الكونفدرالية خطة أميركية عاجلة لتفادي الدولة الفاشلة
2010/10/17م
المقالات
2,103 زيارة
الكونفدرالية خطة أميركية عاجلة لتفادي الدولة الفاشلة
الأستاذ متوكل وداعة
الكونفدرالية وبالإنجليزية Confederation تعني اتحاد بين دولتين أو أكثر من الدول ذات الاستقلال التام بعد عقد معاهدة تحدد الأغراض المشتركة التي تهدف الدولة الكونفدرالية إلى تحقيقها، ويتمتع كل عضو فيها بشخصية مستقلة عن الأخرى، وتديرها هيئات مشتركة تتكون من ممثلين من الدول الأعضاء لتحقيق الأهداف المشتركة، وهذه الهيئة تسمى الجمعية العامة أو المؤتمر، وأعضاؤها يعبرون عن رأي الدول التي يمثلونها، وتصدر القرارات بالإجماع، وتعتبر نافذة بعد موافقة الدول الأعضاء عليها.
وتتمتع الدول الأعضاء في الاتحاد الكونفدرالي باستقلالها التام، وترتبط ببعضها نتيجة مصالح عسكرية أو اقتصادية أو سياسية، وتطبق هذا النظام بعض البلاد على مر التاريخ منها:
1- الاتحاد الاستقلالي الكونفدرالي الذي أقيم في الولايات الشمالية الأميركية في عام 1771م وانتهى عام 1787م، وهذا الاتحاد هو الذي سبق الاتحاد الفدرالي الذي أقيم بين الولايات الأميركية والذي سميت بموجبه الولايات المتحدة الأميركية.
2- الاتحاد الاستقلالي السويسري الذي أقيم عام 1815م وانتهى عام 1848م، وهو تاريخ قيام الاتحاد الفدرالي السويسري الحالي.
3- الاتحاد الكونفدرالي الألماني الذي أقيم عام 1815م وانتهى عام 1866م وكان يضم النمسا، وقد حل محله الاتحاد الكونفدرالي لألمانيا الشمالية منفصلاً عن النمسا، وتم ضم بعض دول جنوب ألمانيا إلى الاتحاد، وتحول هذا الاتحاد عام 1871م إلى الإمبراطورية الألمانية.
4- اتحاد الدول العربية الذي قام عام 1958م بين الجمهورية العربية المتحدة (التي كانت تضم مصر وسوريا) والمملكة المتوكلية اليمنية.
5- كونفدرالية الراين عام 1806م إلى 1813م التي لم يكن لها رئيس للدولة ولا حكومة.
6- مملكة أراغون (مملكة قديمة في شبه الجزيرة الأيبيرية ) 1137م إلى 1716م.
7- كونفدرالية صربيا والجبل الأسود ما بين 1992م إلى 2006م.
8- إبروكواس مجموعة من الأميركيين القدماء في منطقة البحيرات العظمى اتحدوا في القرن الثاني عشر وأسسوا كونفدرالية.
ومعظم الدول التي كانت كونفدرالية تحولت إلى فدرالية كالولايات المتحدة الأميركية وسويسرا، والبعض الآخر انفصلت بعضها عن بعض كصربيا والجبل الأسود.
والأصل في الكونفدرالية أنها اتحاد لدول منفصلة أصلاً عن بعضها ربطت بينها روابط، بخلاف الفيدرالية التي تعني الاتحاد بين أقاليم الدولة الواحدة، أما دولة واحدة تتحول لدولة فدرالية فتلك من البدع!، ويبدو الفرق بين الكونفدرالية والفدرالية واضحاً من خلال النقاط التالية.
1- لكل دولة عضو من أعضاء الاتحاد الكونفدرالي ممارسة السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي الفعلي، أما أعضاء الدولة الفدرالية فلا يحق لهم ذلك، ويكون التمثيل الدبلوماسي والسياسة الخارجية من اختصاص السلطة التنفيذية (الحكومة المركزية).
2- لدول أعضاء الدولة الكونفدرالية حق إعلان الحرب، وليس بإمكان أعضاء الدولة الفدرالية ذلك.
3- الحرب التي تحدث بين أعضاء الدولة الكونفدرالية حرب دولية, أما الحرب التي تحدث بين أعضاء الدولة الفدرالية هي حرب داخلية (إقليمية).
4- كل خرق للقانون الدولي من قبل أحد أعضاء الدولة الكونفدرالية يتحمل نتائجه وحده وليس بقية الأعضاء، والعكس صحيح في الدولة الفدرالية.
