مسؤولية كل مسلم
2004/03/10م
المقالات
2,793 زيارة
مسؤولية كل مسلم
عن النّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ‹‹مَثَلُ الْقَائمِ عَلَى حُدُودِ الله وَالمُدْهِنِ فِيهَا، كَمثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ في الْبَحْرِ، فَأَصَابَ بَعْضِهُمْ أَعْلاَهَا، وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الّذِينَ في أَسْفَلهَا يَصْعَدُونَ فَيَسْتَقُونَ الْمَاءَ فَيَصُبّونَ عَلَى الّذِينَ في أَعْلاَهَا، فَقَالَ الّذِينَ في أَعْلاَهَا: لاَ نَدَعُكُمْ تَصْعَدُونَ فَتُؤْذُونَنَا، فَقَالَ الّذِينَ في أَسْفَلِهَا: فَإِنّا نَنْقُبُهَا في أَسْفَلِهَا فَنَسْتَقِي، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ فَمَنَعُوهُمْ نَجَوْا جَمِيعاً، وإنْ تَرَكُوهُمْ غَرِقُوا جَمِيعاً››.رواه الترمذي وصححه .
في هذا الحديث، يرسم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة من صور المجتمع الإسلامي، حيث يشبه ذلك المجتمع المتميز بعقيدته ونظامه، والذي يعيش بين شعوب ودول مختلفة عنه في عقائدها وأفكارها، يشبهه بسفينة تمخر عباب البحر، وهو مكان معرض للأخطار الجسام بسبب العواصف والأعاصير، فلجأ ركاب السفينة وهم المجتمع إلى القرعة لتقاسم السفينة، فكان للقائمين على حدود الله، الملتزمين بأوامره ونواهيه أعلى السفينة، يقودونها عبر المخاطر المحدقة بها، إلى شط السلامة والأمان، وكان للواقعين في حدود الله، المخالفين لأحكامه، والمنتهكين لحرماته أسفل السفينة، يعيشون لأنفسهم، ولإشباع غرائزهم وحاجاتهم على هواهم، غير مكترثين بمصير السفينة، ولا بسلامة مجتمعها، وكانوا كلما احتاجوا إلى الماء وهو كناية عما يلزمهم من إشباعات في الحياة الدنيا، مروا على من فوقهم للتزود بهذا الماء، فيتأذى الأعلون من تصرفهم هذا، فثقل ذلك على من في الطابق السفلي، ولم يفكروا بالتفاهم مع من فوقهم في المكانة والعلم، وهنا يبرز صنف من الأسفلين يزينون الفتنة والخراب لهم، فيقولون لمن فوقهم، كما ورد في رواية للإمام أحمد “إنما يخرق في نصيبه” إنهم دعاة الحرية يفعلون ما يشاؤون دون نظام أو قيد. في هذا الجو المكفهر بالخلاف، وفي تلك الظروف الدقيقة، التي يتعرض فيه المجتمع للهلاك، يأتي العلاج الناجع، والبلسم الشافي، من العليم الحكيم، من خالق هؤلاء البشر المتفاوتين في تفكيرهم، والمتباينين في مصالحهم، يأتي مخاطباً القائمين على حدود الله على لسان النبي صلى الله عليه وسلم: ‹‹فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن يأخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً›› رواه البخاري.
فالمجتمع الإسلامي، كالجسد الواحد، يعمل كل عضو فيه لصالح هذا الجسد، فالرجل تسعى واليد تعمل، والفم يأكل، والمعدة تهضم، والدماغ يفكر ….. فكل عضو يقوم بوظيفته الموكلة إليه، ليتقاسم الجسد المنافع، كل عضو حسب حاجته .
وإن أصاب مرض أو سوء عضواً من الجسد تداعت جميع الأعضاء لمقاومته واتقائه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، عَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: ‹‹مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ. إِذَا اشْتَكَىَ مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَىَ لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسّهَرِ وَالْحُمّىَ›› رواه مسلم. وفي رواية عَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: ‹‹الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ. إِنِ اشْتَكَىَ عَيْنُهُ، اشْتَكَىَ كُلّهُ. وَإِنِ اشْتَكَىَ رَأْسُهُ، اشْتَكَىَ كُلّهُ››.
