رمضان شهر البِرّ (جماع الخير)… فاغتنموه
2012/07/11م
المقالات
2,305 زيارة
رمضان شهر البِرّ (جماع الخير)… فاغتنموه
رمضان شهر الطاعات وموسم القربات الذي تفيض فيه الخيرات والبركات…
هو شهر القيام والدعاء وتلاوة القرآن… هو شهر الاستغفار والتوبة والإنابة وتنزُّل الرحمات والعتق من النار… هو شهر الصبر والجهاد والفتوحات… هو شهر تضاعف فيه الحسنات… فأهلاً به من وافدٍ كريم من ربٍّ كريم اختصَّه بأجر لا يعلم به أحد إلا هو، فقد جاء في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلاّ الصوم فإنه لي وأنا أجزي به».
ومن أهم خيرات هذا الشهر الكريم:
أولاً: الصيام:
وهو الركن الأهم في هذا الشهر، وبالرغم من أن جميع المسلمين يشتركون في تأديته إلا أنهم يتفانون عند الله عز وجل في الأجر والثواب، وذلك بحسب اجتهادهم فيه من ناحية القيام بأوامر الله واجتناب نواهيه كما أمر الله عز وجل في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن ناحية الامتناع عن المفطرات كالطعام والشراب والجماع، وكذلك الابتعاد عما يخدش الصيام كالغيبة والسباب وول الزور وسوء الأخلاق، ومن ناحية الالتزام بأحكام الصيام وكل أحكام الشرع في جميع أمور الحياة. وكلما كان أداء الصيام قريباً من الشرع كان هذا الصيام نوراً للمؤمن ينتفع به.
ثانياً: القيام:
القيام أو التراويح أو التهجد، كلها مصطلحات تطلق على صلاة الليل التي تؤدَّى من بعد صلاة العشاء إلى ما قبيل الفجر، والقيام له مزية خاصة في هذا الشهر، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم له من ذنبه» رواه البخاري ومسلم، فمن قام رمضان، أي جميع لياليه، فإنه سينال مغفرة الله عز وجل لجميع ما تقدم من ذنبه، ومن تمام النور في قيام الليل أن تصلى صلاة القيام مع الإمام حتى ينصرف بالوتر من أجل أن يُكتَب لك قيام الليل، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتِب له قيام ليلة» صححه الألباني في صحيح الجامع.
ثالثاً: ختم القرآن:
شهر رمضان هو شهر القرآن، ويكفي أن الله عز وجل خصَّص ذكر القرآن في سياق الحديث عن رمضان للدلالة على أهمية قراءة القرآن ومدارسته في هذا الشهر، فقال عز وجل: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) سورة البقرة: 185، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتدارس القرآن مع جبريل عليه السلام في رمضان كل عام، فروى البخاري في صحيحه أن (جبريل عليه السلام كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه)، وقد كان السلف يتسابقون في عدد مرات ختم القرآن الكريم، والأخبار في ذلك كثيرة.
أما مسألة الأفضلية بين ختم القرآن مرات كثيرة وبين ختمه مرة واحدة مع التدبر فيجيب على ذلك الإمام النووي رحمه الله فيقول: “والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر ما يحصل له كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولاً بنشر العلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة” التبيان في آداب حملة القرآن للنووي.
رابعاً: تفطير الصائمين:
وقد ورد في فضله ما جاء في السنن بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء» فهذا أجر عظيم لمن يُفطِّر صائماً، وقد يسأل سائل: بماذا يكون التفطير؟ يقول المناوي في شرحه للحديث في فيض القدير: «من فطَّر صائماً بعشائه، وكذا بتمر، فإن لم يتيسر فبماء»، ويقول ابن عثيمين: ((ظاهر الحديث أن الإنسان لو فطَّر صائماً ولو بتمرة واحدة فإنه له مثل أجره)). شرح رياض الصالحين.
خامساً: الدعاء:
ذكر الله تعالى في سياق آيات الصيام في سورة البقرة آية عظيمة جليلة تملأ قلب المؤمن رجاء وأملاً، إنها قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، يُفهَم من ذلك أن الدعاء في هذا الشهر ليس كغيره، فقد خصَّه الله عز وجل بالإجابة، وقد ورد صراحة إجابة دعوة الصائم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث دعوات لا تُرَدُّ: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر» صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، وقد رُوي في سنن ابن ماجة بلفظ: «إنَّ للصائم عند فطره لدعوة ما تُرّدّ».
