كيفية تحويل العملات المحلية إلى عملات ذهبية وفضية
2000/10/10م
المقالات
1,919 زيارة
سبق أن كتب أحد الإخوة مقالة في عدد مجلة « الـوعــي» (145) حول كيفية تحويل العملات المحلية إلى عملات ذهبية وفضية، وذلك عند قيام الدولة الإسلامية ـ دولة الخـلافة ـ بإذن الله. واقترح الكاتب أن يُعطى مالكو العملة المحلية، في المكان الذي تقوم الخـلافة فيه، يعطَوْن سندات بقيمة العملة المحلية بالنسبة للذهب والفضة في اليوم السابق لقيام دولة الخـلافة، ويكون هذا السند ديناً على الدولة، تدفع لمالكه قيمته الذهبية أو الفضية المسجلة عليه، وذلك عندما تتمكن الدولة، بوجود القيمة الذهبية أو الفضية لديها، في أقرب فرصة. وفي الوقت نفسه، يقترح الكاتب، أن تطلق يد مالك السند، باستعماله بيعاً وشراءً وأجوراً من تاريخ حصوله على السند وحتى بدء الدولة بدفع قيمة السند إن لم يكن مالكه قد استعمله أو دفع قيمة ما بقي منه إن كان قد استعمل جزءاً منه في البيع أو الشراء وأمثالهما.
وقد وصل لـِ « الـوعــي» تعقيب من الأخ أبي المعتصم حول ما ذكر في العدد (145)، يقترح فيه أن لا تطلق يد حامل السند باستعماله كاملاً بل يقيد استعماله بنسبة سنوية تحددها الدولة حسب إمكانياتها، مثلاً في السنة الأولى في حدود 10% وفي السنة الثانية 50% وهكذا إلى أن يتم استعمال السند أي بالتدريج وليس بإطلاق اليد باستعماله ابتداءً من تسلم صاحبه له.
ونظراً لتأخر نشـر التعقيب، لبعض الأسباب، عليه فإننا نعيد نشـر الاقتراح السابق والمنشـور في العدد (145)، ونتبعه بالتعقيب عليه، لإمكان المتابعة وحصول الفائدة.
يقول الكاتب في العدد (145) في مقاله:
[ معلوم أن الأوراق النقدية التي بين أيدي الناس اليوم كلها إلزامية وهي ثلاثة أنواع: العملات الأجنبية الصعبة، والعملات الأجنبية غير الصعبة، والعملات المحلية.
أما العملات الصعبة كالدولار الأمريكي والين الياباني والمارك الألماني والجنيه الإسترليني والفرنك السويسري والفرنك الفرنسي، فلا داعي لتحويلها إلى عملات ذهبية وفضية ونائبة، لأنه يجوز أن تبقى بين أيدي الناس، ويجوز شرعاً التعامل بها داخل الدولة بيعاً وشراءً وصرفاً طالما لم تتوفر العملة الإسلامية الذهبية والفضية والنائبة، ثم إن الدولة الإسلامية ليست مسؤولة عن إصدارها ويجوز لها التعامل بها من باب جواز التعامل مع دول الكفر، كما كانت تتعامل الدولة الإسلامية مع عملات الدولتين الرومانية والفارسية. وأما بعد توافر العملة الذهبية والفضية والنائبة فيوقف التعامل بالعملات الصعبة داخل الدولة الإسلامية ويسمح التعامل بها فقط في التجارة الخارجية مع الدول الأخرى.
على أن وجود العملات الصعبة داخل الدولة الإسلامية أمر إيجابي، وهدف يسعى لتحقيقه، لما فيه من فوائد اقتصادية عظيمة ناتجة عن المبادلات التجارية مع الدول الأجنبية. لذلك يبقى التعامل الصرفي قائماً في داخل الدولة الإسلامية بين العملة الإسلامية وبين العملات الصعبة، وتتحدد قيمة العملات الصعبة الصرفية بناءً على قوة دولها الاقتصادية وقدرتها التنافسية، ويلحق بالعملات الصعبة العملات غير الصعبة للدول الأجنبية كالتي ترتبط الدولة الإسلامية معها بمعاهدات اقتصادية جائزة أو كالتي تكون مجاورة للدولة الإسلامية.