5- تشرف على الدولة الكونفدرالية هيئات مشتركة بين الدول الأعضاء، أما في الدولة الفدرالية الحكومة المركزية هي التي تدير الدولة وتترأس أعضاءها.
6- يحق لكل دولة عضو في الاتحاد الكونفدرالي الانسحاب متى شاءت لكونها دولة مستقلة، وأما أعضاء الدولة الفدرالية فليس لهم الحق لأنهم يعتبرون أقاليم.
7- مواطنو الدولة الفدرالية يتمتعون بجنسية الدولة الاتحادية الفدرالية، عكس الدولة الكونفدرالية حيث تتعدد فيها الجنسيات بتعدد الدول.
8- في الاتحاد الكونفدرالي يتعدد رؤساء الدول لتعدد الدول، أما الدولة الفدرالية فتتميز بوحدة رئيس الدولة.
من كل هذا يتبين أن الفرق بين الكونفدرالية والفدرالية هو أن الفدرالية هي دولة موحدة ذات حكم لامركزي، أما الدول الكونفدرالية فهي اتحاد دول منفصلة تماماً عن بعضها.
أما الحكم الشرعي في الكونفدرالية فواضح من أن الكونفدرالية اتحاد بين دول تبقى منفصلة في كثير من شؤونها فهو انفصال، والانفصال غير جائز في الإسلام , يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن عرفجة: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ». أما الدولة الإسلامية فلا تكون إلا دولة واحدة، ونظامها نظام وحدة وليس اتحاداً.
ومن مصائب الزمان أن بعض أبناء المسلمين يقعون في فخ وحبائل الاستعمار وينفذون مؤامراته من حيث يدرون أو لا يدرون، جهلاً أو خيانة منهم، والكونفدرالية من الأساليب الاستعمارية لتمزيق بلاد المسلمين، واليوم يراد في السودان تطبيق هذه الفكرة. فبعد أن علمت أميركا أن الجنوب اليوم إذا انفصل قد يشكل عائقاً أمام مصالحها فيه دفعت بفكرة الكونفدرالية حتى لا تنشأ في الجنوب دولة فاشلة، فقد نقلت صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 29/4/2010م عن المبعوث الأميركي للسودان سكوت غرايشن قوله: «إننا في أميركا نتطلع إلى حدوث طفرة، وليس لدينا في الحقيقة تاريخ طويل في إنشاء الدول، وبكل تأكيد لا نريد دولة فاشلة أو دولة في حالة حرب»، وشدد نائب الرئيس الأميركي بايدن خلال مقابلة مع تلفزيون «إيه بي سي» الأميركية على أن آخر شيء تريد الولايات المتحدة رؤيته هو ظهور دولة فاشلة أخرى في القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، وأشار إلى أن الولايات المتحدة مستمرة في العمل مع الأمم المتحدة والرئيس المصري حسني مبارك ورئيس لجنة حكماء أفريقيا ثابو مبيكي ورئيس حكومة جنوب السودان سلفا كير.
وقد طرح كل من شريكي نيفاشا المؤتمر الوطني والحركة الشعبية الكونفدرالية على الآخر، فقد أورد المصدر أونلاين أن المؤتمر الوطني يطرح على الحركة الشعبية تبني الكونفدرالية نظام حكم في البلاد بتفاصيل يُتفق عليها لاحقاً، وذلك كصيغة بديلة لخيار الانفصال، أما الحركة الشعبية فيقول الأمين العام لها (باقان أموم) في جريدة الشرق الأوسط «على سكان جنوب السودان اختيار الاستقلال أو الوحدة.. وإذا كان الانفصال هو الخيار فإننا سنضمن تعاوناً جيداً بين الدولتين المستقلتين، وقد يأخذ ذلك شكل كونفدرالية أو سوق مشتركة»، وأضاف: «نريد أحسن وأفضل العلاقات بين الجنوب والشمال» [الشرق الأوسط الأحد 11 يوليو 2010م]، وأكد مالك عقار نائب رئيس الحركة الشعبية أن الكونفدرالية هي الحل الوحيد لتوحيد السودان الذي بات على مفترق الطرق وتواجهه مخاطر تهدد وحدته. ونقلت قناة الجزيرة الإخبارية عن عقار خلال احتفالات مدينة الكرمك بالولاية بالذكرى الثالثة لتوقيع اتفاق نيروبي للسلام: «على رافضي خيارات الكونفدرالية بوصفها نظام حكم في السودان توفير البديل المقنع للجميع»، [الوطن السودانية 2/8/2010م].
