ردّ على هيئة علماء السودان ، وجوب تطبيق أحكام الشرع على كل الرعية
2004/07/10م
المقالات
2,141 زيارة
ردّ على هيئة علماء السودان ، وجوب تطبيق أحكام الشرع على كل الرعية
علمت «الوعي» أنَّ هيئة علماء السودان أصدرت بياناً بتاريخ 10 من ربيع الثاني 1425هـ الموافق 30/05/2004 قالت فيه إنه لا يجب تطبيق أحكام الشرع على جنوب السودان، وإنه لا مانع أن تكون لهم قوانينهم الخاصة، ذلك لأن الجنوب (تسكنه غاليبة غير مسلمة والحال معه يكون على التراخي). كما جاء في بيانهم المذكور رداً على بيان الناطق الرسمي لحزب التحرير في السودان بتاريخ 28 من ربيع الأول 1425هـ الموافق 18/05/2004 الذي قال فيه إنه يجب تطبيق أحكام الشرع في كل السودان، شماله، وجنوبه، مسلميه وغير مسلميه، فهو بلد إسلامي واحد لا يجوز تجزئته.
وقد أضاف بيان هيئة العلماء المذكور: (قدَّمت الهيئة ورقة أُعِدَّت ونوقشت في مجمع الفقه وتناولت خمسة أقوال فقهية وعرضتها عرضاً ميسراً ومبسطاً واستحسنت منها قولاً). ثم استعرضت الورقة المذكورة الموقعة من قبل نائب الأمين العام لهيئة علماء السودان، استعرضت الأقوال الفقهية الخمسة المشار إليها وهي: الحنفية (ومعهم الزيدية والإمامية)، الشافعي، المالكي، الحنابلة، ابن حزم الظاهري، وبينت أنَّ جمهور الفقهاء يقولون بوجوب تطبيق أحكام الشرع، (باستثناءات وتفصيلات ذكروها) على المسلم وغير المسلم داخل الدولة الإسلامية. ثم بينت الورقة أن الشافعي من هؤلاء الفقهاء يقول بالخيار وأنه (يشترط لإقامة الحد على أهل الذمة أن يأتوا راضين مجتمعين لكي يحكم عليهم الإمام). وقالت الورقة إن الشافعي يستدل على التخيير في الحكم عليهم وعدم وجوبه بالآية الكريمة: ﴿فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم﴾ وبناء على هذا استحسنت هيئة العلماء قول الشافعي المذكور وأخذت به. كما جاء في الورقة الموقعة من نائب الأمين العام لهيئة علماء السودان قوله: (… أرى أن أعدل الآراء هو ما ذهب إليه الشافعي من التخيير لقوة أدلته).
ولقد علمت «الوعي» من مصادرها أنَّ حزب التحرير قام بالرد على بيان هيئة العلماء المذكور وأنه سلَّمه للهيئة باليد في الخرطوم بتاريخ 03/07/2004.
و«الوعي» تنشر الرد فيما يلي على صفحاتها لينتفع به المسلمون ويعملوا به:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
الإخوة الكرام (هيئة علماء السودان)،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
فلقد ترددنا كثيراً قبل أن نعقِّب على ردّكم على الناطق الرسمي بتاريخ 10 ربيع الثاني 1425هـ الموافق 30/5/2004م. إننا، أيها الإخوة، لا نحب أن نكون، نحن وأنتم، خصمين في الحكم الشرعي، بل أن نكون، معاً، طرفاً واحداً، نحب الخير ونسعى إليه، ونرجو منه سبحانه رضوانه، فنفوز في الدارين وذلك الفوز العظيم.
لكننا، أيها الإ خوة، بعد هذا التردد آثرنا أن نعقِّب على كتابكم المشار إليه، يدفعنا إلى ذلك أمران:
الأول: إن ردَّنا هذا عليكم لن يجعلنا خصمين بل نحن نسارع معاً إلى الوصول إلى الحكم الشرعي ذي الدليل الأقوى الذي تطمئن له القلوب بأنه الحكم الشرعي الصحيح في المسألة.
