كلمة الوعي: أيها المسلمون: تَوَلَّوْا أمركم بأنفسكم ولا تَدَعـوا أميركا تصنع حكامكم
2003/12/10م
المقالات, كلمات الأعداد
1,811 زيارة
من يرجع إلى تصريحات المسؤولين الأميركيين، وعلى رأسهم بوش ورامسفيلد وباول، يجد فارقاً واسعاً بينها وبين تصريحاتهم هذه الأيام. وهذا الفارق صنعته المقاومة التي تتصاعد باستمرار. فأميركا اليوم تبدو محرجة ومرتبكة، تتخبط في قراراتها؛ فقد أعلن بوش في 13/11 موافقته على الإسراع بنقل السلطة إلى العراقيين، في حين أنه كان قد رفض منذ شهر المبادرة التي قدمتها فرنسا بهذا الخصوص.
فأي سلطة هذه التي تريد أميركا أن ينتقل الحكم في العراق إليها؟ وأي حكم؟ وكيف؟
لقد أخذ بريمر أوامره من بوش، بعد أن استدعي على وجه السرعة إلى واشنطن، من أجل الإسراع بنقل السلطة إلى العراقيين. وبريمر هذا بدوره أعطى أوامره بسرعة لمجلس الحكم الانتقالي، وهذا المجلس اجتمع، على وجه السرعة، وأصدر بياناً قرر فيه الخطوات المطلوبة للإسراع، وتتخلص بـ:
1_ اختيار أعضاء مجلس انتقالي موسع يستكمل اختياره في فترة لا تتجاوز نهاية أيار سنة 2004م.
2_ يختار المجلس حكومة مؤقتة قبل نهاية حزيران سنة 2004م.
3_ إقرار دستور دائم من قبل لجنة مؤلفة من 12 عضواً.
4_ انتخاب حكومة وفق أحكام الدستور الجديد، وتكون ذات سيادة، ومعترفاً بها دولياً.
5_ إنهاء حال الاحتلال، وذلك قبل نهاية سنة 2005م. وتحوّل القوات المحتلة إلى قوات صديقة.
أما اللجنة التي كلفت إعداد الدستور، فقد طلب إليها أن تعدّ دستوراً انتقالياً موقتاً، يعلن عنه قبل 15/12/2003م وهو الموعد الذي كان مجلس الأمن، في قراره رقم 1511، قد دعا مجلس الحكم إلى أن يقدمه فيه، كموعدٍ نهائي.
وما يجدر ذكره أن السرعة التي تحدثوا عنها صورية. وأن التواريخ التي ذكرت ليست مقدسة، وأن كل خطوة من الخطوات التي ذكرت ستتم بإشراف أميركي، وسيكون صناعة أميركية. من المجلس الانتقالي الموسّع، إلى الحكومة الموقتة، إلى الدستور العتيد، إلى الحكومة المنتخبة. وهذه الصناعة الأميركية لا يمكن لأميركا أن تتساهل فيها، لأنها تتعلق بالهدف الأساسي الذي جاءت من أجله، وهو وضع اليد على العراق، ثم على المنطقة بأسرها. وهذا ما يعلن عنه بوش في كل خطاب، وفي كل مناسبة، ولن يكون آخرها خطابه الذي ألقاه في 6/11، حيث أعلن أن بلاده قد تبنت «استراتيجية مستقبلية للحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط». إن هذا الجانب لا تريد أميركا أن يمس، وهي إن أظهرت أنها تعمل بسرعة، وأنها حددت تواريخ، فمن باب ذرّ الرماد في العيون.
أما الجانب الذي يؤرق أميركا، هو كيفية مواجهة هذه الهجمات التي قالوا عنها إنها منظمة، وجريئة، فهي تشعرها بالإرباك، وتستنفد الخيارات، من غير أن تستطيع شيئاً. وقد بلغت هذه الهجمات من الكثرة، ومن استهداف الأميركيين وغير الأميركيين، حداً جعل أميركا تواجه هذا المأزق وحدها تقريباً. فمن أجل مواجهة هذا الجانب، الذي لم تنفع في مواجهته، عمليات الدهم والإذلال والاعتقال، والمطرقة الحديدية، فإنها تعمل جادة، على إعداد قوة عسكرية عراقية، تشكَّل من بعض الوحدات في الجيش العراقي القديم، تكون من العناصر التي لم تكن تابعةً لحزب البعث. وهذه القوة سيعهد إليها التصدي للمقاومة، كي تخفف عن الجنود الأميركيين الضربات وبالتالي القتلى. وهذا الجانب، تنظر أميركا إلى أنها إن نجحت فيه فستبقى مدةً طويلة أكثر مما حددتها لنفسها من تواريخ، وإن لم تنجح فستقصر مدة بقائها في العراق، ولعل السنة المقبلة هي السنة الحرجة بالنسبة لبوش لأنها سنة انتخابات، وإذا مرت بسلام عليه فلن يسأل عن أحد. حتى عن عملائه من الحكام، وفي تقديرنا إن أميركا لن تنجح في ذلك، إن شاء الله.