وأما العملات المحلية كالدينار الأردني والجنيه المصري والليرة السورية وغيرها فإنها بعد قيام الدولة الإسلامية يحرص على التعجيل بوقف التداول بها بأسرع وقت، لأنها تكون إذ ذاك بمثابة الفلوس الكاسدة التي لا قيمة لها، وقيام الدولة هو السبب في إلغاء التعامل بها ومسحها من الوجود.
ولما كانت الدولة الإسلامية سبباً في إبطال مفعولها وإلغاء قيمتها، فإن عليها تعويض مالكي هذه العملات المحلية وإزالة الضـرر الذي سيلحق بهم نتيجة ذلك، وبما أن الدولة الإسـلامية عند قيامها لا تملك عملة شرعيةً ـ فليس عندها دنانير ذهبية ولا دراهم فضية ولا أوراق نائبة ـ وقد تمضي مدة طويلة من الزمن قبل أن تتمكن من توفير النقود الذهبية والفضية والأوراق النائبة، لذلك فإن عليها خلال هذه المدة أن تقدم للناس بديلاً مالياً يمكنهم التعامل به، وأن يكون لديها ما تنفقه لكي تسير الحياة اليومية الاقتصادية سيراً طبيعياً بلا تخبط أو فوضى، وكيلا يفقد المواطنون ثقتهم بالدولة الوليدة.
إذاً لا بد من أسلوب تلجأ إليه الدولة لطمأنة الناس على مقتنياتهم وسائر معاملاتهم، ولغلق الباب أمام قوى الكفر والهدم والتخريب. ولا بد أن يكون هذا الأسلوب فورياً ـ بقدر المستطاع ـ تستطيع به الدولة أن تفي بجميع التزاماتها المالية، وأن تزرع الثقة بها بين جماهير الأمة، لكي لا يداخل الناس شعور بالارتياب في قدرات دولتهم الفتية، ولكي تحول دون نشر الفوضى والارتباك في صفوف الرعية.
والأسلوب المقترح لمعالجة ذلك هو أن تصدر الدولة ومنذ أيامها الأولى صكاكاً بقيم العملات المراد سحبها من الناس لكي يتم التداول بها بدلاً من العملات المحلية المسحوبة، وأن تعلن الدولة على الملأ بأنها تقر للناس بأنها ستصرف لهم نقداً إسلامياً بقيمة نقودهم المسحوبة بمجرد توفر العملة الإسلامية الذهبية والفضية والنائبة، وتحتسب قيمة نقودهم المسحوبة كما كانت عليه في اليوم السابق لقيام الدولة.
وهذه الصكاك أو الكتب أو القطوط هي عبارة عن شيكات آجلة تصدرها الدولة أو سندات دين على الدولة، فواقعها أنها ذمة حاضرة يجوز صرفها كالعين الحاضرة ويطلق عليها في كتب الفقه لفظ القطوط وهي جمع القط بمعنى القطع، والقطع هي قطعة من القرطاس أو قطعة من الرزق كما ذكر الزمخشري في كتابه «الفائق في معنى القطوط».
وبهذه الكيفية يمكن للدولة أن تسحب العملات المحلية من أيدي الناس بدون إيقاع أي ظلم يلحق بهم، وبدون الوقوع في أية مطبات اقتصادية أو مزالق مالية. كما أن الدولة بفضل هذا الأسلوب تتمكن من التقاط أنفاسها وتأخذ فرصة كافية ريثما يتوفر لها الغطاء اللازم من الذهب والفضة، فتصدر نقداً ذهبياً وفضياً أو تصدر أوراقاً نائبةً بغطاء ذهبي أو فضي مضمون، وهذه الأوراق النائبة تعتبر من أفضل أنواع النقد في عصرنا الحاضر من الناحية العملية، لأنها لا تتأثر بنقصان الوزن من كثرة الاستعمال، كما وتقل فيها إمكانية التزييف والستوقة، وتستعمل الأوراق النائبة إلى جانب القطع الذهبية والفضية، بحيث يمكن استبدال القطع بالأوراق في أي وقت لمن يشاء. ]. والموضوع بتمامه في مجلة « الـوعــي» العدد (145).
