كغُثاءِ السيل. أمْ خير أمّةٍ أخرجت لِلناسْ؟
1994/07/18م
المقالات, كلمات الأعداد
2,261 زيارة
أمة واحدة: قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يَحْقِره»، وقال: «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يُدٌ على من سواهم»، وقال: «المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يَشُدّ بعضُه بعضاً»، وكتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وثيقة المدينة عند هجرته إليها «بسم الله الرحمن الرحيم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي -صلى الله عليه وسلم-، بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم، فلحق بهم، وجاهد معهم، إنهم أمّة من دون الناس،… وإنّ المؤمنين بعضهم مَوالي بعضٍ من دون الناس،… وإنّ سِلْمَ المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتالٍ في سبيل الله، إلا على سواء وعدل بينهم،… وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيءٍ فإن مردّه إلى الله عزّ وجل وإلى محمد -صلى الله عليه وسلم-».
حربهم واحدة وسلمهم واحدة: النصوص الشرعية المارّ ذكرها جعلت المسلمين كما وصفهم نبيهم -صلى الله عليه وسلم-: «المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسهر». فإذا اعتدى معتدٍ على بعض المسلمين كان معتدياً عليهم جميعاً، فلا يحلّ لأي مسلم في الدنيا أن يسالم ويصادق جهة معتديةَ على المسلمين وهي في حالة حرب مع المسلمين. ومن يفعل ذلك فهو عاصٍ لله ولرسوله وهو خارج على جماعة المسلمين.
تمزيق الأمة حرام: فإذا كان المسلمون الآن ممزقين إلى نَيِّفٍ وخمسين دويلة فإن هذا التمزق هو منكر وهو حرام ولا يجوز أن يستمر. فالمسلمون أمة واحدة ويجب أن تكون لهم دولة واحدة يحكمها خليفة واحد، مهما تباعدت أطرافها، ومهما تعدد قومياتها. وكان جواب الرسول لحذيفة بن اليمان: «تتبع جماعةَ المسلمين وإمامَهم» أي أن جماعة المسلمين لهم إمام واحد في العصر الواحد. وقد أكد هذا المعنى قولُه -صلى الله عليه وسلم-: «من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر». وقولُه: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل منكم يريد أن يشق عصاكم فاضربوه بالسيف كائناً من كان».
حين احتل الكفار بلاد المسلمين في الحرب العالمية الأولى وهدموا الخلافة الإسلامية، مزقوا هذه البلاد إلى مزق صغيرة كي يسهل عليهم استعمارها. ويبلغ عدد الدويلات القائمة في العالم الآن 52 دولة يسمونها (دولاً إسلامية)، مع أنها في الحقيقة (دول علمانية) تطبق قليلاً من الأحكام الإسلامية وأكثر قوانينها قوانين كفر. هذا التعدد في الأمراء والدول لا يجعل التمزيق مشروعاً ولا يعطي صلاحية لهذا الأمير أو ذلك لأن يتصرف، باسم القطعة التي يحكمها أو باسم المسلمين الذي تأمّر عليهم، تصرفاً مستقلاً عن بقية الأمة الإسلامية وبقية البلاد الإسلامية. وإن فَعَلَ فتصرفه باطل لا يُلزم المسلمين الذين يحكمهم ولا غيرهم. ويجب على المسلمين إلغاء تصرفاته هذه.
نقول هذا ونحن نرى بعض حكام المسلمين يسالمون ويصالحون العدو اليهودي الغاصب لفلسطين وما حولها، المشرِّد لأهلها.
حرب فعلية: اليهود الذين احتلوا فلسطين واغتصبوا أرضها وشردوا أهلها هم عدو، بيننا وبينهم حالة حرب فعلية. وهذه الحرب ليست بين دولة اليهود وبين أهل فلسطين الذين احتلت أرضهم وحدهم، وليست هي بين دولة اليهود والدول التي تَحدّ فلسطين وحدها، وليست بين دولة اليهود والدول العربية وحدها. بل إن حالة الحرب هي بين دولة اليهود والأمة الإسلامية جميعاً. فإذا اعتبر حكام تركيا مثلاً أن الأمر لا يعنيهم وأنهم ليسوا في حالة حرب مع دولة اليهود لأنها لم تحتل أرضهم، إذا اعتبروا هذا الاعتبار فإنهم مخطئون ومخالفون للإسلام، وموقفهم هذا لا قيمة له في نظر الشرع، ولا يجوز لمسلمي تركيا أن يطيعوه، بل يجب عليهم أن يجبروا حكامهم على البقاء مع جماعة المسلمين ضمن أحكام الإسلام. وإذا قام حكام مصر وأعلنوا الصلح مع الدولة اليهودية الغاصبة فهم مخالفون للإسلام، وتصرفهم باطل، ولا يجوز لمسلمي مصر أن يطيعوهم في ذلك. بل يجب عليهم أن يجبروهم على البقاء مع جماعة المسلمين ضمن أحكام الإسلام. وكذلك حين ذهبت منظمة عرفات للصلح مع دولة اليهود وتنازلت لها عن فلسطين فإن هذا منكر مخالف للإسلام ولا تجوز طاعته ولا السكوت عليه. وحين يذهب النظام الأردني الآن لمصالحة دولة اليهود رغم إصرارها على اغتصاب فلسطين فإن هذا منكر لا يجوز السكوت عليه.