هذا الوضع الذي ذكرناه، يكشف لنا كيف أن الدول الكبرى تستميت لتحقيق مصالحها، ويكشف لنا كيف تتمّ صناعة أنظمة الحكم العميلة. فبوش يفتش عن كارازاي عراقي فلا يجد، هكذا بكل صراحة يقول باول: «إنه ليس بين أعضاء مجلس الحكم الانتقالي أي شخص يتمتع بمواصفات القائد مثل حميد كارازاي». أما الدستور الذي تسعى أميركا إلى إعداده وإقراره، والذي سيحدد هوية الدولة، وتوجّهها الفكري والسياسي والاقتصادي، فإنه سيكون صناعة أميركية، قال عنه بريمر إنه سيكون مستوحى من المبادئ الدستورية الأميركية».
إن هذه الأهداف ثابتة في السياسة الأميركية ككل، وليست خاصة بالحزب الجمهوري أو المحافظين الجدد الذين يقودون أميركا اليوم، بنفس حاقد على الإسلام والمسلمين. فالكونغرس عندما وافق على تخصيص 87 مليار دولار للعراق وأفعانستان، فإن 64.7 مليار دولار من هذا المبلغ مخصص لتمويل الانتشار العسكري في العراق وأفغانستان، وقد وافق عليه الديمقراطيون والجمهوريون، بنتيجة 298 نعم، مقابل 121 لا. وكليبتون دعا في 1/11 إلى «تسليم الأطلسي قيادة العمليات في العراق»، وقال إنه «لا يعتقد أن على القوات الأميركية الانسحاب على الفور؛ لأن الأمن والاقتصاد لم يترسّخا في العراق بشكلٍ كافٍ بعد». وإن بوش هذا ليس بدعاً من الحكام الأميركيين، فقد سبقه في حكم أميركا، من يعتبر هو على طريقهم وليس العكس. فالرئيس الأميركي ويليام ماكينلي، الذي أمر بغزو الفيليبين، سنة 1898، وقف ليخطب في شعبه، ويقول لهم: «نحن لم نذهب إلى الفيليبين بهدف احتلالها، ولكن المسألة أن السيد المسيح زارني في المنام، وطلب مني أن نتصرف كأميركيين، ونذهب إلى الفيليبين؛ لكي نجعل شعبها يتمتع بالحضارة»، ومعلوم أن أميركا بقيت في الفيليبين بعدها مدة خمسين سنة.
هذه هي أميركا، وهذه هي طبيعتها، وقد اتخذت الإسلام والمسلمين أعداء لها. وهي من أجل أن تتم لها السيطرة على العراق، فإنها تسابق الوقت، وتبذل قصارى جهدها من أجل إقرار دستور مستوحى من مبادئها، وغرس حكام عملاء لها، ومن ثم بناء جيش يكون حامياً لعملائها ولمصالحها.
إن على المسلمين أن يكونوا على مستوى التحدي الذي يواجههم، وأن يبادروا هم بالعمل على جعل الحكم في أيديهم، وأن يجعلوه حكماً بالإسلام، يكون خلافة راشدة على منهاج النبوة، فهذا هو صعيد العمل الذي يجب على المسلمين أن يجعلوه أول همهم، فإنه لا يواجه المبدأ إلا مبدأ مثله. ولن يستطيع أن يهزم أميركا ومبدءها إلا المسلمون ومبدؤهم، وهذا ما تعيه أميركا، فهل يعي عليه المسلمون؟
إننا واثقون من هزيمة أميركا في حربها ضد الإسلام والمسلمين، ولكن ذلك ينتظر إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. قال تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) [النور] .
2003-12-10