أما آن لهجرة العقول الإسلامية إلى الغرب أن تتوقف؟
2010/07/17م
المقالات
4,124 زيارة
أما آن لهجرة العقول الإسلامية إلى الغرب أن تتوقف؟
م. موسى عبد الشكور – الخليل فلسطين
بالنظر إلى واقع الأمة في هذه الأيام نجد مدى الأزمة الكبيرة التي يعيشها معظم الشباب المسلم والمثقفين والعلماء، من ظلم سياسي، وسوء في التعليم، وضيق في العيش، وتفشٍ للبطالة، وانتفاء للعدل، وانتشار للظلم الوظيفي في الوظائف العامة والخاصة، وعدم الطمأنينة… كل ذلك من جراء تطبيق الرأسمالية التي تصطدم مع ما يحمله المسلمون من أفكار ومشاعر إسلامية. ولمّا استفحلت الأزمة أخذ الشباب والعلماء بالتطلع للتغيير، وعندما لم يتحسن الوضع ولم يفلحوا في تغيير هذا البلاء وإزالة ظلم الحكام، لوحق بعضهم، وطورد البعض في لقمة العيش والوظيفة، وهدد البعض بالتصفية الجسدية… فكانت الهجرة إلى الدول الأجنبية الكافرة ما يشبه الملاذ الأخير لهم، ومن هؤلاء من كان ضعيف النفس حيث لحق بالمجتمعات الغربية ظناً منه أن فيها السعادة والطمأنينة.
إن مجرد التفكير عند المسلم بالهجرة أمر خطير على الأمة الإسلامية، والأصل أن لا ينجرّ المسلمون له؛ لأن الهجرة برنامج مخطط له وهي تحقيق مصلحة الدول الاستعمارية وعملائها من الحكام الظلمة. فقد تسعى أجهزة الدولة ومخابراتها لإشاعة فكرة الهجرة خاصة ممن يلمس منهم الإخلاص ومحاولة التغيير لإبعادهم عن الساحة السياسية لإبقاء الحاكم على كرسي الحكم. وكذلك يستغل هذا الوضع من قبل السفارات الأجنبية فتفتح السفارات للشباب والعلماء والمتفوقين لسرقتهم وخاصة أنهم يحددون العمر الإنتاجي المطلوب والشهادة والتفوق العلمي، وإغراؤهم بالبعثات العلمية المجانية، وهذا أسلوب رخيص لسرقة الكفاءات واستقطابها وليس عملاً خيرياً وخدمة من الدول الغربية لهؤلاء؛ فهم يشرطون شروطاً لمصلحتهم فيقصرونها على الشباب ولا يأخذون كبار السن أو أصحاب المعدلات المنخفضة.
وتقوم مؤسسات أجنبية باستقطاب الشباب من طلبة الجامعات أو الثانويات العامة أو أساتذة الجامعات مثل مؤسسات الأمدايست الأميركية أو مؤسسة داد الألمانية أو البريتشكاونسل البريطانية وغيرها، حيث تقوم هذه المؤسسات الخبيثة بإرسال المتفوقين لاستغلالهم وفتح المجال أمامهم، لا حباً بهم بل لإجراء الأبحاث المبرمجة والتي تخدم هذه الدول، ثم إبقاء من صلح منهم في دول الكفر لاستغلالهم وإعادة غير المميزين لبلادهم إن رغبوا في العودة. وقد زاد تكالب الدول الكافرة على الكفاءات من أبناء المسلمين بعد ما أصابهم من شيخوخة في مجتمعاتهم، والتناقص الكبير في أعداد الشباب والقوى العاملة عندهم، وبهذا صاروا يمنحون الإقامة بأفضل الشروط لهم مع حاجتهم الملحة إلى ذلك…
لقد صارت ظاهرة الهجرة والاغتراب في الوقت الحاضر تجري كما خطط لها الغرب، وصارت هاجس الكثير من الشباب، وصارت فكرة الاغتراب سائدة عند كل من تأتيه فرصة الخروج، وخاصة بين الباحثين والموهوبين الذين تدهورت لديهم فرص المعيشة وفرص البحث العلمي في بلادهم.