الأمة الإسلامية تبقى أمة إسلامية واحدة رغم تمزيقها إلى نيّف وخمسين دويلة. والتمزيق هو منكر، والمنكر لا يعطي شرعية ولا أثر له في تغيير الأحكام الشرعية. فما دامت دولة اليهود معتدية وغاصبة للأرض والمال ومشرِّدة للناس فإن حالة الحرب الفعلية ستظل قائمة بينها وبين الأمة الإسلامية. والمسلم الذي يُخرِج نفسه من أحكام الإسلام إلى أحكام الكفر، والله سبحانه يقول: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ).
طرفا الحرب: الحرب الفعلية هذه طرفها الأول هو اليهود المعتدون الغاصبون، يهود دولة إسرائيل، وكل يهودي أو غير يهودي يدعم ويساعد دولة إسرائيل، سواء كان الذي يساعد دولة إسرائيل هو دولة أو حزب أو فرد، وسواء كان في فلسطين، أو في أي مكان من العالم. كل من يساعد دولة إسرائيل بمال أو سلاح أو إعلام أو تشجيع أو موقف أو قول، أو اعتراف أو صلح أو غير ذلك فهو عدو مثله مثل يهود إسرائيل.
وطرفها الثاني (طرف الحرب الفعلية) هو الأمة الإسلامية جميعها، كل مسلم هو عدو لدولة اليهود الغاصبة، سواء كان هذا المسلم يحمل الجنسية السورية أو المصرية أو التركية أو الإيرانية أو الأميركية أو الروسية أو الإسرائيلية أو الصينية أو غيرها. ويقف إلى جانب المسلمين كلُّ من يكره العدوان ويكره أن يَغتصِب اليهودُ أرضَ فلسطين ويشردوا أهلها ليجلبوا إليها شعوباً من جهات شتّى.
ساحة الحرب: الحكم الشرعي أن يباشر الحربَ من كان أقرب إلى العدو لقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) فإذا لم يَكْفِ القريب انتقل الوجوب إلى من حولهم حتى تحصل الكفاية ولو لزم إشراك جميع المسلمين في العالم، إذ هذا هو معنى فرض الكفاية.
وإذا دققنا النظر هنا نجد أن العدو ليس محصوراً في بقعة محددة. صحيح أن دولة إسرائيل موجودة في فلسطين، ولكنها موجودة خارج فلسطين أيضاً. كل سفارة لها هي جزء منها. وكل مكتب لها سواء كان تجارياً أو قنصلياً أو ثقافياً هو جزء منها. وكل مؤسسة تدعم دولة إسرائيل هي جزء منها وتُعامل معاملَتَها وإن كان أصحابها من غير اليهود. وكل دولة في العالم تساعد دولة إسرائيل وتدافع عنها وعن عدوانها واغتصابها تُعامَل معاملة دولة إسرائيل. إذاً فالعالم كله ساحة حرب فعلية بين المسلمين ودولة إسرائيل الغاصبة.
المعاملة بالمثل: هناك نهي في الشرع الإسلامي عن تقصّد الأطفال والشيوخ والنساء بالقتل في الحرب قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة» [رواه أبو داود]. وروى مالك في الموطأ أن أبا بكر –رضي الله عنه- عنه أوصى أمير الجيش الذي أرسله إلى الشام: «إني موصيك بعشر خِلال: لا تقتل امرأة، ولا صبياً، ولا كبيراً هَرماً، ولا تقطع شجراً مثمراً، ولا تخرّب عامراً، ولا تعقُرنّ شاةً، ولا بعيراً إلا لمأكله، ولا تعقرنّ نخلاً ولا تحرقه، ولا تغلُلْ، وتخبن».
