالِ رضوانِ اللهِ سبحانه وتعالى، فقالَ الرسولُ (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما رواهُ أحمدُ والنَّسائيُّ وابنُ حِبَّانِ وابنُ خزيمةَ وصحَّحَهُ النوويُّ: “السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ”، وقالَ عليهِ وَآلِهِ الصلاةُ والسلامُ: “لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ”، رواهُ الإمامُ أحمدُ والبخاريُّ ومسلمٌ والترمذيُّ وابنُ ماجةَ. والسِّواكُ هوَ استعمالُ عودٍ وَنَحْوِهِ في الأسنانِ لإزالةِ ما يعلقُ بها منْ فضلاتِ الطعامِ، وما يَعْلُوهَا منْ صُفْرَةٍ، ويُطْلَقُ أيضًا على العودِ أوِ الشيءِ الذي يُتسوَّكُ بهِ. والسواكُ مُسْتَحَبٌ في جميعِ الحالاتِ والأوقاتِ، ولكنَّهُ في خمسةِ أوقاتٍ أشدُّ استحبابًا لقيامِ الأدلةِ على ذلكَ: عندَ الاستيقاظِ منَ النومِ والوضوءِ وقراءَةِ القرآنِ والصلاةِ وعندَ تَغَيُّرِ الفمِ. وفي صحيحِ مسلمٍ عنِ المِقْدامِ بنِ شُرَيْحٍ عنْ أبيهِ قالَ: “سَأَلْتُ عَائِشَةَ (رضي الله عنها) قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟، قَالَتْ (رضي الله عنها): بِالسِّوَاكِ”. وروى أحمدُ وأبو داودَ والترمذيُّ وحسَّنَهُ هوَ وابنُ حجرٍ عنْ عامرِ بنِ ربيعةَ (رضي الله عنه) قالَ: “رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) مَا لاَ أَعُدُّ وَمَا لاَ أُحْصِي يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ”.
وقدْ نهى الإسلامُ عنْ أكلِ الثومِ والبصلِ إذا ذهبَ المسلمُ لصلاةِ الجماعةِ حتى لا يَشُمَّ أخوهُ منهُ ريحًا غيرَ طيبةٍ فَيُؤْذِيَهُ، فقالَ (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما رواهُ البخاريُّ: “مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا”. وإهمالُ العنايةِ بالفمِ والأسنانِ يُؤَدِّي إلى كراهةِ رائِحَتِهِما وَتَأَذِّي المسلمينَ منْ هذهِ الرائحةِ.
لهذا فعلى الدولةِ الإسلاميةِ أنْ تهتمَّ برعايةِ صحةِ الفمِ والأسنانِ عندَ الرعيةِ، سواءَ عنْ طريقِ حملاتٍ إعلاميةٍ عامَّةٍ هدفُها توعيةُ الناسِ على أهميةِ وكيفيةِ الحفاظِ على صحةِ الفمِ والأسنانِ، أم عنْ طريقِ سياساتٍ تتخذُها الدولةُ لحمايةِ الأسنانِ منَ التسوسِ وخفضِ معدلاتِ حدوثِهِ، كإضافةِ الفلوريدِ إلى مياهِ الشربِ وإلى معاجينِ الأسنانِ ومحاليلِ غَسُولِ الفمِ، حيثُ تَدَّعِي بعضُ الدراساتُ غيرُ الموثوقَةِ أنَّ إضافةَ الفلوريدِ إلى مياهِ الشُّربِ في الولاياتِ المتحدةِ الأميركيةِ بعدَ عامِ 1945م خَفَّضَ مِنْ نِسْبَةِ تَسَوُّسِ الأسنانِ بـ 40%-70% عندَ الأطفالِ، وَخَفَّضَ ما نِسْبَتَهُ 40%-60% مِنْ فُقْدانِ الأَسْنانِ عِنْدَ الكِبارِ. فَتُدْرَسُ مَنافِعُ إضافَةِ الفلوريدِ إلى مياهِ الشربِ وَضَرَرُها المحتملِ على يدِ العلماءِ والأطباءِ في الدولةِ، وَيُتَّخَذُ الإجراءُ المناسبُ تبعًا لنتائِجِ هذهِ الدراسةِ.
كما تُوَفِّرُ الدولةُ الإسلاميةُ الفحصَ الدوريَّ المجانيَّ للفمِ والأسنانِ لجميعِ الرعيةِ، وخصوصًا للأطفالِ في مراحلِ الدراسةِ المختلفةِ لمتابعةِ نُمُوِ الأسنانِ وكشفِ الأمراضِ والتَسَوُّسِ مُبَكِّرًا وعلاجِها.
