رياض الجنة: عامر بن عبد الله العنبري
2012/07/11م
المقالات
1,956 زيارة
رياض الجنة:
عامر بن عبد الله العنبري
حدّث أحد أبناء البصرة قال: سافرت في قافلة فيها عامر بن عبد الله العنبري، فلما أقبل الليل نزلنا بمكان كثير الأشجار، فربط فرسه بشجرة، ووضع أمامها طعامها وشرابها، ثم دخل بين الأشجار وأوغل فيها، فقلت في نفسي: والله لأتبعنه حتى أنظر ما يصنع هذه الليلة. فمضى حتى وصل إلى رابية ملتفّة الشجر، مستورة عن الأعين، فاستقبل القبلة وانتصب قائماً يصلي، فما رأيت أحسن من صلاته، ولا أكمل ولا أخشع، فلما صلى ما شاء الله أن يصلّي، أخذ يدعو الله ويناجيه مناجاة محبّ مقبل على ربّه فكان مما قاله: «إلهي إني أحببتك حبّاً سهّل عليّ كل مصيبة، ورضّاني بكل قضاء فما أبالي مع حبّي لك ما أصبحت عليه، وما أمسيت فيه». قال الرجل البصري: ثم إنه غلبني النعاس، فما زلت أنام واستيقظ، وعامر بن عبدالله منتصب القامة في موقفه ماض في صلاته ومناجاته حتى تنفّس الصبح، فلما بدا له الفجر أدى الصلاة المكتوبة، ثم أقبل على الله يدعوه قائلاً: «إلهي، إني سألتك ثلاثاً، فأعطيتني اثنتين ومنعتني واحدة، اللهم فأعطني إياها حتى أعبدك كما أحبّ وأريد». ثم نهض من مجلسه فوقع بصره عليّ، فجزع لذلك، وقال لي: كأنك ترقبني يا أخا البصرة؟ قلت نعم، قال: استر ما رأيت مني ستر الله عليك، قلت: لا أفعل حتى تحدّثني بهذه الثلاث التي سألتها ربّك، فلما رأى إصراري على ذلك قال: سألت ربي ألا أخاف أحد سواه، فاستجاب لي حتى إنني لا أرهب شيئاً في الأرض ولا في السماء غيره. ولم يكن شيء أخوف عليّ في ديني من النساء، فسألت ربي أن ينزع من قلبي حبّهن فاستجاب لي حتى صرت لا أبالي امرأة رأيت أم جداراً. وسألت ربي أن يُذهب عني النوم حتى أعبده بالليل والنهار كما أحبّ وكما أريد، فمنعني هذه الثالثة. فقلت له: إن الجنة تدرك بأقل من هذا، وإن النار تتقى بأقل من هذا فقال: «والله لأجتهدن في العبادة ما وجدت إلى الاجتهاد سبيلاً، فإن نجوت فبرحمة الله، وإن هلكت فبتقديري».
2012-07-11