والثاني: إننا أحببنا أن لا نكون ممن يكتمون العلم، وكتمان العلم أمر كبير في الإسلام له تبعات جسام يوم القيامة، فأحببنا أن ننجو منها بفضل منه سبحانه.
لهذين الأمرين أيها الإخوة زال تردّدنا بعد مضي وقت عليه، وآثرنا التعقيب، وها نحن نعقب على ردكم المذكور، فنقول وبالله التوفيق:
تعلمون أن أساس المسألة هو ما جاء في اتفاقية مشاكوس وملحقاتها من عدم تطبيق (أحكام الشرع) المعمول بها في شمال السودان على جنوبه بل إن جنوب السودان له قوانينه الخاصة به، وللشمال قوانينه الخاصة به. وقد كان بيان الناطق الرسمي بتاريخ 18/05/2004م قد ذكر أنكم استنكرتم وجود قانونين في البلد الواحد (الخرطوم) فقال لكم أوليس جنوب السودان وشماله بلداً واحداً فلماذا لَم تستنكروا ما جاء في الاتفاقية من وجود قانونين في بلد واحد وهو السودان أو أن السودان أصبح دولتين جنوباً وشمالاً؟ وبيَّن ان أحكام الشرع يجب أن تطبق في السودان كله جنوبه وشماله فهو بلد إسلامي واحد.
وكان جوابكم أن استعرضتم خمسة أقوال فقهية، أربعة منها تقول بإقامة الحدود والأحكام بتفصيلات ذكروها، إلا فيما استثنت النصوص الشرعية من أمور لهم كشرب الخمر، وأكل الخنزير. والخامس أخذتم به وهو أن أهل الذمة الذين يعيشون في الدولة الإسلامية لا يُحْكَمون بشرعنا إلا إذا أتونا راضين بأن نحكمهم، وطلبوا ذلك، فيجوز لنا أن نحكمهم بالشرع ويجوز أن لا نحكمهم، بل نرجعهم لقضاتهم، وكان دليلكم قول الشافعي في الأم، والاستدلال بالآية الكريمة ﴿فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئاً وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط﴾ . واعتمدتم على صاحب الفتوى الذي أخذ بهذا الرأي حيث بيَّن لماذا أخذ به فقال: (أرى أنَّ أعدل الآراء هو ما ذهب إليه الشافعي من التخيير لقوة أدلته منها:
1 – أن الحد مكرمة وبركة وطهارة لا يستحقها الكافر.
2 – أن مذهب الخيار مرونة تعطي الحاكم المسلم الخيار الأنسب على حسب الواقع المؤثر ويقدر الأمور فيمكن للحاكم المسلم أن يختار الأنسب دون الشعور بالإثم أو الحرج).
أي أن صاحب الفتوى لَم يختر هذا الرأي لقوة أدلته كما قال – لأن ما ذكره في 1، 2 ليس أدلةً – كما هو معلوم، بل هو تبرير لاختياره.
هذا هو الرأي الذي اعتمدتم عليه في ردكم على كتاب الناطق حول أحكام أهل الذمة.
إننا، أيها الإخوة، سنجعل هذا التعقيب على النحو التالي:
أولاً: بيان الحكم الشرعي في المسألة من حيث استعراض الدليل الأقوى.
ثانياً: ما جاء عن الشافعي في الحكم على أهل الذمة وما جاء في المعتمد من المذهب الشافعي عمَّن جاءوا بعده.
ثالثاً: بيان أن الأحكام الشرعية تؤخذ ليسير العمل بموجبها لا أن يتم العمل ثم يبحث بعد ذلك عن أية آراء تجعله مشروعاً.