وحتى يظل المجتمع الإسلامي سليم البنية، قادراً على إدارة شؤونه، وعلى دفع الأمراض الوافدة إليه، طلب الله تعالى من كل فرد فيه أن يقوم بالمسؤولية المناطة عليه، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: ‹‹أَلاَ كُلّكُمْ رَاعٍ. وَكُلّكُمْ مَسْوولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ. فَالأَمِيرُ الّذِي عَلَى النّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْوولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ. وَالرّجُلُ رَاعٍ عَلَىَ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْوولٌ عَنْهُمْ. وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَىَ بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسؤولة عَنْهُمْ. وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَىَ مَالِ سَيّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ. أَلاَ فَكُلّكُمْ رَاعٍ. وَكُلّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيّتِهِ›› رواه مسلم.
فإن كانوا حكاماً قائمين على حدود الله، رعوا شؤون رعيتهم بما أنزل الله، وإن كانوا محكومين قاموا بواجباتهم الشرعية، وأطاعوا الحاكم ما أطاع الله فيهم، فإن عصى الله، حاسبوه، وإن أصر على المعصية غيروا عليه .
فمسؤولية المحافظة على إقامة أحكام الله في المجتمع الإسلامي مسؤولية جماعية، إن قصّر في إقامتها الحكام، وسكت عنهم الباقون أثم الجميع، وإن تخلىّ القائمون على حدود الله عن مسؤوليتهم، وتركوا المخالفين لأحكام الله يفعلون ما يشاؤون، كانت النتيجة ضياع الأمة الإسلامية، وهلاكها، قال تعالى: ( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )[الأنفال/25].
والأمة الإسلامية في القرن العشرين، والحادي والعشرين للميلاد، تبحر في مراكب شتى، تتقاذفها أمواج الحقد والعدواة للإسلام، وأعاصير التآمر على المسلمين. وفي هذه المراكب، يكثر الواقعون في حدود الله، المنتهكون لحرماته، يمارسون خرق المراكب خروقاً واسعة، لم يمارس مثلها غيرهم في تاريخ المسلمين، خروق التضليل السياسي والتآمر الفكري، باسم الوطنية والقومية ، وباسم الديمقراطية والحرية، حتى سمّوا الذل والهزيمة نصراً، والاحتكام إلى القوانين الوضعية والقرارات الدولية عدلاً، وسمّوا الخنوع لليهود سلاماً، والعلمانية والكفر إسلاماً … فإن لم يتداعَ ويتكاتف القائمون على حدود الله، الملتزمون بأوامر الله، للتغير على هؤلاء الظلاميين والمضبوعين بثقافة الغرب وسياسته، هلك الجميع. عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‹‹أوحى الله إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة كذا وكذا على أهلها قال: إن فيها عبدك فلان لم يعصك طرفة عين؟ قال: اقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم يتمعّر فيُّ ساعة قط›› رواه الطبراني في الأوسط.
إن المتتبع لأحوال المسلمين اليوم لا يخفى عليه ما نمر به من أحوال سيئة بالغة الخطورة، ومن ضيق يكاد يلفنا من كل جانب، فهذا العصر الذي وصل فيه المسلمون إلى أسوأ حال، كثر فيه الحديث عن التغيير من قبل المسلمين للخروج منه، وعودة المسلمين إلى سابق عهدهم، وكثر فيه العمل من قبل الكفار وأعوانهم، مستخدمين كافة الأساليب ومختلف الطرق، لمنع عودة الإسلام إلى الحكم، ومنع نهضة المسلمين، وإعادة الخلافة الراشدة .
فقد استُخدمت ألفا ظ ومصطلحات كثيرة للتضليل، ولحرف المسلمين عن الطريق الصحيح، وتمييع العمل الإسلامي. فمن هذه المصطلحات على سبيل الذكر لا الحصر: العلمانية، والوطنية، والقومية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والمساواة، والزواج المدني، ومحاربة تعدد الزوجات، والحريات، والحوار، والمعارضة، والعولمة، والخصخصة، والشرعية، والتعددية، والشفافية، والأصولية، والتطرف، والوسطية، ومحاربة الإرهاب … ورفع شعار البلد الفلاني أولاً – كالاردن أولاً – وغداً سنسمع مصر أولاً وسوريا أولاً … والعراق آخراً. وكلهم كما قيل ذيول، نرجو من الله سبحانه أن تكون نهاية هؤلاء الرويبضات قريبة أولاً .