وهذه الظاهرة تلقي بآثارها السلبية على كل قطاعات المجتمع ومنها التعليم العالي والجامعي والبحث العلمي والتنمية في دول بلاد المسلمين. فالعالم الإسلامي يعاني كثيراً من هجرة العقول والكفاءات والخبرات الشابة، فضلاً عن تلك الخبرات والكفاءات التي هاجرت منذ عقود، واستقرت في دول الغرب، وراحت ثمراتها وجهودها لمصلحة الحضارة الغربية ومدنيتها!
فهناك مئات آلاف الطلاب من البلدان الإسلامية يتابعون دراستهم في العالم الغربي، لاسيما الخريجين الذين حصلوا على درجة الدكتوراه فلا يعودون إلى بلادهم حيث الفرص قليلة والأجر منخفض، كما أنهم يشعرون بعدم الأمن والعدالة في بلادهم، إذ يرون أن المؤسسات البحثية والجامعية يسودها الاستبداد والمحسوبية، إلى جانب ضعف الإنفاق على البحث العلمي إلى جانب ندرتها وعدم فاعليتها.
وقد أثبتت الدراسات أن 90% من زيادة النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة يرجع الفضل في تحقيقها إلى التقدم العلمي والتقني، كما أن 50% من الزيادة في حصة الفرد من الدخل القومي تعود للسبب ذاته؛ ولذلك فإن الدول المتقدمة تستحوذ على 95% من العلماء في العالم، وتستحوذ أيضاً على النسبة ذاتها من البحث العلمي، وعلى 97% من براءات الاختراع في العالم، في حين أن عدد سكان هذه الدول لا يتجاوز 12% من عدد سكان العالم، وتستحوذ أيضاً على 64% من الدخل العالمي، وهذا هو سر سرقة العلماء والكفاءات المسلمة من قبل الدول الكافرة فهي قوة لهم وضعف لنا.
وتقدر دراسة لمؤسسة فلسطين الدولية للأبحاث أن عشرات الآلاف من العلماء والأطباء والمهندسين والفنيين المسلمين ذوي المهارات العالية يهاجرون سنوياً إلى الغرب، نصفهم يهاجر إلى الولايات المتحدة، ووصلت هجرة الأطباء والمهندسين والعلماء العرب إلى أوروبا الغربية والولايات المتحدة حتى عام 1976م إلى حوالى 24.000 طبيب، و17.000 مهندس، و75.000 مشتغل بالعلوم الطبيعية يمثلون 50 و23 و15% على الترتيب من جملة هذه الفئات المهنية في المنطقة العربية. وفي السنوات الخمسين الأخيرة هاجر من المنطقة العربية وفقاً لبعض التقديرات ما بين 25 إلى 50% من حجم الكفاءات العربية إلى ثلاث دول غربية هي الولايات المتحدة الأميركية وكندا وبريطانيا، وهذه الدول تستقطب أكثر من 75% من المهاجرين من المنطقة العربية وتقوم بمنحهم جنسيتها، فـ50% من الأطباء و23% من المهندسين و15% من العلماء من مجموع الكفاءات في المنطقة العربية المتخرجة في السنوات الخمسين الأخيرة باتوا يهاجرون إلى أوروبا وأميركا وكندا، و54% من الطلاب من المنطقة العربية الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم، ويشكل الأطباء العرب العاملون في بريطانيا حوالى 34% من مجموع الأطباء العاملين فيها.
إن قضية الهجرة هي قضية سياسية في أساسها، واقتصادية وفردية وعلمية ومهنية ولأسباب شخصية، وليس نقصاً في إمكانات مادية في العالم الإسلام الغني، تنفق الدول العربية سنوياً على السلاح 60 مليار دولار، فيما لا ينفقون على البحث العلمي سوى 600 مليون دولار فقط، وتنفق الجامعات العربية 1% فقط من ميزانياتها على البحث العلمي فيما تنفق الجامعات الأميركية 40% من ميزانياتها على البحث العلمي، ثم نتساءل لماذا يتقدمون ونتأخر؟! ولماذا يستقطبون علماءنا ويحتفون بهم، في الوقت الذي تحتفي فيه الحكومات في العالم الإسلامي ومعظم ساعات الإرسال في وسائل إعلامها بالفنانين والراقصين، ولا تمنح العلماء والمبدعين أي قدر من الاهتمام. يقول د. حسان النجار: «إذا نظرنا إلى بعض أوضاع الدول في المنطقة العربية في أعوام التسعينات من القرن الماضي، ازداد عدد الأطباء أو العلماء المهاجرين بشكل عام، والمهاجرين من العراق إلى بريطانيا بشكل خاص، حيث وصل عددهم إلى 4800 طبيب عراقي وصلوا إلى الدول الغربية، وهذا يعني أن العامل السياسي هو سبب رئيس للهجرة في بعض الدول العربية كسوريا أو كالجزائر أو المغرب العربي، حيث نرى أن هجرة الأطباء في تلك البلاد أيضاً تأتي بعد عوامل وضغوط سياسية، وعوامل عدم الاستقرار في هذه البلاد.