أولاً: أما الحكم الشرعي فهو وجوب تطبيق أحكام الشرع داخل الدولة الإسلامية على كل رعيتها، سواء أكانوا مسلمين أم أهل ذمة، إلا إذا ورد دليل شرعي يستثني أحكاماً معينةً مثل شرب الخمر لهم أو أكلهم الخنزير أو عباداتهم أي أن جميع الأحكام تطبق عليهم إلا فيما ورد نص صريح باستثناءئه. وذلك لما يلي:
إن كل من كان في دار الإسلام تحت حكم الدولة الإسلامية يجب أن تطبق عليه أحكام الإسلام كما تطبق على المسلمين سواء بسواء، سواء أكان ذمياً أم معاهداً أم مستأمناً، ولا يخير الحاكم في ذلك. بل يجب تطبيق أحكام الإسلام دون تردد، لأن الله تعالى يقول بالنسبة لأهل الكتاب: ﴿فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق﴾ ويقول أيضاً بالنسبة للمسلمين وغير المسلمين في الدولة: ﴿وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك﴾ وقال سبحانه: ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله﴾ وهذا عام يشمل المسلمين وغير المسلمين تحت سلطان الدولة. وأما قوله تعالى: ﴿سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم﴾ فإن المراد منها من جاء إلى الدولة الإسلامية من خارجها ليحتكم إلى المسلمين في خصومة مع كافر آخر أو كفار آخرين، فالمسلمون مخيرون بين أن يحكموا بينهم وبين أن يعرضوا عنهم. فإن الآية نزلت فيمن وادعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة وكانوا قبائل يعتبرون دولاً أخرى، فلم يكونوا خاضعين لحكم الإسلام بل كانوا دولاً أخرى، ولذلك كانت بينه وبينهم معاهدات. أما إن كان الكفار خاضعين لحكم الإسلام بأن كانوا ذميين، أو جاءوا مستأمنين خاضعين لحكم الإسلام، أي راضين أن يدخلوا دار الإسلام مع الخضوع لحكم الإسلام كالمعاهدين والمستأمنين فلا يجوز أن يحكم بينهم إلا بالإسلام. ومن امتنع منهم عن الرجوع إلى حكم الإسلام أجبره الحاكم على ذلك وأخذه به، لأنه إنما دخل في العهد بشرط التزام أحكام الإسلام، سواء أكان عهد ذمة، أم عهد أمان، ما دام في دار الإسلام.
كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران وهم نصارى: «إن من بايع منكم بالربا فلا ذمة له» رواه ابن أبي شيبة. ومنه يتبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ألزمهم بعدم التعامل بالربا، أي ألزمهم بحكم الإسلام، ما داموا أهل ذمة في الدولة. وقد روى ابن عمر: «أن اليهود جاؤا إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة زنيا فأمر بهما فرجما» رواه البخاري. وروى البخاري أيضاً «أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل يهودياً بجارية قتلها على أوضاح لها» وهؤلاء اليهود كانوا من رعايا المسلمين، وذلك بعد أن انتهت كيانات اليهود وظل منهم رعايا تحت سلطان المسلمين.
إلا أنه إذا كان الفعل مما يدخل في باب العقائد عندهم، ولو كان عندنا ليس من باب العقائد، فإننا لا نتعرض لهم فيه ونتركهم بالنسبة له وما يعتقدون به، وإنما لم نطبق عليهم ما يتعلق بالعقائد لأنه يعتبر حينئذ إكراهاً في الدين والله تعالى يقول: ﴿لا إكراه في الدين﴾ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إنه من كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يفتن عنها» رواه أبو عبيد. وكذلك نتركهم فيما استثناه الشرع لهم من مطعومات كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير، وكذلك من عبادات كصلواتهم ونحوها. ولذلك لا يكرهون على العقائد والعبادات والمطعومات، وكل ما ورد نص شرعي باستثنائه. وعليه فإنه يجب تطبيق أحكام الإسلام على الكفار في دار الإسلام كما تطبق على المسلمين إلا ما استثني لهم بنص. وتؤكد ذلك الآية الكريمة ﴿حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون﴾ أي خاضعون لأحكام الإسلام.