وأما التعقيب الذي وصل لـِ « الـوعــي» من الأخ أبي المعتصم فيقول حول هذا الموضوع:
لقد قرأت فكرة الأخ ـ جزاه الله خيراً ـ لكيفية تحويل العملات المحلية داخل حدود دولة الخـلافة وقد أحببت أن أعقب على بعض الفقرات، قد تكون تصحيحاً بعض الشيء أو لفتاً للنظر، منها:
إن عملية إصدار سندات ورقية بقيمة العملات المحلية مثل الدينار والجنيه والليرة السورية، وبعد ذلك إطلاق يد الناس للتعامل بهذه السندات الصادرة بقيمة هذه العملات مقارنة بالذهب والفضة، هذا الأمر قد يوقع الدولة في مشاكل وأزمات، والسبب أن هذه العملات هي ورث واقع فاسد، أصدرت دون أي غطاء اقتصادي، ولا غطاء من ذهب أو فضة، ولا حتى من عملات صعبة، فهي أوراق ليست لها أية قيمة في ذاتها، والدول التي أصدرتها ليس عندها اقتصاد منتعش يعطيها الثقة والقوة، فهي إذن كما سميت “أوراق إلزامية ورقية” ليس أكثر من ذلك. والمشكلة ليسـت في عملية تحويلها إلى سندات، بل بإطلاق اليد للتعامل بها من أول يوم ـ أي السندات ـ.
ففكرة تحويلها إلى سندات فيها من الفوائد ما ذكر، مثل محاربة التزوير من خارج الدولة، وإعطاء الناس ثقة وضمانة لأموالهم المستبدلة.
فالدول التي كانت تتعامل بهذه الأوراق، كانت تصدرها كما قلنا دون أي غطاء، بل من منطلق المحافظة على كراسي الحكم وشراء الذمم بهذه الأموال. وكثير من تغطيتها لهذه العيوب كان عن طريق إما المساعدات من أسيادها الدول الكبرى، أو من القروض الربوية من البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي.
فدولة مثل الأردن أو مثل مصر عليها مليارات الدولارات لصندوق النقد الدولي، هذا عدا عن الهبات والمساعدات التي تقدم مقابل الخدمات السياسية والعمالة، هذه الدول ما قيمة نقدها، وما قيمة اقتصادها الذي يرتكز إليه هذا النقد؟!
والدولة الإسلامية عندما تقوم بإذن الله ـ قد تعاني في بداية الأمر من قلة الموارد، أو من حصار اقتصادي من الخارج، أو من كثرة النفقات في الدفاع عن كرامة الأمة داخل أرضها، وهذا معناه ضعف في الدعم للعملات الموجودة أو العملات الموروثة ـ. فهي أصلاً ليس لها سند اقتصادي وتحتاج إلى دولة قوية ذات موارد اقتصادية قوية، ووفرة في الفائض الاقتصادي حتى تقوم بعملية تغطية لقيمتها، وهذا كما قلت قد لا يتوفر من أول يوم.
وعندما نقول بعملية تحويل العملات القديمة ـ المحلية ـ إلى سندات تمثل ذهباً أو فضة، فإننا نقوم بعملية تغطية لقيمة هذه الأوراق الهزيلة الفاقدة لقيمتها أصلاً قبل قيام الدولة. وإطلاق اليد للتعامل بها هي تحميل ثقيل لكاهل الدولة ولاقتصادها. فيكفي من الدولة في بداية الأمر أن تقوم بما يلي تجاه هذه العملات:
أ ـ تحويلها إلى سندات بقيمة الذهب أو الفضة قبل قيام الدولة بيوم ـ أي قيمة هذه الأوراق مقارنة مع الذهب أو الفضة قبل قيام الدولة بيوم ـ كأن نقول العشرة دنانير تعطي سنداً بقيمة 2 غرام من الذهب.