إن المشكلة خطيرة جداً. وإذا كانت هذه المشكلة مؤثرة إلى هذا الحد، فلماذا لا تنفق الحكومات والأنظمة في العالم الإسلامي على البحث العلمي وعلى العلماء؟ ولماذا تنفق على الراقصات والفنانين وألوان الترف معظم الميزانيات؟ ولماذا يسمح لآلاف الشباب والنخب العلمية والفكرية بالهرب من جحيم الأنظمة في العالم الإسلامي؟ والإجابة على هذه الأسئلة توضح أسباب الهجرة وهي كما يلي:
– عدم الوعي والفهم الشرعي للأحكام الإسلامية وطبيعة السكنى بين ظهراني الكفار والعلاقة معهم، وعدم وضوح مفهوم دار الإسلام ودار الكفر، ولو أنه لا توجد دار إسلام في الوقت الحالي.
– الظلم السياسي، وعدم استقرار الأوضاع، وملاحقة الصادعين بالحق وسببه الحكام الظلمة.
– عدم المحافظة على العلماء والكفاءات وترك الباب مفتوحاً للهجرة.
– الضعف السياسي والعمالة للأجنبي من قبل الأنظمة مما يسبب إحباطاً لدى الكفاءات.
– عمليات السرقة من قبل الدول الغربية للشباب وإغرائهم للهجرة.
– عدم توفر الإمكانات والبنية التحتية العلمية وأجواء البحث العلمي مع أن القدرة موجودة في العالم الإسلامي.
– الظلم الاقتصادي والفقر وارتفاع تكاليف الحياة مع تكدس المال بيد الأنظمة، ولكن في بنوك سويسرا ونهب المال العام من قبل الأنظمة وتحول الناس إلى فقراء.
– عدم وجود نظام تعليمي منتج للعلماء والباحثين أو المثقفين، صحيح إنه يوجد متعلمين ولكن لا يوجد علماء.
– الهجرة لتحقيق الذات والطموح العلمي في الدول الغربية.
لقد كشفت أحداث الحادي عشر من سبتمبر حقد الكفار الغربيين على الإسلام، وكشفت مدى حربهم للمسلمين، ويكفينا قضايا الحجاب والرسوم المسيئة والحرب العسكرية على العالم الإسلامي والاستعمار الغربي لأراضي المسلمين، فهل يبقى بعد هذا سبب للعيش بين ظهراني الكفار. إننا نذكر بأنه يجب على كل مسلم أن يحكّم الإسلام في هجرته وكل أعماله، وأن يعود إلى بلاد المسلمين ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وعليه أن يفكر أن وجوده في بلاد الهجرة يُعطي قوة لأعداء الإسلام من الغربيين وضعفاً للمسلمين، وعليه أن يعلم أن الإسلام يحث على التضحية بالنفس وقول الحق، والعمل للتغيير هو فرض شرعي، ومخالطة الناس وتحمل أذاهم فيه الثواب العظيم، عن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ» (ابن ماجه وأحمد).
ومن الآثار السلبية للهجرة:
– فقدان الأمة لكثير من أبناء المسلمين لا يمكن أن يقدّر بمال، وفقدان المخترعين. والمبدعين يفوِّت على الأمة امتلاك القوة، بل الذي يستفيد من ذلك هو عدوها.
– تأخر العالم الإسلامي تكنولوجياً وتحويله إلى مستورد للتقنيات الجديدة الغربية.
– تحول المجتمعات الإسلامية إلى مجتمعات مستوردة لمخترعاته.
– تقوية الدول الكافرة وإبقاء أمة الإسلام تابعة لها في ذيل الأمم.
– ابتعاد المهاجرين عن دينهم والاندماج مع المشركين واتباع سننهم وحمل عاداتهم.
– التأثير السلبي على عملية التغيير وإطالة عمر الأنظمة الحاكمة الطاغوتية.
