كلمة الوعي: أيها المسلمون: كونوا على مستوى ذكرى الهجرة
2004/03/10م
المقالات, كلمات الأعداد
3,192 زيارة
يجتمع مع صدور هذا العدد من الوعي، في شهر محرم من عام 1425هـ الموافق لشهر آذار من عام 2004م، ذكريان: الأولى ذكرى الهجرة، ذكرى إقامة الدولة الإسلامية في المدينة، حيث تم تسجيل التقويم الهجري بدءاً منها، كدلالة على عظم أهميتها في تاريخ المسلمين، بلفتة تشبه إلهام الوحي، من سيدنا عمر بن الخطاب الخليفة الراشد، أمير المؤمنين، رضي اللَّه عنه وأرضاه. والثانية: ذكرى هدم الخلافة الإسلامية، في الثالث من آذار سنة 1924م على يد اليهودي المجرم مصطفى كمال أتاتورك.
وما حدث للمسلمين، بعد إقامة الدولة الإسلامية، أن دانت لهم الأمم، وفتح اللَّه عليهم القلوب؛ فدخل الناس في دين اللَّه أفواجاً، وفتح لهم البلاد فأصبحت دولتهم هي الأولى والأعظم والأقوى مادياً وحضارياً… أما ما حدث للمسلمين بعد هدم دولتهم المتمثلة بالخلافة الإسلامية، فإنهم قد ذلوا وأهينوا، وتكالب عليهم الجميع، وطمع بهم الأعداء، وغاض الحق من الوجود وظهر الباطل، حتى صار هو القانون والشرعة، ونعت الإسلام بالإرهاب واتهم المسلمون العاملون المخلصون بالإرهابيين… لقد تبدلت الأحوال حتى صار عاليها سافلها، وسافلها عاليها، ولا يحدثنا مثل الواقع عما آل إليه حال المسلمين من ضنك…
إن المسلمين اليوم، يجدون أنفسهم بين أمرين لا ثالث لهما: إما أن يستمر هذا الوضع، الذي طال ليله، بكل مآسيه… وإما أن يغيّروه تغييراً جذرياً، لا يبقي للكفر أي أثر في بلادهم.
إن الأمة الإسلامية، هي الأمة الوحيدة في العالم، التي عندها كتاب من ربها محفوظ، تسترشد به، وتتقيد بأحكامه، وتتخذه المصدر الأوحد لها في التشريع، هو وسنة رسوله الموثقة بالسند الصحيح، وقد طلب اللَّه سبحانه من المسلمين أن يأخذوا ما آتاهم الرسول، وأن يتأسوا به في سائر أعمالهم.
ولقد جاء المسلمون، من شرعهم الحنيف، أن الإسلام لا يقوم بدون دولة تطبق أحكامه، وتحافظ على عقيدته، وتنشره في العالم أجمع… والمسلمون العاملون عليهم أول ما عليهم العمل لإقامة الدولة الإسلامية، التي يفتقد إليها المسلمون أشد الافتقاد، تماماً كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ قضى ثلاث عشرة سنة يدعو إلى الإيمان حتى استوت عليه النفوس، ويسير بمن آمن معه في طريق إظهار الدين، حتى تم إظهاره، بأمر اللَّه وبعونه وبتوفيقه، وذلك بإقامة دولة الإسلام في المدينة المنورة، حيث صار للمسلمين كيان يأوون إليه! ويحميهم، وفيه يطبق الإسلام، وفيه تعدّ الجيوش، ويصنّع السلاح، ويعلن الجهاد، وليست الأحكام الشرعية يسبق بعضها بعضاً، بل هي في الإسلام منظمة تمام التنظيم.
فالرسول صلى الله عليه وسلم حتى أقام الدولة الإسلامية قام بتثقيف ثلة ممن آمنوا معه بالإسلام، ثم نزل بهم إلى ساحة الصراع الفكري، حتى قوي الإسلام في نفوسهم، بحيث صاروا يقوون به على الفتن.