هـ) السَّلامَةُ والصِّحَّةُ المِهْنِيَّةُ: السلامةُ والصحةُ المهنيةُ هيَ مجالٌ يعنى بالحفاظِ على سلامةِ وصحةِ العاملِ أوِ الموظَّفِ في الدولةِ، وذلكَ عنْ طريقِ توفيرِ الحمايةِ المهنيةِ للعمالِ والحدِّ منْ خطرِ المُعَدَّاتِ والآلاتِ والموادِّ المستخدمةِ ونواتجِها وخطرِ مكانِ العملِ على العُمَّالِ، ومحاولةِ منعِ وقوعِ الحوادثِ وأمراضِ المهنَةِ أوِ التقليلِ منْ حدوثِها، وتوفيرِ الجوِّ المهنيِّ السليمِ الذي يساعدُ العمالَ على العملِ بأمانٍ.
وقدْ نهى النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنْ يُكَلَّفَ العاملُ فوقَ طاقتهِ، فلا يُطْلَبُ منهُ ما يَعْجَزُ عنهُ أو يُتْعِبُهُ، روى مسلمٌ في صحيحهِ أنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قالَ: “لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ، وَلاَ يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا يُطِيقُ”. بَلْ إنَّ الرسولَ (صلى الله عليه وآله وسلم) يَنْهَى أنْ تُكلَّفَ البهائِمُ والدوابُّ فوقَ طاقَتِها، فقدْ رَوَى أبو داودَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنهُ قَالَ: “إِيَّاكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوَابِّكُمْ مَنَابِرَ، فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُبَلِّغَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ، وَجَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فَعَلَيْهَا فَاقْضُوا حَاجَتَكُمْ”، والحديثُ صَحَّحَهُ الألبانيُّ وقَالَ الْقَارِيُّ في شرحِهِ: “وَالْمَعْنَى لا تَجْلِسُوا عَلَى ظُهُورهَا فَتُوقِفُونَهَا وَتُحَدِّثُونَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاء وَغَيْر ذَلِكَ، بَلْ اِنْزِلُوا وَاقْضُوا حَاجَاتكُمْ ثُمَّ اِرْكَبُوا”، ولا يخفى أنَّ مثلَ ذلكَ يُؤْذِي الدوابَّ ويُتْعِبُها في غيرِ طائلٍ.
وكذلكَ رَوَى أبو داودَ وأحمدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ (رضي الله عنه) قَالَ: “أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ، وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) لِحَاجَتِهِ هَدَفًا أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ. قَالَ: فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ، فَقَالَ: مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ؟ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟ فَجَاءَ فَتًى مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: أَفَلا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ.“، قالَ الحاكمُ عنْ هذا الحديثِ: “صحيحُ الإسنادِ” ووافَقَهُ الذهبيُّ.
وإنْ كانَ إرهاقُ الدوابِّ وتحميلُها فوقَ طاقَتِها مَنْهِيًّا عنهُ، فإنَّ فعلَ مِثْلِ ذلكَ بالبشرِ حرامٌ منْ بابِ أوْلَى، ولذلكَ يَمْنَعُ المحتسبُ في الدولةِ أربابَ العملِ والمُسْتَأْجِرينَ منَ التعدِّي على العمالِ أوِ الأُجراءِ بإرهاقِهِمْ أو تحميلِهِمْ ما منْ شأنِهِ الإضرارُ بصحتِهِمْ، كما ويُجْبِرُ المحتسبُ صاحبَ العملِ أوِ المُسْتَأْجِرَ على الالتزامِ بمعاييرِ السلامةِ وتقليلِ الخطرِ في بيئةِ العملِ، وذلكَ منْ بابِ الوقايةِ ومنعِ حصولِ الضررِ.