ثانياً: 1 – أما ما جاء عن الشافعي في الأم فقد فرَّق الشافعي بين أمرين في الأحكام، أمر يتعلق فيما يجري بينهم فقال نحكم بينهم إذا جاءونا راضين وطلبوا ذلك، وأمر نحكم بينهم بالإسلام ولا بد، وهو في المعاملات المالية مع المسلمين وفي كل أمر له تبعة تترتب عليه.
وقد ذكرتم رأي الشافعي في الأول (نشترط لإقامة الحد أن يأتوا راضين) ولَم تذكروا قوله في الأمر الثاني، وهو في الصفحة نفسها من الجزء السادس من كتاب الأم ص150، دار الفكر للطباعة والنشر الطبعة الأولى، حيث قال جواباً لسائله عندما سأله: متى يجب على الحاكم أن يحكم على أهل الذمة بالإسلام فقال الشافعي (إذا كانت بينهم وبين مسلم أو مستأمن تباعة) أي أن كل أمر تترتب عليه تبعة كالمعاملات المالية ونحوها يجب الحكم فيه بالإسلام إذا كان بين الذمي والمسلم.
2 – إن مذهب الشافعي قد جمعه تلامذته وصنفوه من بعده وأزالوا الالتباس بين قولي الشافعي، وكان من أشهر من جمعه ورتبه هو الإمام أبو إسحق إبراهيم الشيرازي (393هـ – 476هـ) صاحب المهذب وهو كتاب مشهور في المذهب الشافعي. وقد شرح هذا الكتاب الأمام أبو زكريا محي الدين النووي في كتابه المسمى (المجموع). المتوفى في 676هـ.
واعتاد الفقهاء في معرفة رأي المذهب أن يأخذوه من كتب أصحابه من بعده، وذلك لأن للشافعي في كثير من المسائل قولين: جديداً وقديماً، أو القولين جديدين، أو قديمين، وقد مَحَّصَ ذلك ودققه ورجح هذا القول أو ذاك أصحابه من بعده كما جاء في فصول المجموع المشار إليه.
وقد ورد في ص66 من المجموع شرح المهذب ج1 – دار الفكر – ما يلي:
(فصل: كل مسألة فيها قولان للشافعي رحمه الله قديم وجديد، فالجديد هو الصحيح وعليه العمل لأن القديم مرجوع عنه). باستثناء نحو عشرين مسألةً في العبادات ونحوها أوردوها.
والمعروف أن الشافعي عمل مذهبه الجديد في مصر، وتلامذته هناك أعرف به مثل الربيع والبويطي والمزني وبن عبد الحكم وحرملة …
وقد ورد في (المهذب) وفي شرحه (المجموع) عن الحُكْم بين أهل الذمة أُورِدُه لكم: (ص418 المجلد التاسع عشر قال المصنف رحمه الله: وإن تحاكم مشركان إلى حاكم المسلمين …: … وإن كانا ذميين نظرت فإن كانا على دين واحد ففيه قولان: أحدهما أن الحاكم بالخيار أن يحكم بينهما وبين أن لا يحكم لأنهما كافران فلا يلزمه الحكم بينهما كالمعاهدين وإن حكم بينهما لَم يلزمهما حكمه وإن دعا أحدهما ليحكم بينهما لَم يلزمه الحضور.
والقول الثاني إنه يلزمه الحكم بينهما وهو اختيار المزني لقوله تعالى: ﴿وأن احكم بينهم بما أنزل الله﴾ ولأنه يلزمه دفع ما قصد كل واحد منهما بغير حق فلزمه الحكم بينهما كالمسلمين.
وهذا يرجح أن رأي الشافعي الجديد، أي في مصر، هو الحُكْم بين أهل الذمة حسب أحكام الإسلام، لأنه اختيار المزني، صاحبه في مصر.