وقد عالج الإسلام كل الأسباب المؤدية للهجرة، وعلى الدولة الإسلامية الاهتمام بالعلم كفرض شرعي، وهذا يتطلب شرعاً الحفاظ على العلماء وتمكينهم من إجراء الأبحاث، ويوجب على الدولة توفير المختبرات ومراكز الأبحاث لضمان تفوق المسلمين في مختلف الميادين. وكذلك يوفر الإسلام بنظامه المميز المأكل والملبس والمسكن والتعليم والتطبيب المجاني للرعية ولا يبقيِ سبباً واحداً يجبر المسلم على الهجرة. فالشباب والعلماء هم عصب الأمة الإسلامية، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «نصرت بالشباب» فهم درعها وسواعدها التي تبني، هم من يجاهد، وهم من يستشهد وهم من ينشر الإسلام ويبني دعائمه ويقوم بأعبائه… هم بعقولهم وبهمتهم…
وما يدل على أن الغرب يعي خطورة وجود العلماء المسلمين في بلاد المسلمين هو ما يحدث في العراق من الهجرة القسرية لعلماء العراق، حيث أضحى علماء العراق في واجهة الاستهداف المخابراتي (الإسرائيلي) برعاية أميركية كما تتحدث عن ذلك الصحف، فإن عمليات الاغتيال مازالت مستمرة في خطة مرسومة ومحاكة بدقة، وإنها ليست عشوائية وإنما تهدف لإفراغ العراق من مقومات قوة يخشى من أن تصل إلى العالم الإسلامي. وقد تم استهداف أكثر من 5000 عالم عراقي مرتبطين ببرنامج التسليح العراقي والخطط العسكرية للجيش العراقي. وتشير آخر إحصائية إلى أن عدد الاغتيالات بحق أطباء وأساتذة جامعات، وباحثين عراقيين وصل إلى 430 اغتيال في العام 2009م وحده، ويرى محلل سياسي عراقي أن تجهيز فصول عمليات الاغتيال بدأ قبل مرحلة الغزو الأميركي وذلك عبر استجواب العلماء العراقيين من قبل لجان التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل إبان نظام صدام وفق مواد القرار 1441 لمجلس الأمن، والذي أصرت واشنطن على أن يتضمن بنداً حول استجواب هؤلاء العلماء وكشوف أسمائهم وعناوينهم، مما يؤدي إلى القضاء على الصرح العلمي في العراق والذي ضم آلاف العلماء.
إن مسلسل الهجرة سيستمر إذا بقي الحال كما هو وسيزداد على الأغلب، لأن العالم الغربي يطلب المزيد رغم قواه العلمية وإمكاناته الضخمة، وإن انخفاض نسبة الكفاءات العلمية في الدول الصناعية، الغربية خصوصاً، بسبب انخفاض نسب الولادة وعدد المتخصصين في الفروع العلمية والتقنية، جعلها تبحث عن عقول وكفاءات أجنبية لملء الشواغر، ووضعت أميركا هذا العام قانونها في الهجرة لتسمح لأعداد أكبر من المواطنين غير الأميركيين والمتخصصين في العلوم والهندسة للعمل والعيش في الولايات المتحدة.
نعم، إن مسلسل الهجرة سيستمر لأن الحكام لا يقومون بواجبهم من حيث رعاية الأمة، ولا ينفقون على التعليم، بالإضافة إلى الظلم السياسي والاستبداد وتولية المحسوبين والمقربين من الحكام وتعيينهم في المراكز الحساسة في الدولة وإقصاء كل مخلص، بل وأكثر من ذلك إنهم يلاحقون المخلصين. فميزانية هذه الدول تذهب بمعظمها إلى جيوب المسؤولين وإلى الإنفاق على الأجهزة الأمنية للحفاظ على النظام السياسي. لذلك فموقف الحكام هو التشجيع لهجرة عشرات الآلاف من علمائها وكفاءاتها والتي تستقر في البلدان الغربية، والذي يدل على مسؤولية الحكام هو النجاح الذي حققته بعض الدول النامية في الحفاظ على علمائها ونجاحها في اجتذاب علمائها من ذوي المهارات العالية والدقيقة مثل كوريا، في حين فشلت معظم الدول في العالم الإسلامي، مع أن الأصل في الدول هو أن تحافظ على طاقاتها البشرية وعلى إعطائها كل سبل الحياة الكريمة، فعند توفر ذلك لا يمكن لأحد أن يفكر بالهجرة.