ولما غزت هذه الأفكار بلاد المسلمين، ووجد من ينادي بها من أبناء المسلمين المضبوعين بالثقافة الغربية، كان لا بد من التصدي الفكري لها، وبيان زيفها وخطورتها، كذلك كان لا بد من الكفاح السياسي للإعمال السياسية لحكام الجور والخزي، الذين يفتحون بلاد المسلمين لتكون نهباً للكفار، متآمرين على البلاد والعباد .
إن فهم المصطلحات والمفاهيم، ومعرفة مدلولاتها، والتمييز بينها وبين غيرها، يتطلب معلومات خاصة لغوية، وشرعية، وثقافية. والناس متفاوتون فيها، وفي إمكانية الحصول عليها، وكذلك متفاوتون في الذكاء والقدرة على إدراك الأمور، تبعاً لما أنعمه الله على الإنسان من عقل. وما دام هذا التفاوت قائماً، فالاختلاف في الأحكام قد حصل مع الصحابة رضوان الله عليهم في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده، وهم يحملون وجهة نظر واحدة، فمن الطبيعي الاختلاف في الأمور الأخرى. فما بال المختلفين في وجهة النظر كالمسلمين والكفار ؟! فكل ينظر إلى الأمور بحسب وجهة نظره، فكان حدوث الاختلاف أمر طبيعي. فكل مبدأ يسعى إلى شيئين: لضمان استمرارية وجوده حياً وضمان السعادة له، لذلك دخلت المبادئ في صراع فكري وصراع مادي مع بعضها لتحقيق ذلك .
لقد جاء الإسلام بمفاهيم ومصطلحات لتحديد هوية المسلمين، وتحديد المقاييس والقناعات والأفكار التي يجب أن يلتزم بها المسلم ويدعو لها، حتى يكون شخصية إسلامية مميزة عن غيرها، تحمل الإسلام قيادة فكرية للعالم. وهذا يدعونا إلى تحديد طريقنا، وعدم الخلط بينها وبين الطرق الأخرى، والسير في طريق واضح خطّه النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[يوسف/108]. وهذا يتطلب منا أن لا نتنازل عن هذه المصطلحات والمفاهيم التي رضيها الله سبحانه لنا، وأن لا نرضى بغيرها، وأن لا نرضى بالحلول الوسط التي بدأت تظهر في بداية القرن التاسع عشر، لتواكب العصر وتحرفنا عن الطريق القويم المرسوم لنا من الله عز وجل .
فالإسلام طراز خاص في الحياة متميز عن غيره كل التميّز، وحياة المسلمين لها لون ثابت معين لا يتغير، ويحتم الإسلام عليهم التقيّد بهذا الطراز الخاص، ويجعلهم لا يطمئنون إلا لهذا النوع من العيش، ولا يشعرون بالسعادة إلا به، متخذين من عقيدته أساساً لوجهة نظرهم ومقياسهم الذي يبنون عليه أفكارهم ومفاهيمهم التي تحدد سلوكهم، قال تعالى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى @ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى @ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا @ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)[طه/123-126].
أما المبادئ الأخرى غير الإسلام، فهي مبادئ وضعية من قبل البشر – لا تلتقي مع الإسلام – والتي أنشئت دول الكفر على أساسها، والتي تسعى لهدف الاستيلاء على خيرات البلاد الإسلامية ، فتعمل ليل نهار على تشويه الحقائق، وإبعاد المخلصين، وإشهار أتباعها من المنتفعين والظلاميين والمضبوعين بثقافتهم والمتآمرين على إسلامهم ، الذين يعملون على طمس الحقائق، والتعتيم على العمل الجاد الصحيح ، وإظهار الأفكار والطروحات التي تناسبهم وتخدم مصالحهم، وتخدم الحملة الشرسة التي يشنها الكفار على الإسلام والمسلمين في فلسطين، وأفغانستان، وكشمير، والعراق، والسودان، والبلاد الإسلامية قاطبة، ومن قبل على دولة الخلافة. إن سفور الكفر والشر والإجرام يقابله وضوح الإيمان والخير والصلاح، واستبانة سبيل المجرمين، هدف من أهداف التفصيل الرباني للآيات. فهما صفحتان متقابلتان وطريقان مفترقتان ولا بد من وضوح المواقف والسبيل.