ثم يضيف المصنف رحمه الله أي أبو إسحق ص418، 419 (… وإن تحاكم إليه مسلم وذمي أو مسلم ومعاهد لزمه الحُكْم بينهما (بالإسلام) قولاً واحداً لأنه يلزمه دفع كل واحد منهما عن ظلم الآخر فلزمه الحكم بينهما ولا يحكم بينهما إلا بحكم الإسلام ﴿وأن احكم بينهم بما أنزل الله ﴾ …
من كل ذلك يتبين أن:
1 – الشافعي في الأم يوجب الحكم بالإسلام في المعاملة بين المسلم والذمي إذا كان لها تبعات كالمعاملات المالية ونحوها.
2 – تصنيف مذهبه من حيث القولان، والوجهان، والطريقان، والقديم في العراق والجديد في مصر قام به أصحابه وتلاميذه من بعده.
3 – في المهذب، وشرحه المجموع، اللذان هما من أشهر كتب المذهب الشافعي، اختار المزني صاحب الشافعي في مصر القول بوجوب الحُكْم بين أهل الذمة بأحكام الإسلام.
4 – صاحب المهذب الشيرازي وصاحب المجموع النووي يقولان إذا كانت القضية بين المسلم والذمي فالحُكْم بموجب الإسلام ولا بد.
والآن أيها الإخوة نسأل:
– أليس الراجح في مذهب الشافعي، بعد كل ما بيناه، أن أهل الذمة يجب أن يحكم بينهم بالإسلام؟ (إلا ما استثناه الإسلام لهم بنص صريح كشرب الخمر وأكل الخنزير وصلاتهم ونحوها).
– أليس من المتفق عليه في مذهب الشافعي (الأم) أن القضية بين المسلم والذمي إذا كان لها تبعة مالية أو نحوها يجب الحكم بالإسلام؟
– ثم أليس أية قضية بين مسلم وذمي كما جاء في المهذب والمجموع (المذهب الشافعي) أن الحكم بينهما بالإسلام؟
– أليس الخلاف فقط، في بعض أقوال مرجوحة في مذهب الشافعي، أن التخيير في بعض الحدود التي ليست لها تبعة مالية، وهذه أقوال مرجوحة في المذهب نفسه؟
والآن هل الاتفاقية أجازت بحال من الأحوال أن يُحْكَم في الجنوب بالإسلام؟ سواء أكانت القضية حدوداً لها تبعة مالية أم لا، وسواء أكانت القضية معاملاتٍ ماليةً أم لا، وسواء أكانت القضية بين مسلم وذمي أم لا؟
أليست الاتفاقية تفرض وجوباً عدم تحكيم الشرع في الجنوب؟ أليس هذا كافياً لتمييز الحق من الباطل والصواب من الخطأ؟
ثالثاً: إنكم لا شك تعلمون أن الأحكام الشرعية هي الحاكمة لتصرفات الإنسان وليس أن يتصرف كما يشاء ثم يُشرع في البحث عن إيجاد مبرر مهما كان ضعفه (لشرعنة) تصرفات الإنسان.
في جميع مراحل الاتفاقية والمفاوضات كان الدافع لها كلياً أمريكا، وجزئياً بريطانيا والإيغاد وبعض الدول الإفريقية الكافرة. وهي كأية مفاوضات تعقد برعاية أمريكا يكون المقصود والمطلوب من المفاوضين أن يحققوا رغبات أمريكا ومصالحها، وأمريكا يُهِمُّها إيجاد كيان كافر في جنوب السودان والاتفاقية كلها تؤدي إلى فصل الجنوب عن الشمال، عاجلاً أم آجلاً (في حكم العاجل) بناءً على استقراء نصوص الاتفاقية:
ألَم يقاسموا الثروة؟
ألَم يتقاسموا السلطة؟
ألَم يتقاسموا النفوذ في المناطق الأخرى من السودان؟ كبحر الغزال والنوبة وأبيي؟
ألَم يتقاسموا الصلاحيات والقرارات والعلاقات الخارجية؟
هل كان الإسلام معروضاً في المفاوضات؟ سواء أكان مذهب الشافعي أم مذهب المجتهدين الآخرين؟
ألَم يكن (جرنج) يتصرف في المفاوضات كرئيس دولة؟
إن الاتفاقية، أيها الإخوة، جرت وفق مصالح الكفر وأهله، وبخاصة أمريكا، وكنا نحب أن يكون موقفكم ضدها مباشرةً، أو أقل القليل، إن لَم تستطيعوا لاعتبارات نعلمها، فأن تأخذوا بأضعف الإيمان: أن تكرهوا بقلوبكم الكفر وأهله، ومن يواليهم من حكام المسلمين، ومن يرضى أن يقسم بلاد المسلمين شذر مذر، وأن يجعل سلطاناً للكفار في بلاد المسلمين.
