الاستراتيجية الأميركية الجديدة لمنطقة العالم الإسلامي
2004/04/10م
المقالات
2,685 زيارة
الاستراتيجية الأميركية الجديدة لمنطقة العالم الإسلامي
جراء تمسك المسلمين بدينهم وعقيدتهم، وتطلعهم الجاد لإعادة الحكم بما أنزل الله، وبالتالي رجحان عودة الإسلام السياسي لواقع الحياة والتطبيق العملي، صار الغرب الكافر وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية, يدرك مدى هشاشة مخططاته التي وضعها وسار عليها منذ عقود مضت، لضرب الإسلام والإجهاز على عقيدته. وأميركا على وجه الخصوص, بوصفها رأس الكفر وحربته, وإحدى الدول الطامعة في بلاد المسلمين وثرواتهم، ترى على الدوام، في تمسك المسلمين بدينهم، وتحركهم الجاد للنهوض، تهديداً مباشراً لمصالحها، ليس في مناطق المسلمين فحسب بل وفي العالم بأسره.
ـــــــــ
لقد قررت أميركا، منذ زوال الشيوعية واندحارها، اتخاذ الإسلام عدواً لها، وذلك كمقدمة لإعادة صياغة مخططاتها لمنطقة العالم الإسلامي، بما يحقق لها إزالة أثر العقيدة الإسلامية من نفوس المسلمين، وتكريس هيمنتها ونفوذها على هذا الجزء الحيوي من العالم.
وإنه، وإن كان لسقوط الشيوعية وانحنائها أمام الحضارة الغربية, أثر بالغ في تنامي النزعة لدى صنّاع القرار في الغرب، وفي أميركا تحديداً، لجعل الرأسمالية مبدأ لكافة شعوب وأمم الأرض، بمن فيهم الأمة الإسلامية، إلا أن هذا السقوط للشيوعية قد ساهم إلى حد كبير في الكشف عن قوة الإسلام، ومدى تمكنه من نفوس المسلمين. إن الأحداث الجسام التي عصفت بالأمة الإسلامية ردحاً طويلاً من الزمن، لم تنل من إسلامية الأمة، الأمر الذي جعل من الأمة الإسلامية هدفاً لمخططات أميركا الجديدة، الهادفة لضرب الإسلام، وجعل الرأسمالية دينا جديدا للمسلمين، هذا من حيث الدوافع الكامنة وراء العداء الصليبي المتأصل في نفوس الكفر والكافرين تجاه الإسلام والأمة الإسلامية.
أما من حيث ترجمة هذا العداء إلى أقوال وأفعال ومخططات، ترسمها الدول الكافرة بزعامة أميركا, بقصد التصدي للمسلمين ولعقيدتهم, فإن الاستراتيجية الأميركية الجديدة لمنطقة العالم الإسلامي, إنما تنطلق من مفاهيم القوة، وغطرسة القوة. بمعنى محاولة فرض النظم والقيم الغربية على شعوب الأمة الإسلامية, بواسطة القوة, وبما يلزم لهذه الاستراتيجية من دعاية مضلِّلة، وغزو، واحتلال، كلما لزم الأمر. هذا فضلا عن اتباع شتى أساليب الضغط والتضييق على المسلمين، على مستوى العالم, وبالذات البلاد الإسلامية, لحمل المسلمين على نبذ عقيدتهم ودينهم, واتخاذ حضارة الغرب حضارة لهم.
وإنه، وإن كانت الإدارة الأميركية السابقة بزعامة كلينتون, هي صاحبة مشروع جعل الرأسمالية مبدأ لكافة شعوب وأمم الأرض, بمن فيهم شعوب الأمة الإسلامية, ولكن بأسلوب الدعاية والحوار واقتصاد السوق وغيره, إلا أن الجديد في الاستراتيجية الأميركية الحالية, هو عسكرة الحملة العالمية التي خطها كلينتون. وما نشاهده اليوم من غزو أميركا لأفغانستان والعراق, وقتل وتشريد للمسلمين في فلسطين وكشمير والعراق, لخير دليل على هذا التوجه لدى صناع القرار في إدارة بوش الحالية.