ب ـ إجراء دراسة مستمرة عن طريق خبراء اقتصاديين على مستوى عالٍ، لحجم اقتصاد البلد، والقدْر الذي يمكن للدولة تحويله من هذه العملات مقارنة بالذهب والفضة. فمثلاً كان بإمكان الدولة في الأيام الأولى تحويل نسبة 10% من قيمة هذه السندات إلى ذهب وفضة للتعامل في الأسواق. مع بقاء قيمة السند كما هو مسجل. وفي السنة الثانية مثلاً استطاعت الدولة أن تحول ما قيمته 50% من قيمة هذه السندات إلى ذهب وفضة وإطلاق اليد للتعامل بهذه النسبة وهكذا.
ج ـ هذه العملية في إجراء هذه الدراسة ترتكز بالإضافة إلى قوة اقتصاد الدولة، ترتكز إلى نظرة أخرى، وهي نظرة الدولة إلى الحاجات الضرورية للأفراد، وإلى النفقات في القضايا المصيرية. فيجب على الدولة في عملية التقدير هذه أن تنظر إلى الحاجات الأساسية للأفراد والتي تترتب مشاكل من عدم إشباعها، وإلى القضايا المصيرية التي تهدد الأمة بشكل عام.
ومعنى هذا القول، ليس من الضروري أن يعطي أصحاب الأموال القديمة سندات تمثل جميع القيمة في وقت نحن بحاجة إلى تغطية لحاجات الأمة الضرورية من مأكل ومسكن وملبس، أو تغطية للدفاع الحربي.
هذا بالنسبة للعملات المحلية أما ما يتعلق بالعملات الصعبة، فإن الدولة إن لم تواجه حصاراً اقتصادياً وتجارياً فليس هناك أية مشكلة للتعامل بها، أما في حالة وجود الحصار، فإن قيمة هذه العملات تبقى محفوظة مثل السندات، ولكن يقيد إطلاق اليد للتعامل بها بالطريقة نفسها في العملات المحلية. والسبب أنها بسبب الحصار تفقد السند الاقتصادي لها، لأنها ليست ذهباً ولا فضةً، ولم تصدرها الدولة بناءً على قدرة الدولة وقوة اقتصادها، وإنما هي أموال أو أوراق ترتكز في قوتها إلى الدول التي أصدرتها، والدول التي أصدرتها انقطعت الصلات معها، فلا يمكن المبادلة بواسطتها في أثناء الحصار.
فهذه المشاكل وأمثالها يجب أن ينظر إليها نظرة المتفحص، السياسي الذي يرعى شؤون أمة، ويقودها إلى بر الأمان وسط النار والدخان، أو وسط بحر من الأمواج العاتية.
وأخيراً أقول إن قوة الدولة واستمراريتها تستند أولاً إلى تدبير المولى عز وجل ودفاعه عن الذين آمنوا (إنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الّذينَ ءَامَنُوا إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) (الحج: 38).
وتستند كذلك إلى قوة الرجال القادة الذين يمسكون بزمام الأمر، ومقدرتهم السياسية في الرعاية. وإلى المكان الذي تقوم فيه هذه الدولة، فهناك فرق بين أن تقوم في عدة دول وبين أن تقوم في دولة واحدة، وهناك فرق بين دولة مثل الباكستان ودولة مثل سوريا، فقوة الدولة القائمة فيها وقدراتها الاقتصادية تساعد كثيراً في تخطي الصعاب.
نسأل الله عز وجل أن يهيئ الأسباب التي تقود إلى ولادة دولة قوية من أول يوم، يفرح بها المؤمنون ويتحقق بها نصر الله، ويتحرر بجيشها المسجد الأقصى من دنس اليهود، ويظهر الإسلام، دين الله الحق على وجه المعمورة. إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
(ويَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أنْ يَكُونَ قَرِيباً) صدق الله العظيم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين q
أبو المعتصم ـ عـزون
2000-10-10