على هامش ويكي – ليكس:

على هامش ويكي – ليكس:

بين ليلة وضحاها أصبح جوليان أسانج (أسترالي مقيم في لندن) مؤسس موقع (ويكي ليكس) أهشر من نار على علم. ويهدف الموقع بحسب القائمين عليه إلى إطلاع الجمهور على المعلومات المهمة من خلال نشر وثائق سرية، لا سيما فيما يتعلق بالحرب الأميركية في أفغانستان والعراق. وقد أصبح (ويكي – ليكس) أحد أهم المواقع التي يزورها الباحثون، وتعتبر طريقاً جديدة لنشر وتسريب المعلومات السرية بغية عرضها على الملأ.

وقد حظي الموقع باهتمام المتابعين بعد نشره في نيسان 2010م تقريراً مصوراً يظهر هليكوبتر أميركية وهي تهاجم بوحشية مجموعة من العراقيين المدنيين العزل بينهم صحفيان يعملان في وكالة رويترز للأنباء. كما زاد الاهتمام بالموقع وصاحبه بعد أن تسبب بفضيحة دبلوماسية للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها وأتباعها وصولاً إلى بعض خصومها ومنافسيها من خلال نشره آلاف الوثائق السرية المسربة من وزارة الخارجية الأميركية.

إلا أنه لابد من وقفة أمام ظاهرة (ويكي – ليكس) ليس فقط لناحية تأثير هذا الحدث بشكل خاص في الرأي العام العالمي، وإنما أيضاً لجهة تطور تقنيات وأدوات العمل السياسي في هذا العالم. فمجموعة الأحداث التي وقعت مع انطلاق ثورة المعلومات والاتصالات في التسعينات من القرن المنصرم بدأت تفرض نوعاً مختلفاً من التفكير.

ففي عصر العلومة بات الحدث مكشوفاً للملأ، كما بات الجميع يحيون في قلب الحدث أو في ظله مهما كان بعيداً عنهم، سواء أكانت حرباً أم أزمةً ماليةً أم وباءً طارئاً. فالعصيان المدني الذي وقع في سيدي أبو زيد في تونس التي تحكم بالحديد والنار وتفرض الرقابة الصارمة فيها على كل حدث أو خبر مهما كان ضئيلاً انتشر وبات مشاعاً بالصوت والصورة في كل مكان وساعة وقوعه. وكذلك كان الحال في الحرب القذرة التي شنتها (إسرائيل) على أهل غزة، حيث شاهدها الجميع بكافة تفاصيلها على الهواء مباشرة.

كثيرٌ من هذه الأحداث وغيرها كرحى الحرب المزعومة على الإرهاب وما حصل في قلعة جانجي وغوانتانامو وما وقع أثناء وبعد احتلال بغداد، كله كان ينقل عبر الأثير الحي ويتفاعل معه الناس بشكل أو بآخر بشكل متزامن. وهكذا باتت التظاهرة في لندن احتجاجاً على الرسوم المسيئة للنبي الكريم تقترن بأخرى في دمشق أو القاهرة… كما باتت ساحة الصراع الفكري والسياسي من خلال الفضائيات ومواقع الإنترنت تجمع المتصارعين أو المتحاورين من شتى أصقاع الأرض وكأنهم في صالة واحدة.

من هنا تأتي أهمية إدراك المرحلة التي دخلها العالم، وكذلك تأتي أهمية استيعاب أدوات الصراع وآلياته الحديثة لاسيما منها التقنيات المتنوعة والمؤثرة، كالشبكة العنكبوتية وكذلك شبكات الاتصال ووسائل الإعلام التفاعلي وأساليب الدعاية المتطورة المبنية أو الضعف في مجال التأثير في الرأي العام وتوجيهه، في عالم تحول بحق إلى قرية كونية مترابطة ومتواصلة.