الطائرة الشبح
1987/09/19م
المقالات
2,724 زيارة
منذ بداية “معركة بريطانيا” في العام 1941م، فقدت الطائرات كأساطيل جوية خاصيِّة “المفاجأة”. ذلك أن اختراع الرادار جعل من الطائرات المقاتلة هدفاً “مرئياً” للدفاعات الجوية العدوّة. وهكذا، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عكف العلماء في الشرق والغرب على هذا الأمر لإيجاد طريقة “لإخفاء” الطائرات عن “أعين” الرادارات. وعلى هذا الأساس ظهرت الطائرة الشبح “ستيلث Stealth”، الطائرة الأحدث في الأسطول الجوي الأميركي.
ففي مطلع الشهر الماضي، أيَّار 1987م، أُعلن رسمياً في الولايات المتحدة الأميركية على نجاح الاختبارات النهائية التي قامت بها شركة “نورثروب Northrop” على القاذفة الشبح الجديدة والتي يرمز إليها بالتعبير “القاذفة ذات التنقية المتقدمة Advanced Technology Bomber (ATB)”. وقد تطلب الحصول على تقنيات “المواربة والتخفي Stealth” جهود سبعة من كبريات الشركات الأميركية العاملة في ميدان الصناعة الجوية الفضائية، وهي: لوكهيد، نورثروب، بوينغ، ماكدونال دوغلاس، جنرال دينامكس، غرومان، روكويل إنترناشونال. وقد لزم هذا الأمر بحوثاً متصلة وجهوداً كبيرة على امتداد ثلاثة عشر عاماً ومليارات من الدولارات. فما هي هذه الطائرة الجديدة؟ ولماذا تثير كل هذا اللغط والاهتمام؟.
إن الثورة التقنية التي بدأت منذ العشرينات من هذا القرن، وبالذات التقدم السريع الذي شهدته العلوم الإلكترونية، انعكس تطوراً هائلاً في وسائل “المراقبة والكشف والاستطلاع”. وهذا، بالتالي، أثر سلباً على مرونة وحركية الأساطيل الجوية. وبالرغم من تطور تقنيات “التشويش الإلكتروني ECM” وتقنيات “التشويش الإلكتروني المضاد ECCM”، إلا أن احتمالات القيام بضربات جوية حاسمة وعلى نطاق واسع باتت منخفضة للغاية. وهنا ظهرت ضرورة تطوير تقنيات جديدة تسمح للطائرات المقاتلة “الاختفاء” عن أعين الرادارات وشبكات الدفاع الجوي المعادية. وقد أطلق تعبير “تقنيات التخفي والمواربة Stealth Technology” على هذه التقنيات المطلوبة. وقد ووجه الخبراء والفنيون بثلاثة معضلات رئيسية وهي:
1- مهمة تخفيض “البصمة الرادارية” للطائرة إلى أقصى حد ممكن.
2- تطوير مواد لامتصاص الإشعاعات الرادارية وبالتالي التخفيف من آثار الموجات الكهرومغناطيسية المنعكسة.
3- إضعاف مصادر الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من عوادم محركات الطائرات.
وقد كانت شركة لوكهيد السباقة في العمل على حل هذه المعضلات، فعملت منذ العام 1961م على تطوير طائرة الاستطلاع الاستراتيجي “س ر 71 بلاك بيرد SR71 Black Bird”. وقد دخلت هذه الطائرة الخدمة في العام 1966م، ولا تزال في الخدمة حتى الآن، وقد تميزت بضعف بصمتها الرادارية نسبياً وبسرعتها العالية (3 ماك).
إلا أن الاهتمام الحقيقي بدأ في العام 1974م عندما طلب سلام الجو الأميركي (USAF) من قسم “المنتجات المتطورة جداً (ADP) Advanced Development Products” في شركة لوكهيد تطوير “الطائرة الشبح التكتيكية المتقدمة “Tactical Experiment, Stealth,” والتي يُطلق عليها اسم “Have Blue” وحلقت للمرة الأولى عام 1977م. وظل هذا الموضوع سرياً للغاية حتى العام 1980م حين تسرب للصحافة أن شركة لوكهيد تطور طائرة تعتمد تقنيات “التخفي والمواربة Stealth”، وقيل أن تسميتها الحقيقية هي ف ـ 19.
وفي محاولة منها لكسر الاحتكار الفعلي الذي تمارسه شركة لوكهيد في مجال تقنيات “التخفي والمواربة”، قامت الشركات الأميركية الست الكبرى وغيرها بتطوير تقنيات Stealth الخاصة بها. وقد نجحت مؤخراً شركة نورثروب بالتعاون مع شركتي بوينغ وفاوت في صنع القاذفة ATB وهي تشبه من حيث الشكل الطائرة التي سبق أن صنعتها الشركة نفسها في العام 1947م وهي من طراز YB – 49. ويبلغ وزن القاذفة الجديدة 180 طناً تقريباً وباعها (عرض جناحيها) 50 متراً.
والآن تقوم منافسة حادة بين الشركات الأميركية السبعة الكبرى لصنع “المقاتلة التكتيكية المتطورة (ATF)”Advanced Tactical Fighter”. وبالرغم من أن شركة لوكهيد باتت متقدمة في دراساتها، إلا أن ذلك لم يمنع باقي الشركات من تقديم تصاميمها الخاصة إلى سلاح الجو الأميركي.
ولكن كيف تمكنت شركتي لوكهيد ونوثروب (وهما أكثر الشركات الأميركية تقدماً في تقنيات التخفي والمواربة الآن) من حل المعضلات الثلاث الآنفة الذكر؟
لقد أثبتت الدراسات المتواصلة أن تخفيض عدد الزوايا القائمة والناتئة يخفض من البصمة الرادارية بشكل كبير. كما أن تطوير “مواد ماصة للرادار Radar Absorbing Materials (ram)” مؤلفة من الغرافيت والبلاستيك الحراري أدى إلى تخفيض كمية الإشعاع الكهرومغناطيسي المنعكس بدرجة كبيرة. وقد جرى تخفيض الأشعة تحت الحمراء عن طريق دمج المحركات داخل الأجنحة وتبريد فوهات المحركات بتيار من الهواء البارد.
وبالإضافة إلى ذلك كله، فقد تم تزويد الطائرات Stealth بأحدث أجهزة التشويش الإلكتروني والتشويش الإلكتروني المضاد مما يخفيها عن أجهزة المراقبة العدوة حتى فترة بسيطة للغاية قبيل وصولها مما لا يعطيها مجالاً لصد الطائرة المهاجمة.
واليوم تسعى أوروبا لتطوير تقنيات “التخفي والمواربة”، وقد وقعت خمسة من أكبر الشركات الأوروبية اتفاقاً لتبادل التقنيات الجوية (الإيروديناميكية) وتقنيات الخلائط والمواد المركبة، وهذه الشركات هي: إيروسباسيال (فرنسا)، بريتش إيروسبايس (بريطانيا)، م.ب.ب. (ألمانيا الغربية)، إيريتاليا (إيطاليا)، وكازا (إسبانيا).
إن طائرة المستقبل تعتمد على تقنيات Stealth، وهذا ما تسعى لامتلاكه دول الغرب، فأين نحن من هذا؟.
1987-09-19