ثم وجد في المدينة، مع مصعب الخير، رأي عام للإسلام، حيث أقبل عامة أهل المدينة على الإسلام، وتهيأت النصرة، التي كان يطلبها الرسول صلى الله عليه وسلم ويتقصدها، بزعمائها… أعمال هيأها الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل عمل يؤدي إلى ما بعده، حتى قام أمر اللَّه… فكانت الأحكام الشرعية المتعلقة بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم لإقامة الدولة الإسلامية تبدو محكمة التنظيم.
كذلك فعل الرسول صلى الله عليه وسلم حين هاجر… فإنه أحكم خطة الهجرة. فبعدما أن احتقنت الأمور بشدة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش، وتقاربت المواجهة لدرجة أن المشركين قد أجمعوا أمرهم على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم علياً كرّم اللَّه وجهه، بالمبيت في فراشه، وخرج يطلب بيت الصدّيق، رضي اللَّه عنه بالهاجرة، كانت بالنسبة للناس ساعة القيلولة حيث قلما يوجد إنسان في مكة خارج بيته، وخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته، تجنّباً للمراقبة، واتجها نحو غار ثور، وهو على غير طريق المدينة، وطلبا من عبد اللَّه بن أبي بكر أن يتسمّع ما يقوله الناس فيهما، ومن أسماء أن تأتيهما بالطعام، ومن عامر بن فهيرة أن يعفي آثارهما، ومن عبد اللَّه بن أريقط أن يدلهما على الطريق، وسلكا طريقاً فرعية لا تسلك عادة، ومكثا في الغار ثلاثة أيام حتى تهدأ الملاحقة…
هكذا علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم كيف تقوم دولة الإسلام، بالتقيد التام بالأحكام الشرعية المتعلقة بأحكام الطريق تقيداً دقيقاً، واتباع الوحي حصراً، وباختيار أنجع الوسائل وأنسب الأساليب، ووضع الخطط المحكمة من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس كوحي وإنما بحسب تفكيره وحسن تدبيره، وحسن تخطيطه وحسن تنفيذه.
ثم بعد ذلك كله، بعد هذا الإحسان في التقيّد بالأحكام الشرعية، والإحسان بالتقيد في اختيار الوسائل والأساليب، وإعداد الخطط… فإن رحمة اللَّه وحفظه وتوفيقه… كانت قريبة من المؤمنين.
إن المسلمين اليوم هم أحوج ما يكونون إلى حسن التقيد، وإلى اتباع طريق الرسول صلى الله عليه وسلم بإحسان، وإلى الإحسان في اختيار الوسائل والأساليب، والإحسان في وضع الخطط… إن المسلمين اليوم لا يشكون من قلة الإخلاص، ولا من قلة التضحية، ولا من قلة محبة الإسلام، بل عندهم من ذلك الكثير، ولكنهم يشكون من قلة العلم الشرعي المنضبط، ومن ضعف التخطيط والتنظيم.
إننا نتوجه إلى العلماء والجماعات الإسلامية العاملة لنقول لهم إن هذه المسألة برسمكم أنتم أولاً. إننا جميعاً بحاجة إلى تأييد اللَّه ونصره، والنصر لا يأتي لغير القائم بأمر اللَّه، المتقيّد بأحكامه، المخلص في عمله… إننا في مرحلة حرجة، والعدو فيها مجرم لئيم، والمسلمون تجاهه يجب أن تكون يدهم واحدة، وقلبهم واحد، ووجهة عملهم واحد، وأن يعلموا بأن النصر من عند اللَّه، لا يؤتيه إلا من سار على الطريق التي أرادنا أن نسير عليها، وأنه مهما كان عندهم من إخلاص وتضحية وحب للَّه ولرسوله فإنه لا يغني عن الصواب، وعن الاتباع شيئاً. قال تعالى ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ).
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. اللهم اجعلنا من الذين يسيرون على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة دولته بإحسان، اللهم أيدنا بنصرك وبالمؤمنين، وألف بين قلوب العاملين، وأجمع أمرهم على إقامة الخلافة الراشدة الموعودة، واجعلنا طائفتك المنصورة. إنك على كل شيء قدير. اللهم آمين
2004-03-10