وعليه، فإن المجموعة المتشددة التي تتشكل منها إدارة بوش الحالية, تؤمن بأن القوة العسكرية التي توفرت للولايات المتحدة في هذا الظرف التاريخي النادر, يجب أن تسرع في حسم كل المعارك العسكرية منها والثقافية, لصالح الولايات المتحدة والمعسكر الديمقراطي, وذلك قبل أن تزداد المخاطر التي من شأنها أن تشكل تهديدا لأمن الولايات المتحدة القومي.
هذه الفلسفة, التي تقوم على أساسها السياسة الخارجية للولايات المتحدة اليوم, جراء تبني إدارة بوش الابن لها, هي في واقعها مستوحاة من نظرة الفيلسوف الأميركي الياباني الأصل, فرانسيس فوكوياما -صاحب نظرية نهاية التاريخ _على حد زعمه_ يقول فيها: إن المعارك الكبرى التي دارت في القرن العشرين، وهو يقصد منذ هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، انتهت بنصر حاسم لقوى الحرية، وبروز نموذج واحد ومستدام, وعناصره هي: الحرية والديمقراطية والمشروع الحر؛ لهذا نجد أن وزير الدفاع الأميركي الحالي, دونالد رامسفيلد, يتبنى بل يعمل على مضاعفة القوات المسلحة الأميركية خارج الولايات المتحدة, إلى مستوى الضعف.
وكذلك يمكن ملاحظة هذا الطراز من التفكير لدى المتنفذين في إدارة بوش الحالية, من خلال الوثيقة الرسمية التي أعلنها البيت الأبيض رسميا في 20/9/2002م، تحت عنوان (الاستراتيجية الأميركية لأمن الولايات المتحدة القومي) ما نصه: «سوف تستخدم الولايات المتحدة قوتها العسكرية والاقتصادية, لتشجيع قيام المجتمعات الحرة والمفتوحة, وستعمل كل ما في إمكانها، بوصفها الدولة العظمى الوحيدة في العالم, لاستخدام المعونة الخارجية، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي, لكسب معركة الأفكار والقيم المتنافسة, بما في ذلك كسب معركة العالم الإسلامي».
لهذا كله جاءت ردات فعل إدارة بوش الابن, على أحداث الحادي عشر من أيلول, سريعة وحاسمة, ودون تردد أو إبطاء, بخصوص عسكرة الحملة على ما يسمى بالإرهاب, أي عسكرة الحملة للقضاء على الإسلام. تمخض عن هذه العسكرة: إعلان الحرب على أفغانستان البلد المسلم, وتعزيز التواجد العسكري الأميركي، حول أطراف بلاد المسلمين، وفي منطقة الخليج على وجه الخصوص.
ولا يخفى على أحد أنه من خلال الممارسات الحاقدة التي تتزعمها أميركا, بشأن ملاحقة المسلمين، وتضييق الخناق عليهم، في أميركا، وفي كل أرجاء العالم, والضغوط على معظم دول العالم، للوقوف معها وإلى جانبها، في حملتها المسعورة لاستئصال شأفة المسلمين وقتلهم، بحجة محاربة الإرهاب واستئصاله من جذوره. إنه صار من نافلة القول إن الحرب التي أعلنها بوش الابن، على ما يسمى بالإرهاب, هي في واقعها وحقيقتها حرب فعلية على الإسلام والأمة الإسلامية.
وبالرغم من أن للحملة الأميركية اليوم على المسلمين دوافع أخرى منها وضع اليد على الاحتياط النفطي الهائل, إلا أن العنوان الرئيس لهذه الحملة المسعورة, هو فشل المخططات السابقة لثني الأمة عن دينها وعقيدتها, إضافة إلى الخطر الكامن في الأمة الإسلامية, على مصالح الغرب ونفوذه، عندما تنطلق الأمة وتنهض وتحمل رسالتها للعالم.