والقضية فكرية ابتداءً وتعالج فكرياً، وترعى المعالجة هذه الدولة الإسلامية. فالذي يحدد أين يقطن الإنسان المسلم هو فكره، فإن كان هدفه مادياً فقد أمر الإسلام بالسعي لطلب الرزق وحدد الأماكن التي يمكن أن يطلب فيها الرزق، وإن لم يتمكن من ذلك فقد ضمن الإسلام له توفير سبل الرزق له وجعله على الحاكم المسلم، وإن كان هدفه تعليمياً أمر الإسلام من الحاكم توفير أماكن العلم من جامعات ومراكز بحثية على أعلى المستويات، وإن كان هدف المسلم دعوياً أي نشر الإسلام. فقد فتح له باب الجهاد لنشر الإسلام وجعله له السبيل في هداية الناس.
أما الهجرة في الإسلام فهي نوعين:
– هجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، وهذا عرفه المسلمون على مدار عصور دولة الإسلام.
– هجرة من ديار الإسلام إلى ديار الكفر والشرك. وهذه لا تحصل والذي يحصل هو سفر مؤقت وليس هجرة واستقرار، والأصل في السفر أن يكون لسبب شرعي، وأن يكون مؤقتاً حتى يتحقق الهدف. وهذا السبب الشرعي مثل أن يكون للحماية في حالة التعرض للخطر أو للتجارة أو للعلاج.
إن التاريخ لا يذكر هجرة من الدولة الإسلامية إلى أي مكان بل سفراً للفتح، أو سفراً مؤقتاً للتجارة، أو لإرسال علماء للتدريس في الجامعات الأوروبية لخدمة الدعوة إلى الإسلام، وفي دولة الإسلام لم يكن هناك ظلم سياسي أو اقتصادي أو خوف على المال والولد فلم يكن من داعٍ للهجرة، فالأمن مستقر في أرجاء الدولة، والأعمال متوفرة، والتعليم متوفر على أعلى المستويات في ذلك الوقت، والمال فائض عن حاجة الناس، فلم يكن في ذلك الوقت حاجة للهجرة بل كان العكس تماماً يحدث، إذ كان يسمح لكل من يريد العيش في دار الإسلام الإقامة فيها، وإن أحب الدخول في الإسلام أصبح كالمسلمين في الحقوق والوجبات معززاً مكرماً يوفر له المأكل والملبس والمسكن.
أما تنقل المسلم في أرض الإسلام الممتدة من إندونيسا إلى المغرب فهو لا يعتبر هجرة أو تنقل لأجنبي، فالمسلم الساكن في فلسطين عند هجرته للعيش في الخليج أو الجزيرة العربية لا يعتبر انتقاله هجرة بل هو سفر داخلي في أرض الإسلام رغم اعتباره أجنبياً من قبل الأنظمة الحاكمة اليوم، فأرض المسلمين واحدة كأمة الإسلام الواحدة، قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء 92]، وهذا يحتم على المسلمين إزالة هذه الأنظمة لتعود ديار الإسلام واحدة، وهذا يجعل تنقل المسلمين فيها أمراً داخلياً طبيعياً، وتمنع الهجرة القسرية وتزول أسبابها. إن الهجرة من ديار الإسلام غالباً ما تفصل المرء عن أمته والعمل على خدمتها. فالعمل في الدول الأجنبية يجعل الفرد المستفيد الأول شخصياً هو وتلك الدول الأجنبية التي أوقعته في فخ الهجرة إليها.
ثم إن هناك مسألة في غاية الأهمية، وهي أن من كان في بلاد الشرك فعليه واجب ترك الإقامة فيها إذا كان لا يستطيع أن يقوم بأحكام الإسلام الواجبة عليه. فأمثال هؤلاء يجب عليهم أن يهاجروا إن استطاعوا من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، من بلاد يعجز فيها عن إظهار دينه إلى بلاد يستطيع فيها إظهار دينه، ومعنى إظهار الدين يعني الدعوة إلى توحيد الله والإخلاص لله وإقام الصلاة وإقامة الشعائر الدينية، فإذا كان يستطيع ذلك في البلاد التي فيها كفر لم تجب عليه الهجرة، إن استطاع إظهار دينه وهذه المسألة بدأ الغرب يضِيق ذرعاً بها ويضيّق على المسلمين حتى لا يستطيعوا أن يظهروا شعائر دينهم، وخاصة بعدما بدأ يتوجس من المسلمين صحوة على دينهم جعلته لا يقبل ذلك. وهذا يوجب على المسلمين أن يعودوا إلى بلادهم إن منعهم الغرب من إقامة ولو شعيرة واحدة من شعائر الإسلام.