أما أسباب فشل الدولة الجديدة فهي كثيرة أهمها:
1- افتقار دولة الجنوب للبنية التحتية التي تعينها على الثبات، خاصة وأن الجنوب يعتمد اعتماداً كاملاً على البترول حيث تعتمد حكومة الجنوب على النفط بنسبة 89%، وكل خدمات البترول تقريباً تقع في الشمال (الأنبوب الناقل من حقول الإنتاج إلى مصافي التكرير وإلى ميناء التصدير, والمعدات الحقلية ومعدات المعالجة المركزية, ومصافي التكرير, ومستودعات التخزين، مما يؤكد أنه إذا حدث انفصال فعلى حكومة الجنوب إذا أرادت استقلال هذه الخدمات دفع تعريفة نقل وتكرير وتخزين وخدمات معالجة وحقوق ملكية حسب الفئات السائدة عالمياً، هذا كله طبعاً إذا كانت العلاقة بين الدولتين علاقة تمكن دولة الجنوب من الاستفادة من تلك الخدمات، وأن لا تكون العلاقة علاقة حرب مما يعني استحالة استخدام ميناء بشائر الموجود على البحر الأحمر.
أما الخيار الثاني لنقل البترول إلى خارج الجنوب فهو استخدام ميناء ممبسا، وعلى حكومة الجنوب أن تنشئ خطاً ناقلاًً من أنابيب البترول من جوبا إلى ممبسا في كينيا، وتبلغ المسافة من جوبا إلى ممبسا حوالى 1750كلم، وتواجه ميناء ممبسا تعقيدات جغرافية تصعب من نقل خام جنوب السودان إليها، تتمثل في انخفاض جنوب السودان مقارنة بموقع ممبسا، الأمر الذي يرغم حكومة الجنوب على إنشاء محطات عديدة لضخ البترول حتى يصل إلى ممبسا، وهذا يضاعف تكلفة نقل خام النفط القادم من جنوب السودان إلى هناك، لا سيما وأن تكلفة الخط الناقل من أنابيب البترول بلغت 600 مليون دولار، هذا بالإضافة إلى تكلفة إنشاء مصفاة لتكرير البترول بالجنوب، ولو أتيح التمويل اللازم لهذين المشروعين فإنهما سيستغرقان حوالى أربعة سنوات، هذا بالطبع إذا كانت الدولة مستقرة داخلياً، ولا توجد حروب قبلية بالداخل، ولا توجد حرب بينها وبين الشمال.
2- عدم وجود رابط مبدئي أو مصلحي بين أبناء القبائل الجنوبية مما أدى إلى وجود حروب داخلية ونزاعات قبلية، فقد أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في يوم 26/2/2010م بأن جنوب السودان يشهد كثافة في الاقتتال فيما بين القبائل بدءاً من منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي وحتى الآن.
وقالت إليزابيث بيرز المتحدثة باسم المكتب إن النزاعات القبلية قد بلغ عددها منذ بداية العام2010م تسعة وثلاثين، وقد خلفت 541 قتيلاً.
وأضافت بيرز “منذ بداية العام وحتى الثالث والعشرين من شباط/ فبراير نزح أكثر من أربعة وثلاثين ألف شخص بسبب هذه المعارك. وقد دارت أعنف الاشتباكات على طول الحدود فيما بين ولايتي واراب وجونقلي”.
3- وجود نحو مليونين من أبناء الجنوب الذين يعيشون حالياً في الشمال، فهؤلاء عند الانفصال هل تستطيع حكومة الجنوب أن توفر لهم عملاً؟ والذين يدرسون في المدارس الثانوية ومدارس الأساس هل سيدرسون بالمنهج الموجود في الجنوب بالإنجليزية؟ أم سيوفر لهم منهج لوحدهم؟ أم ستغير لهم المناهج بالعربية؟
كل تلك صعوبات تواجه دولة الجنوب حال قيامها إذا انفصلت (لا قدر الله)، ولذلك فإن المخطط يكمن في أن تنشأ كونفدرالية بين الشمال والجنوب إلى أن تتكون مقومات الدولة في الجنوب، وبعدها ينسحب الجنوب من الشمال لوحده وتنشأ دولة مستقلة تماماً عن الشمال.
ولذلك يكون الموقف المبدئي هو أن نرفض كل أنواع الانفصال ومن ضمنها الكونفدرالية، بل ونعمل بجد واجتهاد ونسعى سعياً حثيثاً ولا ندخر وسعاً في إقامة سلطان الإسلام، دولة الخلافة الراشدة التي تحافظ على وحدة البلاد وثروات العباد، وتقطع دابر الكافرين المدبرين لتقسيم بلادنا (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف 21].
2010-10-17