أما الاستراتيجية الأميركية الجديدة على المستوى الثقافي فإنها لا تنفك عن مفاهيم القوة, وتجيير نتائج الحروب والغزو، لصالح بعث الديمقراطية والرأسمالية في بلاد المسلمين. وبمعنى آخر محاولة فرض الديمقراطية, بوصفها الإطار السياسي للفكر الرأسمالي, والقيم الغربية على الأمة الإسلامية, تحت طائلة الغزو والقوة العسكرية المتغطرسة. إنها حملة صليبية ثقافية في المقام الأول. ولا أدل على هذه الحملة وهذه الاستراتيجية مما جاء على لسان كونداليسارايس, بتاريخ 27/9/2002م قولها «إن الزلزال الذي حدث في الحادي عشر من أيلول, قلب موازين السياسة الدولية, وإن الفترة الحالية مع أخطارها, إلا أنها تمثل فرصة عظيمة, تماثل الفترة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية, عندما تمكن العالم الحر من إعادة تأهيل ألمانيا واليابان، وضمهما إلى معسكر الديمقراطية والحرية». إن مستشارة الأمن القومي هذه, إنما تقصد، إعادة تأهيل العالم الإسلامي, أسوة بما آل به حال ألمانيا واليابان بعيد الحرب العالمية الثانية. بدليل أن تصريحها هذا قد جاء في معرض الرد على سؤال وجهته إليها إحدى الصحف البريطانية, حول المشروع الأميركي المعلن, بشأن فرص نجاح إحلال الديمقراطية في الشرق الأوسط، بعيد الانتهاء من نظام حكم صدام حسين في العراق. وحول نفس السؤال، أضافت رايس بقولها «إن الفترة الانتقالية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي قد انتهت, الأمر الذي يتيح لواشنطن بصفتها القوة القطبية الوحيدة, أن تكرس نفسها لإحلال الديمقراطية والحرية في العالم الإسلامي».
ومن جهة ثانية، وبذريعة محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه، نجد أن المسئولين في الإدارة الأميركية الحالية, لا يترددون في التأكيد، على أن أية استراتيجية، من أجل القضاء على الإرهاب ومنابعه, يجب أن تشتمل على استنهاض وتعزيز الديمقراطية، في العالم الإسلامي, لدرجة أن كولن باول, قد طرح على الملأ أواخر العام الماضي, مشروعاً, أسماه: «تعزيز الديمقراطية والشراكة في منطقة الشرق الأوسط», تطرّق من خلاله إلى أدق ما عليه المسلمون في عيشهم، وحياتهم الخاصة، حيث قال: «وسنعمل على دفع عملية التعليم للنساء والأمهات القابعات في بيوتهن، حتى يتمكنّ من الخروج للعمل، بما يضمن تنشئة وتخريج أجيال متعلمة ومثقفة».
إن الحملة العسكرية والثقافية التي تقودها أميركا الحاقدة على الإسلام والمسلمين، ومعها بريطانيا الآفل نجمها، تفوق في أخطارها كل الأخطار التي تعرض لها المسلمون عبر تاريخهم كله. وأمام هذا الهدف الفظيع, كان لا مناص أمام الأمة الإسلامية من اليقظة، ودوام إدراك حقيقة ما يدبره الكفار وأعوانهم للنيل من عقيدة المسلمين. لذلك كان لزاماً على المسلمين الدفاع عن عقيدتهم ودينهم, وعن وجودهم كأمة, لأن الأمم تبقى ببقاء مبادئها وتزول بزوالها.
وعليه، فإن الدول الكافرة لا تنفك عن الدس والكيد للمسلمين, وإعادة صياغة مخططاتها وأساليبها، بهدف محاربة الإسلام والقضاء على عقيدته، ولكن، وعلى أية حال فإن الصراع بين الكفر والإيمان كان منذ بعثته صلى الله عليه وسلم, ولا يزال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. والمسلمون بوصفهم حملة الحق ودعاته, فقد مضت سنة الله فيهم بأن يظلوا في حالة صراع دائم مع أهل الشرك والباطل. لهذا كان من واجب المسلمين في جميع العصور والأزمنة, أن يظلوا على دراية تامة بمقاصد وأهداف دول الكفر الذين يتربصون بالمسلمين بشكل دائم, خصوصاً وهم يعملون لإقامة دولتهم، دولة الخلافة الراشدة, جعلنا الله سبحانه وتعالى وإياكم ممن ينالون شرف العمل لإقامتها، ومن الذين ينعمون بحكمها وعدلها.
أبو إسلام – بيت المقدس
2004-04-10