أما الشباب المسلمون الذين استوطنوا ولا يستطيعون الرجوع إلى بلاد المسلمين، فالواجب عليهم الثبات على دينهم والعمل به، وإظهاره، واتباع أوامره، والبعد عن نواهيه، والدعوة إليه، وأن ينضموا إلى العاملين لإزالة حكم الكفر في بلاد المسلمين وهدم الأنظمة الحاكمة وإقامة الخلافة الراشدة ثم الهجرة إليها، نسأل الله أن يعين كل مسلم على الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وأن يوفقهم لتحكيم شريعة الله في بلادهم، والتحاكم إليها، والرضا بها، والحذر مما يخالفها.
ونقول للمهاجرين المسلمين: مخطئ من يظن أن الإسلام سيبعث من ديار الكفر وتصبح أوروبا وأميركا دولة إسلامية دون فتح وجهاد، وواهم كذلك من يظن أن الإسلام سينتشر وسط الكفار عن طريق العيش بين ظهرانيهم أو حتى عبر الإنترنت ويظهر كدولة هناك، وليتذكر كل المهاجرين أن لهم الأجر العظيم من جراء العمل الجاد مع العاملين لإعادة الخلافة الإسلامية التي ستقوم قريباً إن شاء الله تعالى على أنقاض دول العالم الإسلامي.
أما الاندماج أو التذويب للمسلمين في بلاد الكفار ففيه تخلٍّ للمسلم عن هويته الإسلامية ليحمل هوية أوروبا وأميركا الكافرة التي لا ترضى حتى يتبع ملتهم، وفيه تنازل عن كثير من أحكام الشرع الإسلامي.
إننا نذكر بما حدث في الأندلس من تصفية وتنصير للمسلمين في زمن فرديناند وإيزابيلا، ونحذر من تكراره في حال قيام دولة الخلافة انتقاماً عند طرد أميركا وأوروبا من العراق وفلسطين وأفغانستان وكل العالم الإسلامي.
اعلموا، أيها المهاجرون، أنكم مسؤولون أمام الله عن زوجاتكم وأولادكم، وأنكم مسؤولون عن ارتداد أي فرد من أسركم، وأنكم مسؤولون عن تشبه وتخلق من تعولون بالكفار، عن ابن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «…وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» (أحمد وأبو داود).
إن العمل الجاد المنتج يكون بالعمل على إزالة العقبة الكبرى المسببة لكل مشاكل المسلمين، وهو إزالة هؤلاء الحكام، وتنصيب حاكم مخلص يقوم بالعودة الحقيقية إلى تعاليم الدين الإسلامي واستغلال مخزون الأمة من الكوادر البشرية لدى المسلمين، حيث إن الثروة الشبابية في العالم الإسلامي كبيرة جداً، هذه الثروة بمنـزلة الماء العد الذي لا ينضب بمرور الزمن، ويقوم بإعادة النظر في المناهج التعليمية لتلبي متطلبات دولة مبدئية يأمرها الإسلام أن تكون الدولة الأولى في العالم للارتقاء بأمتنا وتجنبيها المخاطر المحدقة بها، ويجب أن يستشعر كل فرد في الأمة، ذكراً كان أو أنثى، بعظيم المسؤولية الملقاة على عاتقه، المتمثلة بتطبيق الدين الحنيف في كل أمور حياته؛ لأن الشرع الإسلامي يحتم على كل مسلم أن يحافظ على دينه ويعتصم بحبل الله ويحافظ على هويته الإسلامية، وعلى نمط عيشه المتميز بهذه العقيدة السمحة، وهذا لا يتم إلا بالعمل مع العاملين لإقامة دولة الخلافة التي تحافظ على أبنائها، وتعينهم على الالتزام بدينهم، وتوفر لهم سبل العيش الكريم.
إن ذلك لكائن إن شاء الله، وصدق الله العظيم بقوله: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف 21].
2010-07-17