ومن هنا يجب أن تبدأ كل حركة إسلامية بتحديد سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين ووضع العنوان المميز للمؤمنين والعنوان المميز للمجرمين في عالم الواقع لا عالم النظريات، فيعرف أصحاب الدعوة الإسلامية من هم المؤمنون ممن حولهم، ومن هم المجرمون.
وقد ظهر تيار الحل الوسط بين الإسلام المبدأ الإلهي والمبادئ الأخرى المتمثلة بالجاهلية أو الطاغوت. وقد نادى بهذا الحل بعض المعاصرين المشتغلين بالسياسة والتاريخ، بتأثيرات أجنبية غير إسلامية، طرحت أفكاراً مخالفة للشرع الإسلامي، معتقدة بأن هذا هو الحل الصحيح في الوقت الحالي، وهي لا تخلو من أحد احتمالين: إما الجهل، وإما الضلوع في المؤامرة على هذا الدين من قبل أعداء الله، للقضاء على الإسلام، والحيلولة دون عودته إلى الحكم، وكل سير في تأييد هذا الاتجاه والاعتماد على أصحابه، هو موالاة لأعداء الإسلام، الطامعين بالنفوذ في بلاد الإسلام، وفي خيراته .
ومن هنا فإن على المسلمين أن ينتبهوا جيداً لما يجري حولهم من طروحات تحمل على محاربة هذا الدين باسم خدمته وتجديده. وهؤلاء المأجورون قد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم منهم عن عمر بن الخطاب قال: “حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل منافق عليم اللسان”. رواه البزار وأحمد. وقد أصبحت هذه المصطلحات تتناول من قبل بعض أبناء الأمة، وخاصة الذين تلقّوا ثقافتهم في الدول الغربية الصليبية، وعادوا بثقافته وعقليته، ويضاف إلى ذلك إشراف الغرب المباشر، وغير المباشر، على وضع المناهج الدراسية المشتملة على هذه المصطلحات، والتي تهدف إلى إبعاد المسلمين عن دينهم، وتمييع مجتمعهم، بالإضافة إلى إفهام أقوامهم عن الإسلام المشوه، وقد بدأ هذا بالاستشراق، بعد انتهاء الحروب الصليبية، لدراسة الإسلام، والرد عليه، والكيد للمسلمين. فاستطاع أن يزعزع العقيدة في بعض النفوس عند المسلمين، وإقناعهم بعدم صلاحية الإسلام لهذا العصر.
وحتى تكتمل الحلقة فقد نشأ دعاة أطلق عليهم اسم (المغربون) وقد نادوا بالتغريب، وسُموا المستغربين قياساً على المستشرقين وهؤلاء وجه آخر من وجوه المستشرقين، ولكنهم أخطر، إذ إن ما يطرحه دعاة التغريب هو الإصلاح والمهادنة والحل الوسط، وقد لبسوا ثوب المصلحين الأتقياء وادّعوا الغيرة على الإسلام، ولكنهم كانوا مُسيّرين من الكفار، ونادوا بفكرة عصرنة الإسلام لتتفق مع العصر، فروجوا إلى ما عند الغرب أنه من أصل إسلامي فيجب أن نأخذ به، وخلطوا بعض المصطلحات إما قصداً أو جهلاً بين الحضارة والمدنية، وما يؤخذ وما لا يؤخذ لإضفاء صبغة دينية على مفاهيم الغرب وأفكاره، مع إضافة بعض التزيين والتلميع أو الماكياج .
وأمام هذه الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين، كان لا بد من التشمير عن ساعد الجد والعمل، مع الواعين المخلصين القائمين على حدود الله، لردع الواقعين في حدود الله، المنتهكين لحرماته، للتغيير عليهم بالطريق الشرعي الذي بينه الله حتى تكون النجاة للجميع، لأن مسؤولية تغيير المنكر هي مسؤولية فردية وجماعية كما بينت الآيات والأحاديث، وأخطر منكرِ يتعرض له المسلمون اليوم، هو الحكم بغير ما أنزل الله، وهو منكر أساسي، جر إلى منكرات كثيرة .
وليعلم القائمون على حدود الله ، من حملة الدعوة ، العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية، وليعلم المسلمون أن طريقة النجاة واحدة ومستقيمة، وأن طرق الهلاك كثيرة ومتعرجة، فعليهم أن يتحرّوا الطريق ليصلوا إلى غايتهم المنشودة .
قال تعالى: ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الأنعام/153] .
2004-03-10