وَقَالَ ابنُ رُشْدٍ القُرْطُبِيِّ في “البَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ” عِنْدَ حَدِيثِهِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ (رضي الله عنه) مِنَ التَّفَقُدِ لأَِحْوَالِ رَعِيَّتِهِ: “قَوْلُ مالِكٍ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ (رضي الله عنه) مَرَّ بِحِمَارٍ عَلَيْهِ لَبِنٌ فَوَضَعَ عَنْهُ طُوبَتَيْنِ، قالَ: فَأَتَتْ سَيِّدَتُهُ عُمَرَ فَقالَتْ: يا عُمَر، مالَكَ لِحِمَارِي، أَلَكَ عَلَيْهِ سُلْطَانٌ؟ قَالَ: فَمَا يُقْعِدُنِي فِي هذا المَوْضِعِ؟ وَسُئِلَ مالِكٌ عَنْ حَديثِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ حينَ ذَكَرَ رَقِيقَ الحَوَائِطِ إِذْ كَانَ يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ فَيُخَفِّفُ عَنْ ثِقَلِهِمْ وَيَزِيدُ في رِزْقِ مَنْ أَقَلَّ لَهُ، أَكَانَ ذلِكَ في رَقيقِ النَّاسِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَغَيْرهُمْ مِنَ الأحْرارِ مَنْ عَمِلَ ما لا يُطِيقُ، فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّ الوُلاةَ عِنْدَنَا يُوَكِّلُونَ الشُّرَطَ فِيمَنْ مَرَّ بِهِ بِحِمْلٍ ثَقيلٍ مِنْ جَمَلٍ أَوْ بَغْلٍ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ، قَالَ: أَرَى أَنْ قَدْ أَصَابُوا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: المَعْنَى في هذَا بَيِّنٌ، لأَِنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قَالَ: “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” الحَدِيثُ (رَوَاهُ البُخَارِيُّ)، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ (رضي الله عنه) لِهذا الحَدِيثِ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ: لَوْ مَاتَ جَمَلٌ بِشَطِّ الفُرَاتِ ضَيَاعًا لَخَشِيتُ أَنْ يَسْأَلَنِي اللهُ عَنْهُ”، انْتَهَى كَلامُ ابنُ رُشْدٍ القُرْطُبِيِّ. فَها نَحْنُ نَرَى عُمَرَ (رضي الله عنه) يُخَفِّفُ مِنْ عِبْءِ العُمَّالِ وَيَزِيدُ في أَجْرِ مَنْ كُلِّفَ مِنْهُمْ بِحِمْلٍ ثَقِيلٍ وَعَمَلٍ مُضْنٍ شَدِيدٍ.
و) الفُحُوصَاتُ المَسْحِيَّةُ: الفحصُ المَسْحِيُّ هوَ فَحْصٌ يُجْرَى لمجموعةِ الرَّعِيَّةِ لِكَشْفِ المرضِ عندَ الأفرادِ الذينَ لا تظهرُ عليهمْ عوارضُ المرضِ أوْ علاماتُهُ. وبخلافِ الفحوصاتِ الطبيةِ المعهودةِ، يُجرى الفحصُ المَسْحِيُّ لأفرادٍ لا يظهرُ عليهِمْ أيُّ أَمارَةٍ للمرضِ.
أما هدفُ الفحوصاتِ المسحيةِ فهوَ كشفُ المرضِ في مجتمعِ ما مُبَكِّرًا بحيثُ يتمكنُ المُعالِجُ منْ التَّدَخُّلِ والعلاجِ المبكرِ لتقليلِ المعاناةِ منَ المرضِ ورفعِ نسبةِ نجاحِ العلاجِ.
وَتُقَرِّرُ لجنةٌ منَ الأطباءِ المختصينَ الأمراضَ التي يلزمُ أن تُوَفِّرَ الدولةُ الفحوصاتِ المسحيةِ لها لرعيتِها. ويجبُ أنْ تتوفرَ في المرضِ الذي يُرادُ إجراءُ فحصٍ مسحيٍ للكشفِ عنهُ بعضُ الأمورِ، مثلُ: أنْ يُشكِّلَ المرضُ مشكلةً صحيةً جَدِّيَّةً، وأنْ يكونَ هنالكَ علاجٌ للمرضِ، وأنْ يكونَ فحصُ كَشْفِ المرضِ ذا إمكانيةٍ تشخيصيةٍ مُرتفعةٍ، وأنْ تكونَ هنالكَ فترةٌ في مسارِ المرضِ يكونُ المرضُ خلالهَا مُسْتَتِرًا كامِنًا.
ولا يُجبرُ أفرادُ الرعيةِ على إجراءِ الفحوصاتِ المسحيَّةِ إلا إذا تَرَتَّبَ على امتناعهمْ ضررٌ يلحقُ ببقيةِ الرعيةِ، لتحريمِ الضررِ بالقاعدةِ الشرعيةِ والحديثِ: “لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ”.
[يتبع]
2010-05-18