ولكن إذا صار العدو يقتل الأطفال والشيوخ والنساء ويدمّر المساكن ويحرق المزارع، فإنه تجوز معاملته بالمثل.
يوم الاثنين 18/07/94 حصل انفجار في بونيس ايرس (الأرجنتين) يضم مكاتب مؤسسات يهودية، فتم تدميره وقتل فيه حوالي مائة وجرح حوالي مائة غالبيتهم من اليهود. وقام حكام إسرائيل يوجهون الاتهامات يميناً وشمالاً دون دليل، ويوجهونها إلى المسلمين وخاصة (حزب الله). فإذا كان حكام إسرائيل يستنكرون هذا ويعتبرونه إرهاباً، فلماذا يفعلونه هم؟ في مثل هذه الأيام من السنة الماضية ماذا فعلت طائراتهم وزوارقهم ودباباتهم في جنوب لبنان، كم دمّروا من البيوت وقتلوا من النساء والأطفال والشيوخ وكم هجّروا من السكان؟
مذابح صبرا وشاتيلا في بيروت عام 82 من الذي رتبها وأشرف على تنفيذها؟ والقتل اليومي لأطفال الضفة الغربية وغزة وتدمير بيوتهم الذي تمارسه إسرائيل علناً أليس اعتداءً وإرهاباً؟ وما تقوم به إسرائيل يومياً من قصف على قرى الجنوب فتهدم البيوت وتقتل الأهالي وتحرق المزروعات، هل هذا مباح لها؟ واحتلالها لجنوب لبنان وللجولان ولفلسطين هل هو احتلال مشروع لها؟ والمذابح التي مارستها عصاباتها منذ احتلالها لفلسطين سنة 48 في دير ياسين وقبية والسموع وضربها لأطفال المدارس في بحر البقر في مصر أليس إرهاباً؟ فهل بعد ذلك يحق لإسرائيل أن تَصِم غيرها بالإرهاب وتصف نفسها بالبراءة والسلام؟
أنها المعاملة بالمثل؟ إن من أَخَذَ بالسيف فبالسيف يؤخذ. نحن لا نعلم من الذي نفّذ عملية بيونس إيرس. ولكنه إذا كان من المسلمين وقام بذلك لأنه رأى هذه المؤسسات اليهودية تدعم دولة إسرائيل الغاصبة فإن عمله مشروع، وهو عمل دفاعي في وجه العدوان اليهودي الغاشم على أرض فلسطين وما جاورها.
لن يغيّروا الحقائق: إن وقوف أميركا إلى جانب العدوان اليهودي لن يغيّر الحقائق، وإن وقوف غالبية دول العالم في صف الظالم لن يبّرئ هذا الظالم. وإن وقوف بعض الأنظمة العربية الخائنة مع دولة اليهود لن يجعل المسلمين يخرجوا من الحرب الفعلية ضد العدو الغاصب وحلفائه.
فَلْيتهيَأ كل مسلم: الأمة الإسلامية اليوم تزيد عن مليار مسلم، وهم منتشرون في جميع أصقاع الأرض، وفيهم القدرة على استرداد كرامتهم، ورفع الإذلال عن عاتقهم، وتَلْقينِ العدو ومن يساعده درساً قاسياً. وعلى كل مسلم قادرٍ أن يسارع ويبحث كي يتعلم هذه الدروس ويتقنها ويصبح ماهراً في تقلينها للعدو.
خيرُ أمّة وليس غُثاء إن شاء الله: إننا نقرأ اليوم حديث رسولنا الكريم وحبيبنا المصطفى إمام المجاهدين -صلى الله عليه وسلم-، نقرأه وكأنه الآن يخاطبنا ويوبخنا إذا رضينا الدنيّة: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها» قالوا: أوَ مِنْ قِلّةٍ نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غُثاء كغثاء السيل. ولينزعَنّ اللهُ مهابتكم من صدور عدوكم، وليقذِفَنّ في صدوركم الوَهَن» قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: «حُبُّ الدنيا وكراهية الموت».
حُبُّ الدنيا الذي يجعلنا نستمرئ الذل سننزعه من قلوبنا بمعونة الله، وخوفُ الموت لا يطيل عمراً، والإقدام على التضحيات لا يقصّر عمراً ولا ينقص رزقاً.
فهل ترضى أمة المصطفى أن تبقى غثاءً كغثاء السيل، أو تتقدم لتحتل المركز الذي اختاره الله لها واختارها له: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) .
1994-07-18