مع القرآن الكريم
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)
جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه
عطاء بن خليل أبو الرشته
أمير حزب التحرير حفظه الله في تفسيره لهذه الآيات ما يلي:
في هذه الآيات يخاطب الله سبحانه اليهود الذين كانوا في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخاطبهم بأن يتذكروا النعم التي أسبغها الله على آبائهم الذين آمنوا مع موسى – عليه السلام – والذين كانوا في وقته وفيها يتبين ما يلي:
-
في الآية الأولى تأكيد للآية التي سبقتها ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ) فقد كرر الله سبحانه التذكير بالنعم، ومن ثم عدّد أنواعاً منها لربط ذلك بالوعيد الشديد والعقوبة التي أصابتهم عندما كفروا بتلك النعم، فقد عاقبهم الله بأن فرض عليهم قتل أنفسهم ومسخ بعضهم قردة وخنازير، هذا فضلاً عن الخلود في النار للذين ماتوا على الكفر منهم.
-
إن النِّعَم التي ذكّرهم الله بها هي تلك التي حدثت للمؤمنين بموسى – عليه السلام – المعاصرين له، بدلالة القرائن في الآيات المذكورة التي تذكر آل فرعون وفرق البـحـر والنجاة من الغرق واتّخاذ العجل، كذلك ذكر موسى – عليه السلام – والمواعدة له.
-
أول هذه النـعـم أنه سبحـانـه فضّل موسى – عليه السلام – والذين آمنوا معـه على عالمي زمانهم بأن اختـارهم من بينهم لحمل التوراة والعمل بها وتبليغها في ذلك الزمان.
-
أعلم الله سبحانه يهود الذين في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلمأن إيمان آبائهم الأوائل لا ينفعهم ما داموا على كفرهم، بل عليهم أن يؤمنوا هم ليتقوا بذلك عذاب يوم القيامة (وَاتَّقُوا يَوْمًا) أي ما في ذلك اليوم من عذاب، «استعمال مجازي» ففي ذلك اليوم لا تجزئ أي لا تغني نفس عن نفس شيئاً فلا تنوب مكانها كما قال سبحانه (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)) المدثر/آية38 كذلك لا يقبل منها شفاعة، والشفيع هو الذي ينضم للفرد فيصير معه شفيعاً أي زوجاً، وعدم قبول الشفاعة يعني أنه لو حضر معها من يشفع لها فلن يسمح له أن يتحمل شيئاً من العذاب عنها، وفي ذلك اليوم كذلك لا يؤخذ منها فدية بدل العذاب، والعدل هو الفدية، وكلّ ذلك لتأكيد عدم إغناء نفس عن نفس شيئاً يوم القيامة، بل من أراد اتّقاء عذاب ذلك اليوم عليه أن يؤمن ويعمل صالحاً فينفعه بإذن الله وغير ذلك لا ينفعه. وقد ختم الله الآية (وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) أي لا يستطيع أحد أن يمنعهم من عذاب الله – عز وجل -. وقد وردت ( يُنْصَرُونَ ) بصيغة الجمع لأنها عائدة إلى كلمة ( نَفسٌ ) وهي نكرة في سياق النفي (لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا ) فتفيد العموم (أي في معنى الكثرة) فكان الجمع.
وهنا نقول إن هذه الآية الكريمة واردة في اليهود، غير أنها وردت بصيغة العموم فتشمل كلّ نفس، إلا أن هناك تخصيصاً بأن من مات على الإسلام فالشفاعة تنفعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ورد تخصيص الآية السابقة في كثير من الأدلة، مثلاً من أذن له فتنفعه الشفاعة كما قال سبحانه ( يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) ) طه/آية109. وكذلك بينت السنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفع في أمته يوم القيامة “وأعطيت الشفاعة»(متفق عليه)، «كلّ نبي لا يشفع إلا محمّد صلى الله عليه وسلم فيشفع” (متفق عليه).
-
ثمّ ذكّرهم الله سبحانه بنعمه الأخرى: