مع القرآن الكريم: ﴿ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا ﴾
قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف].
ذكر ابن كثير، رحمه الله، في تفسيره: «يخبر الله تعالى عن قلة إيمان أهل القرى الذين أرسل فيهم الرسل، كقوله تعالى: ﴿فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس]، أي ما آمنت قرية بتمامها إلا قوم يونس فإنهم آمنوا، وذلك بعدما عاينوا العذاب، كما قال تعالى: فَآمَنُوا@﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [الصافات]… وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا﴾ أي آمنت قلوبهم بما جاء به الرسل، وصدقت به، واتبعوه، واتقوا بفعل الطاعات وترك المحرمات ﴿لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ أي قطر السماء ونبات الأرض، قال تعالى: ﴿وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ أي ولكن كذبوا رسلهم فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم».
ويذكر سيد قطب، رحمه الله، في ظلاله: «فلو أن أهل القرى آمنوا بدل التكذيب، واتقوا بدل الاستهتار، لفتح الله عليهم بركات من السماء والأرض… هكذا… ﴿ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ مفتوحة بلا حساب من فوقهم، ومن تحت أرجلهم. والتعبير القرآني بعمومه وشموله يلقي ظلال الفيض الغامر. الذي لا يتخصص بما يعهده البشر من الأرزاق والأقوات…
وأمام هذا النص… نقف أمام حقيقة من حقائق العقيدة، وحقائق البشرية الكونية سواء. وأمام عامل من العوامل المؤثرة في تاريخ الإنسان، تغفل عنه المذاهب الوضعية… كل الإغفال، بل تنكره كل الإنكار!
إن العقيدة الإيمانية في الله، وتقواه، ليست منعزلة عن واقع الحياة، وعن خط تاريخ الإنسان.
إن الإيمان بالله وتقواه، ليؤهلان لفيض من بركات السماء والأرض، وعداً من الله، ومن أوفى بعهده من الله؟
ونحن المؤمنين بالله، نتلقى هذا الوعد بقلب المؤمن، فنصدقه ابتداءً، لا نسأل عن علله وأسبابه، ولا نتردد لحظة في توقع مدلوله.. نحن نؤمن بالله -بالغيب- ونصدق بوعده بمقتضى هذا الإيمان. ثم ننظر إلى وعد الله نظرة التدبر -كما يأمرنا إيماننا كذلك- فنجد علته وسببه!
إن الإيمان بالله قوة دافعة دافقة، تجمع جوانب الكينونة البشرية كلها، وتتجه بها إلى وجهة واحدة، وتطلقها تستمد من قوة الله، وتعمل لتحقيق مشيئته في خلافة الأرض وعمارتها، وفي دفع الفساد والفتنة عنها، وفي ترقية الحياة ونمائها.. وهذه كذلك من مؤهلات النجاح في الحياة الواقعية.
والإيمان بالله تحرر من العبودية للهوى، ومن العبودية للعبيد. وما من شك أن الإنسان المتحرر بالعبودية لله أقدر على الخلافة في الأرض خلافة راشدة صاعدة، من العبيد للهوى، ولبعضهم البعض. وتقوى الله يقظة واعية تصون من الاندفاع، والتهور، والشطط، والغرور… وتوجه الجهد البشري في حذر وتحرج، فلا يعتدي، ولا يتهور، ولا يتجاوز حدود النشاط الصالح.