سادساً: تأخير السحور:
إن السحور من السَّحر، والسَّحر يكون آخر الليل وقبيل الفجر، وقد قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة، فقال أنس بن مالك لزيد: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية. رواه البخاري، فتناول وجبة السحور في هذا الوقت المبارك من القربات العظيمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تسحَّروا فإن في السَّحور بركة» رواه البخاري وسنلم، وتناول السحور من خصائص هذه الأمة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السَّحر» رواه مسلم. وينبغي الحرص على القيام في هذا الوقت المبارك لأكلة السحور ولو بشربة ماء، قال صلى الله عليه وسلم: «السَّحور أكلة بركة، فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحِّرين». صحيح الجامع وهنا لا بد من التنويه إلى خطأ التقاويم التي تحدد وقتاً للإمساك عن الطعام قبل أذان الفجر بعشرة دقائق أو ربع ساعة، فهذا التحديد غير صحيح ولا أصل له، بل يجوز الأكل والشرب إلى وقت أذان الفجر.
سابعاً: تعجيل الفطر:
من السنن كذلك تعجيل الفطر، أي تناول وجبة الإفطار فور التحقق من غروب الشمس، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر» رواه البخاري ومسلم، فالخيرية في تناول وجبة الإفطار تتحقق بتناول هذه الوجبة فور غروب الشمس من غير تأخير. ومما يتعلَّق بالفطر كذلك الحرص على تناول ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلِّي، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء». صححه الألباني في السلسة الصحيحة.
ثامناً: عمرة رمضان:
العمرة في رمضان تعدل عند الله عز وجل حجة، بل في بعض الروايات حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي ثلى الله عليه وسلم أنه قال: «عمرة في رمضان تعدل حجة» وفي رواية عند البخاري: «عمرة في رمضان تقضي حجة معي» أي: يعدل ثوابها ثواب حجة معي، فهذا أجر عظيم وشرف كبير أن تنال ثواب الحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم بأدائك للعمرة في أي يوم من أيام هذا الشهر الكريم.
تاسعاً: تحري ليلة القدر:
ليلة القدر هي ليلة من الليالي العشر الأخيرة من رمضان، والصحيح أنها غير محددة، وأنها تنتقل في كل سنة من ليلة إلى أخرى، قال الإمام النووي: ((قال المحققون: إنها تنتقل فتكون سنة في ليلة سبع وعشرين، وفي سنة ليلة ثلاث وعشرين، وسنة إحدى وعشرين، وهذا أظهر، وفيه جمع بين الأحاديث المختلفة فيها)). شرح النووي على مسلم. وهذه الليلة فضلها عظيم، من فاتته فقد فاته الخير كله، فيكفي أن الله عز وجل قد أخبر بأنها خير من ألف شهر، فقال عز وجل: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)) سورة القدر. لذلك فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها، ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان «إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره» فينبغي الاجتهاد في هذه العشر أبلغ الاجتهاد، في الصلاة والدعاء وقراءة القرآن والذكر ولاستغفار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر…
عاشراً: الاعتكاف:
الاعتكاف هو لزوم المسجد لطاعة الله عز وجل، ويتأكد الاعتكاف في هذا الشهر لثبوت ذلك عن النبـيِّ صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده.
فمن وجد الاستطاعة من ناحية خلوه من الأعمال وفراغه من الالتزامات فلا أفضل من اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر، تطبيقاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، واعتزالاً مشروعاً عن الدنيا وشواغلها وزخارفها.
حادي عشر: العتق من النار:
العتق من النار هو تخليص الإنسان من النار، ومن يُكتَب ضمن العتقاء فلن يدخل النار أبداً وذلك برحمة الله وفضله، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن لله تعالى عتقاء في كل يوم وليلة –يعني في رمضان- لكل عبد منهم دعوة مستجابة» صححه الألباني في صحيح الجامع. فحريٌ بنا أن نجتهد في هذا الشهر الكريم في الدعاء إلى الله عز وجل والتضرع إليه أن يعتق رقابنا من النار خصوصاً في مواطن إجابة الدعاء.
ثاني عشر: زكاة الفطر:
زكاة الفطر تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان، والحكمة من زكاة الفطر كما هي منصوصة في الحديث هي تطهير الصائم من اللغو والرفث، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة في صدقة من الصدقات» رواه أبو داود.
فمن تمام الخير والنور أن تُودِّع هذا الشهر بأداء هذه الزكاة الواجبة عليك وعلى كل من تعول كالزوجة والأولاد، وبذلك تكون أعمالك أجدر بالقبول عند الله عز وجل.
2012-07-11