وأخيراً وليس آخراً كنا نحب ولا زلنا نحب أن نكون وإياكم طرفاً واحداً في البحث عن الحق لنتبعه دون أن نخشى في الله لومة لائم.
وأما عن احتجاجكم على قول الناطق (… إن النظام في السودان لا يحكم بالشريعة) فلم نكن نحب أن تُنقَل هذه عنكم، فأنتم علماء السودان، لكم باع طويل في العلم، فهل يعقل أن لا تكونوا تعلمون أن النظام في السودان لا يحكم بالإسلام؟ وهل تظنونه خلافةً راشدةً؟ يغفر الله لنا ولكم.
على كل نرفق لكم (هديةً أخويةً) كتاب (نظام الحكم في الإسلام) وكتاب (النظام الاقتصادي في الإسلام) وفيهما بيان كافٍ متى يقال إن هذه الدولة تحكم بالإسلام أو لا تحكم. والأحكام فيهما مستنبطة من الأدلة الشرعية المعتبرة: الكتاب، السنة، إجماع الصحابة والقياس الذي علته شرعية.
إننا نكرر، أيها الإخوة، أننا لا نرسل لكم هذا التعقيب من منطلق أننا نتخاصم حول الحكم الشرعي، بل نحن وأنتم إخوة متحابون في الله ورسوله، لا نبغي إلا نوال رضوانه سبحانه، فيوفقنا إلى معرفة الحكم الشرعي الصحيح، والرأي الصواب لنتبعه، نحن وأنتم، وبذلك نكون عاملين معاً في صف واحد لاستئناف الحياة الإسلامية في الأرض بإعادة الخلافة الراشدة ليعز بها الإسلام والمسلمون، ويذل بها الكفر والكافرون، وينتشر الخير في ربوع العالم، ويدخل الناس في دين الله أفواجاً.
وفي الختام نقرئكم سلام الله ورحمته وبركاته ونسأل الله سبحانه أن يجمعنا معاً على صعيد واحد نحمل الخير بأيدينا، تهتف به ألسنتنا، وتطمئن به قلوبنا، ويكرمنا الله بتحقيق وعده سبحانه ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ ، وبتحقيق بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تكونُ النُّبُوَّةُ فيكمْ ما شاءَ اللّهُ أنْ تكون، ثمّ يرْفعُها اللّهُ إذا شاءَ أنْ يرْفَعَها. ثُمّ تكونُ خِلافةٌ على مِنهاج النبوَّة، فتكونُ ما شاءَ اللّهُ أنْ تكون، ثُمّ يرْفعُها إذا شاءَ أنْ يرفعَها. ثُمّ تكونُ مُلْكاً عاضّاً، فتكونُ ما شاءَ الله أنْ تكونَ، ثُمّ يرفعُها إذا شاءَ الله أنْ يرفعَها. ثُمّ تكونُ مُلْكاً جَبريَّةً، فتكونُ ما شاءَ الله أنْ تكونَ، ثُمّ يرفعُها إذا شاءَ أنْ يرفعَها. ثُمّ تكونُ خِلافةً على مِنهاج النُّبُوَّة».
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حزب التحرير
الأول من جمادى الأولى 1425هـ
الموافق 19/06/2004م
2004-07-10